المسار : عن العربي الجديد – على مدى 25 عاماً من الخدمة في الجيش الأميركي، شارك المحارب الأميركي أنتوني أغيلار في الحروب الأميركية في عدد من البقاع في مختلف أنحاء العالم. حتى يناير/ كانون الثاني 2025، عمل أنتوني أغيلار في مناطق حروب وصراعات مثل العراق وأفغانستان وسورية والفيليبين، غير أنه رغم معرفته الكبيرة بالحروب إلا أن تجربته القصيرة في غزة كشفت له عن مستوى من جرائم الحرب والإبادة تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين في غزة وصفها بأنها “لم يُرَ لها مثيل في العالم ولم ير مثل هذا الحجم من الدمار واللاإنسانية”.
في الصور المختارة بعناية على موقع وزارة الحرب الأميركية، التي تنشرها حاليا وزارة الحرب بقرار من الرئيس دونالد ترامب، يظهر وجه الجندي أنتوني أغيلار أثناء حرب العراق عام 2006، حيث كُتب أنه “في هذه الصورة الأرشيفية الملتقطة في السادس من فبراير/ شباط 2006 يرتدي الملازم الأول بالجيش الأميركي نظارة واقية من الرصاص منعت إصابة عينيه بشظية قنبلة بعد انفجار عبوة بدائية الصنع بالقرب من مركبته بالموصل في العراق”.
في حوار شامل مع “العربي الجديد”، يكشف أنتوني أغيلار شهادته الحية حول تجربة قصيرة قضاها متعاقداً لصالح “مؤسسة غزة الإنسانية”، وكيف استخدمت إسرائيل الطعام سلاحاً لتجويع الفلسطينيين، وكيف تحكمت من خلال عقود رسمية مع شركة “سيف ريتش سوليوشنز” في كميات الطعام التي تدخل للفلسطينيين، وكيف استهدف متعاقدون أميركيون وجيش الاحتلال الإسرائيلي الأطفال والنساء والرجال المدنيين الجوعى الذين كانوا يصلون للحصول على الطعام، بمراكز التوزيع الأربعة التي خصصت لهذه الغاية، ودعم شهادته بفيديوهات وصور.
ما هي خلفيتك المهنية؟
اسمي أنتوني أغيلار، خدمت في الجيش الأميركي لمدة 25 عاماً وتقاعدت في بداية هذا العام من الخدمة العسكرية. في مايو/ أيار 2025، تعاقدت مع شركة “يو جي سوليوشنز” لصالح ما يطلق عليه اسم “مؤسسة غزة الإنسانية” للذهاب إلى غزة للمشاركة في توفير الأمن لتوصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة، وبقيت في غزة في مايو ويونيو/ حزيران من هذا العام، وعملت هناك لمدة 46 يوماً.
ماذا كنت تفعل في غزة خلال هذه الفترة؟
عملت في مواقع التوزيع الأربعة تحت مظلة “مؤسسة غزة الإنسانية” في غزة، كما عملت في مراكز العمليات المسؤولة عن اللوجستيات، والنقل، والأمن، وفي كل جوانب عمل مؤسسة غزة الإنسانية في إسرائيل وغزة ضمن جزء من عملية المساعدات الإنسانية.
وعندما وُظفت للعمل في غزة لصالح “مؤسسة غزة الإنسانية”، قيل لنا إن مهمتنا بديلة لمهمة الأمم المتحدة ومنظمة “أونروا” في غزة لتوصيل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وكان انطباعي أننا سنوفر الطعام لجميع السكان. سنوفر الطعام والماء والدواء وحليب الأطفال، وكل ما يلزم. لكن عندما بدأت العمل كان واضحاً أننا لا نعمل نهائياً لتوفير الطعام بقدرة الأمم المتحدة نفسها، وبدلاً من تشغيل 400 موقع توزيع مع 550 شاحنة طعام يومياً، كنا تقوم بتشغيل أربعة مواقع فقط، بمعدل 12 إلى 15 شاحنة يومياً، وهو معدل غير كافٍ بتاتاً لتوفير كمية الطعام والمساعدات المطلوبة.
