
واشنطن- “المسار الاخباري”: يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قلب الفهم التقليدي لمواطنة الولادة، وقد وصل هذا الجدل إلى المحكمة العليا هذا الأسبوع، في أول مرة خلال ولايته الثانية ينظر فيها القضاة في إجراء إداري كبير صادر عن البيت الأبيض.
وحتى الآن، لا تتناول المحكمة العليا دستورية أمر ترامب الذي يمنع منح الجنسية تلقائيًا للأطفال المولودين على الأراضي الأمريكية لأجانب لا يحملون وضعًا قانونيًا دائمًا، بل تدرس الإدارة طلبًا لتقييد نطاق أوامر المحاكم الفدرالية التي صدرت ضد هذا القرار، والتي ترى الإدارة أنها تجاوزت صلاحياتها، حسبما ذكرت صحيفة “ذا هيل”.
وقد أثارت هذه القضية نقاشًا واسعًا داخل الأوساط القانونية المحافظة، حول مدى شرعية الخطوة التي أقدم عليها ترامب. فمنذ أول يوم في منصبه، أصدر أمرًا تنفيذيًا يقيّد حق المواطنة بالولادة، تنفيذًا لوعد انتخابي. وقد تم الطعن على هذا الأمر في عشر دعاوى قضائية، بعضها مدرج حاليًا على جدول أعمال المحكمة العليا ضمن الجلسات الطارئة.
وفي خطوة نادرة، سيستمع القضاة إلى مرافعات شفوية يوم الخميس بشأن ما إذا كانت المحاكم الأدنى يمكنها إصدار أوامر قضائية على مستوى البلاد، وهو ما يمهد لإعادة تقييم مدى صلاحية تلك الأوامر.
وبحسب ما ورد، يلوح الجدل الدستوري الأكبر حول تفسير بند المواطنة في التعديل الرابع عشر، والذي يثير خلافًا بين مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك المحافظون القانونيون الذين بدأوا مراجعة مواقفهم السابقة.
ولطالما ساد الاعتقاد الأكاديمي بأن المواطنة بالولادة تنطبق على أي شخص يولد داخل الأراضي الأمريكية، باستثناءات قليلة تشمل أبناء الدبلوماسيين والأعداء الأجانب وأبناء بعض القبائل الأصلية. لكن مؤخرًا، برزت طروحات من بعض المحافظين القانونيين تسعى إلى إعادة تفسير هذا الفهم.
وأثار أستاذان للقانون نقاشًا واسعًا حين كتبا في صحيفة “نيويورك تايمز” أن ترامب قد يخرج منتصرًا إذا نظرت المحكمة العليا في القضية، معتبرين أن القانون يدعم موقفه أكثر مما يتخيل معارضوه.
ويركز أنصار هذا التوجه على عبارة “الخاضعين لولايتها القضائية” ضمن نصّ التعديل الرابع عشر، باعتبارها تسمح باستثناء فئات جديدة من حق المواطنة. وذهب بعضهم إلى مقارنة أطفال غير المواطنين بأبناء القبائل الأمريكية الأصلية في زمن صدور التعديل، باعتبار أن كلا الفئتين لم تعترف بالسيادة الأمريكية بشكل كامل.
وقد طرح كورت لاش، أستاذ القانون في جامعة ريتشموند، هذه الحجة في ورقة بحثية حديثة، مدّعيًا أن ولادة الأطفال في سياق عائلي لا يعترف بالسلطة الأمريكية ينبغي أن يسقط عنهم حق المواطنة التلقائي.
ولكن هذا الطرح لاقى انتقادات شديدة. فقد كتب أستاذ القانون إيفان بيرنيك ردًا مطولًا يفند فيه أوجه الشبه المزعومة بين أطفال المهاجرين غير النظاميين وأبناء الأمريكيين الأصليين، معتبرًا أن الفارق القانوني والواقعي بين الحالتين واضح ولا يمكن تجاهله.
وأشار بيرنيك إلى أن نزع الجنسية عن هؤلاء الأطفال يضعهم تحت سلطة الدولة دون حماية، وهو ما يناقض الأسس الدستورية التي بُني عليها مفهوم الولاء والحماية.
وقد تواجه بيرنيك وورمان في فعالية قانونية مؤخرًا، حيث تمسك الأول بالرأي التقليدي لمواطنة الولادة، بينما اعتبر الثاني أن المسألة لا تزال غير محسومة بشكل قاطع.
ورغم استمرار التباين في مواقف المحافظين، إلا أن بعضهم غيّر قناعاته. فالقاضي جيمس هو، الذي يُنظر إليه كمرشح محتمل للمحكمة العليا في حال شغور مقعد، كان قد دافع سابقًا عن المواطنة بالولادة لأبناء غير المسجلين. لكنه تراجع لاحقًا عن موقفه بعد انتخاب ترامب، قائلًا إنه لم يسبق لأحد أن ادّعى أن أطفال “الغزاة الأجانب” يحق لهم الحصول على الجنسية تلقائيًا.
ورغم أن القضية الأوسع لا تُعرض مباشرة أمام القضاة الآن، فإنهم مكلفون بالنظر في مدى مشروعية إصدار أوامر قضائية شاملة على مستوى البلاد ضد أمر ترامب. وفي هذا السياق، تدخلت عشرات الولايات والمشرّعين والجماعات الحقوقية لتقديم مذكرات للمحكمة بشأن مدى دستورية منح الجنسية لأبناء غير المواطنين المولودين في الولايات المتحدة.
وقد عبّر أكثر من 180 مشرّعًا ديمقراطيًا عن رفضهم لنهج الإدارة في مذكرة رسمية جاء فيها: “يجب على الرئيس أن يلتزم بالبنية الدستورية، لا أن يتجاوزها. ما لم يغيّر الكونغرس القوانين، فعلى الرئيس احترامها”.