بيئة ومناخدولي

موجات حرّ تضرب العالم من شرقه إلى غربه

المسار …

تشهد مناطق واسعة من العالم موجات حر تعزوها مراكز الأرصاد وخبراء المناخ إلى تفاقم تأثيرات التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، وسط مخاوف متصاعدة من الحرائق وتداعيات صحية وبييئة خاصة على الفئات الأكثر ضعفاً.

وفي أحدث التطورات، أصدرت السلطات اليونانية تحذيراً من خطر الحرائق المرتفع اليوم السبت في العديد من الأجزاء من البلاد، حيث صنفت هيئة الحماية المدنية ست مناطق تحت “خطر الحرائق المرتفع للغاية” (ثاني أعلى فئة). وتشمل المناطق التي تواجه خطراً متزايداً كل من أتيكا ووسط اليونان وبيلوبونيز وشمال بحر إيجه وكل جزيرة كريت ومقدونيا الوسطى، بحسب صحيفة كاثيميريني اليونانية السبت.

وتحث السلطات اليونانية المواطنين على توخي الحذر الشديد وتفادي أي نشاط في الهواء الطلق يمكن أن يسبب حريق عن طريق الخطأ، مثل حرق النباتات أو استخدام الآلات التي تسبب شرراً أو رمي السجائر المشتعلة. وأفادت خدمة الإطفاء بنشوب إجمالي 40 حريق غابات أمس الجمعة. ومن بين تلك الحرائق، تم إخماد 33 حريقاً بسرعة في مراحلها الأولى، بينما واصل رجال الإطفاء مكافحة الحرائق السبعة الباقية حتى مساء أمس الجمعة.

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية اليونانية، أمس الجمعة، أن تصل درجات الحرارة إلى 42 درجة مئوية في أجزاء من البلاد، خلال الأيام المقبلة، بينما سلطت هيئة الحماية المدنية الضوء على خطر اندلاع حرائق غابات. وتم وضع إجمالي 28 ألف رجل إطفاء ومتطوع في حالة تأهب للأيام المقبلة.

في فرنسا، من المنتظر أن تسجل درجات الحرارة الأحد والاثنين 35 مئوية على الأقل في ثلثي البلاد، مما يمهد لأمسيات “غير مريحة على الإطلاق”، حيث من غير المحتمل أن تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 20 درجة، بحسب الخبير في وكالة الأرصاد الجوية الفرنسية تريستان أم.

وتطاول هذه الظاهرة جنوب البلاد، السبت، لليوم الثاني على التوالي، على أن تمتد شمالاً، مما يهدد بتزايد مخاطر اندلاع الحرائق. ومن المتوقع أن تستمر حتى الثلاثاء على الأقل. وتتوقع وكالة الأرصاد الجوية الفرنسية أن تراوح درجات الحرارة بين 34 و38 مئوية بعد ظهر السبت في المناطق التي أعلنت فيها حالة الإنذار البرتقالي، وأن “تناهز 40 درجة مئوية بالقرب من البحر الأبيض المتوسط”.

والسبب وراء هذه الذروة الجديدة في فرنسا “قبة حرارية”. وهي إعصار مضاد عنيف يشكل نوعاً من الغطاء الذي يحجب الهواء في الطبقات السفلى، يمنع تشكيل الاضطرابات، مع العمل على تسخينه تدريجاً. وفي مرسيليا (جنوب)، أمرت السلطات في ثاني أكبر مدينة فرنسية بجعل حمامات السباحة العامة مجانية لمساعدة السكان على تحمل الحر، ونشرت خريطة للأماكن العامة المكيفة. وفي نيس (جنوب)، أكدت البلدية تسليم نحو 250 مروحة محمولة “خلال الأسبوعين الماضيين” للمدارس، وتم تنظيم توزيع المراوح على كبار السن المعزولين.

في إيطاليا، تم وضع 17 مدينة في حالة تأهب قصوى (المستوى الثالث) السبت، في الشمال، مثل ميلانو وبولونيا وتورينو، أو في الجنوب، ولا سيما نابولي وباليرمو، مع توقع بلوغ درجات الحرارة القصوى 39 مئوية. من المنتظر أن تشتد موجة الحر الأحد، مع وضع 21 مدينة في حالة تأهب قصوى.

وأمرت بعض المناطق، مثل ليغوريا وصقلية، بحظر العمل في الهواء الطلق خلال ساعات الذروة، وتسعى النقابات لتوسيع نطاق القرار ليشمل مناطق أخرى. وذكرت وكالة أنباء أنسا أن ارتفاع درجات الحرارة سبَّب زيادة عدد مكالمات الطوارئ خلال الأسبوع الماضي.

