كتب مجيد القضماني : تجنيد أيديولوجي للشباب في الغرب لخدمة الاحتلال

المسار : أحد الشباب المجندين: “كنا نستيقظ ونحضر دروس التوراة حتى وقت الغداء. كل ثلاثاء مثلًا، كنا نذهب في رحلةٍ ومسيرٍ مختلف. وفي مساء الأربعاء، كانت لدينا حصص في مكافحة الإرهاب”.

فتحت الحرب الوحشية، التي بدأتها دولة الاحتلال على قطاع غزة قبل عامين، الأبواب على نطاق أوسع، على حركة تجنيد واسعة للشباب اليهودي في عديد من الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية للالتحاق بالخدمة في صفوف جيش الاحتلال، كما في صفوف منظمات الإرهاب اليهودي في المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية الارهابية، عبر برامج تعليمية تسهم في دمجهم بما يسمى “منظومة قيم دولة إسرائيل”، وفي مقدمتها الجيش وأجهزة الميليشيا العاملة في المستوطنات.

هذا ما يستهل به “تقرير الاستيطان الأسبوعي” عن الفترة من 4/10/2025 إلى 10/10/2025، الصادر عن “المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان”.

وتحتال هذه البرامج، يقول التقرير، على كل القيود التي تُفرض على أي إنسانٍ أو مواطنٍ في هذه البلدان وتجعله مسؤولًا أمام القانون في كل ما يتعلّق بخطاب الكراهية، أو انتهاك القوانين الإنسانية الدولية، وهي قيود تُطبَّق بشكلٍ كبير ومبالغٍ فيه على المواطنين العرب، خصوصًا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

ولكن عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل، يتابع التقرير، فإن الحكومات الغربية، بشكلٍ خاص، لا تتخذ تدابير حقيقية لمراقبة مواطنيها الذين يلتحقون بالجيش الإسرائيلي ويقاتلون معه في حرب الإبادة، أو بتشكيلاتٍ عسكرية وشبه عسكرية تعمل في الضفة الغربية وتُشارك المستوطنين عنفهم وإرهابهم ضد المواطنين الفلسطينيين.

أحد هذه البرامج هو برنامج “مخينا” المخصّص للطلاب اليهود في دول العالم الذين أنهوا مرحلة الدراسة الثانوية، ويُعرض عليهم الالتحاق ببرنامجٍ يتراوح بين 9 أشهر وسنة، وغالبًا ما يكون في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، حيث يتم إعدادهم أيديولوجيًا مع تدريبٍ شبه عسكري قبل إرسالهم إلى مستوطنات الضفة والقدس. وتشكّل حركة “بني عكيفا” أحد الأمثلة على ذلك، وهي أكبر حركة شبابية صهيونية دينية تعمل في أكثر من أربعين دولة في العالم.

على موقعها الإلكتروني يمكن تلخيص برنامجها الموجّه إلى الطلاب اليهود من دول العالم، حيث تعلن باللغة الإنجليزية عن برنامج “مخينا عولاميت” وهو موجّه إلى الطلاب من الجنسين في أميركا الشمالية، وأوروبا، وأميركا اللاتينية، وإسرائيل.

ويُعرِّف الموقع برنامج “مخينا عولاميت” بأنه برنامج لسنةٍ فاصلة بعد التخرج وقبل الالتحاق بالجامعة. ومدة هذا البرنامج تسعة أشهر ونصف، وهو -كما يذكر الموقع- “مُخصّص لخريجي المدارس الثانوية اليهود من جميع أنحاء العالم”، و”يقدّم مزيجًا فريدًا من التدريب على القيادة، والتجارب، والتعليم الصهيوني، واستكشاف إسرائيل”.

ويشمل البرنامج، كما يذكر الموقع، تدريبات على “القيادة، والتعلّم الديني وأسلوب الحياة، وخدمة المجتمع، ومحبّة إسرائيل، واللياقة البدنية والإعداد العسكري، وتعلّم اللغة العبرية، والهوية والشعب اليهودي، والندوات والرحلات، إضافةً إلى السلامة والأمن”.

كما ويشمل برنامج “عولاميت” للعام الحالي 2025–2026 مرحلةَ توجيهٍ مع قضاء أسبوع في مستوطنات “غوش عتصيون” إلى الجنوب من مدينة القدس المحتلة، ثم في الأشهر التي تلي أسبوع “مع الجيش”، و”برامج تطوعية” في الضفة الغربية المحتلة وغيرها.

ويلفت التقرير إلى أنه “من القائمين على برنامج “مخينا عولاميت” الخاص بالحركة يظهر اسم الحاخام، آري هابِر، كأحد منسّقي البرامج، ويبدو من صفحة هابِر على “فيسبوك” أنه يعيش في مستوطنة “إفرات” في الضفة الغربية المحتلة، التي أُقيمت عام 1980 على أراضي قريتي الخضر وأرطاس إلى الجنوب من مدينة بيت لحم.

