إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 4/3/2025

نهاية التاريخ لكن بصورة معاكسة: العدالة للخاسرين، الآن عصر القوة

بقلم: ألوف بن

مراسم الإهانة التي مرت على الرئيس الاوكراني في البيت الأبيض ذكرت بعلاقات السيادة في العالم القديم: الملك – التابع، الذي تم استدعاءه الى القيصر وقدم له هدية من الذهب والفضة مغلفة بكلمات التملق والتقدير مقابل رعايته وحمايته. زيلنسكي وقف امام دونالد ترامب من اجل أن يعطيه كهدية المناجم النادرة في دولته، لكنه فشل في امتحان السجود للسيد وتم طرده من القصر بشكل مهين.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تنبأ العالم الأمريكي فرنسيس فوكوياما بـ “نهاية التاريخ” في اعقاب ما ظهر كانتصار ساحق لا يمكن التراجع عنه للديمقراطية والليبرالية بحماية الولايات المتحدة. متأثر بانتهاء الحرب الباردة تنبأ فوكوياما بعالم مفتوح يسعى الى الحرية والازدهار، ولم ينجح في تخيل صعود الصين وعودة الديكتاتورية الى روسيا وتعزز الشعبوية الوطنية المتطرفة في أمريكا، الهند، تركيا وإسرائيل. الواقع في 2025 يختلف كثيرا عن المدينة الفاضلة التي تنبأ بها. 

اللقاء بين ترامب وزيلنسكي، الذي قامت فيه أمريكا بالتضحية باوكرانيا وتقديمها لفلادمير بوتين، حدد انعطافة جديدة: نهاية التاريخ، لكن بشكل معاكس. النظام الجديد في واشنطن مزق الغلاف الرقيق للاخلاق التنور الذي لف السياسة الداخلية والخارجية الامريكية، مهما كان منافق ومعيب، ووضع مكانه المبدأ الذي يقول بأن من لديه القوة هو السيد. إدارة الحكومة أعطيت لشخص ثري جدا، “اوليغركي”، العالم تم تقسيمه الى مناطق نفوذ للدول العظمى، ومن يقف في الطريق سيتم سحقه كما حدث لزيلنسكي البائس.

إسرائيل تتفاخر بأنها “الدولة العظمى الأقوى بين بنغلاديش وماراكش”، مثل اقوال اهود باراك القديمة، ولكن بمفاهيم عالمية هي قارب من الورق ينجرف مع التيار. اتفاقات أوسلو كانت نتيجة مباشرة لنهاية التاريخ السابق، وهو الثمن الذي دفعته إسرائيل من اجل قبولها في النظام الليبرالي برئاسة الرئيس بيل كلينتون. ولكن حتى عندما كانت في ذروة الشهرة الدولية فان العملية السلمية كانت أمر مثير للجدل بدرجة كبيرة في إسرائيل وتسببت بانقسام داخلي الامر الذي أدى الى اغتيال رئيس الوزراء.

روح العصر الحالية التي تهب من البيت الأبيض لترامب وفانس مقبولة في إسرائيل اكثر بكثير من أحلام السرور والاخوة لفوكياما وكلينتون. ومثل سادته الأمريكيين أيضا نتنياهو “يصارع ضد النخبة” من اجل إقامة نظام ديكتاتوري بدون كوابح وتوازن. بعد أن تنصل من المسؤولية عن كارثة 7 أكتوبر فان سياسته الخارجية تأخذ الالهام من نظرائه الديكتاتوريين – تدمير وترانسفير لسكان قطاع غزة، ضم وسلب في الضفة الغربية، احتلال منطقة نفوذ في سوريا. نتنياهو يحب التاريخ والجيوسياسية، وهو يشكل في نظره الشرق الأوسط من جديد كنسيج لدول تحت رعاية إسرائيل. امام هذه الخطط الكبيرة فان معاناة المخطوفين في غزة وأبناء عائلاتهم هي ضجيج خلفية في أذن رئيس الحكومة. من اجل تحقيق حلمه مثل الملك هورودوس في بلاط القيصر اوغوستوس فان نتنياهو يقوم باغداق جبال من التملق على ترامب مقابل رعايته، ولا ينسى تقبيل يد الازعر الثاني بوتين. بالنسبة لنتنياهو فان أفكار الحرية والعدالة والسلام لأنبياء التوراة تم تخصيصها للخاسرين مثل الفلسطينيين، السوريين وزيلنسكي. الآن هو زمن القوة، ونتنياهو هو نبيه المحلي، مثل من يدعي الأحقية بالعرش، نفتالي بينيت، المعجب المتحمس بالون ماسك ومنشاره.

لكن كما حدث لحلم فوكوياما فانه أيضا “نهاية التاريخ” الحالية سيكون لها تاريخ انتهاء صلاحية، بعد ذلك ستكون فرصة للزعيم الإسرائيلي الذي سيعود للتحدث عن الحرية والمساواة والاخوة.

—————————————-

يديعوت احرونوت 4/3/2025

معادلة جديدة طريق لاعمار غزة

بقلم: ليئور لوتان

في 6 حزيران 1982، مع بدء حملة سلامة الجليل، لاحقا حرب لبنان الأولى، اسقطت طائرة الطيار اهرون احيعاز فسقط في أسر م.ت.ف في بيروت. في اثناء الحرب أقام الجيش الإسرائيلي حصارا على بيروت تضمن قطع الكهرباء، الماء والمؤن، هجمات متواصلة بل واحتلال المطار ومناطق أخرى في المدينة. بعد سبعة أسابيع من الحصار والضغط العسكري الشديد، تحقق اتفاق دولي لاجلاء الاف رجال م.ت.ف من بيروت ولبنان عبر البر والبحر. كجزء من الاتفاق ضمنت الولايات المتحدة الخروج بسلام لعرفات ورجاله، لكن الجيش الإسرائيلي نقل رسالة بانه لن يكون بوسعه أن يضمن سلامة رجال م.ت.ف المنسحبين دون تحرير الطيار الأسير. بفضل ذلك، ولجودة الوساطة الامريكية، تحرر احيعاز وأسير إسرائيلي آخر، سقط في الاسر قبل بضعة أيام من ذلك بلا مقابل في آب 1982. الان، مع نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق مع حماس، يتبين أن الماضي يكرر نفسه – والاحتمال لاعادة المخطوفين من غزة متعلق اكثر بكثير من المحور السياسي الذي بين إسرائيل والولايات المتحدة مما في المجال العسكري الذي بين إسرائيل وحماس. 