وفي روما، بلغت الحرارة بالفعل 30 درجة مئوية عند الساعة العاشرة صباحاً (08,00 بتوقيت غرينتش) ومن المتوقع أن تصل إلى 37 درجة. السبت، حاول العديد من السياح الذين يزورون المدينة قدر استطاعتهم حماية أنفسهم من الحرارة، بارتداء القبعات ووضع كريمات الوقاية من الشمس.

وقالت الطالبة الإيطالية سريان مينا لوكالة “فرانس برس” الجمعة في البندقية: “أحاول عدم التفكير في الأمر، لكنني أشرب الكثير من الماء ولا أبقى ساكنة، حتى لا أصاب بضربة شمس”.

ونصحت وزارة الصحة الإيطالية السكان المحليين والزوار بعدم ممارسة أي نشاط بدني شاق في المدينة المليئة بالقنوات. وتشهد المدينة الواقعة في شمال إيطاليا، والتي يقل عدد سكانها الدائمين عن 50 ألف نسمة، ارتفاع درجة الحرارة منذ أيام.

من جهتها، تعيش منطقة البلقان أول موجة حر هذا الصيف، وسط ارتفاع متسارع في درجات الحرارة وصل إلى 40 درجة مئوية في بعض المناطق، في ظل تحذيرات من أن الأشهر المقبلة قد تشهد موجات حر متكررة وأشد حدة. ففي كرواتيا، أعلنت حالة التأهب القصوى في منطقتين قرب العاصمة زغرب وفي شرق البلاد، تحسباً لتفاقم موجة الحر.

أما في البوسنة والهرسك المجاورة، فقد حذرت السلطات من وصول درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية في مدينة موستار الواقعة جنوب البلاد وسط تحذيرات لتفادي الأنشطة الخارجية قدر الإمكان، ولا سيما بالنسبة للفئات الأكثر ضعفاً مثل كبار السن والأطفال.

أما في الولايات المتحدة، فاجتاحت موجة حر شديد وصفتها هيئة الأرصاد الجوية الوطنية بأنها “موجة حر خطيرة للغاية” في شرق البلاد بما في ذلك نيويورك وواشنطن، ما أدى إلى إجهاد شبكة الكهرباء مع تشغيل السكان مكيفات الهواء بشكل إضافي.

وفي إسبانيا، تسود حالة تأهب برتقالية السبت في عدة مناطق بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى 42 درجة مئوية في بعض المناطق، بحسب وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية. ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع الأحد، في ظل تكهنات حول يوم الاثنين، وقد تتجاوز درجات الحرارة 40 مئوية في جنوب غرب البلاد وفي بعض المناطق في الشمال الشرقي.

وأشارت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية إلى أنه “من المتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة 42 درجة مئوية في وادي تاغوس ووادي غوادالكيفير، علاوة على إيبرو”. وساهم ارتفاع درجة الحرارة في تجاوز مياه البحر في شبه الجزيرة وجزر البليار 26 درجة مئوية، وهو أمر غير مألوف لهذا الوقت من السنة ويحصل عادة في منتصف آب/أغسطس، بحسب وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية.

في البرتغال، يُترقب أن تشهد تلثا مناطق البلاد ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة وحرائق غابات الأحد، مع توقع تسجيل 42 درجة مئوية في العاصمة لشبونة.

في المغرب، تعيش البلاد منذ أيام على وقع موجة حر، وسط توقعات أن تبلغ هذه الموجة الحرارية ذروتها اليوم السبت وغدا الأحد؛ إذ يُتوقع أن تفوق درجات الحرارة معدلاتها الموسمية بعدد من المناطق، متجاوزة 47 درجة مئوية في بعض المناطق. ودعت مديرية الأرصاد الجوية المواطنين إلى تبني سلوك صحي وقائي لتفادي التأثيرات الخطيرة للحرارة، خاصة على الفئات الأكثر هشاشة من الأطفال والمسنين، وناصحة المواطنين بعدم التعرض للشمس خلال فترات الذروة.

وتُعرّف موجة الحر بأنها ارتفاع غير اعتيادي ومستمر في درجات الحرارة، غالباً ما يترافق مع زيادة ملحوظة في نسبة الرطوبة. وتشير التوقعات المناخية إلى أن وتيرة هذه الظاهرة وحدة تأثيرها مرشحتان للارتفاع في المستقبل بفعل تغيّر المناخ. وتشكّل موجات الحر تهديداً مباشراً للصحة العامة، إذ قد تسبّب حالات من الجفاف والإنهاك الحراري والصدمة، إضافةً إلى تفاقم الأمراض المزمنة.

يذكر أن 2024 كان العام الأحر على الإطلاق أو ثاني أشد الأعوام حراً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، استناداً إلى تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الصادر في مايو/ أيار 2025، وكانت السنوات العشر الأخيرة هي الأحر على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة. ووصلت درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء القارة الأفريقية إلى مستويات قياسية، وارتفعت بوتيرة سريعة جداً في كل من المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.

(أسوشييتد برس، فرانس برس، وكالات)