ويُعرف الحاخام هابِر بآرائه المتطرفة المؤيدة لحرب الإبادة في قطاع غزة. ففي رسالةٍ نشرها أيضًا على حسابه على “فيسبوك”، ينتقد هابِر مواقف حاخامات يهود في الولايات المتحدة اعترضوا على ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة؛ فبالنسبة له “لا يحق لحاخامات يعيشون في الشتات توبيخ إسرائيل على ما تقوم به في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية”.

في الوقت نفسه، هناك علاقة مباشرة بين قيادة المعاهد الدينية والحاخامات البارزين في الحركة، مثل الحاخام، دوف ليئور، من كريات أربع، والحاخام غينزبورغ من يتسهار، والحاخام إسحاق شابيرا. وجميعهم يعزّزون العقلية الأيديولوجية، ويوسّعون توزيع المواد الدينية المتطرفة.

وحول علاقة التعلّم بالممارسة، يُؤكَّد الانتقال من السرد المدرسي النظري إلى الجانب العملي، حيث يتم الانتقال من رسائل “استرداد الأرض” و”تطهير المنطقة” والشعور بالمهمة العنيفة تجاه الفلسطينيين. كما يستمر بعض الطلاب في الخدمة في الجيش الإسرائيلي ويستثمرون هناك أيضًا في خلق تأثيرٍ أخلاقي وروحي، مع التأكيد على “مهمة الاستيطان”.

“تجاهل سلطة الدولة في حال تعارضت مع المثل التوراتية”

ويخلُص حباس، يوضّح التقرير، إلى أن المدرسة الدينية الاستيطانية الراديكالية تؤكد مزيجًا من تعليم التوراة والنضال على الأرض، وتؤكد حصرية اليهود في البلاد، وإنكار حقوق المجتمعات الفلسطينية، وأحيانًا -دعوةً مباشرة أو غير مباشرة- للنشاط العنيف، بما في ذلك تجاهل سلطة الدولة في حال تعارضت مع المثل الحاخامية/التوراتية.

شاب تمرد يسرد قصته

أحدُ الشباب اليهودي، الذي كان ضحيةً لذلك البرنامج قبل أن يتمرّد عليه وينتقل إلى مسافر يطا لمشاركة الفلسطينيين معاناتهم اليومية، هو، سام شتاين، الذي نشأ في نيويورك، في بلدةٍ صغيرة في لونغ آيلاند حيث يُكوّن اليهود الأرثوذكس غالبية المجتمع. في حديثٍ له مع جريدة “القدس العربي” في الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي يروي بنفسه بعضًا من جوانب التعليم خلال المدرسة. يقول شتاين: شكّلت برامج “المخينا” جزءًا من التيار الديني الصهيوني؛ تقوم الفكرة كلها على قضاء نصف الوقت بدراسة التوراة والدراسات اليهودية، والنصف الآخر في القيام بشيء “أكثر نشاطًا قليلًا”. “في الصباح، كنا نستيقظ ونحضر دروس التوراة حتى وقت الغداء. كل ثلاثاء مثلًا، كنا نذهب في رحلةٍ ومسيرٍ مختلف. وفي مساء الأربعاء، كانت لدينا حصص في (مكافحة الإرهاب). وكل هذا قد يبدو ظاهريًا طبيعيًا -حتى المسير والتطوع- إلا أنهما كانا مرتبطين بشكلٍ عميق بالجناح اليميني في الصهيونية”. أدرك سام أن المجموعات التي يحتك بها ويتشارك معها في أنشطة داخل الضفة الغربية ينتمي بعضها إلى تنظيمٍ شديد التطرف، وهو تنظيم مارس العنف علنًا بحق الفلسطينيين، لدرجة أن رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، وصفه بأنه “إرهاب محلي الصنع وإرهاب يهودي الصنع”. أحد الأنشطة “التطوعية” الأولى كان في مركزٍ لـ”الشباب المعرّضين للخطر” في مستوطنةٍ قريبة، “حيث أدركتُ لاحقًا أن هؤلاء الشباب كانوا جميعًا من “شباب التلال”، وأن هذا المركز كان في الأساس بؤرةً استيطانية. كنا نذهب معهم للسباحة في نبع ماء”.

الأهداف صورًا لفلسطينيين ويحملون سكاكين

ويروي سام أنه خلال نشاطه في الضفة مع المستوطنين ضمن برنامج “المخينا”، كان يحدث أن يُرافق عددًا من الفتية إلى قريةٍ فلسطينية. “كنا نسرق من قريةٍ ما، ونساعدهم على بناء ما يمكن استخدامه لسرقة المزيد من الأرض”. كما يتحدّث عن تجربة “تطوع” في مأوى للحيوانات في مستوطنة تُسمّى “إلعازر” (على أرض قرية الخضر الفلسطينية غرب بيت لحم). يقول إن الفكرة بدت له “أكثر براءة”. لكن عندما يفكّر فيها الآن يتساءل: “يا إلهي، كم هو أمرٌ غير سويّ أن تكون في مأوى حيوانات داخل مستوطنة، في حين أن المستوطنة بحد ذاتها انتهاكٌ لحقوق الإنسان!”. أمّا حصص “مكافحة الإرهاب” فكان طابعها العسكري ظاهرًا جدًّا؛ كانوا يوفّرون لنا تدريباتٍ على إطلاق النار، وكانت الأهداف صورًا عنصرية لفلسطينيين يرتدون الكوفية ويحملون سكاكين”.

