كتب عبد الله الحايك
المسار : ربط الباحثون انخفاض شعبية الرجل بالهجوم الإسرائيلي المستمر على قطاع غزّة. وبشكل عام، أصبح عدد الأميركيين الذين يحملون الآن وجهة نظر غير مفضِلة تجاه الحكومة الإسرائيلية أكبر من عددهم قبل بدء الحرب على قطاع غزة…
كان الجمهوريون في منتصف القرن العشرين متشككين عمومًا حيال إسرائيل، وفضلوا بدلًا من ذلك علاقاتهم مع العرب. ولكن الدعم لإسرائيل ازداد في وقت لاحق، مدفوعًا بإستراتيجية الحرب الباردة، والصهيونية الإنجيلية، والمحافظة الجديدة، والتحالفات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تحويل الحزب الجمهوري إلى الشريك السياسي الأكثر ولاءً لإسرائيل.
لكن هذا التحالف يتآكل الآن بوتيرة صاعقة. وإذا كانت إسرائيل تأمل في الحفاظ على مكانتها، فيتعين عليها أن تتحرك بسرعة لإعادة تأكيد موثوقيتها بوصفها حليفًا إستراتيجيًا، وإلا فإنها تخاطر بفقدان الدعم ليس فقط من اليسار الأميركي، بل وأيضًا من شركائها الأكثر موثوقية على اليمين.
ولا يوجد مكان يظهر فيه هذا الانقسام بشكل أكثر وضوحًا مما هو عليه في فترة ولاية الرئيس الأميركي ترامب الثانية. وفي أبريل/نيسان، فرضت إدارته على إسرائيل تعريفة جمركية متبادلة بنسبة 17%. أصيب المسؤولون الإسرائيليون «بصدمة كاملة» بعد إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية على أمل الحصول على إعفاء. وهذا يشير إلى أن ترامب لن يعطي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كل ما يريده، أي بالنسبة إليهِ الصداقة لا تعني المحاباة.
وأصبحت هذه الرسالة أقوى خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران. توسّط ترامب في التوصل إلى وقف إطلاق نار هش، لكن إسرائيل انتهكته خلال ساعات. انفجر ترامب في 24 يونيو/حزيران، غضبًا وقال محتدًا «إنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. أنا لست سعيدًا بإسرائيل… ليس عقلانيًا أن تُحلّق في الساعة الأولى وأن تُسقطَ كل ما لديك عليهم».
ولم يكن هذا انفجارًا معزولًا. قبل شهرين، ناشد نتنياهو ترامب اتخاذ موقف صارم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان جيشه يخطط لتشغيل قاعدة عسكرية في سورية، لكن القوات الجوية الإسرائيلية ضربت القاعدة قبل ثلاثة أيام من الاجتماع في البيت الأبيض. رفض ترامب. وقال لنتنياهو في المكتب البيضاوي أمام الصحافة: «إذا كانت لديك مشكلة مع تركيا، أعتقد أننا سنكون قادرين على حلها… طالما أنك عقلاني». وفي الواقع، طلب ترامب من نتنياهو الجلوس والتوصل إلى حل وسط مع خصم إقليمي.
ثم جاءت دمشق. فمع اشتعال أعمال العنف الطائفي بين الدروز والبدو في محافظة السويداء السورية، شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع حكومية في العاصمة، ظاهريًا دعمًا للدروز. وقد أثارت هذه الضربات خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا وأثارت غضب البيت الأبيض على الفور. اتصل ترامب شخصيًا بنتنياهو وطالبه بضبط النفس، غاضبًا من تصرف إسرائيل دون تنسيق وضد رغباته الصريحة. قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن ترامب «أُخذ على حين غرة» وكان غير سعيد بالغارات الجوية. لقد كانت هذه الإشارة الأكثر وضوحًا حتى الآن إلى أن الصبر الاستراتيجي لترامب تجاه نتنياهو قد نفد وأن غريزته الآن هي كبح جماح إسرائيل.
ويتساءل المحافظون المؤثرون عن سبب الدعم الأميركي لإسرائيل. تاكر كارلسون، الذي كان في يوم من الأيام مؤيدًا قويًا لإسرائيل، يعبر الآن عن شكوكه العميقة. واقترح كارلسون مؤخرا أن جيفري إبستاين يعمل لصالح الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية، وجادل بأن الأميركيين الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي يجب أن يفقدوا جنسيتهم.
