المسار : يستبعد عدد من المراقبين الإسرائيليين أن تبادر حكومة الاحتلال لتطبيق خطة احتلال غزة التي صادق عليها الكابينت ليلة الخميس، فيما يحذر مراقبون كثر من تبعاتها ومخاطرها المتنوعة، لحد قول بعضهم إنها تدفع بإسرائيل لحافة الهاوية في عدة مستويات، وكل ذلك وسط تساؤلات عن حظوظ اتصالات وضغوط الوسطاء على “حماس” وإسرائيل، وعن احتمالات صفقة جديدة.
في الداخل الإسرائيلي أيضًا، وعلاوة على المظاهرات المتواصلة، صعّدت أوساط إسرائيلية غير رسمية وشبه رسمية التحذيرات والانتقادات لحكومة الاحتلال، التي تستمد منطقها من تجارب الماضي ومن موقف الجيش والمؤسسة الأمنية المعارضة لاحتلال القطاع، في حملة اجتياح جديدة بعد 670 يومًا من الحرب الأطول بين الحروب الإسرائيلية، من تسريبات وتلميحات تؤكد أن الجيش يتحفظ كثيرًا منها، حيث نسب لقائده زامير قوله إن الخطة تدخل إسرائيل في “ثقب أسود”، ودعوته الوزراء في اجتماع الكابينت الأخير لإخراج “تحرير المخطوفين” من سلة الأهداف، في إشارة إلى خطورة الاجتياح على مصائر المحتجزين والأسرى الإسرائيليين.
قائد الجيش: الخطة تدخل إسرائيل في ثقب أسود
ويتكاتب كاريكاتير في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم الأحد مع المخاوف والهواجس الإسرائيلية من تفاقم النزيف الإسرائيلي في عدة مجالات، في حال تمّ تطبيق قرار الكابينت بتبني مقترح نتنياهو بـ”السيطرة على غزة”، و”السيطرة” هنا مصطلح متذاكٍ مخفف بغية تحاشي استخدام مصطلح احتلال وتهمة ارتكاب جرائم حرب وتحمل تبعات الاحتلال طبقًا للقانون الدولي. في الكاريكاتير، تبدو لافتة تحذر من “خطر انهيار جرف”، وفي الخلفية الكرة الأرضية تتدحرج نحو مركبة تحمل علمًا إسرائيليًا، رمزًا لإسرائيل، وتنفلت منها صخور كبيرة.
انسحاب كامل وإنهاء الحرب
ويحذر الجنرال في الاحتياط نوعم تيفون من تبعات حملة عسكرية جديدة على القطاع، مؤكدًا في حديث للإذاعة العبرية اليوم الأحد أنها ستفشل على غرار فشل حملة سابقة، “عربات جدعون”. ويقول تيفون إن الحملة العسكرية الجديدة ستورط إسرائيل في مصيدة على شكل حرب عصابات مكلفة للجيش الإسرائيلي، متهمًا “حكومة الأقلية” بالسعي لكسب الوقت على حساب الجنود والمخطوفين. وتساءل: أين القيم اليهودية والإنسانية المتمثلة في إنقاذ وفداء الأسرى وعدم ترك جرحى في الميدان؟
وتبعه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل بقوله إن نتنياهو فقد الكوابح، لكنه يستبعد تطبيق قرار الكابينت، منوهًا بأن احتلال غزة بعيد. ويعلل هارئيل مقولته بالإشارة إلى صعوبتين تقفان في طريق خطة الاحتلال: المطالب الإنسانية من الولايات المتحدة كإدخال المساعدات للقطاع، والحاجة إلى تجنيد واسع للاحتياط، فيما عدد الذين يمثلون في مراكز التجنيد يتناقص بشكل كبير. ويتابع هارئيل: “حاليًا، ورغم التوقعات، لا يبدو زامير يسارع للاستقالة من رئاسة الجيش”.
ويتوافق معه يوسي يهوشع، محلل عسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بقوله إن نتنياهو يعمل عبر قرار الكابينت المذكور على شراء وقت بسعر غالٍ، لافتًا إلى أن خطة الاحتلال على ما يبدو لن تطبق، “لكننا سندفع ثمنها… فهذه ليست خطة لحسم حماس، بل محاولة لدفعها لصفقة. هذه ليست الطريق”.
كذلك يرى المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” آفي اشكنازي أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون درمر “السائح الأمريكي” لا يفقه عقلية منطقة الشرق الأوسط، ويدير مفاوضات دون أي نتيجة، لافتًا إلى أن نتنياهو يستخدم الجيش والأقوال حول “احتلال غزة” من أجل كسب الوقت، محذرًا أيضًا من الإرهاب اليهودي الذي بات يرفع رأسه داخل الضفة الغربية المحتلة بدعم عن بعد.
بيد أن محلل الشؤون الشرق أوسطية في الصحيفة، تسفي بار إيل، وبخلاف هارئيل ويهوشع، يخشى من تورط إسرائيل باحتلال للقطاع، محذرًا اليوم من أن الحكم العسكري لن يحرر المخطوفين ويجعل الجيش هدفًا سهلاً “للإرهاب”.
