إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 25/4/2025

من موقف متدني جدا في الاستطلاعات، سموتريتش اصبح الرجل الأقوى في اسرائيل

بقلم: يوسي فارتر

في فيلم “أن تستيقظ أمس صباحا” من العام 1993، يستيقظ بيل مارييه كل يوم من جديد على صباح الامس، مع نفس التقرير في الراديو ونفس الاحداث التي تتكرر. إسرائيل نهاية نيسان 2025، بعد اكثر من سنة ونصف على فشل 7 أكتوبر، تستيقظ كل صباح مع شعور “هذا الفيلم شاهدته من قبل”، مررت بنفس التجربة من قبل. 59 مخطوف ما زالوا في غزة يصرخون ويطلبون المساعدة، لا يوجد أي توقع لاعادتهم. والحرب تستمر بدون اتجاه أو أمل، ووزراء يتطاولون على رئيس الأركان (الغض والهجومي). النقاش حول المساعدات الإنسانية – اذا كان ينبغي إدخالها الى القطاع وما هو حجمها ومن الذي سيكون المسؤول عن توزيعها – هو بمثابة امتداد لما حدث قبل سنة، مثلما هي الحال بالنسبة للنقاش حول المرحلة الثانية: صفقة لوقف اطلاق النار، أو حرب لا نهاية لها، واحتلال القطاع وحكم عسكري. 

الواضح حقا هو الكذب المطلق في تصريحات نتنياهو المتغطرسة حول إعادة “جميع المخطوفين، الاحياء والاموات”. على الأكثر هو مستعد لصفقة جزئية، انقاذ خمسة، عشرة، وربما 11 مخطوف. الباقون ستتم التضحية بهم من اجل سلامة الائتلاف. يوجد سلم أولويات. من قال في حينه، في فترة الانقلاب النظامي، بأن إسرائيل يمكنها تدبر أمرها بدون اثنان أو ثلاثة اسراب طائرات ولكن لا يمكنها تدبر امرها بدون حكومة، بالتأكيد هو يؤمن بأن إسرائيل يمكنها تدبر امرها مع اكثر من 40 رون أراد، لكنها لن تستطيع ذلك بدون حكومة الكارثة التي في ولايتها تم التخلي عنهم.

نتنياهو في جوهره لا يختلف عن سموتريتش وبن غفير والوزراء. هو اقل صدق منهم. الامر لا يتعلق فقط بإعادة المخطوفين، بالمناسبة، بل هو يتعلق أيضا باهداف القتال في قطاع غزة. ومن اجل إبقاء سموتريتش في الائتلاف فان رئيس الوزراء انتهك (مع معرفة سابقة بأنه سيفعل ذلك) الصفقة الأخيرة، ولم يدخل حتى في النقاشات حول المرحلة الثانية. ومن اجل إعادة بن غفير الى حضنه فقد استأنف القتال في القطاع.

منذ توسيع الائتلاف (من خلال سرقة مقاعد قائمة جدعون ساعر)، انقلب ميزان القوة في الجناح المتطرف في الائتلاف. بن غفير الذي ركز معظم تخوفات نتنياهو ضعف، وبالذات سموتريتش الذي جاء من أعماق المكانة الصفرية الثابتة في استطلاعات الرأي هو الذي تعززت قوته.

أيضا اهتمام الاعلام انتقل الى الوزير ضئيل الحجم وصاحب الفم الكبير. فترة ولايته المزدوجة كوزير للمالية ووزير في وزارة الدفاع، مع ميزانيات ضخمة لتسمين المستوطنات المعزولة، ومليارات الدولارات لليهود الحريديين، لا سيما مع ادارته الفعلية للحرب التي لا تنتهي، فان سموتريتش اصبح الشخص الأقوى في إسرائيل بفجوة لا يمكن تخيلها بالنظر الى قوته المتدنية جدا وتعاطف الجمهور معه، بما في ذلك داخل صفوفه. شعار حزبه (الصهيونية الدينية) يسيء الى قطاع كامل، هو نسخة لحزب مجيد، حزب يوسف بورغ وزبولون هامر، اللذان لو كانا احياء الآن لكانا أول من انكر ما حدث لهذا الحزب.

هذا تجسيد (آخر) لخطاب نائب رئيس الأركان في حينه يئير غولان، عشية يوم ذكرى الكارثة قبل تسع سنوات، عندما كان سموتريتش عضو جديد في الكنيست. ومنذ ذلك الحين تضخمت العمليات وتعاظمت أيضا قوة هذا الرجل. اسلافه سيقولون بأنه نسي ما معنى أن تكون يهوديا (الا اذا كانت يهوديته تدعو الى التخلي عن اليهود ليموتوا بآلمهم في الانفاق). وكان انخراطه في المؤسسة الأمنية سيشكل صدمة لسابقيه أيضا. تطاوله أيضا على المنظومة الأمنية كان سيصدم سابقيه الأوائل. من جوهرها الفاشي الى اسلوبها الوحشي، مثل تأكيده المتكرر في هذا الأسبوع على الذهاب الى المرحاض عندما كان رونين بار يتحدث في جلسة الحكومة. “الأسلوب هو الانسان نفسه”، كتب العالم الفرنسي جورج لويس لكلير دي بيفون في العام 1753. 

في هذا الأسبوع هو أيضا اختار التشاجر علنا مع موشيه غفني (يهدوت هتوراة) حول قانون التهرب من الخدمة. شجار مضحك ليس فقط بسبب أنهما وقعا معا، كوزير للمالية وكرئيس للجنة المالية، على أسوأ عملية نهب للائتلاف في تاريخنا. ولكن السبب الرئيسي هو أن جميع أعضاء الائتلاف يدركون أنه لا يوجد حل لهذه الفوضى. الجميع يستعدون الآن لاحتمالية أن ينفذ “شيوخ التوراة”، اللقب الذي يطلق على الحاخامات المناهضين للصهيونية، تهديدهم، وأن يأمروا ممثليهم في الائتلاف بتعطيل العمل التشريعي للحكومة، الامر الذي يعتبرونه عقاب “خفيف” على مماطلة نتنياهو. وقد انضم الى التهديد أيضا آريه درعي، رئيس حزب شاس، الذي هو فصيل تحت قيادته اصبح الحزب متطرف اكثر من الاخوان الاشكناز.

