تقارير ودراساتفلسطيني

مفاوضات بولر- حماس.. الأصيل يفاوض نيابة عن الوكيل

المسار الاخباري: اللواء الركن محمد الصمادي: إسرائيل نقضت الاتفاق ولا تريد الانتقال للمرحلة الثانية وأمريكا تحاول خلق مسار بديل لإخراجها من الأزمة

هاني الجمل: إسرائيل لم تكن تتوقع أن تقدم إدارة أمريكية على القفز عن شريكها الاستراتيجي في المنطقة للتواصل مع حماس

محسن أبو رمضان: ترامب يسعى إلى تحقيق مفهوم “أمريكا العظمى” من خلال جمع الأموال وتأمين الموارد وتعزيز الاستثمارات العالمية

د. علي الأعور: نتنياهو لا يستطيع تخريب ما تم التوصل إليه بين آدم بولر وخليل الحية ولا يمكنه عرقلة المفاوضات بين أمريكا وحماس

د. ثائر أبو راس: لقاء حماس مع المبعوث الأمريكي يمنحها صورة نصر معينة وإسرائيل غاضبة وليست معنية بإتمام الصفقة

الاتصالات التي يجريها المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون الرهائن آدم بولر مع قيادة حماس، بعد تنكر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للاتفاق/ الصفقة الموقع مع المقاومة الفلسطينية ورفضه الدخول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، تعيد إلى الأذهان ما حدث في أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما رفضت حكومة إيهود باراك تنفيذ الاستحقاقات النهائية لاتفاق أوسلو فبادر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في حينه، إلى دعوة الجانبين إلى مفاوضات ماراتونية في كامب ديفيد حيث كان ما عرض على الجانب الفلسطيني أقل بكثير مما يمكن قبوله، لتندلع انتفاضة العام 2000 إثر ذلك.

مثل هذه الاتصالات الأمريكية الحالية وما حصل أيضا في كامب ديفيد هو إرجاع الأمور وموضوع التفاوض إلى الأصيل (الأمريكي) بعدما أخفق الوكيل (الإسرائيلي) على مدار خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة في تحقيق أهدافه وبضمنها استعادة الأسرى الإسرائيليين، فاضطر لتوقيع اتفاق الهدنة مع حركة حماس. لكن ما حصل في المرحلة الأولى من مشهديات تسليم الأسرى في غزة، وجه صفعة لنتنياهو وأظهر كذب مزاعمه بأنه قضى على المقاومة وحركة حماس، حتى باتت هذه المشاهد الأسبوعية تقض مضاجعه وتزعزع شعبيته في المجتمع الإسرائيلي. وها هي الإدارة الأمريكية تتدخل وبشكل صريح وعلني لإنقاذه والتفاوض مع حركة حماس التي اعتبرتها منذ سنوات طويلة “حركة إرهابية”.

كتاب ومحللون تحدثوا لـ”ط” قالوا إن إسرائيل نقضت الاتفاق مع حركة حماس ولا تريد الانتقال للمرحلة الثانية وأمريكا تحاول خلق مسار بديل لإخراجها من الأزمة، فيما لم تكن إسرائيل تتوقع أن تقدم الإدارة الأمريكية على القفز عنها وتبدأ مفاوضات مع حركة حماس المصنفة “إرهابية”.

وأكدوا أن نتنياهو لا يستطيع تخريب ما تم التوصل إليه بين آدم بولر وخليل الحية ولا يمكنه عرقلة المفاوضات بين أمريكا وحماس، فيما اعتبروا أن لقاء حماس مع المبعوث الأمريكي يمنحها صورة نصر معينة الأمر الذي أثار غضب إٍسرائيل.

ترامب يسعى إلى فرض السلام بالقوة

وقال الخبير العسكري الاستراتيجي الأردني، اللواء الركن محمد علي الصمادي، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى فرض السلام بالقوة، ويريد أن يظهر كرجل سلام، كما يطمح لنيل جائزة نوبل للسلام مستقبلًا.