لكن ما أقلقني بشكل كبير أن ذلك كان بشكل متعمد، حيث كانت كمية الطعام محدودة، ولم نكن نوفر المياه على الإطلاق، وعندما نظرت إلى التخطيط وطلبت من القيادة إجراء تغييرات لزيادة كمية الطعام وتوزيعه في مواقع أكثر، قيل لي: لن نزيد كمية الطعام ولا عدد المواقع لأن لدينا تعاقداً مع الحكومة الإسرائيلية من خلال مكتب التنسيق للحكم في الأراضي، وهو منظمة تابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية. كان لدى شركة “سيف ريتش سوليوشنز” المتحكمة في الأمر عقد مكتوب يحدد كمية الطعام وكيفية توصيله، لذا كانت العملية بطعام محدود ومن دون ماء، ومن دون حليب أطفال، ومن دون دواء. فقط مواد غذائية جافة بكمية محدودة جداً، وكان ذلك أمراً متعمداً ومقصوداً وجزءاً من خطة أكبر، ما دفعني للتساؤل عن الهدف الحقيقي للعملية.
عندما اقترحت حلولاً لمعالجة بعض تلك المشكلات، قيل لي إنه لن يتم إجراء أي تعديلات وإن العمل سيستمر بالطريقة نفسها. كنا نوفر ما يعادل وجبة واحدة فقط للفلسطيني من دون ماء كل يومين، ما جعل الأمر غير مقبول بالنسبة لي. كان ذلك جزءاً من مخطط المجاعة العامة لتقليل الطعام، وتقليل الماء، وتقليل الموارد للسكان. بمجرد أن أيقنت أن هذا كله جزء من الخطة وأننا نفعل ذلك متعمدين، استقلت من شركة “يو جي سوليوشنز” وغادرت غزة وإسرائيل وعدت إلى الولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك، كانت عمليات القتل التي ارتُكبت ضد المدنيين سبباً في قراري. حجم الدمار والقتل لم أر مثله في حياتي التي قضيت فيها 25 عاماً في الجيش ومناطق حروب وصراع مثل العراق وسورية وأفغانستان.
كيف كان الإطار العام؟ من الذي يتحكم في المشهد داخل أماكن العمل؟
الجيش الإسرائيلي يتحكم بالكامل في المشهد من خلال تعاقده مع شركة “سيف ريتش سوليوشنز”، وهي شركة مقاولات أمنية ربحية تعمل من أجل المال ولديها عقد مكتوب مع حكومة إسرائيل، ما يجعل من المستحيل تقديم المساعدات طبقاً للمبادئ الإنسانية، حيث يتم هذا من أجل الربح. وهذا الربح تتحكم فيه إسرائيل. إنه مشروع مشبوه وأعتقد أنه يتطلب تحقيقاً من الوكالات الفيدرالية الأميركية.
و”مؤسسة غزة الإنسانية” أميركية، ولكنها منظمة غير حكومية وهي مجرد فكرة أو مؤسسة من دون وجود فعلي. وقيل في البداية إنها منظمة مستقلة لكن علمنا لاحقاً أنها جزء من شركة “سيف ريتش سوليوشنز”. الأشخاص الذين يمتلكون “مؤسسة غزة” هم أنفسهم الذين كانوا يمتلكون شركة “بلاك ووتر” (شركة مقاولات أمنية تورطت في جرائم بالعراق) ثم “كونستليس” التي جاءت منها شركتا “يو جي سوليوشنز” و”سيف ريتش سوليوشنز”. إنهم الأشخاص أنفسهم مع الأفكار نفسها، وفكرة تهجير الفلسطينيين وإعادة تطوير غزة وتحويل المنطقة إلى ريفيرا كانت جزءاً من الخطة منذ عامي 2023 و2024. كل هذا كان جزءاً من الخطة من البداية عندما كانوا يحاولون معرفة كيفية دخول غزة والطريقة المثلى كانت هي إنشاء شركة إنسانية وتمويلها.
أما الشركة التي كنت أعمل بها، “يو جي سوليوشنز”، فهي تعمل تحت الشركة الأخرى “سيف ريتش سوليوشنز”، والتي كان لديها عقد مع إسرائيل وتحصل على أموال من الجيش الإسرائيلي وتتحكّم في “مؤسسة غزة الإنسانية” التي لا تتلقي أي أموال. كانت مجرد واجهة فقط، ولذلك كانت شركة “سيف ريتش سوليوشنز” تتحكم في كل شيء وفيليب رايلي هو أحد الأشخاص المتحكمين في جميع الأمور المتعلقة بمؤسسة غزة.