على خلفية هذا الشجار الصغير توجد الفجوة الأكبر بين القبعات السوداء والمنسوجة، في قضية التجنيد. وهي فجوة تنعكس فقط قليلا في الائتلاف الذي يجلس فيه ممثلوهم المنتخبون. سموتريتش يدرك أن الامر يتجاوز سياسة الهوية المشوهة التي تم تشكيلها تحت نار “كتلة نتنياهو”، وأنها تشكل أيضا التهديد السياسي الأكبر له في الدورة الصيفية.

مهم لنتنياهو المستقبل السياسي لرئيس الصهيونية الدينية، الذي اسبوع تلو أسبوع ينزل الائتلاف في الاستطلاعات من اقلية لها 50 – 51 مقعد الى اقلية لها 45 – 46 مقعد. ولكن مثلما يسهل عليه التضحية بالمخطوفين لصالحه، وأن يطبع ببطء حكم عسكري كارثي في غزة، هكذا يصعب عليه إعطاء حتى لو بادرة حسن نية رمزية في قضية التجنيد، على حساب الحريديين. مع ذلك، توجد حدود لا يجب تجاوزنها، ومن مثل نتنياهو يعترف بالحدود.

——————————————-

هآرتس 25/4/2025

ما الذي خرج من سموتريتش في نهاية المطاف

بقلم: رفيت هيخت

بعد ظهوره على المنصة، وبعد نشاطات حركة “ريغفيم”، ومعارضة الانفصال، التي حتى أدت الى اعتقاله من قبل الشباك، فان سموتريتش اعتبر وعد قيادي بارز في صفوف اليمين، وفي السياسة في إسرائيل بشكل عام. كثيرون تأثروا من حدة نظرته والطاقات النابليونية التي دفعته الى تمرد قوي ضد قيادة المستوطنين القديمة. 

منذ الوقت الذي خرج فيه من اقبية الشباك ادرك سموتريتش درسا هاما وهو أن عملية ناجعة لتغيير الواقع واخضاعها للمؤشر المتطرف في اليمين الاستيطاني، تقتضي أن تكون من داخل المنظومة نفسها، أي من داخل رموز الشيفرة الرسمية للدولة. قبل انتخابه بفترة طويلة ذهب واستمع الى افضل عقول منظومة القضاء – من دوريت بينيش وحتى روت غافيزون – من اجل دراسة الطيف الليبرالي في جهاز القضاء كمرحلة مسبقة في خطة اسقاطه. وقد مهدت فترة عمله الناجحة في وزارة المواصلات طريقه الى قلب التيار السائد، الذي تبنى بدوره فكرة التهجير والقتل الجماعي للابرياء، التي كان سموتريتش يدافع عنها منذ فترة طويلة.

التطور غير الناجح لهذه العملية يظهر بوضوح الآن: العداء المزمن لعائلات المخطوفين، تهديد يتم اطلاقه بمهارة رجل الكاوبوي في الرسوم المتحركة، الاحتجاج الصبياني مثل “الذهاب الى المرحاض” احتجاجا على مشاركة رئيس الشباك في اجتماع لمجلس الوزراء. في هذا الأسبوع جاء دور رئيس الاركان أيال زمير “الهجومي” الذي اختارته الحكومة كرد فعل مضاد على هرتسي هليفي “المتراخي”. لقد أصبحت الصيغة الثابتة هي جملة “اذا لم تفعل أي شيء فسنقوم باستبدالك”. هذه بالفعل عبارة مبتذلة تصاحب سموتريتش في نقاشاته مع المسؤولين في العالم الحقيقي خارج فقاعة كدوميم – بيت ايل. الرياح الثورية التي تهز البيت لا تأتي من سموتريتش، بل تأتي من بنيامين نتنياهو الذي يريد مكانة الديكتاتور.

لقد اصبح بالامكان القول بأنه في امتحان حياته كسياسي وزعيم فان سموتريتش لم ينجح في التغلب على الأساس الفوضوي الاصيل الذي يوجد فيه. التواجد الطويل تحت نسبة الحسم في الاستطلاعات يدل على أن حلم قيادة اليمين، الذي قبل الانتخابات الأخيرة كان يظهر كتطور محتمل، هو جيال جامح. 

يجب عدم تقليل اضراره الكثيرة. فالى جانب منصبه في وزارة الدفاع كوزير للمستوطنين، هو من بين المسؤولين عن أن الحرب لم تنته حتى الآن وعن أن المخطوفين يواصلون كونهم مهملين. محظور الاستخفاف أيضا باحتمالية حلم الاستيطان في غزة، الذي ينوي سموتريتش القيام به بواسطة فرض حكم عسكري في القطاع كخطوة سابقة. في الائتلاف هو يعتبر شخص مقدر، وخلافا لايتمار بن غفير هو يعتبر شريك، الذي موقفه يتم اخذه بجدية. ولكن لمكانته الحالية في الحكومة، ولمكانته العامة وتأثيره على الواقع، لا توجد أي علاقة منذ فترة طويلة بالقيمة السوقية الحقيقية له. سموتريتش هو مثل السهم الذي له قيمة محددة ومضخمة، الممنوع من التنافس في السوق الحرة، لذلك فان وزنه الثابت في مؤشر متخذي القرارات ليس له أي علاقة بقيمته الحقيقية. 

الأقسام الليبرالية في الصهيونية الدينية تكرهه وتمقته لأنه يمثل في نظرها السيطرة المتطرفة والحريدية القومية التي حولتهم الى منفيين في قطاعهم. رجال الدولة يجدون صعوبة في ابتلاع هجماته الشرسة على رؤساء المؤسسة الأمنية. ويبدو أن اليمين الثوري لديه مرشح افضل في الطريق وهو عوفر فنتر، الذي خلافا لسموتريتش ليس له فم كبير “فقط”، بل هو يتمتع أيضا بتجربة في ساحة المعركة. 

الفجوة بين قوة سموتريتش ووزنه الحقيقي هي من أكثر التعبيرات على الشذوذ العام هنا. سموتريتش يهدد ويصرخ في وجه رئيس الأركان، رغم أنه يتذبذب حول نسبة الحسم ويمثل اقلية متطرفة حتى في داخل مجتمع لديه مشاعر يمينية، مثل أجزاء كثيرة في الحكومة. المشكلة هي أن هذا الشذوذ يطلق عليه الآن اسم “الحياة في إسرائيل”.