وأضاف: أن هناك تناغمًا بين ترامب ونتنياهو، يقابله حالة من الغضب والقلق بشأن هذا الانفتاح. لطالما قلنا إن نتنياهو شخصية لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، والآن ينطبق الأمر ذاته على ترامب.

وأشار إلى أن محادثات إدارة ترامب مع حركة حماس لم تغير موقف الأخيرة بشأن الحرب. وعند الأخذ بعين الاعتبار أن ترامب، منذ تسلمه سلطاته في البيت الأبيض في العشرين من يناير، وافق على صفقات أسلحة بقيمة 12 مليار دولار، يتضح أن المناقشات جرت في الدوحة خلال الأسبوع الماضي.

ولفت إلى أن موقع “أكسيوس” الأمريكي أول من كشف عن هذه المحادثات غير المسبوقة بين واشنطن وحماس، والتي تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، إضافة إلى بحث اتفاق أوسع لإنهاء الحرب والتوصل إلى هدنة طويلة الأمد. هناك حالة من عدم الارتياح في إسرائيل، لكن، برأيي، لن يصل الأمر إلى حد الاعتراض عليها وانتقادها عالميًا.

وأوضح الصمادي أن إسرائيل تخشى أن تجد نفسها مضطرة لدفع ثمن سياسي أو أمني مقابل تنفيذ بنود الاتفاق. لكن النقطة الأهم هي أن هذه المباحثات تمثل تحولًا في سياسة واشنطن، إذ إن الولايات المتحدة، التي صنّفت حركة حماس كمنظمة إرهابية منذ عام 1997، وكررت ذلك مرارًا، تجري الآن محادثات مباشرة معها دون وسطاء، مما يمنح الحركة شرعية سياسية.

حماس تربط مستقبل غزة بالضفة القدس

وأشار إلى أن إسرائيل نقضت الاتفاق، ولا تريد الانتقال إلى المرحلة الثانية منه، ولذلك يعتقد أن الإدارة الأمريكية تحاول خلق مسار بديل لإخراج إسرائيل من الأزمة، عبر تمديد المرحلة الأولى لإطلاق سراح الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر، وأربعة آخرين يُعتقد أنهم من بين القتلى من حملة الجنسية المزدوجة الأمريكية- الإسرائيلية.

وأوضح الصمادي أن هناك إصراراً من حركة حماس على أن مستقبل غزة لا يمكن رسمه بمعزل عن الضفة الغربية والقدس، لكن في المقابل، فإن غياب الإرادة السياسية العربية لفرض وقائع معينة تتعلق بمستقبل المنطقة يساهم في حالة من الضبابية وعدم الوضوح، مما يؤدي إلى استمرار دفع تكاليف واستحقاقات دون جدوى.

وقال إن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون الرهائن، آدم بولر، أعرب عن تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق قريب للإفراج عن جميع الأسرى، وليس فقط الأمريكيين، في غضون أسابيع. لكن إسرائيل لا تريد هدنة طويلة الأمد تتيح لحماس تعزيز قدراتها. كما عبّر المبعوث الأمريكي عن هشاشة وقف إطلاق النار، في ظل استمرار إسرائيل في فرض الحصار، وإغلاق المعابر، واتباع سياسة التجويع، وقطع المياه والكهرباء، وممارسة القتل والإجرام، وإطلاق النار. ومن دون أي قيود أو تردد، ستواصل إسرائيل عمليات الاغتيال بحق القيادات، وستستهدف أي هدف ذي قيمة عالية، وستستمر في المداهمات بناءً على معلومات استخبارية، لكن بعد استعادة جميع الأسرى والجثث.

إسرائيل قادرة على اختلاق الذرائع لمواصلة الحرب

وأكد الصمادي أن إسرائيل قادرة على اختلاق المبررات والذرائع لمواصلة القتال، ولكن باستراتيجية مختلفة، قد تشمل فرض حصار تام، وشن ضربات مركزة وقوية، مدعومة بغارات جوية وقصف بري وبحري، في محاولة لزيادة يأس المواطن الفلسطيني، تمهيدًا للهجرة الطوعية مستقبلًا.