تحدثت علناً عن تورط الموظفين بشركتي “يو جي سوليوشنز” و”سيف ريتش سوليوشنز” اللتين تتوليان حراسة مواقع المساعدات الإنسانية في قتل الفلسطينيين. هل يمكن توضيح المزيد من التفاصيل؟
كانت مواقع التوزيع مؤمنة بواسطة أفراد أمن مسلحين من شركة “يو جي سوليوشنز”، التي كانت تعمل لصالح شركة “سيف ريتش سوليوشنز” المسؤولة بشكل عام. وفي مواقع التوزيع في غزة، كان مقاولو شركة “يو جي سوليوشنز” المسلحون يطلقون النار على الفلسطينيين المدنيين غير المسلحين وغير المقاتلين بذخيرة حية، بالرصاص، بالغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، والرصاص المطاطي من البنادق. وكانوا يطلقون النار على الحشود للسيطرة عليها أو لإبعادهم أو لجعلهم يغادرون.
كانت هناك حالات رأيتها، وكنت موجوداً وشاهداً مباشراً على مقتل امرأة فلسطينية بسبب قنبلة صوتية استخدمها مقاول، وانفجرت القنبلة بالقرب منها، وأصابتها وجرحتها وقتلتها. وشخص آخر أطلق النار ببندقيته الهجومية على مدنيين غير مسلحين كانوا يغادرون الموقع رقم أربعة وقتل رجلاً مدنياً كان يحمل كيس الطعام وهو يغادر، وتم إطلاق النار عليه وقتله من دون سبب سوى إحداث الألم والمعاناة والرعب والموت. أذكر هذا الطفل أمير الذي كان حافي القدمين وقبّل يدي وقال لي شكراً، وكان جائعاً وهزيلاً وسرواله كان مربوطاً بحبل. نظرت في عينيه ووضعت يدي على كتفه وقلت له أنت لست وحيداً ونحن معك، وجلست لأكون على مستوى نظره، وكان يتحسس جبهتي وقبّل جبهتي وقال شكراً، وعندما ذهب للعودة تم إطلاق الغاز المسيل للدموع من قبل المتعاقدين والرصاص في الهواء وأثناء خروجه مع الجموع كان الجيش الإسرائيلي يطلق الرصاص وبعضهم أصيب وكان أمير أحدهم.
كما شهدت إطلاق عدد من المقاولين النار عشوائياً على الفلسطينيين كل يوم، وكذلك الجيش الإسرائيلي كان يطلق النار على مجموعات كبيرة من المدنيين الفلسطينيين القادمين إلى المواقع أو المغادرين منها، وكان هذا يحدث كل يوم خلال كل عملية توزيع قمنا بها في غزة. كان الأمر مزعجاً للغاية، أن ترى مدنيين يتعرضون للخطر ويتم إيذاؤهم وهم يحاولون البقاء على قيد الحياة. هم يسعون فقط للنجاة ويتم استهدافهم فقط لأنهم فلسطينيون.
العديد من مقاولي شركة “يو جي سوليوشنز” تم تجنيدهم من منظمة نادي “إنفيدلز للدراجات النارية”، التي لديها ميثاق يدعو لإبادة جميع المسلمين. هؤلاء الأفراد يرون أن وجودهم في غزة جزء من حملة صليبية أو دعوة لقتل المسلمين نيابة عن المسيحية. (نادي Infidels Motorcycle Club هو نادٍ أسسه عدد من قدامى المحاربين الأميركيين في حرب العراق، ويعتبر بعض أعضاء النادي أنفسهم صليبيين معاصرين، وهم معروفون بمواقفهم المعادية للمسلمين). الأمر مقلق جداً بالنسبة لي أن الولايات المتحدة تشارك في هذه الإبادة الجماعية بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، ويقلقني أن هناك مواطنين أميركيين يفعلون ذلك لأنهم يريدون أن يقوموا بقتل الفلسطينيين.