 ——————————————

يديعوت 25/4/2025 

المستشار القانوني للحكومة مندلبليت يعتبر ان نتنياهو حوّل الولاء للدولة الى ولاء شخصي

بقلم: ناحوم برنياع

في تشرين الثاني 2019 قرر المستشار القانوني للحكومة افيحاي مندلبليت رفع لائحة اتهام ضد نتنياهو، والبلاد كانت فوضى. في أحيان بعيدة تحُدث لائحة اتهام واحدة جلبة كهذه في حياة دولة: اول من تغير كان المتهم – أصبح رجلا ملاحقا اكثر، مريرا ومنطويا اكثر مما كان في الماضي. تمثيل حزبه في الحكومة وفي الكنيست تغير على نحو عجيب وعكس التغيير الذي طرأ عليه. فقد اصبح هذا سربا من الامعات والكهانيين؛ تغييرات ديمغرافية وثقافية تسارعت دفعة واحدة. المجتمع كله انقسم الى قبائل قادرة، حتى الان، على أن تقاتل معا لكن في كل موضوع آخر هوة تفغر فاها بينها.

المستشار القانوني للحكومة افيحاي مندلبليت

أول امس التقيت مندلبليت، اليوم بروفيسور، عميد كلية القانون في المركز الاكاديمي للقانون والاعمال التجارية في رمات غان.

سألته هل تصورت عند اتخاذك للقرار ماذا سيكون تأثيره.

“فكرت أنه ستقع أمور غير طيبة”، قال. “لم أتصور الى أي حد سيتدهور الوضع. القصة لا تنتهي في نتنياهو. تتدحرج اليوم أفكار لقوانين تعطي حصانة من التحقيق للوزراء والنواب أيضا. 

هل كانت إمكانية أخرى؟ الجواب هو لا. عندما تكون بينات مسنودة باحتمال معقول للادانة، والمصلحة العامة قائمة، هذا ملزم. لا يمكن الامتناع عن هذا. مصيبة اكبر كانت ستقع لو كنت اعتقد أنه توجد بينات وما كنت لارفع لائحة اتهام”. 

قلت، نتنياهو رأى ما يحصل في الولايات المتحدة، الدولة التي هو معجب بها. في تشرين الثاني الماضي، جرت هناك انتخابات للرئاسة. ترامب فاز، وعلى الفور أغلقت كل الملفات الجنائية ضده. طهر في صندوق الاقتراع. انا أيضا فزت في الانتخاباتت، يقول نتنياهو. فلماذا هو نعم وأنا لا. 

“كل دولة ونظامها”، قال مندلبليت. “لا اعتزم ان احلل الان مزايا ونواقص أنظمة القضاء المختلفة”.

هل أخذت بالحسبان الرد المحتمل من نتنياهو والبيبيين، سألت. “لم انشغل في هذا الموضوع”، قال. “اذا كانت توجد شبهات، فيجب السير حسب القانون والوصول الى تقصي الحقيقة”. 

“كل منتهى سبت”، قالت، جرت في تلك الفترة مظاهرة ضدك في ميدان غورن، قرب بيتك في بيتح تكفا. المتظاهرون كانوا مجموعة “كرايم مينستر”. اتهموك بالتآمر مع نتنياهو. 

“هذا ما يحصل عندما يريد الناس ان يصلوا الى إنجازات سياسية من خلال إجراءات قضائية”. لاحقا جاءوا للتظاهر ضد بادعاءات معاكسة”.

أرفقوا بك حراسة في الفترة إياها، قلت.

“نعم”، قال. لم يكن فرحا بالذكرى. 

قلت انك اتخذت القرار بلائحة الاتهام بقلب ثقيل، قلت. فلئن كان كل شيء بهذا القدر من الوضوح، فلماذا قبلك كان ثقيلا؟ 

مندلبليت تراجع الى الوراء. “عندما امتثلت في لجنة غرونيس (اللجنة برئاسة رئيس العليا الأسبق التي تفحص مرشحين لمنصب المستشار)، سُئلت كيف سأتصرف اذا ما وصلت الى تحقيق حول رئيس وزراء. قلت اني جد آمل الا يحصل هذا. لم أرغب في أن ارفع لائحة اتهام ضد رئيس وزراء بعامة وضد رئيس الوزراء هذه بخاصة. 

يمكن فهم الصعوبة، قلت. كنت سكرتير حكومة نتنياهو. كنت معجبا به. 

“اعتقدت ان فكره الايديولوجي صحيح”، قال. “هو رجل ذكي جدا.  يستمع لاراء الاخرين لكنه في النهاية يقرر وحده – بالاجمال قرارات جيدة، في صالح الدولة”. 

أتساءل اذا كان التحقيق غيرك، قلت. هل استيقظت ذات صباح وقلت هو ليس الرجل الذي اعرفه واعجب به، هو مجرم. اعتقدت ان هذا ما حصل لروني ألشيخ، المفتش العام في تلك الفترة.

ابتسم. “هذا ليس صحيحا بالنسبة لي”، قال. “لم اكن في مكان التفكير عنه كمجرم”. 

هل تغيرت معاملته لك، سألت. فقد واصلتم العمل معا، هو في وظيفته، انت في وظيفتك.

“شعرت بتغيير في موقفه مني وموقفه من القانون أيضا”، قال. “بدأ تغيير عميق في موقفه من اطاعة القانون: بدلا من الولاء للدولة، ولاء شخصي. سار هذا في اتجاهات جد غير رسمية. حصل هنا شيء ما قد يكون أسوأ من الموضوع الجنائي”. 

أنت تقصد الانقلاب النظامي، قلت. دارج القول انهم اخفوا خطة الانقلاب عن الجمهور. هذا ليس صحيحا – سموتريتش وروتمان عرضا الخطة قبل الانتخابات في مؤتمر صحفي عقداه في كفار همكبيا. كل شيء كان هناك، في كراس ملون، بصاغات من انتاج منتدى “كهيلت”.

“عندي ادعاءات اقل تجاه روتمان وسموتريتش”، قال. “فقد خطا الحرب ضد جهاز القضاء على علمهما. لا اعتقد أن هذا كان الوضع في الليكود. ليس على هذا ادار الليكود الانتخابات. 

