المسار : في فرنسا، توالت ردود الفعل عبر مختلف أطياف المشهد السياسي بعد إدانة الرئيس اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي، هذا الخميس 25 سبتمبر/أيلول، والحُكم عليه بالسجن لخمس سنوات نافذة مع تنفيذ مؤجل لمذكرة الإيداع، في قضية التمويل الليبي. وهو حُكم مشمول بالنفاذ المعجل، أي أنه سيُطبّق مؤقتاً حتى في حال الاستئناف.
ساركوزي، البالغ من العمر 70 عامًا، قال عند خروجه من قاعة المحكمة: “أنا بريء […] إنها فضيحة”، معلناً أنه سيستأنف الحكم الصادر بحقه. واعتبر أن القرار “خطير للغاية على دولة القانون، وعلى الثقة التي يمكن أن تُمنح للعدالة”، مضيفًا: “سأقاتل حتى آخر نَفَس في حياتي لإثبات براءتي الكاملة”، مضيفًا أنه سيُسجن قريبًا.
مانويل بومبار: هؤلاء أنفسهم الذين لا يجدون عادة كلمات قاسية بما يكفي للتنديد بما يسمونه تراخي العدالة والمطالبة بصرامة الأحكام، لماذا يغيّرون خطابهم حين يكون الحكم موجّهاً ضدهم
كما توجّه ساركوزي إلى الفرنسيين قائلاً: “أطلب من الفرنسيين، سواء صوّتوا لي أم لم يصوّتوا، سواء دعموني أم لم يدعموني، أن يُقدّروا ما حدث للتوّ”. ثم أضاف: “إن الكراهية لا حدود لها بالفعل.”
تضامن من اليمين
زعيمة حزب التجمع الوطني (RN) اليميني المتطرف، مارين لوبان، كتبت على حسابها على منصة “إكس”: “بعيدًا عن شخص الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، فإن تعميم النفاذ المعجل من قبل بعض المحاكم يمثل خطرًا جسيمًا على المبادئ الكبرى لقانوننا، وعلى رأسها قرينة البراءة”.
وقالت لوبان أيضًا: “لقد كنت دائمًا شديدة الانتقاد تجاه نيكولا ساركوزي. ومع ذلك، أجد من المقيت أن يأتي البعض، كما فعل اليسار، ليشتموا شخصًا وهو منهزم. لديّ مبادئ، وسأدافع عنها، حتى لو كان الأمر يتعلّق بجان-لوك ميلونشون”.
يجدر التذكير هنا أن مارين لوبان نفسها تمت إدانتها مؤخرًا بحكم مشمول بالنفاذ المعجل يمنعها في الوقت الحالي من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، بتهمة إساءة استخدام أموال من الاتحاد الأوروبي. وهي إدانة ردت عليها الأخيرة، التي تترأس حاليًا الكتلة البرلمانية لحزبها، بمهاجمة القضاء بشدة، معتبرة أن “دولة القانون انتهكت بشكل كامل”.
أما إيريك سيوتي، رئيس اتحاد اليمين للجمهورية (UDR) اليميني المتشدّد، المتحالف مع حزب مارين لوبان (RN)، فقد اعتبر أن الحكم على نيكولا ساركوزي “قاسٍ للغاية”، مضيفًا أن “أدلة الفساد أو التمويل غير المشروع للحملة لم تثبت”. كما بعث «بتحية ودية» للرئيس الأسبق، الذي كان ينتمي إلى عائلته السياسية حتى وقت قريب – أي حزب “الجمهوريون” اليميني المحافظ (LR).
الزعيم الحالي لهذا الحزب “الجمهوريون” (LR)، برونو ريتايو، والذي يتولى في الوقت نفسه حقيبة الداخلية في الحكومة الحالية، عبّر عن “دعمه” لنيكولا ساركوزي، متمنيًا أن يتمكن من “إثبات براءته” في الاستئناف. وقال: “بفضل طاقته وتصميمه، قدّم نيكولا ساركوزي الكثير لفرنسا. لقد كان دائمًا خادمًا مخلصًا لبلاده”.
بدوره، أعاد لوران فوكييه، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الجمهوريين (LR) في الجمعية الوطنية، تأكيد “دعمه” و“صداقته للرجل”، و“تقديره لرجل الدولة الذي أعطى الكثير لفرنسا”.
وعلى المنوال نفسه، تحدث كريستيان إستروزي، عمدة نيس، الذي انضم مؤخرًا إلى حزب “آفاق” اليميني الوسطي (Horizons) بزعامة إدوار فيليب، قائلاً: “أي قرار قضائي لن يمحو رجل الدولة الذي كان وما زال، لا سيما في قلوب الفرنسيين”، واصفًا ساركوزي بـ“الصديق” الذي “يمر بواحدة من أصعب محطات حياته”. واعتبر أن إدانته تمثل “صاعقة”.
وفي السياق نفسه، اعتبرت فاليري بيكريس (حزب LR)، رئيسة المجلس الإقليمي لمنطقة باريس الكبرى، أن نيكولا ساركوزي “كان رئيسًا عظيمًا للجمهورية، عرف كيف يصلح فرنسا ويحميها من الأزمات”، مضيفة: “اليوم أفكر شخصيًا فيه وفي أسرته”.