واشار إلى أن المعضلة التي تواجه إسرائيل حاليًا، هي أنها استنفدت الأهداف العسكرية في القطاع، ولم يتبقَّ أمامها سوى ارتكاب مزيد من أعمال التطهير العرقي والإبادة الجماعية. في المقابل، تبدو الإدارة الأمريكية مستعدة لدعمها، حيث تمنحها ضوءًا أخضر، رغم التصريحات الدبلوماسية والسياسية التي تصدر عنها، إذ أنها، إلى جانب العديد من الدول الغربية، تواصل دعم آلة القتل الإسرائيلية بمزيد من الأسلحة والذخائر.

وأكد الصمادي أن هناك تصميم من حكومة اليمين المتطرف على إنهاء أي دور سياسي أو عسكري لحماس في الضفة الغربية. ولا يعني التفاؤل أن الهجرة لن تحدث مستقبلًا، إذ ستستمر المحاولات، رغم تصدي الأردن ومصر لمحاولات التهجير. لكن هناك إرادة سياسية في البيت الأبيض، وفي حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو وسموتريتش، بأن عام 2025 سيكون عام الضم، وقد يكون أيضًا عام التهجير.

حماس أظهرت موقفًا صلبًا أمام التهديدات الأمريكية

من جانبه، قال هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية في مركز العرب، إن إسرائيل لم تكن تتوقع أن تقدم إدارة أمريكية على خطوة كهذه، تقفز بها عن شريكها الاستراتيجي في المنطقة، وهي إسرائيل، وتتجه نحو التواصل مع حركة حماس.

وأكد أن حماس أظهرت موقفًا صلبًا أمام تهديدات الولايات المتحدة، حيث رفضت الدخول في المرحلة الثانية من الهدنة إلا بعد تمديد المرحلة الأولى، وتمكنت من إطلاق سراح العديد من الرهائن دون تقديم أي ضمانات بوقف العملية العسكرية الإسرائيلية.

وقال: إن هذا الموقف المتشدد من حماس، إلى جانب دور بعض الشخصيات ذات المرجعية العربية في إدارة ترامب، ساهم في توضيح الصورة للإدارة الأمريكية الجديدة، التي بدأت تدرك أن المقاومة الفلسطينية ليست الجهة الوحيدة التي تعرقل الحلول المطروحة، بل أن إسرائيل هي الطرف الذي يتعنت ويحاول فرض رواية زائفة للسيطرة على الموقف الأمريكي.

وأضاف الجمل: “إن هذه التطورات دفعت الولايات المتحدة إلى تجاوز شريكها الاستراتيجي، إسرائيل، والتوجه نحو التعاون والتفاوض المباشر مع حماس، لعدة أسباب، ليس فقط بسبب قرارات سياسية، ولكن أيضًا لأن هناك ستة رهائن أمريكيين محتجزين، من بينهم الرهينة ألكسندر، الذي يعاني من حالة طبية متدهورة، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى السعي للإفراج عنه بشكل مباشر إلى جانب بعض الرهائن الآخرين. هذا التوجه يهدف أيضًا إلى تلميع صورة الإدارة الأمريكية داخليًا.

ترامب، لن يسمح لنتنياهو بعرقلة رؤيته

وأشار إلى أن هذه التحركات تقلق إسرائيل، ليس فقط بسبب احتمال تدهور العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة، ولكن أيضًا لأن ترامب، في خطته للشرق الأوسط، لن يسمح لنتنياهو بعرقلة رؤيته، سواء كانت اقتصادية أو تهدف إلى توسيع علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية.

وأضاف: من هذا المنطلق، تحاول إسرائيل تفكيك هذا التوجه الجديد، وقد تلجأ إلى تصعيد في الضفة الغربية، عبر شن عمليات عسكرية، أو محاولة القضاء على السلطة الفلسطينية من خلال تكثيف الهجمات في مناطق مثل جنين ومدن أخرى. كما قد تمارس ضغوطًا على مدينة القدس، وتسعى لإحداث تغييرات ديموغرافية فيها، عبر استغلال الوضع الراهن.