“الحكم لا يعود لحكومة واحدة أو لشخص واحد. هو يعطى لهؤلاء الأشخاص كوديعة. عليهم أن يحترموا هذا. في المحكمة العليا تجلس عصبة كبيرة من القضاة المحافظين. لا أحدا منهم يقبل فكر لفين وروتمان – ولا حتى نوعام سولبرغ”. هم يقولون انهم جاءوا ليغيروا، قلت. 

“هذا انقلاب من الأقصى الى الأقصى، ثورة وليس نشوء وارتقاء”، قال. “مناحم بيغن قال، انا سأخضع نفسي طواعية للسلطة القضائية. ليس مساواة بين السلطات – تفوق للقضاء. يقولون لي انه ليس من الحكمة جلب اقتباسات كهذه من الفترة التي كان بيغن فيها في المعارضة. في المعارضة سهل ا لحديث. لكن في 1979، عندما كان بيغن رئيس وزراء، قال ان المستشار القانوني للحكومة يقرر لنا القانون. وهكذا أيضا رابين، الذي اطاع المستشار القانوني أهرون باراك واستقال حين انكشف حساب الدولارات”.

مفاجأة للجميع

هل اعتقد في أي مرة ان يتمرد رئيس الشباك على رئيس الوزراء، سألت.

“ما فعله رونين بار كان بالنسبة له مفاجأة إيجابية”، قال. “عندما يريد رئيس وزراء انهاء ولاية رئيس شباك، توجد مسيرة هو ملزم بان يحترمها. يقولون لي هذه إجراءات، موضوع رسمي. عندما تدخل الى الإجراءات تكتشف الجوهر. 

“في 7 أكتوبر كان على الجميع أن يرحلوا، رونين بار ونتنياهو على حد سواء. القصة بينهما تبدأ بعد سنة من ذلك في 5 تشرين الثاني 2024. نتنياهو يقيل غالنت ويعلن انه لن يلمس شخص آخر في اذرع الامن. وعندها تنكشف القضايا التي يحقق فيها في مكتبه. توجد هنا مشكلة يجب استيضاحها. من اجل هذا توجد لجنة غرونيس الثانية لتعيين كبار المسؤولين”. 

لو كنت أنت رئيس الشباك، هل كنت ستتصرف مثله، سألت. 

“يفترض بي أن اتصرف مثله”، قال.

اسمح له مرة أخرى أن أكون محامي نتنياهو، قلت. رئيس الوزراء الذي هو ايضا الوزير المسؤول عن الشباك يقول انه لا يمكنه ان يعمل معه. افلا يكفي هذا؟ 

“بداية انت تريد ان تلقي بأحد ما، وعندها تخلق نزاعا، وليس العكس. لرئيس الشباك يوجد أيضا وظيفته كحارس عتبة، كدرع الديمقراطية. اذا كان صحيحا ما كتبه رونين بار في تصريحه، اذا كان نتنياهو حاول استخدامه كذراع لتحقيق مصالح سياسية، هذا رهيب ومخيف، يا رحمة السماء”.

——————————————-

هآرتس 25/4/2025 

نتنياهو كذب على ماكرون وأخفى عنه خطة الضم

بقلم: عاموس شوكن

قبل أسبوعين اعلن الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون (بتغريدة باللغة العبرية في شبكة “أكس”) بأن “موقف فرنسا واضح: نعم للسلام، نعم لامن إسرائيل، نعم لدولة فلسطينية بدون حماس. هذا الامر يقتضي تحرير جميع المخطوفين ووقف نار دائم واستئناف فوري للمساعدات الإنسانية والدفع قدما بحل سياسي يقوم على دولتين. لا يوجد أمر آخر إلا الحل السياسي. أنا اصمم على الحقوق القانونية للفلسطينيين في دولة وفي سلام، بالضبط مثلما اصمم على حق الإسرائيليين بالعيش بأمن وسلام، في الوقت الذي تحظى فيه الدولتان بالاعتراف من جيرانهما”.

بنيامين نتنياهو رد على ذلك وقال: “الرئيس ماكرون يخطيء بشكل كبير عندما يواصل الدفع قدما بفكرة الدولة الفلسطينية في قلب بلادنا، والتي كل طموحاتها هي تدمير دولة إسرائيل. نحن لن نعرض وجودنا للخطر بسبب أوهام مقطوعة عن الواقع”. وعندما كتب نتنياهو هذه الاقوال فانه كان يعرف أنها كذب. محمود عباس يتحدث منذ سنوات عن إقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي التي احتللناها في 1967، التي هي اقل من الأراضي التي خصصت للدولة العربية في خطة التقسيم للأمم المتحدة في العام 1947، والتي وافق زعماء الصهيونية عليها. أيضا م.ت.ف اعترفت بدولة إسرائيل، وليست لها أي نية لتدميرها. وعندما تم انتخاب عباس كرئيس قال إنه يعارض الإرهاب، وأن الدبلوماسية فقط هي الأداة لتحقيق أهدافه. رجال حماس كانوا ينوون تدمير إسرائيل كما تبين من خططهم، لكن نتنياهو أيد هذه المنظمة على طول الطريق حتى 7 أكتوبر كي يستطيع تجاهل السلطة الفلسطينية ومحمود عباس بذريعة انها لا تمثل جميع الفلسطينيين.

من المؤسف أن سياسة نتنياهو منذ عاد الى منصب رئيس الحكومة في 2009 كان معاكسا لتجربة سلفه في هذا المنصب، اهود أولمرت، الذي عمل على الدفع قدما باتفاق مع السلطة الفلسطينية. لا شك أنه لو واصل نهج أولمرت وانشأ مع عباس الدولة الفلسطينية، حتى لو فقط في الضفة الغربية، فانه لما كان امام حماس أي خيار إلا الانضمام للسلطة على أساس الاتفاقات التي عقدتها مع إسرائيل، وكنا سنتجنب حدوث المذبحة في 7 أكتوبر. يصعب التصديق أنه خلال الـ 15 سنة لحكمه لم يبادر نتنياهو الى اجراء أي لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية التي تشكلت بقوة الاتفاق مع إسرائيل، والتي توجد على بعد نصف ساعة سفر من المقر في شارع بلفور. ولكنه ادار له ظهره بشكل كامل.