الشرك مكشوف وواضح، الهدفان اللذان وضعتهما إسرائيل للحرب تفكيك حماس وإعادة المخطوفين – لا يمكنهما أن يتحققا بكاملهما بالتوازي، بل فقط بترتيب معين. هكذا، يوجد امام إسرائيل والولايات المتحدة الان ثلاث استراتيجيات بديلة لمواصلة الجهد لاعادة المخطوفين، وكلها مفعمة بالخطر للمخطوفين ولا تمثل أي منها إمكانية واضحة للتقدم. الاستراتيجية الأولى هي “الربط الى الوراء” – استمرار المرحلة الأولى بدفعات تحرير لمخطوفين قلائل وبالتوازي مواصلة المفاوضات على شروط المرحلتين الثانية والثالثة، اللتين اساسهما هو إعادة كل المخطوفين وانهاء الحرب. الميزة واضحة: انقاذ عدد آخر من المخطوفين في منحى سبق ان نفذه الطرفان بنجاح، بدون الاثمان الاستراتيجية والسياسية لانهاء الحرب. النقيصة هي ان هذه الاستراتيجية لا تبلور خطة وجدولا زمنيا محددين لاعادة كل المخطوفين.

الاستراتيجية الثانية هي “قطع داخلي” – قطع عن منحى الاتفاق القائم وبدء مفاوضات على منحى جديد يعاد فيه كل المخطوفين دفعة واحدة. الميزة، اذا ما نجحت الخطوة، هي أن كل المخطوفين سيعودون في مدى زمني قصير لكن بالمقابل سيتطلب الامر زمنا طويلا لتحقيق اتفاق جديد، واضافة الى اتفاق لانهاء الحرب في وضع لا تزال فيه حماس منظمة ذات تأثير في غزة ليس مقبولا من الحكم في إسرائيل. 

الاستراتيجية الثالثة هي “خلق أزمة” – من خلال استئناف المعركة العسكرية او عبر رفض مواصلة المفاوضات بالشروط الحالية. هكذا فان الانشغال بمعضلة وبثمن الاتفاق سيتأجل حتى تغيير الشروط الذي يؤدي الى استسلام كامل لحماس، لكن معظم المخطوفين اغلب الظن لن ينجوا. 

الاتفاق الذي تحقق في بيروت ودور الولايات المتحدة في تحقيقه يرفع استراتيجية رابعة، استراتيجية “التفاف ذاتي”، أساسها التفاف على صدام المصالح بالنسبة لانهاء الحرب وبلورة معادلة مصالح جديدة كأساس لتسوية جديدة. المعادلة الجديدة المقترحة هي تغيير موضوع البحث من تسوية انهاء الحرب – الى تسوية اعمار قطاع غزة. الرافعة ستتم من خلال عرض أربعة شروط لبدء الاعمار، لا تطرحها إسرائيل بل الدول المعمرة. الشرط الأول – الاعمار لن يبدأ الا بعد خروج المخطوف الإسرائيلي الأخير. الشرط الثاني – إسرائيل تخرج من المنطقة المخصصة للاعمار قبل بدئه وزعماء حماس يتركوها الى الابد في مصالح مستقبل القطاع دون أن يعتبر الامر استسلاما لاملاء إسرائيلي. الشرط الثالث – الدول المعمرة تشكل “مجلس المدراء” الذي يؤثر في فترة الاعمار على كل حكم مستقبلي في المنطقة ويكون منسقا مع إسرائيل. الشرط الرابع – لا يعلن وقف نار رسمي بل تنطبق بحكم الامر الواقع الشروط التي تنطبق في المنطقة. 

من اجل تنفيذ هذه الاستراتيجية مقترح تغيير نهج المفاوضات الإسرائيلي، والانتقال من مفاوضات سرية بين إسرائيل وحماس من خلال دول وسيطة، عنوانها الشروط لاعادة المخطوفين الإسرائيليين – الى بحث علني بمشاركة كل الدول التي ستشارك في اعمار قطاع غزة ودول أخرى ذات مصلحة، عنوانه الشروط لبدء اعمار قطاع غزة. بحث كهذا يمكن أن يجرى حتى في مؤتمر يدعى اليه فورا للموضوع. 

المبعوث الأمريكي ويتكوف مجرب ومقدر. على رأس الفريق الإسرائيلي المفاوض الجديد يقف صاحب تجربة سياسية الامريكية هي لغة امه. “لهذا الزمن أُعددتم للمُلك – والان عليهم أن يثبتوا انه يمكنهم أن يحققوا في غزة 2025 ما لا يقل عما تحقق في بيروت 1982.

——————————————

هآرتس 4/3/2025

في توقيت حساس جدا، الفيل الإسرائيلي يهدد الجمهور الدرزي في سوريا

بقلم: تسفي برئيل

تصريحات بنيامين نتنياهو ويسرائيل كاتس في يوم السبت الماضي أثارت ضجة سياسية وإعلامية كبيرة عندما قاما بأمر جيش الدفاع الإسرائيلي بالاستعداد عن الدفاع عن مدينة جرمانا قرب دمشق، التي ينتمي معظم سكانها للطائفة الدرزية. حسب ما نشرت مراسلة صحيفة “هآرتس” شيرين فلاح صعب أمس، فقد تفاعل سكان المدينة والناشطون الدروز مع هذه التصريحات باستغراب وغضب. “نحن نعارض أن يصبح الوضع الحالي سبب للتدخل الخارجي، سواء من إسرائيل أو أي طرف آخر”. الصحيفة نقلت أيضا عن احد السكان، نور الدين، قوله: “هذه مسألة داخلية ويجب أن تبقى كذلك”. وهو ليس الوحيد الذي يقول ذلك.