ما هي اللحظة التي قررت فيها الاستقالة من الشركة والتحدث علناً؟
كان هناك عدد من الحوادث التي جعلتني أتساءل عن سبب وجودي وعن وجود أميركيين في غزة، لكن حادثة معينة في أوائل يونيو/ حزيران 2025، الثامن أو التاسع منه، في مركز العمليات في كرم أبو سالم، حيث كنت جزءاً من محادثة مع ضابط إسرائيلي رفيع المستوى أراد إطلاق النار على أطفال فوق ساتر ترابي باستخدام قناصين، وكان هذا في موقع التوزيع الثاني في جنوب رفح، وكان هناك زحام من أجل الحصول على المساعدات، وأطفال صغار يحاولون الخروج حتى لا يتم دهسهم من الزحام تحت جدار خرساني، ورفع أحد الفلسطينيين بعض هؤلاء الأطفال فوق الجدار، وكانوا جميعاً تحت سن العاشرة، بدا عليهم الهزال والجوع والإصابة بالجفاف وكانوا من دون أحذية، وأحدهم كان في عمر 12 عاماً تقريباً. كانوا أطفالاً أبرياء لا يمثلون أي تهديد. كان الضابط الإسرائيلي غاضباً لأن الأطفال على الجدار ووصفهم بأنهم تهديد. حاول المقاولون إقناع الأطفال بالنزول لكن الضابط اتصل بالقناصة ووجّههم بالاستعداد لإطلاق النار على الأطفال فقد كان لقناصة الجيش الإسرائيلي موقع قريب. وقتها تشاجرنا وقلت “لن نطلق النار على أطفال. لن نطلق النار على مدنيين غير مسلحين”، ولحسن الحظ نزل الأطفال من على الجدار قبل إطلاق النار عليهم. لكن بعد ذلك قال لي مديرو شركة “سيف ريتش سوليوشنز” الأميركيين: لا تقل أبداً لا للعميل، وقالوا إن الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية عملاؤنا وما يقولونه يتم تنفيذه، وعندما سألت: حتى لو كانوا سيقتلون الأطفال، ردوا: ابتعد جانباً ودعهم. الأمر يخصهم. أدركت في هذه اللحظة أن كل شيء كان يتم عمداً، بدءاً من الحد من كميات الطعام وعدم توفر المياه ونقص الأمن. كل شيء كان أمراً متعمداً وجزءاً من خطة أملاها ووضعها الجيش الإسرائيلي وأدركت أني لا أستطيع الاستمرار في أن أكون جزءاً من هذه الخطة.
بخلاف ما ذكرته سابقاً، هل رأيت حالات أخرى لإطلاق النار على أطفال آخرين؟
نعم، كثيراً ما رأيت، إذ كانت هناك حالات أطلق فيها الجيش الإسرائيلي النار باستخدام الأسلحة الرشاشة على الأطفال، ما أدى إلى مقتل بعضهم. وكانت هناك أوقات أطلق فيها متعاقدو شركة “يو جي سوليوشنز” النار أو رموا قنابل يدوية وغاز مسيل للدموع أو قنابل صاعقة، ما أدى لإصابة الأطفال، وفي بعض الأحيان كانوا يطلقون النار على أطفال، ولأنهم صغار الحجم كان يتم دهسهم تحت الحشود التي تضم الآلاف. من هذه الحوادث التدافع في موقع التوزيع رقم 3 في 16 يوليو/تموز 2025 والذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 20 شخصاً. ماتوا بسبب التدافع. الذين ماتوا تحت الأقدام بسبب التدافع قُتلوا بسبب طريقة تصميم مواقع المساعدات الإنسانية. نعم شاهدت الجيش الإسرائيلي وفي بعض الأحيان مقاولين أميركيين يطلقون النار ويؤذون ويخيفون ويرعبون الأطفال.
كم عدد الأشخاص الذين كانوا يعملون لدى شركتي “يو جي سوليوشنز” و”سيف ريتش سوليوشنز”؟
كان من المفترض أن يكون هناك 275 أميركياً و75 جندياً سابقاً أو مرتزقاً من أوغندا. وعندما قرر المرتزقة الأوغنديون أنهم لا يريدون المشاركة في المهمة، اضطررنا إلى توظيف المزيد من الأميركيين. لذا، كان هناك حوالى 325 إلى 340 مقاولاً أميركياً تحت إشراف شركة “يو جي سوليوشنز”. هذا كان وقتها. لا أعرف كم عددهم الآن. أما بالنسبة لشركة “سيف ريتش سوليوشنز” فكان لديها موظفوها، ولا أعرف عددهم. وأنا عملت معهم مباشرة.
هل تعرف كم عدد الأشخاص الذين استقالوا أثناء وجودك؟
قبل أن أستقيل في يونيو، استقال ثمانية أميركيين من الشركتين، وبعد مغادرتي، استقال أربعة مقاولين آخرين. ومنذ ذلك الحين، لا أعرف إن كان هناك آخرون قد استقالوا أم لا. لكن قبل مغادرتي وبعدها مباشرة كان هناك آخرون قد استقالوا. لم أكن الوحيد.