وأوضح الجمل أن إسرائيل قد تعتمد على استراتيجيات مختلفة، من بينها استهداف قيادات المقاومة الفلسطينية، سواء من حماس أو فصائل أخرى، في إطار عمليات اغتيال ممنهجة. كما أن تعيين رئيس جديد للأركان بعد هرتسي هاليفي، يُعرف بتشدده ودمويته، يشير إلى احتمال التصعيد العسكري في غزة.

واشار الجمل إلى أن التغيرات في الموقف الأمريكي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي تعكس تحولات في الاستراتيجية الأمريكية، حيث بدأ هناك تحول في الأيديولوجية الأمريكية تجاه حماس، رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة صياغة المشهد السياسي في المنطقة.

حكومة نتنياهو منزعجة من الاتصالات مع حماس

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان “إن هناك حالة من عدم الارتياح والانزعاج لدى حكومة نتنياهو بشأن الاتصالات التي جرت بين قيادة حركة حماس في الدوحة ومبعوث الرئيس الأمريكي آدم بولر.

وأشار إلى أن هذا يشكل، بالنسبة لإسرائيل، تجاوزًا للمرتكزات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، موضحًا أن إسرائيل تعتبر أن الملف الفلسطيني هو ملف إسرائيلي، وأن واجب الولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة لإسرائيل يقتصر على دعم توجهاتها، لكنها لا ترغب في وجود اتصالات مباشرة بين الفلسطينيين، بمختلف فصائلهم وأحزابهم، وبين الإدارة الأمريكية والدول الغربية.

وأضاف: “إن هذا الاتصال يتجاوز الشعار الذي رفعه نتنياهو حول “النصر المطلق” وتفكيك حركة حماس، بالإضافة إلى بعض الإشارات المتعلقة بنزع سلاحها وإخراج كوادرها وقيادتها من قطاع غزة. وبالتالي، فإن هذا يشكل عائقًا أمام اندفاع حكومة نتنياهو اليمينية والفاشية والعنصرية تجاه استهداف حماس.

وأشار إلى أن إسرائيل، ومعها اللجنة الرباعية الدولية، تصنف حماس على أنها حركة إرهابية وغير شرعية، وهو ما تم التأكيد عليه عند تسلُّم حماس الحكومة عام 2006 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، حيث اشترطت اللجنة الرباعية حينها الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، والاعتراف بإسرائيل، ونبذ المقاومة، وهي الشروط التي تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة.

نتنياهو قد يحاول تقويض جهود الإدارة الأمريكية

وأوضح أن المرحلة الحالية ستشهد محاولات من نتنياهو لتقويض جهود الإدارة الأمريكية في التفاهمات مع حماس، مشيرًا إلى أن الموضوع لا يقتصر فقط على مفاوضات ادم بوهلر وقيادة حماس حول الأسرى الأمريكيين أو الهدنة، بل يمتد إلى معالجة مستقبل قطاع غزة، بما قد يفتح المجال أمام استثمارات أمريكية على ساحل غزة وبحرها، كما قد يسهم في تعزيز العلاقات مع السعودية ودفعها نحو التطبيع، وهو ما لا يروق لنتنياهو الذي يسعى لتحقيق فكرة “النصر المطلق”، التي تتضمن القضاء على حماس.

وتوقع أبو رمضان أن يلجأ نتنياهو إلى أساليب سياسية ودبلوماسية، وربما عسكرية وميدانية، لإفشال هذه المفاوضات إلى جانب إجراءات العقاب الجماعي والضغوطات ذات الطبيعة اللاإنسانية مثل استخدام حرب التجويع عبر إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات وكذلك قطع التيار الكهربائي .

وقال: إن بوهلر يرى أن الأسابيع القادمة قد تشهد إنهاء ملف قطاع غزة بالكامل، وليس فقط ما يتعلق بالأسرى، مما يعني التوصل إلى هدنة، وإعادة الإعمار، واستثمارات محتملة، قد يكون للولايات المتحدة نصيب كبير منها.