أما رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري، جيرار لارشيه (حزب LR)، فأكد أنه يشارك “التساؤل المتزايد” حول “النفاذ المعجل للأحكام”، قائلاً: “هناك تساؤل متنامٍ داخل المجتمع بشأن تنفيذ العقوبة قبل استنفاد طرق الطعن، وأنا أشارك هذا التساؤل”.
ترحيب من اليسار
خلافًا لتنديد اليمين المتطرف وتضامن اليمين المحافظ والوسطي، كان الترحيب هو سيد الموقف بشكل عام في صفوف أحزاب اليسار، حيث انتقد البرلماني مانويل بومبار، القيادي في حزب “فرنسا الأبية”، ما وصفه بـ“يمين برونو ريتايو (حزب LR) وأقصى اليمين (RN) لمارين لوبان ورجل الأعمال المعروف فينسان بولوريه”، الذي يمتلك العديد من وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة.
وكتب مانويل بومبار عبر “إكس”: “هؤلاء أنفسهم الذين لا يجدون عادة كلمات قاسية بما يكفي للتنديد بما يسمونه تراخي العدالة والمطالبة بصرامة الأحكام. لماذا يغيّرون خطابهم حين يكون الحكم موجّهًا ضدهم أو ضد أصدقائهم؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟”.
من جهتها، نشرت مارين توندولييه، زعيمة حزب الخضر، على “إكس” صورة ساخرة أعدتها جمعية “أتاك”، تظهر ملصقًا انتخابيًا وهميًا لوزير الداخلية برونو ريتايو مع شعاره “فرنسا الناس الشرفاء”، أمام صورة ساركوزي ورئيس وزرائه الأسبق فرانسوا فيون، وكلاهما مدان، وعلّقت ساخرة: “شكرًا لنيكولا ساركوزي وحزب الجمهوريين (LR) على مواصلة إعطاء المثال”.
من جهته، اعتبر النائب البرلماني اليساري ألكسيس كوربيير أن “استقلال القضاء عن السلطة السياسية هو سمة الديمقراطية”، مشددًا على أن هذا الحكم يجب أن “يضع نهاية للملكية الرئاسية”.
جمعيات مكافحة الفساد: هذا الحكم التاريخي يمثل مرحلة أساسية في مكافحة الفساد ويوجه إشارة قوية ضد الإفلات من العقاب
أما الحزب الشيوعي الفرنسي (PCF) فاعتبر أن قرار محكمة باريس يجسد “رمز طبقة سياسية لم نعد نريدها، وقد لحقت بها العدالة أخيرًا”.
ترحيب من جمعيات مكافحة الفساد
وفي صفوف الجمعيات، أشادت عدة جمعيات لمكافحة الفساد، بما في ذلك جمعيات “شيربا” و“ترانسبارنس إنترناشيونال” و“أنتيكور”، منددة بما وصفته بحكم “تاريخي وغير مسبوق”.
وجاء في بيان مشترك لهذه الجمعيات: “هذا الحكم التاريخي يمثل مرحلة أساسية في مكافحة الفساد ويوجه إشارة قوية ضد الإفلات من العقاب. وتكشف هذه القضية كيف أن بعض النخب السياسية والاقتصادية أغمضت أعينها عمدًا عن ممارسات أنظمة استبدادية، وشاركت بنشاط في عملياتها النهبية”.
وأضاف البيان: “من خلال السماح باستخدام موارد عامة مسروقة لشراء شبكات نفوذ، فإن القادة السياسيين يضعفون الديمقراطية، ويقوضون ثقة المواطنين، ويساهمون في حرمان الشعوب المعنية من موارد أساسية”.
للإشارة، تمت أيضًا إدانة كلود غيان، وزير الداخلية الأسبق، بتهم استعمال وثائق مزورة وتبييض أموال مشدد والفساد السلبي والاتجار بالنفوذ وتكوين عصابة أشرار، لكنه بُرئ من بعض التهم الأخرى. كما أُدين الوزير السابق بريس هورتوفو بتهمة تكوين عصابة أشرار، بينما بُرئ من تهم تتعلق بالتمويل غير المشروع للحملة. وأيضًا، أُدين إيريك فورت، أمين صندوق حملة ساركوزي عام 2007، ومعه متهمان آخران تمت تبرئتهما.
يصل إجمالي المتهمين في القضية إلى 12 شخصًا، بمن فيهم الوسيط الفرنسي-اللبناني، رجل الأعمال زياد تقي الدين، الذي أعلنت محاميته، قبل يومين فقط من صدور الحكم، عن وفاته في بيروت. وبمجرد تأكيد وفاته قضائيًا، سيتم وقف الملاحقات بحقه، علمًا أنه كان يُعتبر شخصية محورية في القضية. وكان يقيم في لبنان ولم يحضر المحاكمة، مطلع العام الجاري، لكنه صرّح خلال التحقيق بأنه قام بتحويل أموال ليبية لدعم حملة ساركوزي في 2007.
وليست هذه القضية الليبية الوحيدة التي تورّط فيها الرئيس الفرنسي السابق، فهي تضاف إلى سلسلة من المحاكمات التي لاحقته، حيث أُدين سابقًا في قضية “التنصّت” بعام واحد نافذ (نُفذ عبر السوار الإلكتروني)، في سابقة لرئيس فرنسي. كما أُدين في قضية “بيغماليون” المرتبطة بتمويل حملته الرئاسية عام 2012 (خسر أمام فرانسوا هولاند)، في انتظار قرار محكمة النقض، في أكتوبر المقبل.