لماذا لم يتحدث معظم المستقيلين علناً، ولماذا اخترت أن تتحدث علناً وتكشف اسمك؟
بعضهم تحدث من دون الكشف عن هويته. شعرت بأنه من الضروري أن أعلن عن نفسي وأن أنقل ما رأيته. ما رأيته في غزة قليل جداً مما يحدث، وهي ليست معلومات جديدة. هي معلومات يعرفها الناس بالفعل والفلسطينيون وسكان غزة والعاملون في ملف المساعدات الإنسانية تحدثوا عن هذا منذ سنوات. اخترت أن أتحدث علنا لأنني كنت هناك وشهدت بعيني ما يحدث، وبما أنني أميركي وخدمت بصفة جندي أميركي وعملت لدى شركة “يو جي سوليوشنز”، فقد شعرت بأن شهادتي قد تكون مهمة أو ينظر إليها باعتبارها تستحق السماع. كان عليّ أن أكون صريحاً وأقول من أنا لإضفاء المصداقية بدلاً من أن أكون شاهداً مجهول الهوية.
نحن نعلم على مدار السنوات أن إسرائيل تتجاهل أي نوع من الانتقادات وتزعم أن المنتقدين هم من “حماس” أو معرضون للتهديد من قبل “حماس” أو أنهم جزء من وزارة الصحة في غزة أو أن الأطباء هناك لا يعرفون ما يتحدثون عنه، الجميع في نظر إسرائيل كاذبون وكل شخص آخر كاذب، الجميع كاذبون. لذا عندما قررت التحدث علناً بصفتي شاهد عيان كنت أعلم ردودهم. لكن يمكنهم بكل سرور أن يظهروا دليلاً عكس ما رأيته وما شرحته. وحتى الآن منذ بدأت التحدث عما رأيته في غزة لم يشكك شخص واحد في أي شيء مما رأيته.
وماذا قال مديروك في شركة “يو جي سوليوشنز”؟
عندما كنت في غزة وأثرت مخاوفي، لم تكن قيادة “يو جي سوليوشنز” مهتمة بتنفيذ أي إصلاحات أو تغييرات. وقالوا: “حسناً، نحن هنا لنفعل هذا. نتقاضى أجراً لفعل هذا. هذا كل شيء. لا يهم أي شيء آخر”. وعندما أصيب بعض الأشخاص وجُرح وقُتل آخرون، تحدثت مرة أخرى مع قيادتي، وقلت لهم: “في 29 مايو في موقع التوزيع رقم 4، تم إطلاق النار على هذا الشخص من قبل أحد الموظفين لديكم. هذا الشخص يرتكب جريمة”، وكان ردهم أن “الجيش الإسرائيلي هو المسؤول، وإذا لم يكن لديه مشكلة مع ذلك، فلن تكون لدينا مشكلة. إذا لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية ما ينتقدونه علينا، فسوف نستمر في ما نقوم به”. كان هناك شعور بالإفلات من العقاب، وكان متعاقدو الشركة يشعرون بأنهم يستطيعون فعل ما يريدون لأن الحكومة الإسرائيلية ستسمح لهم بذلك.
حتى لو كان ذلك جريمة بموجب القانون الدولي؟
إسرائيل تريد قتل وإبادة كل فلسطيني. إنهم يعرفون أن ذلك ضد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. ولا يهتمون بالقوانين الدولية. ووجود أميركيين بعقلية مثل نادي “إنفيدلز” الذين يريدون قتل جميع المسلمين، وهم مسلحون، ويذهبون إلى غزة لتقديم المساعدات الإنسانية، يبدو انتهاكاً لقواعد الحرب ولاتفاقية جنيف وللقانون الدولي. عندما اختارت إسرائيل الشركات لهذا العقد أرادت القتل والفوضى والمزيد من معاناة سكان غزة، لذا فكرة الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف والقانون الدولي لم تكن تهمهم. لأن تركيزهم كان على السيطرة الكاملة على غزة.
هل ناقشت هذه القضايا مع زملائك في “يو جي سوليوشنز” أو “سيف ريتش سوليوشنز”؟
نعم، هناك من يعملون بموجب العقد ويشعرون بأن القصف واستهداف وقتل الفلسطينيين أمر جيد، بعض زملائي يرون أن هذا هو الأمر الصحيح، وهم مؤيدون لإسرائيل. بعض هؤلاء الأميركيين يعتقدون أن التخلص من جميع الفلسطينيين وبدء إعادة بناء غزة هو نتيجة جيدة. هم يقبلون ذلك ويفكرون بأن التخلص من الفلسطينيين ضرورة لأنهم لا ينبغي أن يكونوا هناك، ولا يمكن أن يكون هناك سلام إذا كان هناك فلسطينيون. مقلق أن هناك أميركيين لديهم هذه العقلية وهم مسلحون بالأسلحة والرشاشات والبنادق والمسدسات والغاز المسيل للدموع وقنابل الدخان، ويعتقدون أن العالم سيكون أفضل من دون الفلسطينيين.