نتنياهو ليس فقط كذب على الرئيس ماكرون بخصوص نوايا السلطة الفلسطينية، بل اخفى عنه السبب الحقيقي لمعارضة الدولة الفلسطينية: نية حكومة إسرائيل، ضم المناطق المحتلة وجعلها جزء من دولة إسرائيل ومواصلة تجاهل وجود ملايين الفلسطينيين، وإخراج طردهم من المناطق التي يريد اليهود أن يكونوا فيها الى حيز التنفيذ والدفع قدما بتهجيرهم الى دول أخرى. هذه العملية تحدث الآن، بما في ذلك جهد لزيادة المستوطنات غير القانونية في المناطق.

عمانويل ماكرون يعرف قرار مجلس الامن 2334 الصادر في كانون الأول 2016، الذي ايدته فرنسا، ونص على انه يجب عدم امتلاك الأراضي عن طريق الاحتلال بالقوة، وعدم إقامة مستوطنات في المناطق المحتلة للمواطنين الإسرائيليين، وأنه محظور هدم بيوت الفلسطينيين وطردهم الى أماكن أخرى. القرار أيضا طالب إسرائيل باخلاء المستوطنات التي بنيت بعد 2001. حكومات إسرائيل تجاهلت هذا القرار وكأنه غير موجود. وحكومة نتنياهو تعمل بشكل مخالف له: تشجع على هدم بيوت الفلسطينيين وتسمح بطردهم من مناطق كثيرة. لذلك فان المطلوب الآن هو قرار دولي، يمكن لماكرون الدفع به قدما ردا على سلوك حكومة إسرائيل. 

نظام الابرتهايد الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في الضفة منذ 58 سنة، والآن نتنياهو يريد توسيعه أيضا ليشمل غزة، غير مبرر تجاه الفلسطينيين الذين يستحقون تقرير المصير ودولة خاصة بهم، ولن يكون قائم بدون التسبب بارهاب فلسطيني واشغال الجيش الإسرائيلي في حرب ضد الإرهاب. هكذا فانه يضر وسيضر بأمن إسرائيل. الحرب تجري ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية باشكال مختلفة، ويقتل فيها الفلسطينيون بارقام غير مسبوقة. نتنياهو يقوم بتنمية الأمل في اليمين المتطرف بأنه سيكون تهجير للفلسطينيين من غزة ومن الضفة الغربية الى دول أخرى، وهكذا هو سيمنع الإرهاب ضد الإسرائيليين. ورغم أن إسرائيل تنغص طوال الوقت حياة الفلسطينيين وبذلك تخالف القانون الدولي فانه من غير المعقول أن يكون هناك ترانسفير كبير. 

الدولة الفلسطينية، اذا قامت، ستلغي الإرهاب والحاجة الى محاربته. فهي ستقوم على أساس اتفاقات مع إسرائيل في شؤون الامن والتعليم والاقتصاد للشعبين، وفي مجالات أخرى لها صلة بالدول التي لها حدود مشتركة معهما. هذا الاتفاق سيؤدي الى زخم مهم للدولتين اكثر مما جلبه اتفاق السلام مع مصر.

هذه الخطوة من قبل إسرائيل ستعزز موقفها في أوساط الدول العربية في المنطقة وفي أوساط دول كثيرة في العالم تؤيد حل الدولتين. وهي ستؤدي الى انضمام دول عربية أخرى الى اتفاقات إبراهيم مثل السعودية ولبنان وسوريا، وسيصعب على تركيا وايران رؤية إسرائيل كعدوة. وهي ستغير كليا نظرة الفلسطينيين مواطني إسرائيل للدولة، وستقلب مواقف المحتجين الشباب ضد إسرائيل في الجامعات في العالم الى دعم إسرائيل، وستمكن اليهود الديمقراطيين في العالم، الذين الآن هم يتحفظون من إسرائيل، من دعمها. كل ذلك سيعزز أمن إسرائيل اكثر من أي عملية أخرى.

——————————————-

معاريف 25/4/2025 

تصريح رئيس الشاباك ضد نتنياهو يساعد رئيس المحكمة العليا لاصدار قرار تاريخي

بقلم: ألون بن دافيد

بشجاعة غير مفاجئة، ورغم ثقل المسؤولية الجسيم على الحمل على ظهره اكتسب رونين بار هذا الأسبوع مكانه بين رافعي شعلات محققي رؤيا وثيقة الاستقلال. الى جانبه تقف امرأة شجاعة سبق أن اضاءت شعلتها في سنين من الصراع الطويل، المصمم ولا هوادة لحماية الديمقراطية الإسرائيلية، غالي بهرب ميارا. السؤال المتبقي عشية يوم استقلال الـ 77، ربما الأخير لنا كدولة يهودية وديمقراطية هو هل سينضم اليهما على المنصة رئيس المحكمة العليا أيضا. 

التصريح الذي رفعه رئيس الشباك الى محكمة العدل العليا هو وثيقة تأسيسية لا بد ستدرس في تاريخ الديمقراطية الإسرائيلية ان لم يكن في التاريخ. هذه لائحة اتهام حادة وواضحة ضد رئيس وزراء يدفع قدما بانقلاب نظامي. ليس “اصلاحا”، ليس “ثورة قضائية”، بل انقلاب حقيقي، انقلاب يجعل قدرات دولة إسرائيل تحت تصرف الإرادة الخاصة لرئيس الوزراء. 

لقد سبق ان كان رؤساء وزراء تسلوا بفكرة استغلال الأدوات التعسفية للشباك لتحقيق مصلحتهم السياسية. كان أيضا من احتكوا مع رؤساء جهاز الامن في محاولة لربطهم بمهام غير جديرة. لكن لم يكن حتى اليوم رئيس وزراء بكلمات حادة وواضحة وضع نفسه فوق قوانين الدولة وطلب الطاعة له وليس للقانون. تصريح بار يصف رئيس وزراء اختار عن وعي خرق قسم ولائه لدولة إسرائيل وقوانينها.  

في ضوء التصريح، واضح أن اختيار رئيس الشباك التالي وشخصيته هو أمر حرج. على مدى عشرات السنين عين لرئاسة الشباك مسؤولون كبار كانوا مجهولين للجمهور حتى لحظة تعيينهم. كلهم اثبتوا التزامهم بالرسمية، وبجهاز بضغطة زر يمكنه أن يتسلل الى أعماق الاسرار الخاصة لنا جميعا – هذا الالتزام ليس امرا تافها. 