النفوس اشتعلت ليس فقط في جرمانا، التي جرت فيها في الأسبوع الماضي مواجهات بين المليشيات المحلية وقوات الامن التابعة للنظام الجديد في سوريا. أيضا في السويداء، المحافظة التي يتركز فيها معظم السكان الدروز في سوريا، والتي يعيش فيها الزعماء الروحانيين للطائفة، كانت هناك ردود شديدة. “نحن نرفض أي محاولة لقوات اجنبية تريد أن تفرض علينا أجندتها. نحن أبناء الجنوب (السوري) كنا وما نزال جزء من النسيج السوري الوطني، والدفاع عن مجتمعنا وارضنا هو مسؤوليتنا الوطنية. نحن لن نقبل أي تهديد يأتي من الخارج تحت أي مبرر”، اعلن الشيخ ليث بلعوص، ابن الزعيم الروحي الدرزي وحيد بلعوص، الذي قتل في العام 2015، كما يبدو على يد عملاء لنظام الأسد. وحيد بلعوص قام بتاسيس مليشيا درزية كبيرة باسم “رجال الشرف”.

ما تم تفسيره بأنه تدخل صارخ وغير مرغوب فيه من قبل إسرائيل في شؤون الطائفة الدرزية في سوريا، جاء في فترة حساسة بشكل خاص، التي فيها النظام السوري برئاسة احمد الشرع يبذل جهود كبيرة من اجل بلورة الجيش السوري الوطني الجديد. المعنى هو تفكيك عشرات المليشيات المسلحة التي تعمل في الدولة، ومن بينها المليشيات الدرزية، ودمجها في صفوف الجيش المستقبلي. لتحقيق هذه الطموحات فانه تقف امام الشرع بؤر قوة محلية قوية، بؤرة الاكراد في شمال الدولة وبؤرة الدروز في جنوب الدولة. ولكن عندما يتحدثون في إسرائيل بشكل اجمال ومضلل عن “الدروز” أو “الاكراد” فانه تحت الأرض وفوقها تحدث صراعات قوة داخلية داخل هذه الأقليات حول الطريقة التي يجدر التعامل فيها مع النظام السوري.

في كل ما يتعلق بالدروز يكفي فحص العدد الكبير للمليشيات الدرزية في السويداء، وحقيقة أن الطائفة الدرزية تتم ادارتها بشكل تقليدي من قبل ثلاثة زعماء روحانيين – سلالة زعامتهم بدأت في الفترة العثمانية وهم ليسوا دائما يتحدثون بصوت واحد – كي ندرك بأن الامر لا يتعلق بقيادة واحدة، تمثل سياسة متبلورة ومتفق عليها. التاريخ غير البعيد يوفر لنا الكثير من الأمثلة عن الخلافات في الطائفة، سواء فيما يتعلق بالنظام القديم والنظام الجديد في سوريا أو فيما يتعلق بإسرائيل.

عندما في العام 2015 مثلا وصلت تبرعات مالية كبيرة من الدروز في إسرائيل لقيادة الطائفة في السويداء، الشيخ وحيد بلعوص شكرهم جدا على هذه التبرعات. ولكنه سارع وأوضح بأن “إسرائيل هي عدوة العرب، وعدو العرب هو أيضا عدو لنا”. هذه التبرعات بالمناسبة استخدمت لشراء السلاح الذي استهدف الدفاع عن منطقة السويداء من هجمات مقاتلي جبهة النصرة، المنظمة الأم لاحمد الشرع، التي اصبحت بعد ذلك “هيئة تحرير الشام”، التي في كانون الأول الماضي قامت باسقاط نظام الأسد. هذه لم تكن المواجهة الدموية الوحيدة بين الدروز ومقاتلي الشرع. مواجهات دموية أخرى كانت في مدينة ادلب، المعقل الرئيسي للمتمردين بعد انسحابهم من محافظات الأخرى، التي انطلق منها الهجوم على نظام الأسد في كانون الأول الماضي.

في نفس السنة، 2015، حدثت مواجهات عنيفة في قرية قلب اللوزة في محافظة ادلب بين قوات جبهة النصرة والدروز سكان جبل السماق. 23 درزي قتلوا في هذه المواجهات التي حدثت على خلفية طلب أحد مقاتلي جبهة النصرة تجريد أحد الدروز من ممتلكاته بذريعة أنه يخدم في الجيش السوري. هذا كان طلب خرق التفاهمات التي تم التوقيع عليها بين الدروز في قلب اللوزة وبين جبهة النصرة، التي احتلت منطقة مدينة ادلب في بداية السنة. حسب هذه التفاهمات “وافق” الدروز على تبني الإسلام السني والتخلي عن الدرزية وتطبيق الشريعة الإسلامية في القرية. لذلك، من سيعارض هذه التفاهمات سيتم تقديمه لمحاكمة دينية، وفي المقابل سيحصل الدروز على الحماية وسيعتبرون جزء لا يتجزأ من السكان الموالين للجبهة. 

ابحار حذر

في نفس الوقت الإخلاص لنظام الأسد الذي كان يمكن أن يحمي الطائفة من هجمات المتمردين كان محل امتحان إزاء عجز الأسد، الذي بالفعل تخلى عن أبناء الطائفة ورفض توفير لهم السلاح الثقيل للدفاع عن انفسهم، وفي نفس الوقت طلب منهم ارسال ابناءهم الى الجيش السوري. الدروز في معظمهم رفضوا التعاون مع الأسد في حربه ضد المتمردين، لكن هنا أيضا حدث خلاف بين زعيمين روحيين، الشيخ بلعوص عارض التعاون مع الأسد، في حين أن الشيخ حسين الجربوع شجع على التجند للجيش السوري. وعندما توفي الجربوع في 2012 قال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط “أنا لا أنوي أن اذرف أي دمعة على من قام حتى يومه الأخير بتأييد النظام الذي ذبح أبناء شعبه، ووزع السلاح على شبيحة النظام”. ابن الجربوع يوسف ورث مكان والده وهو اليوم أيضا قائد أحد المليشيات الدرزية الكبيرة في السويداء.

الندب التي تركتها المواجهات بين قيادة الدروز وبين نظام الأسد من جهة، ورجال جبهة النصرة التابعة للشرع من جهة أخرى، بعيدة عن الالتئام. وهي الآن تؤثر على الأسلوب الذي ستحاول فيه قيادة الدروز في سوريا شق الطريق نحو النظام الجديد. الخلاف الأساسي في داخل الطائفة يتعلق بنزع سلاح المليشيات. قبل فترة قصيرة اصدر الشيخ حكمت الهاجري، وهو الزعيم الروحي الذي يعتبر صاحب التأثير الأكبر، فتوى تقول بأنه يمكن التحدث عن نزع السلاح وتسليمه للنظام فقط عندما سيتم تأسيس جيش سوري وطني جديد وتتم صياغة دستور جديد. في المقابل، بعض رؤساء المليشيات الكبيرة في السويداء قالوا بأنه في كل الحالات يجب عدم نزع السلاح. هم يستندون الى التجربة التاريخية الصعبة للدروز في سوريا، ويتغذون على الشكوك والتخوفات الثقيلة من الرئيس الجديد، الذي قبل بضع سنوات فقط شن نضال دموي ضد أبناء الطائفة. مع ذلك هم لا يرغبون في أن يظهروا كمن يستعينون بقوات اجنبية، ناهيك عن أن تكون إسرائيلية، كي يبنوا لانفسهم سور واقي امام نوايا النظام.