أصبحت مواقف الجمهوريين المتغيرة تجاه إسرائيل واضحة بشكل متزايد في الكونغرس. فاجأت عضو مجلس النواب الأميركي مارجوري تايلور غرين (ممثلة الحزب الجمهوري من جورجيا) زملاءها هذا الشهر باقتراحها تعديلًا يقضي بإلغاء ما يزيد على 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة للدفاع الصاروخي لإسرائيل. واستشهدت غرين بالقصف الإسرائيلي الأخير للكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزة، وهاجمت تمويل «نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المسلح نوويًا» في حين يواجه الأميركيون احتياجات محلية. وكان عضو مجلس النواب الأميركي توماس ماسي (ممثل الحزب الجمهوري من كنتاكي) هو العضو الجمهوري الوحيد في مجلس النواب الذي صوت معها، إلى جانب أربعة ديمقراطيين.
ولعلّ السيناتور ليندسي غراهام (ممثل الحزب الجمهوري من كارولينا الجنوبية)، وهو الصوت الأكثر حماسة في الكونغرس في مجال تأييد إسرائيل، إلا إنه انتقد مؤخرا الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون اليهود على المسيحيين. وقال غراهام بغضب على قناة فوكس نيوز: «لقد تم حرق كنيسة كاثوليكية في الضفة الغربية»، في إشارة إلى مجمع الكنيسة الذي أحرقه المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون. وأضاف أن «ما يحدث في الضفة الغربية يزعجني بشدة»، مطالبًا نتنياهو بمعاقبة المسؤولين عن ذلك. عندما يشعر رجل صلب مثل غراهام «بالانزعاج الشديد» من عنف المستوطنين الإسرائيليين، فمن الواضح أن الإجماع القديم يتصدع.
في الآونة الأخيرة، ألقى النائب السابق مات غيتز (ممثل الحزب الجمهوري من فلوريدا) فقرة لاذعة على قناة One America News أدان فيها المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وهو خطاب نادرًا ما يُسمع على شاشات التلفزيون اليميني. «والحقيقة أن هذه ليست مأساة معزولة. بل إنه جزء من نمط هجمات المستوطنين الإسرائيليين على المجتمعات الفلسطينية… إحراق للمنازل والمزارع وإزهاقٌ للأرواح»، مضيفًا أنهم [أي المستوطنين] «محميون من القوات الإسرائيلية التي تموّلها أموال الضرائب الأميركية». وأشار غيتز، مستشهدًا بمقتل سيف مصلط (23 عامًا)، وهو أميركي فلسطيني، في الضفة الغربية، إلى أن «إسرائيل نادرًا ما تحاسب هؤلاء القتلة».
حتى قناة فوكس نيوز بدأت تتغير. وبثت الشبكة مقابلة مفاجئة أجراها بريت باير مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. إن إعطاء مثل هذه القناة منصة لعدو إسرائيل اللدود كانت لتكون أمرًا لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات فقط. وتعكس هذه الخطوة انزعاجًا متزايدًا بين الجماهير اليمينية إزاء الروايات الأحادية الجانب المؤيدة لإسرائيل والرغبة في اتباع نهج «أميركا أولًا».
وتؤكد استطلاعات الرأي أن حماسة المحافظين لإسرائيل آخذة في التلاشي. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد كوينيبياك مؤخرا أن تعاطف الجمهوريين مع إسرائيل انخفض إلى 64%، مقارنة بـ 78% في العام السابق. وربط الباحثون انخفاض شعبية الرجل بالهجوم الإسرائيلي المستمر على قطاع غزّة. وبشكل عام، أصبح عدد الأميركيين الذين يحملون الآن وجهة نظر غير مفضِلة تجاه الحكومة الإسرائيلية أكبر من عددهم قبل بدء الحرب على قطاع غزة.
إن الرسالة التي يوجهها اليمين الأميركي إلى إسرائيل أصبحت الآن واضحة لا لبس فيها: إن الدعم لم يعد غير مشروط. ولكي تحافظ إسرائيل على مكانتها، يتعين عليها أن تتصرف بوصفها شريك مسؤول ومستقر ومتوافق إستراتيجيًا. وهذا يعني إنهاء الحرب في قطاع غزّة بسرعة، وكبح جماح المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، وإظهار الاحترام للحياة المدنية وقابلية الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل. لقد انتهى عصر الدعم الأميركي التلقائي لإسرائيل. وإذا فشل القادة الإسرائيليون في التكيف، فإنهم يخاطرون بخسارة حتى حلفائهم المحافظين الأكثر ولاءً.
– المقال مترجم عن موقع “ذا هيل”.