ليبيا: جهود دولية لدعم خارطة الطريق الأممية… من مجموعة برلين إلى الدبلوماسية الثنائية

المسار : تتكاثف التحركات الدولية بشأن الملف الليبي، حيث باتت خريطة الطريق التي طرحتها الممثلة الخاصة للأمين العام رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، هانا تيتيه، في 21 آب/ أغسطس الماضي، هي النقطة المحورية لجهود المجتمع الدولي.

وفي هذا الإطار، شجعت مجموعة العمل السياسية التابعة للجنة المتابعة الدولية المنبثقة عن عملية برلين المؤسسات الليبية على الإسراع بتنفيذ الخطوتين الأوليين من هذه الخارطة ضمن الأطر الزمنية المحددة.

وقد التأمت هذه المجموعة مؤخراً، برئاسة مشتركة من بعثة الأمم المتحدة وألمانيا، في جلسة عامة على مستوى السفراء، لمناقشة آليات دعم تنفيذ هذه الخارطة السياسية.

وتتمثل الخطوتان الأوليان الحاسمات، اللتان أشار إليهما بيان صادر عن مجموعة العمل السياسية، في إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بالإضافة إلى تعديل الإطار القانوني والدستوري اللازم لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.

وخصص الاجتماع، الذي انعقد في مقر البعثة بطرابلس وحضره ممثلون عن مجموعة واسعة من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية كالولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، لمناقشة سبل دعم تنفيذ هذه الخارطة.

ورحب المشاركون بالإجماع بخارطة الطريق، داعين جميع الأطراف الفاعلة إلى الانخراط الكامل وبحسن نية في عملية سياسية تيسرها الأمم المتحدة ويقودها الليبيون أنفسهم.

وفي سياق دعم هذه الجهود الأممية، أكد القائم بأعمال السفارة الأمريكية لدى ليبيا، جيريمي برنت، التزام بلاده الثابت بالعمل مع الشركاء الليبيين والدوليين بهدف «بناء ليبيا موحدة وآمنة ومزدهرة».

وقد جاء هذا التأكيد في أعقاب اجتماع استضافته الممثلة الخاصة للأمين العام، هانا تيتيه، في طرابلس، لمناقشة الخطوات المقبلة في خريطة الطريق السياسية للأمم المتحدة.

هذه الاجتماعات الأمريكية تأتي تأكيدًا على دور واشنطن المحوري، حيث نظمت الولايات المتحدة اجتماعًا دوليًا بشأن ليبيا، رحب بدوره بجهود تيتيه وأكد على ضرورة التكامل الأمني بين شرق البلاد وغربها، كما ناقش سبل بناء أسس اقتصادية قوية تدعم الوحدة والاستقرار. ولم تقتصر لقاءات برنت على المستوى الدبلوماسي مع البعثة الأممية وحسب، بل امتدت لتشمل المسؤولين الليبيين بشكل مباشر، حيث توافق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، على أهمية تسريع العملية السياسية وتوحيد الجهود، مع استمرار التنسيق لخدمة المصالح المشتركة وتعزيز علاقات التعاون بين البلدين.

هذا الاجتماع، الذي عقد في ديوان مجلس الوزراء، تناول المستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبحث آليات تعزيز الشراكات الثنائية، ليؤكد على أهمية الدور الأمريكي في دعم استقرار الحكومة في طرابلس، خاصة بعد زيارة وفد من حكومة الدبيبة لواشنطن منتصف أيلول/ سبتمبر، لتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية.

كما التقى جيريمي برنت برئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، لبحث مستجدات الأوضاع السياسية، وهو ما يأتي في وقت طرح فيه المنفي «رؤيته السياسية» أمام الأمم المتحدة.

وارتكزت رؤية المنفي على أربع ركائز أساسية، أبرزها استعادة السيادة الوطنية الكاملة ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي، إضافة إلى الوصول إلى توافق وطني جامع عبر حوار صادق وشامل يُعقد داخل ليبيا تحت مظلة وطنية مستقلة. هذا التفاعل المكثف بين المسؤولين الليبيين والطرف الأمريكي يشير إلى مركزية الدعم الدولي والاعتراف بأهمية التوافق الوطني كشرط ضروري للمضي قدمًا.

وفي سياق متصل، قدمت المبعوثة الأممية هانا تيتيه تقييمًا أكثر تفاؤلاً للوضع، حيث رأت أن إجراء الانتخابات في ليبيا «قد يصبح ممكنًا في غضون 12-18 شهرًا، شريطة تطبيق خريطة طريق الأمم المتحدة بنجاح».

وفي مقابلة صحافية، سلطت تيتيه الضوء على دور القوى الأجنبية وتأثيرها على الأطراف السياسية الليبية، مشيرة بشكل خاص إلى روسيا التي تعتقد أن «لديها تأثيرًا كبيرًا على القيادة السياسية الليبية وتلعب دورًا مهمًا» في حل الأزمة الداخلية.

وتأكيدًا على دور القوى الكبرى، ذكرت تيتيه أنها زارت موسكو في منتصف سبتمبر الجاري للتشاور مع نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي فيرشينين، بشأن الوضع في ليبيا، وذلك بهدف طلب دعم روسيا لتنفيذ خريطة الطريق الأممية، سواء في مجلس الأمن أو كدولة عضو مؤثرة.

وشددت تيتيه على أن روسيا، بصفتها إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ونظرًا لوجودها وعلاقاتها التاريخية مع ليبيا، تُعد «دولة ذات دور مهم، ليس فقط كلاعب سياسي دولي، ولكن أيضًا كقوة مؤثرة على القيادة السياسية في البلاد».

واختتمت المبعوثة الأممية رؤيتها بالتأكيد على أن إقناع الدول المؤثرة على الأطراف الليبية الفاعلة بالعمل مع بعثة الأمم المتحدة، «كممثل جماعي لجميع هذه الدول الأعضاء»، من أجل إعادة توحيد المؤسسات والحكومات، سيكون أمرًا بالغ الأهمية لمساعدة ليبيا على إعادة بناء نفسها، خاصة بعد أربع عشرة سنة من التحديات.

وهذا التسلسل من الاجتماعات الدولية، بدءاً من مجموعة عمل برلين ومروراً بلقاءات برنت، وانتهاءً بتصريحات المبعوثة الأممية، يظهر بوضوح أن المسار السياسي الليبي أصبح مرتبطًا بشكل وثيق بتوحيد الموقف الدولي وتقديم الدعم العملي لتنفيذ الخطة الأممية خطوة بخطوة.

Share This Article