يشار هنا إلى أن الهدنة ربما تتطلب خطوات منها إنهاء خطر حماس على دولة الاحتلال وهدنة طويلة الأمد تصل مدتها ما بين خمسة إلى عشر سنوات .

ترامب سيحاول الاستجابة للمطالب السعودية

وأشار أبو رمضان إلى أن ترامب الذي يتبنى نهجًا تجاريًا ويؤمن بالصفقات العقارية والأرباح المالية أكثر من المبادئ الأخلاقية، سيحاول الاستجابة للمطالب السعودية والعربية، خاصة مع مبلغ التريليون دولار التي التزمت السعودية بدفعها للإدارة الأمريكية، مما قد يدفعه إلى رفض فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، نظرًا للعوائد المالية الهائلة التي قد تحققها الولايات المتحدة من الاستثمارات المحتملة، خصوصًا في قطاع الغاز ومنطقة الساحل.

وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، قال أبو رمضان “إن نتنياهو أرسل وفدًا إلى الدوحة، لكنه لم يكن رفيع المستوى، بل ذا طبيعة تقنية، وليست له صلاحيات اتخاذ القرار، وإنما عليه العودة إلى نتنياهو ومستويات أدنى منه لاتخاذ أي قرار. وبالتالي، فإن هذه الخطوة تهدف فقط إلى ذرّ الرماد في العيون، ومنع تحميل إسرائيل مسؤولية عرقلة الإفراج عن المحتجزين، خاصة في ظل تصاعد الاحتجاجات الإسرائيلية واعتصام أهالي الأسرى المحتجزين أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية.

أما على المستوى الميداني، أضاف أبو رمضان : “قد يلجأ نتنياهو، من خلال رئيس الأركان الجديد، زامير، الذي وصفه بأنه “شخص هجومي”، إلى محاولة جرّ حماس إلى ردود فعل عبر عمليات اغتيال أو استهداف مواقع ومؤسسات معينة، بهدف خلق مبرر لخرق اتفاق الدوحة الذي تم التوصل إليه في 19 يناير .

تحقيق مفهوم “أمريكا العظمى”

واعتبر أبو رمضان أن نتنياهو ينظر إلى الملف الفلسطيني على أنه ملف إسرائيلي، ويعتقد أن على الولايات المتحدة تقديم الخدمات لإسرائيل. وكان قد تعامل مع إدارة بايدن بهذه العقلية، ورفض الاستجابة حتى للمقترحات الإنسانية، مثل إدخال المساعدات ضمن خطة الجنرالات في شمال غزة، ورفض كذلك مقترح بايدن بصفقة التبادل والهدنة، رغم موافقة جميع الدول عليه باستثناء تحفظ روسيا. لكن نتنياهو رفضه، رغم أنه كان مقترحًا إسرائيليًا بالأصل، مما شكّل صفعة قوية لإدارة بايدن، التي بدت عاجزة عن فرض أي مقترحات عليه.

وأكد أن ترامب يسعى إلى تحقيق مفهوم “أمريكا العظمى” من خلال جمع الأموال، وتأمين الموارد الاقتصادية، وتعزيز الاستثمارات العالمية، ولذلك، عندما يكون الخيار بين إسرائيل وأمريكا، فإنه سيختار أمريكا ومصالحه الخاصة على حساب نتنياهو.

كما شدد أبو رمضان على ضرورة أن تدرك السلطة الفلسطينية أهمية الحوار بين حماس والولايات المتحدة الأمر الذي يشكل حدثاً نوعياً وغير اعتيادي، ما يستوجب الإسراع في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وفق اتفاق بكين أو أي صيغة أخرى، خاصة أن الولايات المتحدة نفسها، التي كانت تصنف حماس بالإرهاب، باتت تتحاور معها، مما يزيل أية تحفظات بما يخص الحوار مع حماس في سياق الوطني الشامل بهدف ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.