مثلما تصرف الدروز في فترة الأسد، أيضا الآن يجب عليهم السير في حقل الغام، لأن الامر لا يتعلق فقط في مسألة السلاح واستمرار عمل المليشيات الدرزية المسلحة، التي تواجه أيضا عشرات المليشيات “الخاصة”، وعصابات جريمة ازدهرت في منطقة السويداء ودرعا في عهد الأسد، ومنذ سقوطه ازداد نشاطها. الدروز مثل الاكراد يطمحون الى حكم ذاتي ثقافي والحفاظ على الإدارة المحلية التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال. حتى الآن من غير المعروف اين هي وجهة الشرع، وما هو نوع الدولة التي ينوي اقامتها. في هذا الوضع الخوف، ليس فقط خوف الدروز بل خوف معظم المواطنين في سوريا وحتى حلفاء الرئيس الجديد، هو أن تصبح سوريا دورة شريعة متعصبة. امام هذا الخوف فان ضرورة الحفاظ على التميز الديني والطائفي، وحماية أبناء الطائفة بدون التدهور الى مواجهات مسلحة وعنيفة مع النظام تجبر قيادة الطائفة على شق الطريق بحذر، لا سيما الآن، لأن النظام بدأ في عملية صياغة الدستور الذي سيشكل طابع الدولة ومكانة الأقليات الدينية والعرقية فيها. التدخل الفظ والمتغطرس والمهدد لإسرائيل، التي تطرح نفسها كراعية الطائفة الدرزية في سوريا، هو آخر شيء تحتاجه الطائفة.

——————————————

يديعوت احرونوت 4/3/2025

يريدون الاعمار، ومن سيمول؟

بقلم: سمدار بيري

كل شيء جاهز للقمة العربية التي ستنعقد في القاهرة هذا المساء، في ذروة شهر رمضان. 22 رئيس دولة أو ممثليهم الكبار يجتمعون لحدث سيعنى بمستقبل قطاع غزة. مصر هي التي اعدت الخطة لاعمار القطاع وأجرت بحثا مغلقا عنه في قمة مصغرة عقدت في الرياض قبل عشرة أيام بمشاركة السعودية، امارات الخليج، الأردن ومصر.

فصيل الخطة تبقى سرية حتى كشفها في الجلسة الختامية للقمة، لكن أسسها وصلت الينا من مصدر مصري رفيع المستوى. النية هي لتشغيل سكان القطاع في اعماره. فهم الذين سيعدون بناء بين 80 الى 90 في المئة من المباني المدمرة: مباني سكنية، مستشفيات وعيادات، محلات تجارية، مدارس، جامعتين وغيرها. هم سيشقون الطرق وسيستخدمون انقاض المباني المدمرة لاعادة بناء العمارات. بالمقابل، حماس مطالبة بان تقدم تعهدا بان رجالها لن يحملوا السلاح ولا ان يشغلوا حتى وظائف الشرطة. فهل هذا سيصمد؟ ليس مؤكدا على الاطلاق. يوجد حد لمدى نفوذ مصر وباقي الدول العربية على منظمات الإرهاب في القطاع. 

مع كل النوايا الطيبة لاعادة بناء دمار غزة، ليس واضحا من أين ستأتي الأموال. فالحديث يدور عما لا يقل عن 50 مليار دولار فقط لاجل الانطلاق على الدرب. ويفترض بالخطة ان تمتد في افضل الأحوال الى 3 – 5 سنوات. في المرحلة الأولى ستقام هناك شقق سكنية مؤقتة وستجلب الاف الكرفانات لسكان القطاع. في المرحلة الثانية سيبدأون بإقامة مبان سكنية متعددة الطوابق وسيرممون المستشفيات، مؤسسات التعليم والمحلات التجارية التي تضررت ولكنها لم تدمر. في المرحلة الأخيرة سيبدأون بإعادة إقامة كل ما دمر تماما. حسب الخطة المصرية سيكون القطاع مختلفا تماما عما كان في الماضي، افضل واكثر حداثة. 

السؤال الصعب، مما أسلفنا، هو من اين ستأتي عشرات مليارات الدولارات. امارات الخليج والسعودية اخذت على نفسها قسما هاما من الاعمار لكنها لم تعد بتمويل كامل. فكم سيكون الاتحاد الأوروبي مستعدا لان يستثمر في المشروع؟ وماذا عن الولايات المتحدة؟ سؤال صعب. 

توجد في الخطة ثغرات كبيرة حتى اكبر من هذه. فقد تجاهل المصريون برقة كل ما يتعلق بإسرائيل وكيف سترد. كما لم يتناولوا مسألة أساسية يوجد فيها لإسرائيل رأي متماسك: من سيحكم القطاع في اليوم التالي. أبو مازن يتعرض مؤخرا لنقد علني على كونه “حاكم المقاطعة فقط”. وهو يواصل الرفض لادخال قوات السلطة الفلسطينية الى غزة ويبدو اكثر فأكثر غير ذي صلة، ليس بالضبط الشخص الذي يمكنه أن يفرض النظام في الفوضى. 

كما يوجد أيضا أولئك الذين لا يأتون الى القمة. رئيس الجزائر، عبد المجيد تبون، الذي وافق على أن يستوعب عشرة الاف من سكان القطاع “بشكل مؤقت” أعلن بانه لن يأتي. والسبب: تبون يتحاسب مع الرئيس السيسي على أنه لم يشركه في اعداد الخطة. كما أن حاكم الكويت سيتغيب. من بين أولئك الذين سيأتون، الحاكم اكثر إثارة للفضول هو الرئيس السوري احمد الشرع. حتى الان لم يلتقِ الا مع ولي العهد السعودي ومع ملك الأردن. اما اليوم فستكون الفرصة أيضا للاخرين لان يكونوا في صحبته. 