النقاش الأول الذي جرى في محكمة العدل العليا في الالتماسات ضد اقالة رئيس الشباك عكس ضحالة الروح التي تميز المحكمة العليا في السنوات الخمسة الأخيرة، منذ تقدمت بكتاب استسلامها بقرارها الذي سمح لمتهم في الجنائي ان يتولى منصب رئيس الوزراء، باسناد اجماعي من 11 قاض. في النقاش سمع القضاة كمن يقلصون أنفسهم للانشغال فقط بالجوانب الإدارية والفنية لاجراء اقالة رئيس الشباك. التصريح الذي رفعه بار يشق لهم الطريق لكتابة قرار محكمة تأسيسي، قرار يسجل في التاريخ. 

حايوت او اغرانات؟

في بداية أيام استقلال دولة إسرائيل الفتية طُلب من المحكمة العليا ان تحسم في التماس ضد وزير الداخلية الذي امر بان يغلق لعشرة أيام  نشر  صحيفة الحزب الشيوعي “صوت الشعب” في اعقاب مقال نقدي عن تأييد إسرائيل للولايات المتحدة في الحرب الكورية. يسرائيل روحك، وزير الداخلية في حينه عمل ظاهرا في اطار الصلاحيات التي يمنحها له القانون، في هذه الحالة “امر الصحافة”. قاضي المحكمة العليا شمعون اغرانات اختار الا يركز على مسألة الصلاحيات الفنية بل على المسألة المبدئية المتعلقة بحرية التعبير – واصدر من تحت يديه قرار محكمة تأسيسي، يقوم على أساس وثيقة الاستقلال التي تشكل حتى اليوم الأساس لحرية التعبير في إسرائيل. قضى ما هو مسموح وما هو محظور للسلطة التنفيذية عندما تأتي لتنفذ صلاحياتها حسب القانون. تنحية رونين بار توفر للمحكمة لحظة تاريخية أخرى كهذه لان تقول كلمتها.

لا خلاف في ان للحكومة صلاحيات قانونية لاستبدال رئيس الشباك. بعد أن صرح رئيس الشباك في تصريح مشفوع بالقسم بان النية لاستبداله مغروسة في مسألة لمن يطيع – القانون ام الحاكم – فان المسألة التي تقف امامها المحكمة أوسع بكثير من الاجراء الفني للتنحية. فهل سيسير الرئيس اسحق عميت في طريق اغرانات ام هل سيختار طريق استر حايوت؟

من اللحظة التي أصدرت فيها حايوت من تحت يديها القرار المعيب الشهير كـ “0:11، بدأت مسيرة خراب دولة إسرائيل. منذئذ قتل وجرح الاف كثيرين من الإسرائيليين، مؤسساتنا الرسمية تجتاز تفكيكا منهاجيا، الخدمة العامة تتحطم، الاقتصاد يغرق، وفي غضون خمس سنوات تحولت إسرائيل من دولة قوية، عزيزة ومزدهرة الى دولة مضروبة ونازفة على شفا الهاوية. 

تصريح بار يوضح بانه أمام المحكمة يقف شخص فقد الكوابح. ولا يمكن لا اقوال تملق او مساومة ان تطمس تصميمه على تحقيق سيطرة تامة على كل مؤسسات الدولة بما فيها السلطة القضائية. وهو مسنود بائتلاف متملقين عديمي العقل، رجال اعلام يضعون الظلام بدل النور والنور بدل الظلام، وبجمهور مؤيدين لا بأس بهم يقولون “اعطونا ملك”. 

من الصعب التصديق الا يكون رئيس العليا يشخص عظمة الساعة. السؤال هو اذا كان لديه بأس الروح لان يقول بشكل عام وواضح ما هو مسموح وما هو محظور وان ي عيد من جديد ترسيم حدود القوة للسلطة التنفيذية في الديمقراطية الإسرائيلية المنهارة. ليس مؤكدا ان كلمات حادة وواضحة ستوقف حملة الهدم الكاسحة، لكن جدير للشعب في صهيون ان يعرف بانه لا يزال يوجد دين ويوجد دايان.

للقاضي اسحق عميت توجد فرصة لان يكتب قرار محكمة عظيم وليكون واحدا من ثلاثة المعاقل الأخيرة للديمقراطية. يحتمل أن تسحقه سرايا السم هو أيضا، لكننا سنعرف على الأقل بان دولة إسرائيل، التي قامت في ظل صراع لم تسقط أيضا دون صراع. 

——————————————-

هآرتس 25/4/2025

وكأن العالم يعرف طباعنا قبل 7 أكتوبر.. ألم نقل “نحارب حيوانات بشرية”؟

بقلم: ايريس ليعال

بعد أسبوع على 7 أكتوبر، انضممت لمجموعة أكاديميين وناشطين ومفكرين يساريين، يهود وعرب، لصياغة رسالة مستعجلة لمجموعات يسارية في العالم، التي رفضت إدانة هجوم حماس. فهي أنكرت اغتصاب رجال حماس للنساء والتنكيل بالضحايا قبل ذبحهم ثم التنكيل بجثثهم، أو أنهم قتلوا الأطفال الرضع ودمروا عائلات وتجمعات كاملة. إنما أرادوا إدخال الأحداث في سياق الحوار ما بعد الكولونيالي. 

سادية حماس البربرية صمت الأذن عما تطور بوضوح إلى درجة انتقام إسرائيل بشكل وحشي وقاتل بدعم الأغلبية الساحقة من الجمهور، الذي اختفى وراء ذريعة الدفاع عن النفس. المبادرون إلى الرسالة حددوا لقاء عبر “زووم” الجمعة في 13 تشرين الأول؛ لمناقشة النقاط التي كان ضرورياً ظهورها في الرسالة. وكان من بيننا أسماء جدية لها سمعة دولية وعلاقات مع وسائل الإعلام واليسار العالمي، وأشخاص مؤثرين في الأكاديميا، وكُتاب حصلوا على جوائز دولية ومثقفين بارزين. أردنا إنتاج تجربة مشتركة مع اليسار، يضطرون في نهايتها للاعتراف بانغلاقهم تجاه معاناتنا. ولكننا كنا في بلاد أخرى بالمعنى الجغرافي، وبالأساس من ناحية زاوية الرؤية. 