لكن ماذا عن ضرورة التزامهم بالقوانين الدولية والأميركية التي تحمي المدنيين والأطفال والنساء؟
نعم، الكثير من المقاولين العاملين لدى “يو جي سوليوشنز” كانوا من قدامى المحاربين في الجيش الأميركي، وهم يعرفون القوانين الأميركية والقانون الدولي بعدم إيذاء غير المقاتلين، النساء، والأطفال، وعدم تعريضهم للخطر من خلال النزوح والتجويع. لكنهم الآن متقاعدون، وآراؤهم الشخصية حول الفلسطينيين أو القومية البيضاء أو الصهيونية المسيحية لا يجب أن تكون أكثر أهمية بالنسبة لهم من اليمين التي أقسموها أثناء الخدمة. إنهم يعرفون أن هذا خطأ، لكنهم يرونه كشر لا بد منه، ويعتبرون قتل المدنيين والنساء والأطفال جزءاً من فعل الخير في العالم.
هل قلت للقيادات إن ما يحدث يعتبر جريمة حرب؟
نعم، إنه ضد القانون ويعتبر جريمة حرب. ناقشت هذا الأمر مع المديرين في العمل منذ البداية، لأن مواقع التوزيع تقع في مناطق عمليات قتالية نشطة، واضطرار السكان طبقاً للقانون للتحرك عبر هذه المناطق للوصول إلى المواقع هو جريمة حرب، وقيل لي إن الجيش الإسرائيلي ليس عليه اتباع اتفاقية جنيف لأن “حماس” منظمة إرهابية، ولكن هذا غير صحيح، لأنه طبقاً للقانون في وقت النزاع، يجب على المحتل، وهي دولة إسرائيل في هذه الحالة الالتزام بقواعد اتفاقية جنيف والقانون الإنساني الدولي. إسرائيل وقّعت سابقاً على البروتوكولات الرابعة لاتفاقية جنيف، وكذلك الولايات المتحدة. وعندما ذكرت الجرائم التي ترتكب بالنسبة للمسؤولين في الشرطة، كان ردهم: لا يهم… هذا ما نتقاضى عليه أجرنا. هذه ليست مشكلتنا.
برأيك هل استخدمت إسرائيل ملف المساعدات الإنسانية لقتل واستهداف الفلسطينيين؟
إسرائيل كانت رغبتها دائماً هي وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. فعلوا ذلك بتقليل عدد الشاحنات التي تدخل إلى غزة. أرادوا إبعاد مؤسسة الأمم المتحدة و”أونروا” التي لم يكن لإسرائيل سيطرة عليها، لذا قالوا إنها مخترقة من “حماس” وإنه لا يمكنها توصيل الطعام وإن إسرائيل ستتولى توصيل الطعام، لكن إسرائيل تعمدت تجويع السكان. تم تصوير هذه الأماكن مصائد للموت. إسرائيل تعرف أن ما تفعله ينتهك القانون الدولي، ولذا حاولت إخفاؤه.
ومع وقف إطلاق النار الحالي، قد ترى إسرائيل عدم حاجتها إلى استخدام القنابل، فيمكنها ببساطة منع دخول الطعام والدواء أو تقليل الكميات وقتل السكان في غزة والتأثير على مئات الآلاف من خلال سياسة التجويع والمرض. وبمجرد أن يبدأ المرض في الانتشار في بيئة تعاني من مجاعة من دون مستشفيات أو نظافة تنتشر أمراض مثل شلل الأطفال والفيروسات بسرعة. 96% من سكان غزة يعيشون بالقرب من منطقة مياه الصرف الصحي المفتوحة. منطقة غزة أصغر من مدينة مثل فيلادلفيا (إحدى مدن ولاية بنسلفانيا) وفيها ضعف عدد السكان، وعندما ينتشر المرض وسط المجاعة، فإن ذلك يقتل الناس بسرعة، وإسرائيل تعرف ذلك. لكن ما يحزنني أن العالم لا يطالب بأي مساءلة. لا أعتقد أن العالم سيطالب بمحاسبة إسرائيل لوقف هذه الجرائم. الناس يرون هذا، لكن السؤال ما نوع المساءلة التي سيطالب بها العالم وماذا سيفعل لوقف هذا.