وتوجد نقطة أخرى محظور نسيانها: اذا ما حظيت غزة بالاعمار فعلى الفور سيأتي دور لبنان للمطالبة بمعاملة مشابهة. فليست مناطق الجنوب فقط بحاجة الى إعادة البناء. المقاطعة أيضا والضاحية – معقل حزب الله المدمر، بل وحتى أجزاء في منطقة البقاع الذي تضرر بقصف سلاح الجو. وليس لاحد أي فكرة من أين سيأتي المال.

——————————————-

معاريف 4/3/2025 

فرص ميرتس للتغلب على تأثير المتطرفين ومواصلة العلاقات بين المانيا وإسرائيل

بقلم: زلمان شوفال

هل نتائج الانتخابات في المانيا الأسبوع الماضي هي مؤشر على ما سيأتي؟ هذا سؤال اشغل بال المحللين في العالم ولأسباب مفهومة، في إسرائيل. أحزاب الوسط، الديمقراطية – المسيحية من اليمين والاشتراكية الديمقراطية من اليسار، إضافة الى الخُضر الذين بخلاف اسمهم يبدلون لونهم أحيانا، وان كانوا لا يزالون يشكلون الكتلة ذات الأغلبية، لكن قوتهم وبخاصة قوة الاشتراكي الديمقراطي تقلصت. حزب وسط آخر، هو الديمقراطيون الاحرار، شطب تماما. 

ليس مثلما في حملات الانتخابات في الماضي، عندما كان الحزبان الوسطيان يتقاسمان الأصوات فيما بينهما، انتقلت هذه المرة أصوات كثيرة الى الأطراف: في الجانب اليساري الى دي لينكا، التي جزء من جذورها في الحزب الشيوعي في المانيا الشرقية، وفي الجانب اليميني الى “البديل لألمانيا” الذي وصل الى المكان الثاني بعد الديمقراطيين المسيحيين. حتى لو كان لا مجال لتعريف البديل لألمانيا حزبا نازيا جديدا، فان مناهج ذات طابع نازي جديد تعطي مؤشراتها في الكثيرين من زعمائه ومواقفه. بخلاف معظم الأحزاب في البوندستاغ، فهو ليس وديا لإسرائيل وعارض، مثلا، توريد وسائل قتالية لإسرائيل بعد 7 أكتوبر. 

إسرائيل ليست انتقائية على نحو خاص في علاقاتها مع الدول والأحزاب الأخرى، وعن حق، لكن عليها وعلى كل من يدعي الحديث باسمها ان يخط خطا أحمر امام جهات سياسية مناهضة لإسرائيل ولاسامية، ومن هذه الناحية فان “البديل لألمانيا” مرفوض. صحيح أنه لن يكون شريكا في الحكم لكن تاريخ المانيا علمنا بان حتى الحزب الذي لا يملك الأغلبية يمكنه أن يصل الى الحكم بطرق ديمقراطية. التحدي الأساس امام فريدريخ ميرتس، المستشار القادم، وامام كتلة الأحزاب من خلفه هو منع وضع يكرر التاريخ فيه نفسه. 

الالمان غاضبون على أن بلادهم تحولت من قوة عظمى اقتصادية الى دولة مع نمو سلبي، إنجازاتها الصناعية التي كانت موضع حسد العالم آخذة في التقزم أمام الصين، والتي منظومتها البنكية مليئة بالثغرات، وان سياسة مغلوطة في مجال الطاقة جعلتها متعلقة اكثر بأكثر بتوريد الغاز من روسيا وان مكانتها العليا في العالم تهتز في عهد ترامب. لكن فوق كل شيء نتائج الانتخابات املاها موضوع المهاجرين. مثلما رأينا في الولايات المتحدة، فان المانيا ليست الدولة الغربية الوحيدة التي اصبح فيها الغضب الجماهيري على حجوم الهجرة حيال تجاهل النخب الحاكمة، عاملا سياسيا هاما. الجمهور في المانيا يتوقع إذن من المستشار الجديد ان يحقق أفكار البديل لألمانيا لكن بدون البديل لألمانيا – على نحو يشبه، بالمناسبة، إسرائيل، التي غير قليل فيها يشاركون على ما يبدو في اراء عظمة يهودية، يكنهم يتعاطون مع هذا الحزب ومع رئيسه كمنبوذين. 

ما يحرك هؤلاء المصوتين في المانيا هو ليس بالذات العنصرية لذاتها بل رغبة مفهومة للحفاظ على ثقافتهم ونمط حياتهم في وجه جموع مهاجرين يتحدون ذلك، وفي السنوات الأخيرة بعنف اكثر فأكثر. في هذه الاثناء، كما أسلفنا، الوسط السياسي لا يزال يحكم في المانيا، ومعظم سكانها لا يشتاقون لعهد النازية وللحرب التي جلبتها. لكن الأمور يمكن أن تتغير بسرعة، واساسا حين يكون فهم الأجيال التي ولدت ما بعد الحرب لتاريخ ميلادهم عليلا.  إضافة الى ذلك، في المانيا، مثلما في باقي دول الغرب، يوجد تحفظ عال، ولا سيما بين الشباب، على الفهم بان الديمقراطية قادرة على أن توفر حلولا للمشاكل. كنتيجة لذلك تتعزز الميول الشعبوية في الجمهور. فريدريخ ميرتس هو مؤيد ثابت لإسرائيل، وهكذا أيضا معسكره السياسي، بما في ذلك الجناح البفاري الأكثر يمينية. ينبغي الامل في أن يجد هذا الموقف تعبيره أيضا في موقف الاتحاد الأوروبي من إسرائيل.

دافيد بن غوريون الذي بخلاف معارضيه فهم في حينه الأهمية الكبرى لألمانيا الجديدة بالنسبة لإسرائيل – سياسيا، اقتصاديا وامنيا – عمل بشكل فاعل على تثبيت العلاقات معها. مناحم بيغن هو الاخر، الذي قبل وقت غير بعيد من ذلك وقف في رأس المظاهرات ضد العلاقات مع المانيا، سار في اعقاب بن غوريون ما أن اصبح رئيس الوزراء. فمنذ ليلة النصر في انتخابات 1977 توجه اليّ كي اعمل دبلوماسيا واعلاميا على تغيير النظرة في العالم وفي المانيا نفسها بان حكومة برئاسة الليكود من شأنها أن تقطع علاقاتها مع المانيا أو أن تبردها على الأقل. ومنذ الغداة ظهر في “فرانكفورتر الجماينة” الصحيفة الرائدة في المانيا، مقالا رئيسا اعلن بان ناطقا مخولا بلسان الحكومة الجديدة في إسرائيل افاد باان ليس فقط هذه المخاوف بلا أساس بل ان الحكومة ستعمل حتى على تعزيز العلاقات، وهذا ما كان. 