عندما أصررت على أن تتطرق الرسالة إلى المس بالسكان الغزيين، واجهت رداً متردداً، باستثناء ناشطة اجتماعية واحدة، كانت حتى تلك اللحظة يسارية – شرقية – راديكالية. احتجت ضدي بشكل صارم، وقالت هذا هو وقتنا الآن، ولا أريد تقاسمه مع الغزيين والفلسطينيين. نحن الضحايا (لقد غرست إصبعها في صدري على الأقل مرتين وهي تشير إلى نفسها للتأكد من أن الجميع يعرف من هم الضحايا الحقيقيون)، نحن، فقط نحن. 

نظرت بفضول إلى صورتها في مركز المربع على الشاشة؛ كانت صاخبة، وذكرت أنها أم لأطفال من أجل تعزيز ادعائها. لم أستطع إنكار البراءة التي تحدثت بها. والأعصاب التي كانت تزن في مؤخرة رقبتي مثل بعوض الصيف، عند سماع أقوالها. في حينه، لم أكن أتخيل أن أكثر من 15 ألف طفل فلسطيني سيموتون نتيجة القصف المباشر أو نتيجة الإصابة والأمراض التي لم يتم علاجها بسبب نقص المعدات أو نتيجة إطلاق النار مباشرة على الرأس. لم أتخيل أن الشباب سيكونون دروعاً بشرية للجنود، وأن الأطفال سيموتون بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم. 

في نهاية المطاف، كتبنا: “لا تناقض بين معارضة قمع الفلسطينيين واحتلالهم، وبين إدانة أعمال العنف الوحشية ضد المواطنين الإسرائيليين الأبرياء. في الواقع، يجب على كل رجل وامرأة في اليسار تبني الموقفين في الوقت نفسه”. ولكن عندما أفكر في الأمر الآن، أعرف أنها عبرت عن الحالة الذهنية لجميع الإسرائيليين، وأنني في تلك اللحظة سمعت ما سيصبح للمرة الأولى الحجة العاطفية السائدة حتى في أوساط الذين كانوا يساريين ذات يوم، وهي أن كل شخص يظهر الرحمة للقساة، سينتهي به الأمر إلى أن يكون قاسياً مع الرحيمين. الأطفال الذين قتلوا في غزة هم الإرهابيون القادمون. بعد 7 أكتوبر، لا رحمة للأعداء. بالطبع، كانت الموضة التي حصلنا عليها في ذلك الخريف والشتاء، أنه لا يوجد أشخاص غير متورطين. 

في الأسبوع الأول للحرب، فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة وأمرت 1.1 مليون من سكانه بإخلاء بيوتهم خلال 24 ساعة. 2215 شخصاً قتلوا، بينهم عشرات الأطفال. في الأيام الستة الأولى للحرب، ألقى سلاح الجو 850 قنبلة في اليوم. كان الأسبوع الأكثر دموية في الحرب، المعيار في اليومين الأولين كان أنه مسموح المس بـ 500 شخص غير متورط في اليوم. بعد يومين، ألغوا هذا القيد تماماً. 

حتى الآن، لم ندرك المعنى الحقيقي للأرقام أو أقوال وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي قال “نحن نحارب حيوانات، ونتصرف وفقاً لذلك”. في حينه كان يمكن تشخيص الخطاب المألوف الذي يمهد الطريق لتحقيق خيال الإبادة لجنس الحيوان المعروف باسم حيوانات بشرية، الذي يعيش في القطاع. ولكن نحن الإسرائيليين، كنا غارقين تماماً في الكارثة التي نزلت علينا، في حالة صدمة وذهول من الصور وأفلام الفيديو التي وثقتها حماس بكاميرات الـ “جو برو”، التي وثقت فيها كل أشكال الذل والتدمير الممكنة للناس وبيئتهم الشخصية وبيوتهم، والتشويه والإحراق وتدمير الجسد والحجر. 

بعد أسبوع من ذلك، بدت الفجوة بين الواقع في غزة والتوارع الطفولي الذي يبثه التلفزيون، والذي تضمن أيضاً التحريض على الطرد والتطهير العرقي والإبادة الجماعية- مشوشة. عندما كان الجميع يلتصقون بنشرات الأخبار ويشاهدون باستحواذ مرضي الأفلام التي توثق الفظائع التي حدثت في بلدات الغلاف، ويتمتمون “هذا أمر لا يمكن تخيله”، أصبح الإسرائيليون مخططين وحضريين ويوصون بالأحياء التي يجب محوها، ويتذمرون من تلكؤ إسرائيل في تسوية المناطق بالسرعة الكافية. لم يكن بالإمكان الجسر بين هذين الواقعين، المذبحة والمخطوفين من جهة، وطرد 1.1 مليون غزي الذين يعيشون في شمال القطاع قبل الغزو البري المتوقع من جهة أخرى. كان على أحد أن يكون الضحية المطلقة، إما الإسرائيليون الذين ثارت في ذاكرتهم الجماعية ذكرى المطاردة والقمع بكل القوة والمذابح والتدمير الجماعي، أو الفلسطينيون الذين ثار فيهم الخوف من إمكانية حدوث نكبة ثانية – صدمتان متنافستان أعادتا حماس والحرب في غزة تنشيطهما. 

كان يمكنني التشكك في أنه حدث هنا استخدام متلاعب للصدمة في الطرفين، لو لم أشاهد صور جموع الفلسطينيين، الذين مروا هم وآباؤهم في النكبة الأولى في 1948 تاركين بيوتهم مرة أخرى حاملين الأغراض التي نجحوا في إحضارها معهم إلى “المناطق الآمنة”، التي وجههم الجيش إليها – حتى هناك، للفظاعة، تم قتلهم بنار الجيش الإسرائيلي. إذا لم أتذكر رد فعل الكاتب والناجي من الكارثة أهارون ابلفيلد على الهجوم على أبراج التوائم في أيلول 2001. بعد أسبوع كتب في مجلة “نيويوركر” وأشار أيضاً إلى روتين العمليات في تلك الفترة في إسرائيل والقدس وقال “الكوارث اليومية تستحضر صور الكارثة، لقد مرت 56 سنة ولم تفارقني الصور منذ ذلك الحين”. وأضاف قصة أحد معارفه، أحد الناجين من الكارثة، الذي قال في تلك الأيام: “كنا ساذجين عندما اعتقدنا أن الغضب من وكراهية اليهود ستختفي فور الحصول على دولة خاصة بنا”. 

