
المسار الاخباري : في مقال جريء، عبّر أربعة سفراء ألمان سابقين عن قلقهم من تفاقم الوضع في غزة، مؤكدين أن استمرار هذا المسار لم يعد مقبولا أخلاقيا ولا سياسيا. ينتقد الديبلوماسيون السابقون موقف بلادهم الرسمي، مطالبين بمقاربة عادلة تستند إلى القانون الدولي. وبينما يدين المقال حماس، يشير بوضوح إلى حجم الدمار والمعاناة التي تسبب فيها الرد الإسرائيلي، ويدعو إلى مساءلة جميع الأطراف. كما يطرح الحاجة لإحياء حل الدولتين أو التفكير الجدي في بديل ديمقراطي قائم على المساواة الكاملة.
كتب المقال: بريجيتا سيفكر، كريستيان موخ، هانس يورغ هابر، وكريستيان كلاغِس
إن الواقع القائم في غزة مثير للقلق بشدة. فقد شكلت مجزرة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي ارتكبتها حماس، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر 250 رهينة، صدمة لا تزال تُؤلم إسرائيل، وهزّت مشاعرنا جميعاً حتى الأعماق. أما الرد الإسرائيلي، فقد أدى إلى قتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وزرع بذور الكراهية في نفوس أجيال كاملة، وألحق ضررًا بالغًا بالمصالح الأمنية لإسرائيل. هذا الوضع، والموقف الألماني الرسمي تجاهه، يثيران قلقنا نحن كاتبي المقال، وكذلك قلق العديد من المسؤولين في الحكومة الألمانية، كما لمسنا من خلال محادثات عديدة.
نحن الألمان نتحمل، بفعل المحرقة، مسؤولية أخلاقية خاصة تجاه إسرائيل، وتجاه الإنسانية جمعاء. وينبغي أن يكون طموحنا هو الدفاع عن كلتا المسؤوليتين، ومواجهة الانتهاكات من كلا الطرفين. ينطبق هذا على حماس، كما ينطبق على الحكومة الإسرائيلية الحالية. فدعمها غير المشروط هو شكل خاطئ من الصداقة، لأنه يتجاهل شرائح هامة في المجتمع الإسرائيلي.
يجب أن يكون التزامنا موجَّهًا نحو حل الصراع، وهو أمر ضروري لبقاء إسرائيل على المدى البعيد، وكذلك للفلسطينيين الساعين للسلام، وهم موجودون فعلاً. وغالبًا ما يمنعنا التحيز من رؤية الفلسطينيين كشعب متنوع بقدر تنوع الإسرائيليين. والاحتجاجات الأخيرة في غزة المناهضة لحماس دليل على ذلك.
في ضوء عدم الاهتمام الذي أبدته العديد من وسائل الإعلام والاستجابة المتحفظّة من جانب نخبنا السياسية للأحداث في غزة، استغلت القوى المتطرفة هذه القضية وأضفت عليها خطابًا معاديًا للسامية. لو كان هناك خطاب واضح قائم على القانون الدولي في المجال السياسي العام، لما كان هناك مجال لذلك. ويشمل هذا الأساس اتفاقيات جنيف والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
انتهكت حماس القانون الإنساني والدولي بهجومها الإرهابي واحتجاز الرهائن وقصف أهداف مدنية في إسرائيل. ويجب على إسرائيل أن تواجه أسئلة حول تناسب ردها. إذ يبلغ عدد القتلى حاليًا أكثر من 50 ألف حالة وفاة موثقة، بما في ذلك 18 ألف طفل وعشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين مدى الحياة وتدمير 20 مستشفى وعيادة ولادات وحصار للمواد الغذائية والطبية وبتر الأطفال والعمليات القيصرية بدون تخدير. قُتل أكثر من 1000 عامل إنقاذ وفقد أكثر من 200 صحافي حياتهم. ودُمرت الكنائس والمساجد والمتاحف و90 في المائة من جميع المدارس والجامعات، مما كان له عواقب وخيمة على الهوية الثقافية لغزة.
ترى المحكمة الجنائية الدولية أسبابًا كافية لتصنيف قطع السلع الحيوية والرعاية الطبية، وكذلك حالات القتل العمد، على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وبعد دراسة متأنية، أصدرت أوامر اعتقال بحق قادة حماس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت. وقد أيد هذا القرار سبعة وسبعون أستاذًا للقانون الدولي من الدول الناطقة بالألمانية. لا نتنياهو ولا السياسيون الألمان فوق القانون. إن التفكير بصوت عالٍ في طرق التحايل على أوامر الاعتقال لا يليق برواد القانون الجنائي الدولي مثل ألمانيا. لم يبدأ الصراع في الشرق الأوسط في 7 أكتوبر/تشرين الأول. لعقود من الزمن، وقفنا مكتوفي الأيدي بينما كان الفلسطينيون يتعرضون للمضايقة والتشريد أو القتل على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وبينما احتلت إسرائيل المزيد والمزيد من الأراضي في انتهاك للقانون الدولي – في تناقض واضح مع الطريقة التي ندافع بها عن القانون الدولي والنظام الدولي القائم على القواعد.
في قضية غامبيا ضد ميانمار المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، دعت الحكومة الألمانية إلى تفسير واسع لتعريف الإبادة الجماعية. ومع ذلك، في الإجراءات التي بدأتها جنوب إفريقيا، يبدو أنها تدعو إلى العكس لصالح إسرائيل. كانت الحكومة الألمانية صريحة في إدانتها للجرائم ضد الإنسانية والاحتلال والضم في حالة روسيا وأوكرانيا، لكنها تمارس ضبط النفس فيما يتعلق بإسرائيل. لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أننا نعرض أنفسنا لاتهامات بازدواجية المعايير. إن استئناف الحرب في غزة في آذار/مارس، والعملية العسكرية في الضفة الغربية، وإجراءات إسرائيل في لبنان وسوريا، وخطة ترامب ريفييرا لغزة تعني أن الاستمرار على هذا النحو لم يعد خيارًا. وهذا ينطبق أيضًا على ألمانيا. لا يمكننا الاستمرار في الصمت بشأن حقيقة أن حياة الفلسطينيين في غزة أصبحت مستحيلة. يجب أن ندعم المجتمع المدني الإسرائيلي ونشجع على قيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية قادرة على اتخاذ الإجراءات، وتتمتع بالشرعية على الساحتين المحلية والدولية على حد سواء، وتخرج من انتخابات حرة.
لا يزال إطار المرجعية هو عملية أوسلو وحل الدولتين. إذا كان رفض إسرائيل لإنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية يجعل هذا الأمر مستحيلاً، فإن الخيار الوحيد المتبقي سيكون حل الدولة الواحدة. وهذا يتطلب من العرب واليهود العيش معًا على قدم المساواة إذا كانت الدولة ستكون ديمقراطية. إن تكرار دعمنا لحل الدولتين، على غرار الشعارات، مع منح تفويض مطلق للحكومة الإسرائيلية التي تُقوّض هذا الحل نفسه، أمرٌ غير مُجدٍ.