المانيا هي اليوم السند السياسي الأهم لإسرائيل بعد الولايات المتحدة لكن ليس في هذا ما يكفي لشطب ذنبها التاريخي تجاه الشعب اليهودي. فرص فريدريخ ميرتس وحكومته للتغلب على التأثير السام لليمين واليسار المتطرفين هي أيضا الوعد لمواصلة العلاقات الجيدة بين المانيا وإسرائيل.

——————————————-

هآرتس 4/3/2025

تحقيقات الجيش تكشف: ما تبين كان مجرد مقدمة للصورة الكاملة

بقلم: عاموس هرئيلِ

بعد اجمال التحقيقات في المواضيع العامة للجيش الإسرائيلي حول الإخفاقات التي مكنت من حدوث المذبحة في غلاف غزة في7 أكتوبر، يتم الآن نشر تحقيقات المعارك واحدة تلو الأخرى. الضباط الكبار الذين حققوا في 40 ساحة قتال منفصلة تقريبا يعرضون كل يوم تقاريرهم الطويلة على التجمعات التي تضررت. على الفور بعد ذلك يتم عرض هذه الأمور أيضا على وسائل الاعلام. أمس (الاثنين) نشرت التحقيقات عن المعارك في كيبوتس كفار عزة وفي موقع ناحل عوز. في الأيام القريبة القادمة يتوقع نشر التقارير عن نير عوز، كيبوتس ناحل عوز ونتيف هعسرة. أيضا عندما كان يمكن الاعتقاد أننا سمعنا وشاهدنا كل شيء فان الكمية الجديدة من التفاصيل ممتعة وتبعث على الغليان. هي أيضا تلون الكارثة الكبيرة في تاريخ الدولة بألوان أخرى مختلفة من الأسود الحالك.

كل تحقيق من التحقيقات التي اجراها ضباط في الاحتياط في الخدمة النظامية، برتب تتراوح بين جنرال وعقيد، يتضمن رسم بياني صغير يحكي كل القصة. هذا الرسم يعرض عدد المسلحين في الطرفين، على مدى الساعات وفي كل معركة – جنود الجيش الإسرائيلي (فقط المقاتلون المسلحون) ورجال فرق الطوارئ وامامهم عدد المخربين المهاجمين. في كل الرسوم البيانية يظهر ما يشبه حركة المقص: دائما تقريبا، في البداية عدد المهاجمين مرتفع وهو اكبر بكثير من عدد المدافعين. القوة المدافعة تتقلص خلال ساعة – ساعتين لأنها تتكبد خسارة كبيرة. بعد ذلك يستكمل المخربون حملة القتل والاختطاف، وعلى الاغلب يغادرون المكان. في هذه المرحلة يأتي الى موقع القتل قوة عسكرية كبيرة وتبدأ في البحث عن المخربين الذين بقوا وإنقاذ الإسرائيليين الذين بقوا على قيد الحياة. 

عدد القوات في كفار عزة كان الأكبر في غير صالح الطرف الإسرائيلي: في الساعات الأولى كان يدافع عنها 14 شخص من فرق الطوارئ، جميعهم من سكان الكيبوتس، وامامهم كان 250 مخرب. 7 من أعضاء فرق الطوارئ، أي النصف، قتلوا. في كفار عزة نفسها لم يكن في الساعات الأولى أي جندي يقوم بمهمته. الجيش الإسرائيلي اخرج قبل عقد تقريبا المواقع على مستوى السرية من داخل البلدات، ونقل القوات الى مواقع اكبر للجيش قريبة. ولكن هذه المواقع كانت تتعرض هي نفسها للهجوم، وفي الساعات الأولى وجدوا صعوبة في المساعدة في الدفاع عن البلدات التي هي مهمتهم الأساسية. في الواقع كان في كفار عزة جندي واحد، وهو أحد سكان الكيبوتس، العميد يسرائيل شومر. وهو قائد فرقة احتياط في قيادة الجبهة الشمالية (ضابط تميز خلال الحرب)، ذهب في حينه الى إجازة في البيت، على بعد 2 كم عن الحدود مع القطاع بدون السلاح الشخصي. في بداية الهجوم لنخبة حماس خرج من البيت للقتال وهو يحمل سكين مطبخ، بعد ذلك تزود بسلاح أخذه من أحد المصابين في المعركة. 

في الليل، في المقابل، كان في الكيبوتس ومحيطه تقريبا ألف جندي، بينهم قادة كبار وطواقم من وحدات خاصة، لكن كانت الفوضى كبيرة: القادة وجدوا صعوبة في تشخيص مكان العدو الذي ما زال موجود في الكيبوتس وفهم طبيعة نشاطه. بعض الوحدات احتاجت وقت طويل الى أن اشتبكت مع المخربين، وكان ضباط صغار انتظروا خارج الكيبوتس في انتظار أوامر مفصلة. في الوقت الذي كان فيه المواطنون ما زالوا يذبحون في عدد من الأماكن داخل الكيبوتس.

الصورة في معسكر ناحل عوز القريب لم تكن افضل. هناك كانت توجد قوة كبيرة، حوالي 90 شخص يحملون السلاح، معظمهم من الكتيبة 13 في لواء غولاني، لكن استعداد الدفاع لم يكن افضل. من تحقيق الجيش الإسرائيلي يتبين أن حماس لاحظت أن المعسكر هو مركز ثقل حيوي في منظومة الجيش الاسرائيلي، وأيضا نقطة ضعف قابلة للمس بها. حماس تدربت خلال سنوات على احتلال الموقع وحتى أنها بنت نموذج مصغر لناحل عوز من اجل اعداد رجالها لهذه المهمة.

