المغرب: مشهد سياسي متحرك استعدادا لانتخابات 2026… تحالفات هشة وحكومة مرتقبة تحت الضغط

المسار : في مثل هذا الشهر، أيلول/سبتمبر من العام المقبل 2026، سيتوجه المواطنون المغاربة إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان، في انتخابات يُنتظر أن تُفرز أغلبية حزبية ستشكّل ما يُطلق عليه محليًا حكومة «المونديال»، بحكم تزامن ولايتها مع تنظيم كأس العالم 2030 الذي يستضيفه المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال.

وفي هذا الصدد، يشهد المشهد السياسي المغربي خلال الأسابيع الأخيرة حركية لافتة بعد إعلان وزارة الداخلية فتح مشاورات رسمية مع الأحزاب السياسية تحضيراً للاستحقاقات المقبلة. وسارعت الأحزاب إلى تقديم مذكراتها ومقترحاتها وعقد مؤتمراتها الصحافية، كما انخرطت جمعيات المجتمع المدني، سواء الحقوقية أو الفكرية، في هذا النقاش مقدّمة رؤى وتوصيات تروم تجويد المنظومة الانتخابية وإصلاحها. وتطرح هذه الحركية تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت الفترة المتبقية حتى موعد الانتخابات كافية لإقرار مستجدات قانونية وتنظيمية فعّالة.

يرى المصطفى منار، أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن «الفترة الزمنية الفاصلة عن الانتخابات المقبلة تتيح إمكانية إدخال تعديلات جزئية على القوانين الانتخابية، وخاصة القوانين التنظيمية التي تضبط كيفية تنظيم العملية الانتخابية وإجراءاتها». ويشير إلى أن الأمر يتعلق أساساً بالقانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والقانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، إضافة إلى القانون التنظيمي الخاص بالجماعات الترابية (المجالس المحلية)، والقانون المرتبط باللوائح الانتخابية العامة والاستفتاءات.

وأوضح منار، في حديث لـ «القدس العربي»، أن «هذا النقاش يبقى رهيناً بمدى قوة المذكرات التي ستتقدم بها الأحزاب وجديتها في طرح مقترحات واقعية قابلة للتنفيذ، خصوصاً فيما يتعلق بزيادة منسوب المشاركة السياسية، وتعزيز الثقة في المؤسسات، وتوسيع تمثيلية النساء والشباب، وضبط تمويل الحملات الانتخابية، ومحاربة الفساد والمال الانتخابي».

وأشار إلى أنه من المتوقع إدخال تعديلات مهمة، لأنه «ورش ملكي بامتياز وتسهر عليه وزارة الداخلية لضمان تكافؤ الفرص بين الجميع وتكريس الاستقلالية والحياد، خاصة أن المغرب مقبل على أوراش ومحطات عالمية غاية في الأهمية»، ويرى «أن الظرفية الحالية في المغرب تُعد مواتية لتنفيذ مستجدات قانونية وتنظيمية، خاصة مع قرب موعد الانتخابات المقرر إجراؤها في 2026». وبالنسبة إليه، فإن «هذا الاستحقاق الانتخابي يُشكل فرصة للأحزاب السياسية لإعادة النظر في استراتيجياتها وتقديم برامج جديدة تلبي تطلعات المواطنين».

رهانات مطروحة أمام وزارة الداخلية

ويرى منار أن الرهانات المطروحة أمام وزارة الداخلية والأحزاب السياسية لإنجاح هذه المحطة المفصلية متعددة، ويمكن حصرها في ستة محاور رئيسية:

أولاً: ضمان النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية، من خلال اتخاذ كل التدابير اللازمة لتكريس الشفافية في جميع مراحلها، واعتماد مقاربة تشاركية تشمل مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والنقابيين، مع ضمان الأمن الانتخابي وتدبير الجوانب اللوجستية بسلاسة.

ثانياً: إعادة النظر في التقطيع الانتخابي، حيث تطالب أحزاب مثل «الاتحاد الاشتراكي» و»الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال» بملاءمة التقطيع مع نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، بما يضمن عدالة التمثيل وتعزيز المشاركة السياسية ورفع تمثيلية النساء والشباب.

ثالثاً: تعزيز المشاركة السياسية، من خلال تفعيل الوظيفة التأطيرية للأحزاب المنصوص عليها في الدستور المغربي لسنة 2011، بغرض استقطاب الناخبين، لا سيما فئة الشباب بين 18 و30 سنة، الذين يشكّلون النسبة الأكبر من الكتلة الناخبة ويعانون من فتور المشاركة وضعف الثقة.

رابعاً: تحسين آليات الانتخاب، إذ عملت وزارة الداخلية على تقديم موعد الانتخابات البلدية لتتزامن مع الانتخابات التشريعية في نهاية سنة 2026، وهو ما يُراد منه توحيد الاستحقاقات الانتخابية وتعزيز كفاءة العملية الديمقراطية وترشيد الموارد المالية والبشرية.

خامساً: تجديد الثقة بالمؤسسات المنتخبة عبر مجهود مشترك بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية لإعادة الاعتبار للعمل المؤسساتي وتكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن احترام قواعد النزاهة والشفافية ويعزز الخيار الديمقراطي الذي تبنته الدولة المغربية.

سادساً: الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، مثل ارتفاع الأسعار وبطالة الشباب، وهي ملفات سيكون لها تأثير مباشر على المزاج الانتخابي وشعبية الأحزاب، خاصة أن الحكومة المقبلة ستتولى تدبير شؤون البلاد في فترة تتزامن مع تنظيم حدث كروي عالمي كبير.