تطور مهم: الإدارة الأمريكية تتفاوض مع حماس

من جهته، قال المختص في النزاعات الإقليمية والدولية، د. علي الأعور، إن الولايات المتحدة الأمريكية وحركة حماس اعترفتا بإجراء المفاوضات في الدوحة، وبالتالي، كانت هناك مفاوضات بين مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، آدم بولر، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية، في الدوحة. وقد أكدت الإدارة الأمريكية وحركة حماس إجراء هذه المفاوضات.

وأضاف: بتقديري، علينا أولًا أن ننظر إلى هذا التطور المهم جدًا؛ فترامب يفاوض حركة حماس، والإدارة الأمريكية تتفاوض مع حركة حماس، وهذا تطور مهم جدًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأيضًا في الحرب على غزة. هذه المفاوضات تعني اعترافًا أمريكيًا بقدرات حماس السياسية واعترافًا بوجودها، وعدم إمكانية تجاهلها. وبالتالي، فإن اللقاءات بين آدم بولر، مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب، وخليل الحية تمثل اعترافًا أمريكيًا بوجود حركة حماس وبقدراتها السياسية. وعليه، لا يمكن تجاهل دور حركة حماس في مستقبل غزة وإدارتها.

إسرائيل غير راضية ولا تعلم عن المفاوضات

وأكد الأعور أن السؤال الأهم: هل كانت إسرائيل راضية عن هذه المفاوضات؟ وهل كانت تعلم بها؟ بتقديري، هذه المفاوضات كانت بعيدة جدًا عن مكتب نتنياهو وعن إسرائيل. وبعد أن تم الكشف عنها في الإعلام، أدرك مكتب نتنياهو، وأدرك نتنياهو شخصيًا، أن هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة حماس، مما أثار جنونه. لم يكن يتوقع إطلاقًا أن تكون هناك مفاوضات بين إدارة ترامب وحركة حماس. لكن، مهما يكن الأمر، فقد استمرت هذه المفاوضات لعدة أسابيع، وما زالت مستمرة، والحديث يدور حول الإفراج عن أسرى إسرائيليين يحملون الجنسية الأمريكية لدى حركة حماس، وهناك تقديرات تشير إلى أن عددهم يصل إلى عشرة أسرى.

وأكد أن الإدارة الأمريكية بدات تدرك جيدًا طبيعة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والمعادلات الجديدة التي أوجدها طوفان الأقصى، خاصة فيما يتعلق بحركة حماس وقوتها السياسية والعسكرية. والآن، يجري الحديث حول هدنة لمدة عشر سنوات في قطاع غزة، تترافق معها مرحلة إعادة الإعمار وإنهاء الحرب على غزة بالكامل.

وقال: إن نتنياهو أرسل وفدًا إسرائيليًا إلى الدوحة للمشاركة في المفاوضات، أو كما وصفها، “لسنا في مفاوضات مع حركة حماس حول الاتفاق” أو “حول الصفقة” أو “المرحلة الثانية”. والسؤال الجوهري: هل ذهب هذا الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة لتخريب وتدمير ما تم الاتفاق

عليه بين حماس وآدم بولر؟ أم أنه ذهب بالفعل للمشاركة في المفاوضات والتقدم بها؟ أم أن الهدف الحقيقي هو تخريب هذه المفاوضات بين أمريكا وحماس، وما تم إنجازه حتى الآن؟

لا يمكن تجاهل مصالح أمريكا بالشرق الأوسط

وأوضح الأعور أن نتنياهو يدرك جيدًا قوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونفوذه السياسي، كما بدأ يدرك أن المصالح السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط تلعب دورًا كبيرًا في رسم خارطة المنطقة، أي أنه لا يمكن تجاهل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد بدأ نتنياهو يستوعب هذه العلاقة الجديدة أو الفلسفة التي يتبناها ترامب.

واضاف: بتقديري، لا يستطيع نتنياهو تخريب ما تم التوصل إليه بين آدم بولر وخليل الحية، ولا يمكنه عرقلة المفاوضات بين أمريكا وحماس، لأن للإدارة الأمريكية تجارب عديدة في المفاوضات التي جرت في الدوحة، سواء فيما يتعلق بأفغانستان، أو جنوب السودان، أو قضايا أخرى في القرن الإفريقي والشرق الأوسط.