في تحليل الهجوم خصص المخططون من الذراع العسكري لانفسهم ربع ساعة بين اجتياز العائق في الجدار وحتى الوصول الى السور العالي حول المعسكر. وقد التزموا بالخطة، والمعسكر الذي كان السور المحيط به عدة ثغرات معروفة سمحت باختراقه بشكل سهل نسبيا انهار امام الهجوم. في الدقائق الأولى تم اطلاق نحو الغلاف بشكل عام ونحن المعسكرات بشكل خاص مئات الصواريخ والقذائف المضادة للدروع، وهذا الهجوم فاقم الشلل الذي عانت منه القوات المدافعة. الكثير من الجنود دخلوا الى مواقع الدفاع وفقا للتعليمات، ولم يكونوا يدركون الخطر القادم من الغرب. بشكل عام لا يمكن التملص من الانطباع المتراكم، من تحقيق الى آخر، بأنه على طول الحدود مع القطاع سادت أجواء روتينية لامبالية جدا، تجاهلت تقريبا الخطر الكامن على بعد مئات الأمتار.

ما نجحت حماس في فعله في 7 أكتوبر هو مفاجأة أساسية – هجوم منسق على كفار عزة وناحل عوز وعشرات البلدات والمعسكرات الأخرى، بدون أن يتم ارسال انذار استخباري الى القوات في الميدان. في مستويات أخرى، من هيئة الأركان وحتى اللواء القطري، كانوا يعلمون عن إشارات مقلقة ولكنهم لم يتعاملوا معها بجدية ولم يرسلوا المعلومات الى الكتائب والسرايا.

المفاجأة الرئيسية نزلت على الوحدات وهي في موقع ضعيف بشكل لا يتخيل: استعداد متدني، أهلية متوسطة، وسائل قتالية ناقصة (تقريبا أي قوة لم تكن مزودة بمخزون كاف من القنابل اليدوية، ناهيك عن الصواريخ المضادة للدروع أو عدد كاف من البنادق). التحليل العملياتي لحماس كان دقيق بما فيه الكفاية لتحديد كل خطوط التعزيز للقطاع الذي سيهاجم، ونشر كمائن في الأماكن الحساسة، بصورة تعيق قدوم قوات المساعدة. الى أن وصلت قوات التعزيز الى البلدات القريبة من الحدود واستعدت لقتال منظم، كان الوقت متأخر جدا. هذا حدث ليس فقط في نير عوز، النموذج الأكثر وضوحا من بينها. ربما فوق كل ذلك القوات لم يتم اعدادها لسيناريو انقضاض 5 آلاف مخرب على 100 ثغرة، نسبة 1: 7 وربما أكثر من ذلك بين المهاجمين والمدافعين. عندما تحطم ذلك امام انظارهم القادة وجدوا صعوبة في تخيل أن الأسوأ سيأتي في القريب. منظومات القيادة والسيطرة تشوشت بالكامل. كل المحققين اتفقوا على أن فرقة غزة تمت هزيمتها بالفعل خلال ساعة – ساعتين منذ بداية الهجوم في الساعة 6:29 صباحا. 

قصص المعارك تتشابك مع عروض مدهشة من الشجاعة، سواء من المدافعين الذين تفاجأوا أو من ناحية التعزيزات التي جاءت فيما بعد – الكثير منها كان من المتطوعين الذين غادروا بيوتهم بشكل فردي لمساعدة التجمعات التي تعرضت للهجوم بدون أي قيادة أو وحدة  خلفهم. جمهور المقاتلين والجنود ورجال الشرطة والشباك ركضوا نحو الخط الأول عندما انهار، وعندما وجدت القيادات الخلفية صعوبة في تركيب صورة للوضع، في الواقع فقدت السيطرة على ما يحدث. وفي الوقت الذي كانوا فيه يواجهون وحدهم تقريبا موجات الهجوم الآخذة في التزايد في ناحل عوز قال ضباط وحدة في الكتيبة 13 لصديقه: “أنا وأنت ضد كل العالم”. وخرجا للهجوم. في غرفة عمليات الكتيبة في المعسكر، التي تم احراقها بالكامل، قال قصاص الأثر الرقيب إبراهيم خروبة للمراقبات اللواتي كن برفقته إنه سيكون مسرور بحمايتهن حتى آخر رصاصة، وقد فعل ذلك. 

في نفس الوقت التحقيقات المفصلة، التي تثير الدهشة لدى من يعرف الجيش الإسرائيلي ويتابعه منذ سنوات طويلة، يتبين فيها تآكل مستمر في الإجراءات والمتطلبات من الوحدات التي توجد على خط التماس وفي الالتزام الصارم بها. أحد المحققين قال للصحيفة إن المشكلة لا تنبع من التدهور المستمر في انضباط الجيش الاسرائيلي فقط. “التفسير اكثر عمقا. لقد نسينا في الجيش كيفية الدفاع”. هذا صحيح على كل الحدود. فهناك ضعفت المعايير، لكن بالأساس على حدود القطاع. هناك غرس استكمال العائق تحت الأرض ضد الانفاق ثقة زائدة لدى القادة وأدى الى التفكير بأن الحدود تقريبا لا يمكن اختراقها.

بعض رؤساء الطواقم قالوا إن التحقيقات في التفاصيل المخيفة حول العائلات التي قتلت بالكامل، تواصل مطاردتهم. “أنا شاركت في الحرب الأخيرة وفقدت الكثير من المرؤوسين”، قال أحد الضباط. “لكن بالذات التحقيق في المعركة التي لم يكن لي أي دور فيها، هو الامر الذي لا أنجح في التخلص منه. هذه القصة مع المآسي الكثيرة التي تنطوي عليها، أضرت بي بشكل كبير. فأنا أصبحت انسان مختلف في اعقابها”.

——————————————- 

يديعوت احرونوت 4/3/2025 

حماس راضية عن خطوات إسرائيل، واستئناف القتال لا يقلقها

بقلم: بن درور يميني

إسرائيل لم تخرق أي اتفاق مع حماس، مثلما ادعى، عاد وادعى، محللون كثيرون. لانه مع حماس يوجد، في اقصى الأحوال، توافق مؤقت، تكتيكي، لغرض تحقيق هدف محدد. فعندما يدخل ساط الى البيت، يقتل أبناء عائلة ويحتجز آخرين كرهائن، مسموح مع الوصول معه الى “اتفاق” يسمح بتحرير كامل او جزئي للرهائن. لكن لا يوجد واجب لاحترام اتفاق مع قاتل يعلن على رؤوس الاشهاد بانه يعتزم العودة الى مسرح الجريمة ومواصلة القتل والاختطاف. 