ازدواجية في مقترحات الأحزاب السياسية

ويشدد منار على أن مقترحات الأحزاب السياسية تكشف عن ازدواجية واضحة في التعاطي مع ملف الإصلاح الانتخابي، إذ يتجه جزء منها نحو ما يمكن اعتباره إصلاحات جوهرية تعزز الشفافية والرقابة وتوسّع قاعدة المشاركة الشعبية، وتُقوّي تمثيلية النساء والشباب، وتطرح آليات لتمثيل مغاربة الخارج، إضافة إلى اعتماد بطاقة التعريف الوطنية (بطاقة الهوية) كوثيقة تصويت. بينما تنحصر مقترحات أخرى في مطالب ظرفية ونفعية، مثل تعديل العتبة الانتخابية أو تغيير نمط الاقتراع، وهي مطالب غالباً ما ترتبط بحسابات حزبية ضيقة تستهدف تحسين الحصة التمثيلية أكثر من تحسين العملية الانتخابية في حد ذاتها.

ويأسف منار لكون معظم مذكرات الأحزاب أغفلت مقترحات جادة لمحاربة المال الانتخابي، أو ما يعرف بازدواجية «المال والسياسة»، مؤكّداً أن استمرار استعمال المال في الحملات يهدد مبدأ حرية التصويت ويؤثر سلباً على اختيارات الناخبين.

كما ذكّر بالانتقادات الموجهة لبعض الأحزاب المغربية التي فقدت مصداقيتها لدى فئات واسعة من المواطنين، بسبب غياب الديمقراطية الداخلية وضعف الشفافية في اتخاذ القرار، وانحصار نشاطها في التنافس على المقاعد والامتيازات بدل القيام بأدوار التأطير والتوعية والدفاع عن المصلحة العامة.

وفي معرض جوابه على سؤال بخصوص ظاهرة العزوف الانتخابي، أوضح منار أن «العزوف في المغرب لا يمكن اعتباره مجرد قرار فردي، بل هو انعكاس لأزمة ثقة تراكمت عبر سنوات، بفعل ضعف مردودية المؤسسات المنتخبة وغياب أثر ملموس للسياسات العمومية على حياة المواطنين اليومية، ما ولّد إحباطاً جماعياً خصوصاً لدى الشباب، الذين يرون أن الاقتراع لم يعد قناة فعالة للتغيير». ويرى أن «تراجع نسب المشاركة يُضعف شرعية المؤسسات المنتخبة، ويحوّل العملية الانتخابية إلى مجرد ممارسة شكلية، وهو ما يهدد جوهر النظام التمثيلي ويفتح الباب أمام التشكيك في جدوى الخيار الانتخابي كآلية ديمقراطية لتداول السلطة».

ارتفاع نسبة المشاركة السياسية

وعبر منار عن تفاؤله «بارتفاع نسبة المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لمؤشرات مرتبطة بالنقاش العمومي المسؤول والرغبة في تدبير الشأن العام وسد الباب على الطفيليات السياسية مع ارتفاع منسوب الوعي بالمواطنة والمصلحة العليا للبلاد عند الشباب، والوعي التام بالتحديات الإقليمية والدولية وتربصات الأعداء بالوطن الغالي».

ويؤكد الباحث أن التحدي الأساسي المطروح على الدولة والأحزاب يتمثل في إعادة بناء الثقة عبر إصلاحات ملموسة تربط البرامج بانتظارات واقعية قابلة للتحقق، وتفعّل آليات الشفافية والرقابة، وتضمن تنافسية نزيهة داخل الاستحقاقات. و»هذه الخطوات ليست ترفاً» سياسياً، بل شرط دستوري واجتماعي لاستمرار شرعية المؤسسات وحماية المسار الديمقراطي من التآكل»، يضيف منار.

وفيما يخص موازين القوى المحتملة بعد الانتخابات، يرى منار أن الخريطة المقبلة قد تشهد استمرار حضور الأحزاب الكبرى نفسها، لكن مع تغير في توازن القوى بينها. ويعتقد أن أحزاب التحالف الحكومي الحالي ستدخل الاستحقاقات تحت ضغط حصيلة ترتبط بغلاء المعيشة وضعف الاستجابة الاجتماعية، وهو ما سيدفعها إلى خوض حملات انتخابية تركز على إنجازات قطاعية جزئية، مع محاولة التمايز عن بعضها البعض رغم وجودها في نفس الائتلاف. لكنه يحذر من احتمال إفراز الانتخابات حكومة هشة تفتقر إلى الانسجام السياسي، مما سيضع رئيس الحكومة المقبل أمام صعوبة الحفاظ على تماسك الأغلبية واستمراريتها حتى نهاية الولاية.

ويذهب منار إلى أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يواجه مرحلة معقدة خلال ما تبقى من ولايته الحالية، بحكم طبيعة التحالف الثلاثي الذي يجمع الأغلبية على أساس الضرورة أكثر من الانسجام، وهو ما يفتح الباب أمام تضارب المواقف بين مكونات التحالف، خصوصاً مع ارتفاع منسوب الانتقادات حتى من داخله، ما قد يضعف الرصيد السياسي للحكومة ويزيد من الضغوط الناجمة عن الاستياء الشعبي من تراجع القدرة الشرائية وغلاء الأسعار، وعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه دستور 2011.

واختتم منار بالقول إن التحدي الدستوري والسياسي لرئيس الحكومة المقبل يتمثل في ضمان استقرار التحالف من جهة، وإعادة بناء الثقة مع المواطنين من جهة أخرى، عبر الانتقال من منطق الوعود إلى منطق الإنجاز الملموس الذي من شأنه استعادة جزء من مصداقية العمل الحكومي، وتمكين المغرب من دخول غمار «الاستحقاقات التشريعية للمونديال» بنفس ديمقراطي متجدد.

Share This Article