مسيرة الحماقة
ويؤكد مرة أخرى رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب الدكتور ميخائيل ميليشتاين مغامرة حكومة نتنياهو، بالقول ضمن مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم الأحد، أن الكابينت اختار مجددًا السير في طريق الوسط التي تبعد نهاية الحرب.
في مقال بعنوان “مسيرة الحماقة”، منبهًا من العواقب، يقول رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية سابقًا، الجنرال في الاحتياط ميليشتاين، إن حالات قليلة فقط كان المسير فيها قريبًا من حافة الهاوية، ممتلئًا بالثقة بالنفس كما هو اليوم.
ميليشتاين، الذي يحذر منذ بدء الحرب من أن إسرائيل بلا إستراتيجية، وأن الضغط العسكري لا يكفي، وأن “حماس” تنظيم جهادي لا يشقى من التضحيات، يستخف اليوم بقدرات الوزراء: “كثر منهم يفاخرون بمعرفتهم التاريخية العميقة، لكنهم يصممون على استنساخ أخطاء الماضي بما في ذلك أخطاؤهم هم، كـرعاية ميليشيا أبو الشباب والحمائل المناهضة لحماس”.
لافتًا إلى أن قرار الكابينت بالاحتلال الآن يعزز الانطباع بأن إسرائيل تبدد دومًا مكاسبها الكبيرة، وتتعرض بالتدريج لأضرار إستراتيجية صعبة، خاصة التدهور الخطير في مكانتها الدولية، وتعميق الشقاق الداخلي حول سؤال جدوى الحرب.
وقف الخراب
من جهته، يركز المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني على الخسائر الخارجية أكثر من الأضرار الداخلية المترتبة على احتلال القطاع، معتبرًا إياه المسمار الأخير في نعش الرأي العام العالمي، منبهًا إلى أن خطوة نتنياهو هذه تجر إسرائيل إلى وحل دبلوماسي عميق، ويؤكد أن الرابح الأكبر منها هي حركة “حماس”.
في المقابل، يقترح القائد الأسبق لسلاح البحرية في جيش الاحتلال، الجنرال في الاحتياط إلعازر ماروم، معالجة المأزق بالانسحاب إلى الأمام، معللًا ذلك بالقول إنه في ظل الوضع المركب على إسرائيل القيام بعدة خطوات: “قطع العلاقات بالكامل مع قطر، ورفض وساطتها، والذهاب لاغتيال قادة حماس في الخارج، ومواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لغزة”.
“غزة للأبد”
بين هذا وذاك، استمرت الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي مطالبة بوقف الحرب، وحذرت عائلات المحتجزين رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو من أن التورط باحتلال القطاع يعني حكمًا بالإعدام على أقاربهم، وقالت إنه “في حال تعرضوا للسوء سنلاحقك في كل مكان وزمان”.
نوعم تيفون: الحملة العسكرية الجديدة ستورط إسرائيل في مصيدة على شكل حرب عصابات مكلفة للجيش الإسرائيلي
بخلاف هذه التقديرات الإسرائيلية بأن نتنياهو يسعى لكسب الوقت ريثما يتم استعادة “حماس” للمفاوضات، من غير المستبعد أن يفعلها نتنياهو رغم الضغوط الخارجية والداخلية، وتحفظ كل المؤسسة الأمنية، وتحذيرات الجهات الاقتصادية من تسونامي اقتصادي، لأن وقف الحرب بالنسبة له خسارة بل هزيمة.
يستفيد نتنياهو من أن مظاهرات الشارع الإسرائيلي لم تتحول لحالة هيجان، وتبقى محصورة – في أفضل حال – بعشرات الآلاف فقط، نتيجة عدة أسباب منها التعب واليأس، ولذا يدعو المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، اليوم في مقاله بعنوان “غزة للأبد”، الإسرائيليين للخروج من راحتهم وللاحتجاج والقول: “كفى لهذه الحكومة المارقة”.
وربما لا يخرج الإسرائيليون بمئات آلافهم للشوارع لتأييد أوساط واسعة منهم فكرة استمرار التدمير والتهجير والحرب، وذلك بخلاف الاستطلاعات المزعومة التي تقول إن أغلبية الإسرائيليين تريد وقف الحرب الآن.
ينعكس هذا الموقف في مقال إلعازر ماروم المذكور، ومقال آخر لغلعاد شارون، نجل رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون، في “يديعوت أحرونوت” اليوم، وفيه يدعو إلى اعتبار كل الغزيين “حماس” دون تمييز.
نتنياهو، الذي يعتبر وقف الحرب خسارة، إن لم يكن هزيمة، يستفيد أيضًا من أن انتقادات الدول الغربية لا تنتقل للأفعال والعقوبات، رغم الاحتجاجات الواسعة في العالم ضد إسرائيل المتهمة باقتراف جرائم ضد الإنسانية، بل إنه يبدو كمن تبلل ولم يعد يخشى المزيد من التبلل، مثلما أن تهديدات الوزير المستوطن سموتريتش بالاستقالة فارغة، وتبدو كإطلاق رصاص من مسدس صوت فقط.