
الشبكة | المسار الإخباري
اجتاح العطش قطاع غزة من جديد، وبدأ الناس يتضورون جوعًا وعطشًا، في وقت يسبق فيه موسم الحر اللاهب الذي سيضربهم قريبًا في خيامهم الممزقة بفعل التعرية والعوامل الجوية. وبينما تعاني مناطق القطاع من آثار حرب طاحنة، يقف سكانه ونازحوه عاجزين أمام شح المياه، في ظل غياب أدنى مقومات الحياة.
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تزايدت معاناة المواطنين مع انقطاع المياه نتيجة تعمد الاحتلال إغلاق المعابر وخطوط المياه، وفرض سياسة التجويع والتعطيش، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق. فقد تم إغلاق خطوط المياه الرئيسية القادمة من “ميكروت”، كما تم تدمير آبار وشبكات المياه والصرف الصحي، وانقطعت الكهرباء والوقود الضروري لتشغيل ما تبقى من البنية التحتية.
المواطن خالد زيدان عبّر عن وجع العطش قائلاً: “نعاني أيما معاناة في الحصول على المياه منذ أن نزحنا واشتدت الحرب علينا، ومع إغلاق المعابر وخطوط ميكروت زادت معاناتنا أضعافًا مضاعفة، ولم تعد سلطة المياه قادرة على تشغيل الآبار لعدم وجود سولار أو كهرباء، وأصبحنا نعتمد على مياه غير آمنة، ولا نستحم إلا مرة في الأسبوع إن حالفنا الحظ”.
من جانبه، يقول ماجد الأيوبي: “أصبحنا نخشى على أنفسنا وأطفالنا من الأمراض الجلدية وأمراض الكلى، فالمياه التي نحصل عليها غير صالحة للشرب، مليئة بالأملاح، ولا توجد كهرباء لتشغيل محطات الفلترة، أما المياه العادية فننقلها بشق الأنفس وسط الازدحام، وبتكلفة كبيرة”.
أبو إبراهيم، وهو أب لخمسة بنات، وصف الوضع بالكارثي، وقال: “نشتري المياه عبر العربات التي تجرها الحيوانات، الكوب بمئة شيقل، ونحملها بأيدينا لأن المضخات متوقفة، أما مياه الشرب فندفع مقابل الجالون 4 شواقل، رغم البطالة وانعدام الدخل، وهذا عبء لا يُحتمل”.
الصحفي علي قاسم الفرا، الذي هدم منزله في بلدة القرارة ونزح إلى وسط خان يونس، قال إن “الحصول على المياه يتطلب حجز دور قبل أيام، وعند التعبئة أدفع أكثر من مئة شيقل مقابل كوب لا يكفي لبضعة أيام، ثم أنقل المياه لمسافات طويلة سيرًا على الأقدام وسط ازدحام شديد”. وأضاف: “نعيش القصف والجوع والعطش في آنٍ واحد، ولا أحد يلتفت لمعاناتنا”.
وبحسب إحصائيات محلية، دمر الاحتلال أكثر من 3,780 كيلومترًا من شبكات الكهرباء، و2,105 محولات توزيع كهرباء، و330,000 متر من شبكات المياه، و655,000 متر من شبكات الصرف الصحي، و719 بئرًا مائيًا خرجت عن الخدمة، إضافة إلى تدمير محطات التحلية، ما جعل توفير المياه أمرًا شبه مستحيل.
وأكد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه أن أكثر من 85% من مرافق المياه والصرف الصحي خرجت عن الخدمة كليًا أو جزئيًا، وتضررت الشبكات بنسبة كبيرة، فيما تم تدمير 47 محطة ضخ صرف صحي، منها 20 بشكل كلي.
اتحاد بلديات قطاع غزة بدوره قال إن الدمار الواسع في البنية التحتية تسبب في توقف الخدمات الأساسية، وأن استمرار الحرب وعدم إدخال المعدات اللازمة لإعادة الإعمار يُنذر بكارثة صحية، بسبب اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي، وانعدام أي مصدر آمن للمياه.
وشدد الاتحاد على ضرورة تدخل دولي عاجل لإعادة تأهيل البنية التحتية، محذرًا من انتشار الأمراض والأوبئة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
في ظل هذا الواقع الكارثي، يعيش سكان غزة بين نيران الحرب، ومرارة الجوع، وخطر العطش، بينما يقف العالم صامتًا أمام معاناة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم، دون أفق لحل أو بارقة أمل في الأفق القريب.