ويرى ان ستيف ويتكوف يمارس ضغوطًا على نتنياهو للانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تتضمن إعلانًا رسميًا إسرائيليًا بإنهاء الحرب على غزة، وإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين إلى تل أبيب، مقابل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين الأمنيين، وفق العدد المتفق عليه في الاتفاق، وخاصة ممن يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد، ومن بينهم قيادات الحركة الأسيرة، مثل مروان البرغوثي، أحمد سعدات، عبد الله البرغوثي، إبراهيم حامد، وغيرهم.

وأشار الأعور إلى أن نتنياهو يواجه ضغوطًا جماهيرية هائلة، مع تصاعد المظاهرات في تل أبيب التي تطالب بالمضي قدمًا في المرحلة الثانية، وإنهاء الحرب على غزة، وإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين إلى تل أبيب.

اعتراف ضمني بوجود حماس وبقائها

وقال الدكتور ثائر أبو راس، المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة ماريلاند – واشنطن، إن الحكومة الإسرائيلية غاضبة بالفعل من افتتاح هذه القناة الخلفية مع حماس. فهذا يُعد بمثابة اعتراف ضمني بوجود حماس وبقائها. وبما أن نتنياهو تحديدًا يبحث عن صورة النصر منذ بداية هذه الحرب، فإن هذا التطور يُشكل عمليًا انقلابًا في المعادلة.

وأضاف: الآن هناك صورة نصر لحماس، إلى حدٍّ ما، إذا تم تصويرهم مثلًا في لقاء مع المبعوث الأمريكي، أو حتى لمجرد فكرة أنهم التقوا به. فهذا يمنحهم صورة نصر معينة. وبكل تأكيد، إسرائيل غاضبة وليست معنية بإتمام هذه الصفقة”.

وتابع: “لكنها في موقف محرج، لأنها تتعامل مع رئيس أمريكي يختلف عن سابقيه، رئيس لا يمكن التلاعب به بهذه الطريقة. وقد رأينا ما حدث مع زيلينسكي قبل أسبوع، أثناء زيارته للبيت الأبيض، حيث تعرض لمعاملة مهينة على مرأى ومسمع العالم.

نتنياهو يريد تجنب سيناريو زيلينسكي

وأكد أبو راس أن نتنياهو يريد تجنب سيناريو مماثل، لذا لن يتحدث حول الموضوع. لكن إسرائيل، بكل تأكيد، ستحاول عرقلة الاتفاقية، سواء عبر الاغتيالات، أو من خلال تعقيد إدخال المساعدات الإنسانية. فقد أوقفت الكهرباء عن قطاع غزة، وقلصت بشكل ملحوظ حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إليه.

وأردف: هي تأمل أن يؤدي ذلك إلى حدوث فوضى داخل القطاع، مما قد يجبر حماس على الرد، أو ربما عبر تنفيذ عمليات اغتيال أو إجراءات مشابهة. لكن إسرائيل، بكل تأكيد، ستبحث عن طرق لعرقلة الوصول إلى المرحلة الثانية من الصفقة.

وأوضح أن سبب رفض إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الصفقة يتعلق ببقاء نتنياهو في السلطة. فهو يدرك أن اليمين المتطرف سيغادر الحكومة إذا انتهت الحرب في غزة على الوضع الحالي، وهو يريد الإبقاء عليهم. لأن خروج اليمين المتطرف، بقيادة سموتريتش، من الائتلاف الحكومي سيؤدي إلى سقوط حكومة نتنياهو، مما قد يجعله يواجه احتمال دخول السجن بسبب قضايا الفساد المرفوعة ضده.

واختتم أبو راس بالقول: بالنسبة لنتنياهو، المسألة تتعلق بالبقاء، لذا فهو يسعى إلى عدم المضي قدمًا في المرحلة الثانية من الصفقة وإنهاءالحرب. وسيبذل كل ما بوسعه لمنع ذلك.