المسار : ينظر إلى ملف الأسرى في سجون الاحتلال، الذين من المتوقع أن يُطلق سراحهم بناءً على تفاهمات وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، على أنه أحد أكثر الملفات تعقيداً، إذ تواجهه عقبات عديدة، خصوصاً في بند إطلاق سراح القادة والأسرى المحكومين بأحكام عالية جداً. ويُعد هذا الملف من الأصعب والأكثر حساسية في الواقع الفلسطيني، خاصة أن بعض هؤلاء القادة يحظون بشعبية كبيرة رغم سنوات سجنهم الطويلة.
وتصر فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة “حماس”، على الإفراج عن “الأسرى الكبار”، بعد أن أدرجت في المفاوضات بنداً ينص على أن التحرير سيكون وفقاً للأقدمية في الأسر والعمر. وكان ملف تحرير الأسرى، لا سيما القدامى منهم، أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها “حماس” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي خلّفت تحولات كبرى محلياً وإقليمياً ودولياً.
يدور الحديث اليوم عن أسرى فلسطينيين بارزين يمتلكون وزناً سياسياً ورمزياً كبيراً في الساحة الفلسطينية. وتختلف الروايات حول عددهم بين أربع وست شخصيات تصر “حماس” على تحريرها، في مقابل “فيتو إسرائيلي” واسع يمنع ذلك، وهو الفيتو الذي وُضع منذ صفقة تبادل الأسرى عام 2011 المعروفة بـ”صفقة جلعاد شاليط”.
وبدأت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني العمل ضمن منظومة طوارئ، حيث جُهّزت طواقم خاصة لاستقبال الأسرى المتوقع الإفراج عنهم خلال الأيام القليلة المقبلة، وفقاً لاتفاق وقف الحرب وصفقة التبادل. وتشير مصادر في الهيئة والنادي إلى أن الإفراج قد يشمل عشرات الأسرى من الضفة الغربية يوم السبت المقبل.
وتضم القائمة عدداً من القادة البارزين من خارج حركة “حماس”، أبرزهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات.
مروان البرغوثي: الخليفة الفتحاوي
يُعد مروان البرغوثي أحد أبرز قيادات حركة “فتح” والرئيس السابق لجهاز “التنظيم” في الضفة الغربية. وهو يتصدر قائمة الأسرى الذين تطالب المقاومة بالإفراج عنهم، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتعهد لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بعدم الإفراج عنه.
بدأ البرغوثي نشاطه السياسي في سن الخامسة عشرة في صفوف حركة “فتح” بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات. وكان من القادة المحوريين في الانتفاضة الثانية، واعتقلته إسرائيل عام 2002 خلال عملية “السور الواقي”، وأدانته محكمة إسرائيلية بخمس جرائم قتل، فحُكم عليه بخمسة مؤبدات وأحكام إضافية.
يحظى البرغوثي بشعبية كبيرة وفق استطلاعات الرأي، ويُنظر إليه كأحد أبرز المرشحين لقيادة السلطة الفلسطينية مستقبلاً. برز دوره خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، ونُفي إلى الأردن ثم عاد إلى الضفة عام 1994 بموجب “اتفاق أوسلو”، وانتُخب نائباً في المجلس التشريعي عام 1996. تتهمه إسرائيل بقيادة “كتائب شهداء الأقصى”، وتعرض للتعذيب والعزل الانفرادي لسنوات طويلة. وخلال سجنه، نال درجة الدكتوراه وواصل نشاطه السياسي، وكان آخر ظهور له في مقطع مصور من سجن إسرائيلي عندما هدده بن غفير بشكل علني.
أحمد سعدات: الاعتقال الدراماتيكي
الشخصية الثانية هي أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمتهم إسرائيلياً بالتخطيط لاغتيال وزير السياحة رحبعام زئيفي عام 2001. لجأ إلى مقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله، واعتقل لاحقاً في سجن أريحا الخاضع لإشراف دولي، قبل أن تعتقله القوات الإسرائيلية عام 2006 بعد انسحاب المراقبين الأجانب.