إن تحول أعداء إسرائيل إلى نازيين ليس بالأمر الجديد. فخلال حرب لبنان قال مناحيم بيغن “كنا نقاتل نازيين”، وهو الخطاب الذي وصفه الكاتب الناجي من أوشفيتس، ريمو ليفي، بأنها “غطرسة بيغن ورجاله الملطخة بالدماء”. وكان ليفي شاهداً على الجدل بين المؤرخين في ألمانيا في ثمانينيات القرن العشرين حول ما إذا كانت إبادة اليهود حدثاً فريداً في نوعه. يمكن التملص من هذه المناقشة مثلما فعل المؤرخون في نهاية المطاف، والتقرير بأن كل حدث تاريخي فريد في نوعه. لحسن الحظ أن هذا الكاتب أنهى حياته قبل رؤية كيف قادنا نتنياهو للكارثة وتآكل مكانتها باعتبارها درساً أخلاقياً لكل البشرية. وبعد سنة ونصف على الحرب، لم يتردد من يعارضون إسرائيل في عرض إسرائيل نفسها كمن ترتكب كارثة. 

المؤرخ الإيطالي، الخبير الذي له سمعة دولية في سياسة الذاكرة، أنزو ترفارسو، حذر بعد بضعة أسابيع على هجوم حماس من التأثير الذي سيكون لاستخدام ذكرى الكارثة من أجل تبرير “حرب الإبادة الجماعية، حسب رأيه، التي شنتها إسرائيل في غزة: “7 أكتوبر كان مذبحة صادمة، لكن وصفها بأنها المذبحة الأكبر في التاريخ بعد الكارثة يعني التلميح إلى أن هناك تواصلاً ضرورياً بين الحدثين، ما سيؤدي إلى تفسير بسيط؛ وهو أن ما حدث في 7 أكتوبر لم يكن تعبيراً عن الكراهية التي نشأت من عقود العنف الممنهج والنهب التي عانى منها الفلسطينيون، بل كانت فصلاً آخر في تسلسل تاريخي طويل من اللاسامية، التي بدأت بمناوأة اليهود في القرون الوسطى وحتى الكارثة ومروراً بالمذابح في الإمبراطورية القيصرية. بهذا التفسير، ستلعب حماس دور الأفيتار الحالي اللاسامي الأبدي” (مقابلة نشرت في 28 تشرين الثاني 2023، مدونة دار النشر فيرسو).

——————————————-

هآرتس 25/4/2025

لماذا تفضل إسرائيل الاستمرار في اعتقال النصاصرة.. “الشاهد الآخر في مجزرة المسعفين”؟

بقلم: أسرة التحرير

مر أكثر من شهر على قتل جنود غولاني 15 مسعفاً وموظف إغاثة على طريق تل السلطان جنوبي غزة. في هذا الشهر، دفن الجيش الإسرائيلي الجثث والمركبات في الرمل، ومنع الأمم المتحدة وطواقم النجدة من الوصول إلى المكان طوال خمسة أيام، والكذب في ملابسات موت الـ 15، والاعتراف بأخطاء وحتى تنحية قائد القوات. لكن بقي واحد من الناجين الاثنين من قافلة الإغاثة، هو المسعف أسعد النصاصرة السجين لدى الجيش الإسرائيلي. الجيش الإسرائيلي يرفض الإفصاح عن مكان احتجازه، ويمنع عنه اللقاء مع المحامي. أول أمس، قدمت عائلته، من خلال مركز حماية الفرد “هموكيد”، التماساً إلى محكمة العدل العليا.

لقد كشف حدث قتل المسعفين أمام الجمهور الإسرائيلي كوة لحقيقة مخيفة حول سلوك الجيش الإسرائيلي في القطاع، والشكل الذي يبلغ به هذا السلوك. وكما نشر ينيف كوفوفيتش، فقد أطلق الجنود النار من مسافة صفر على مدى قرابة 3 دقائق على التوالي، رغم عدم حدوث أي خطر من جانب المسعفين الذين يرتدون سترات عاكسة للضوء. قائد القوة شذ عن الأوامر.

لاحقاً، حاول الجيش طمس الحدث. في البداية، زعم أن المركبات كانت تسير بلا أضواء طوارئ. وعندما نشر الشريط الذي صوره أحد القتلى ونفى هذه الرواية، تراجع الجيش الإسرائيلي وادعى بأنه سوء فهم. وبعد ذلك، ادعى الجيش الإسرائيلي بأن المركبة الأولى التي أصيبت لم تكن سيارة إسعاف، بل مركبة شرطة حماس، وهو ادعاء بان كذبه. لاحقاً، زعم أن 9 من القتلى شخصوا ودينوا بأنهم رجال حماس، بعد ذلك هبط العدد إلى 6 مدانين، وبالنسبة إليهم أيضاً لم يعرض على الجمهور أي دليل يربطهم بحماس، وخصوصاً الذراع العسكري. وثمة ادعاء آخر قيل لوسائل إعلام دولية، وهو أن حركة المدنيين في المنطقة التي وقعت فيها الحادثة كانت محظورة. غير أن الأمر بإخلاء المنطقة لم يصدر إلا بعد نحو ثلاث ساعات من الحادثة.

بعد أن انكشفت كل الإخفاقات والادعاءات الكاذبة، بقي إخفاف واحد آخر – استمرار اعتقال النصاصرة. تلقت عائلته من الجيش تحديثاً بأنه معتقل ويحظر عليه اللقاء مع محام لأسبوعين آخرين على الأقل. الجيش حتى لم يفد أين يعتقل وما هي الادعاءات ضده.

يصعب تجاهل الاشتباه بأن خطيئة النصاصرة الحقيقية ليست انتماءه لحماس أو خطره على جنود الجيش الإسرائيلي، بل لأنه واحد من شاهدي العيان الوحيدين على جريمة حرب خطيرة ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي. على الجيش و”الشاباك” تحرير النصاصرة في أقرب وقت ممكن، وعلى النائب العسكري العام أن يأمر بفتح تحقيق جنائي ضد المسؤولين عن قتل المسعفين.

—————–انتهت النشرة—————–