المسار الإخباري :في صباحٍ كان من المفترض أن يكون مليئاً بالزغاريد ورسائل النجاح، عمّ الصمت والحزن أرجاء قطاع غزة، حيث غابت نتائج الثانوية العامة عن نحو 40 ألف طالب حرموا من تقديم الامتحانات بسبب الحرب المستمرة، للعام الثاني على التوالي.
في الوقت الذي تلقى فيه طلاب الضفة الغربية رسائل نتائجهم، كان محمد صالح، فتى غزي، يعود إلى مكان نزوحه حاملاً جالوني ماء شرب، منهكًا من طابور طويل أمام محطة تحلية بالكاد تعمل. وحين سمع بأخبار “التوجيهي”، تمتم بحسرة: “كنت بحلم بيوم النتيجة… كل شي راح، لا مستقبل ولا تعليم، بس خوف فوق خوف”.
هذا المشهد تلخصه عائلة محمد، التي لم تعد تملك بيتًا ولا حتى كتبًا دراسية، بعدما أحرقتها والدته في موقد بدائي لطهي الطعام، عقب نفاد غاز الطهي. كتب المدرسة تحولت إلى حطب، وأحلام الطالب المجتهد تحولت إلى رماد، تمامًا كمنزله المدمر في شمال النصيرات.
أما “ربا”، الطالبة المتفوقة من إحدى مناطق النزوح، فقد انهمرت بالبكاء حين علمت بصدور النتائج، وقالت بصوت متهدج: “كنت بجهز زينة وحلوى ليوم النتيجة، زي ما عملنا لما نجح أخوي قبل ثلاث سنين… بس الحرب أكلت الحلم، وما ضل حتى جامعة أدرس فيها”.
الحرب أكلت المستقبل
أكثر من 800 ألف طالب وطالبة في غزة حرموا من التعليم، ودمّرت آلة الحرب الإسرائيلية 360 مؤسسة تعليمية بين مدرسة وجامعة. أما ما تبقى من المدارس، فحوّلتها ظروف الحرب إلى مراكز إيواء تعج بالنازحين.
طلاب التوجيهي لم يعودوا يحلمون بدرجات التفوق، بل بطعام يسدّ جوعهم أو قطرات ماء يملأون بها علبًا بلاستيكية متهالكة. التعليم أصبح ترفًا بعيد المنال، في واقع يقف فيه القصف والدمار والقهر عائقًا أمام أبسط حقوق الإنسان.
وزارة التربية: نعد بحل
في رام الله، أعلن وزير التربية والتعليم أمجد برهم نتائج الثانوية العامة في الضفة الغربية والخارج، مؤكدًا أن العدوان الإسرائيلي دمّر 27 مدرسة بشكل كامل، واستشهد بسببه أكثر من 16 ألف طالب و750 معلمًا.
وأشار الوزير إلى التزام الوزارة بتمكين طلبة غزة من تقديم الامتحانات لاحقًا، لكنه لم يقدم تفاصيل واضحة، داعيًا في الوقت ذاته إلى عدم المبالغة في مظاهر الفرح، تقديرًا لما يعانيه سكان القطاع.
غزة التي لا تحتفل
قبل الحرب، كانت غزة تزف أبناءها الناجحين بأغاني النجاح والزغاريد والحلويات. أما الآن، فلم يعد يسمع فيها إلا صوت الطائرات وأزيز الصواريخ، وأقصى ما تملكه العائلات هو كسرة خبز أو قدر عدس، بينما تشتد الحسرة في قلوب الطلاب على مستقبل خطفه العدوان.
العدوان الإسرائيلي لم يسرق الأرض فقط… بل سرق أحلام جيلٍ كامل.
جيلٌ كان من المفترض أن يتلقى نتائج نجاحه هذا الصباح، لكنه يتلقى بدلًا منها دويّ الانفجارات.