القاتل، في حالتنا، لا يزال يحتجز رهائن. هذه هي اقوى الأوراق لديه. كما أنه يحتجز تحت رعايته قرابة مليوني نسمة، هم أيضا رهائن طائفة إرهاب تسيطر في القطاع، وهم أيضا يؤيدون، معظمهم، ليس كلهم – طائفة القتلة إياها. لهذه العقدة على إسرائيل أن تتصدى. وهدفها مزدوج. ان تهزم، قدر الإمكان، طائفة القتلة وان تحرر المخطوفين وان تمس، باقل قدر ممكن، أولئك الذين لا يساعدون عصبة القتلة. 

على هذه الخلفية ينبغي السؤال هل الخطوات التي قررها كابنت الحرب، وعلى رأسها الاغلاق، تساوي الورق الذي كتب عليه. الجواب هو لا. ليس كثيرا. لانه رغم المفهوم الذي قادنا الى كارثة 7 أكتوبر، ورغم أنه مر منذئذ 515 يوما، نحن أسرى لمفهوم لا يقل سوءاً. هذا هو المفهوم الذي بموجبه لإسرائيل توجد مسؤولية حصرية عن القطاع. ليس حماس. ليس مصر. ليس الاسرة العربية او الدولية. فقط إسرائيل. لسنوات وهم يطلقون الصواريخ، وحسب المفهوم إسرائيل ملزمة بان توفر الكهرباء لمنتجي الصواريخ. 

وإسرائيل بالفعل تسمح بمساعدة إنسانية بلا قيد. وعليه، بخلاف كل الاساطير والحكايات – لم يكن جوع ولا تجويع وبالتأكيد ولا إبادة جماعية. لكن كان عدد لا حصر له من المنشورات بان هذا بالضبط ما تفعله إسرائيل. بانه حسب المفهوم – إسرائيل تتحمل المسؤولية. احدى النتائج هي ان طغاة القطاع، حتى بعد هجومهم الاجرامي، نالوا توريدا هائلا للوقود والغذاء. يوجد لهم ما يكفي لعموم السكان لاشهر الى الامام. ومن اجل أنفسهم – مونة لسنوات. القطاع لن يصبح متسادا. 

ماذا سيفعل الاغلاق إذن؟ بالضبط ما تريده حماس. لان حماس تفكر استراتيجيا. تريد ان ترفع مستوى الكراهية لإسرائيل ولليهود. “نحن في ذروة غير مسبوقة من اللاسامية”، قال هذا الأسبوع جوناثان غرينبلات رئيس العصبة ضد التسهير. بالتأكيد. في الجامعات تقدم عروض الكراهية لليهود، من قبل محاضرين وطلاب، والمقاطعة الخفية والعلنية على إسرائيل تتسع، رغم المراسيم الرئاسية لترامب لمكافحة اللاسامية. والاعلان عن اغلاق يوفر لحماس بالضبط ما تريده. 

نعم، نحن في عبث. لا يوجد في تاريخ الشعوب ولا في القانون الدولي واجب لدولة تتعرض للاعتداء لان توفر الغذاء، الكهرباء ووسائل الاعمال للكيان المعتدي. الا اذا كانت الدولة المعتدى عليها تصبح كيانا احتلاليا. لكن اسرائيل، حتى بدون احتلال، نجحت في وضع نفسها في وضع هي التي تتحمل فيه المسؤولية. هذا اخفاق مع قبل وما بعد 7 أكتوبر. هكذا بحيث انه لا يوجد جوع في القطاع لكن توجد دعاية عن الجوع. والان ستكون اكثر. لان الاغلاق هو وقود لشعلة الكراهية. حماس ستصور أطفالا جوعى. الـ “سي.ان.ان”، الـ “بي.بي.سي”، “الجزيرة” والـ “نيويورك تايمز” ستنقض عليهم من كل صوب كي تنشر الاكذوبة عن “الإبادة الجماعية” و “التجويع”. بكلمات بسيطة وواضحة: الاغلاق الذي أعلنته إسرائيل لا يمس بحماس. هو يخدم حماس. واذا ما استؤنفت اعمال القصف في الأسابيع القريبة القادمة، وشهدنا مرة أخرى صورا مفزعة لمبان منهارة – وابرياء يقتلون – حماس ستبعث بالورود.

صحيح، يوجد تغيير. يوجد حكم جديد ومؤيد في الولايات المتحدة. لكن لا يوجد حكم جديد في معظم النخب السياسية، الاكاديمية، الإعلامية والثقافية في معظم مراكز القوى في العالم. حماس تعمل للمدى البعيد. بخلاف المحللين، في إسرائيل أيضا، وليسمح لي الادعاء بان حماس ليست فقط راضية عن خطوات إسرائيل، التي في المدى البعيد لن تمس الا بها، بل ان استئناف القتال أيضا لا يقلقها. فماذا بالضبط ستفعل إسرائيل ما لم تفعله حتى الان؟ أي ارنب يوجد لنتنياهو في جيبه؟ ففي 7 شباط من العام الماضي قال لنا “الزعيم الأعلى”، كما وصف نير بركات نتنياهو، ان “النصر المطلق على مسافة لمسة”. بعد شهرين قال “اننا على مسافة خطوة عن النصر”. فماذا الان إذن؟ اغلاق آخر؟ قصف آخر؟ هذه هي السخافة الإسرائيلية التي تصر على ان تتجاهل ما قاله البرت آنشتاين: “الغباء هو أن تكرر العمل ذاته وفي كل مرة تتوقع نتيجة أخرى”.

حماس يجب أن تباد. واجب أن تباد. واذا كان ثمة شيء ما محبط في الحكومة الحالية فهو يكمن في أنها تفعل كل خطوة ممكنة كي تمنع أو تعرقل إبادة حماس. حقيقة ان جزءاً من المخطوفين لا يزالون في الانفاق، يذوون لكن احياء، تمس بقدرة عمل إسرائيل. إذن حرروهم. نعم، حتى بثمن عال. ليس لاجل منح جائزة لحماس، بل العكس. وذلك كي يكون ممكنا أخيرا إزالة العائق الذي يمنع المس الجدي اكثر لحماس.

—————–انتهت النشرة—————–