نشاطات استيطانية

وفي النشاطات الاستيطانية الاستفزازية، يشير التقرير، إلى مشاركة وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش، بتسلئيل سموتريتش، للمستوطنين في مسيرةٍ استيطانية في سهل بلدة رامين من محافظة طولكرم، حيث يُعدّ السهل محلَّ أطماع هؤلاء المستوطنين الذين أقاموا في تموز من العام الماضي بؤرةً استيطانية في المكان.

في الوقت نفسه أعلنت سلطات الاحتلال، الأسبوع الماضي، الاستيلاء على 35 دونمًا من أراضي المواطنين في محافظة رام الله والبيرة، بأمرين عسكريين تحت مسمى “أوامر وضع يد”؛ حمل الأول الرقم ت/162/25 واستهدف مساحة 11.337 دونمًا من أراضي بلدة نعلين وقرية دير قديس غرب رام الله، وذلك بهدف إنشاء سياجٍ شائك يفصل البلدة والقرية عن مستوطنة “متتياهو”. فيما حمل الأمر الثاني الرقم ت/05/07 واستهدف نحو 24.142 دونمًا من أراضي قرية بيتللو شمال غرب رام الله، وذلك بهدف إكمال إنشاء منطقةٍ عازلة حول مستوطنة “نحلائيل”.

كما صادقت سلطات الاحتلال على مخططٍ استيطاني في قرية كفر قدوم شرق قلقيلية. وأفادت محافظة قلقيلية بأن سلطات الاحتلال نشرت، عبر الإعلام العبري، مخططًا يقضي بالاستيلاء على 35.31 دونمًا من أراضي كفر قدوم، تقع في الحوض رقم (10) بمنطقة “واد بروس” شمال القرية. وأوضحت أن المخطط يهدف إلى بناء 58 وحدةً استيطانية جديدة لصالح مستوطنة “متسبي يشاي” المقامة على أراضي القرية.

قائمة الأمم المتحدة

على صعيدٍ آخر، ومن ضمن تحديث قاعدة بياناتها للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية بالضفة الغربية والقدس الشرقية والتي تدعم الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، أدرجت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في قاعدة بياناتها أبرز 10 شركاتٍ عالمية تدعم الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين -معظمها إسرائيلية- حيث ضمّت القائمة 20 شركةً أجنبية و138 شركةً إسرائيلية. ودعا المفوض السامي، فولكر تورك، هذه الشركات المتورطة في دعم أنشطةٍ استيطانية إلى التوقّف عن ذلك. وتنشط معظم الشركات الأجنبية في قطاعات البناء والعقارات والسياحة والسفر والتعدين، وترى الأمم المتحدة أن استمرار عملها في المستوطنات يُرسّخ الاحتلال الإسرائيلي ويشكّل انتهاكًا للقانون الدولي.

وهذه الشركات، بحسب جنسيتها، هي الآتية:

– شركة “بوكينغ هولدينغ” وهي شركة هولندية تقدّم خدمات السفر والحجوزات الإلكترونية وتُدرج على منصتها عددًا كبيرًا من العقارات تشمل فنادق وشققًا وبيوت عطلات داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

– شركة “موتورولا سوليوشنز” الأميركية وتعمل دوليًا في مجال حلول السلامة العامة وأمن المؤسسات، وتُعدّ المورّد الوحيد لشبكة الهاتف الخلوي المستقلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة الهواتف الذكية المتخصّصة.

– شركة “إير بي إن بي” الأميركية السياحية، وهي تُروّج للسياحة في مستوطنات الضفة الغربية.

– شركة “هايدلبرغ” لمواد البناء الألمانية، وهي شركة رائدة في إنتاج مواد البناء.

– شركة “إكسبيديا غروب” الأميركية، وهي شركة عالمية رائدة في تكنولوجيا السفر.

– شركة “إيه سي إس” للخدمات الإنشائية الإسبانية، الرائدة عالميًا في مجال البنية التحتية.

– شركة “مَترو أونتاريو” للاستثمارات الكندية.

– شركة “فوسون الدولية المحدودة” الصينية، وتعمل كمجمّعٍ استثماريٍّ متنوّع.

– مجموعة “إيجيس” الفرنسية المدرجة في سوق الأسهم.

– شركة “تريب أدفايزر”، وهي منصة عالمية رائدة في مجال السياحة والسفر.

Share This Article