وُلد سعدات عام 1953 في بلدة دير طريف قرب الرملة، وانتقل إلى مدينة البيرة بعد النكبة. اعتُقل أكثر من سبع مرات، وحُكم عليه بالسجن 30 عاماً عام 2008 بتهم تتعلق بالانتماء لتنظيم مسلح والاتجار بالأسلحة. واجه العزل الانفرادي والحرمان من الزيارة، وأصدر خلال اعتقاله كتاباً بعنوان “صدى القيد” تناول فيه سياسة العزل في السجون الإسرائيلية. تولى قيادة الجبهة الشعبية بعد اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى عام 2001.
إبراهيم حامد: أخطر سجين فلسطيني
يُعد إبراهيم حامد، قائد العمليات في كتائب القسام بالضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، من أخطر الأسرى في السجون الإسرائيلية. اعتُقل عام 2006 في رام الله، وأُدين بتدبير تفجيرات في القدس والجامعة العبرية، وحُكم عليه بـ54 مؤبداً.
وُلد عام 1965 في بلدة سلواد شرق رام الله، ودرس العلوم السياسية في جامعة بيرزيت. طورد لثماني سنوات قبل اعتقاله الأخير، واعتُقل جميع أفراد عائلته خلال تلك الفترة. أمضى ثماني سنوات في العزل الانفرادي، منها سبع متواصلة.
حسن سلامة: عمليات “الثأر المقدس”
وُلد حسن سلامة عام 1971 في خان يونس، واعتقل مرات عديدة منذ الانتفاضة الأولى. تتهمه إسرائيل بقيادة سلسلة عمليات “الثأر المقدس” عام 1996 رداً على اغتيال يحيى عياش، والتي أسفرت عن مقتل 46 إسرائيلياً. اعتُقل في الخليل عام 1996 بعد إصابته، وتعرض لتحقيق قاسٍ استمر أربعة أشهر، وحُكم عليه بـ48 مؤبداً. قضى نحو 14 عاماً في العزل الانفرادي، ولم تزره عائلته سوى مرتين خلال أكثر من 25 عاماً من الاعتقال.
عباس السيد: الهجوم الأكبر
يُعد عباس السيد من أبرز قادة “حماس” في الضفة، وهو المدان بالتخطيط لهجوم فندق “بارك” في نتانيا عام 2002 الذي أسفر عن مقتل 30 إسرائيلياً. حُكم عليه بـ35 مؤبداً و150 عاماً إضافية، ويُعد أحد أبرز المستبعدين من صفقات التبادل السابقة. تعرّض لتحقيق قاسٍ دام خمسة أشهر، وعُزل لسنوات طويلة.
يحمل السيد شهادة في الهندسة الميكانيكية، وتخصص قبل اعتقاله في هندسة أجهزة التنفس الاصطناعي. يُعتبر من السجناء الفاعلين تنظيمياً داخل المعتقلات الإسرائيلية.
عبد الله البرغوثي: أعلى حكم في التاريخ
يبلغ عبد الله البرغوثي 53 عاماً، ويُعرف بلقب “مهندس حماس”. تتهمه إسرائيل بتدبير عشرات العمليات التي أسفرت عن مقتل 66 إسرائيلياً وإصابة نحو 500 آخرين، بينها تفجيرا مطعم “سبارو” ومقهى “مومنت” في القدس.
اعتُقل عام 2003 وحُكم عليه بـ67 مؤبداً، وهو أعلى حكم يصدر في تاريخ إسرائيل. استُبعد من صفقة “شاليط” عام 2011 رغم إدراج اسمه في المفاوضات. خضع لتحقيق قاسٍ وعزلٍ انفرادي طويل، وألف عدة كتب منها “أمير الظل – مهندس على الطريق” الذي تناول فيه تجربته ومسيرته.