كاثرين كونولي… نسوية داعمة لفلسطين وحدت اليسار في انتخابات رئاسة أيرلندا

المسار : عمت الفرحة بعد انتخاب كاثرين كونولي رئيسة جديدة لأيرلندا بين أوساط اليسار وشريحة واسعة من الشباب التي دعمت واحدة من أبرز الشخصيات السياسية المستقلة التي جمعت بين مسيرة عمل طويلة وخبرة مهنية واسعة في علم النفس والقانون والسياسة المحلية والوطنية، متخذة من قضايا المرأة وفلسطين مواقف ثابتة. وشكل انتخابها نهاية الأسبوع الماضي بقرابة مليون ونصف المليون صوت صحيح نصرًا لتحالف واسع بين أحزاب اليسار الأيرلندي، التي توحدت في دعمها، ومؤشرًا يعكس تنامي الغضب من أزمة السكن وتكلفة المعيشة، وإدارة الحكومة المُشكلة من تحالف حزبي فاين جايل وشريكه الحاكم فيانا فايل ومستقلين، واعتبر فوزها بنسبة 46% ضربة قوية لأحزاب يمين الوسط.

وُلدت كاثرين كونولي البالغة من العمر 68 عامًا والأم لطفلين، في حي شانتالا بمدينة غالواي، ضمن أسرة كبيرة مكوّنة من 13 أخًا وأختًا، ونشأت في بيئة متواضعة غرس فيها والدها، صانع القوارب التقليدية، قيم العمل والمبادئ والعدالة الاجتماعية على حدّ قولها. توفيت والدتها وهي في التاسعة من عمرها، ما ترك أثرًا عميقًا على شخصيتها وجعلها أكثر حساسية تجاه قضايا المهمشين والمظلومين.

بدأت كونولي حياتها العملية معلمة في مشروع بستنة تابع للرحل في أورانمور، وهي تجربة تقول إنها فتحت عينيها على واقع التمييز الاجتماعي ضد الأقليات، ثم درست القانون وعملت في وظائف متعددة منها عاملة نظافة، ومساعدة ممرضة، وخادمة فندقية، قبل أن تصبح طبيبة نفسية إكلينيكية ومحامية. دخلت عالم السياسة في مجلس مدينة غالواي، ثم أصبحت أول امرأة تشغل منصب نائب رئيس مجلس النواب الأيرلندي عام 2020، بعد أن غادرت حزب العمال احتجاجًا على تهميش الأصوات المحلية في الحزب.

في حملتها الانتخابية، ركّزت كاثرين كونولي على الثقافة الأيرلندية والهوية الوطنية، مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي بمهارة غير مسبوقة لجذب الناخبين الشباب الأمر الذي ساهم في فوزها بحسب عدد من المراقبين لمشهد الانتخابات الرئاسية الأيرلندية بشكل عصري وغير مسبوق. تميزت حملتها بطابع شعبي وموسيقي، وبمقاطع فيديو عفوية أبرزت شخصيتها القريبة من الناس.

ربط النسوية بالسياسي

خلال مسيرتها السياسية، دافعت بقوة عن حق النساء في الإجهاض، وهاجمت ما وصفته بـ”النفاق الأخلاقي” في تعامل الدولة مع قضايا الصحة الإنجابية. كما دعمت النساء من مجتمعات الرحّل والمهاجرات، معتبرة أن النسوية الحقيقية “لا تتحدث فقط باسم النساء في القمة، بل باسم اللواتي تُهمّش أصواتهن في القاع”. وخلال حملتها الرئاسية، أكدت أن تمكين النساء يجب أن يشمل “إصلاحات ملموسة في الأجور، والرعاية الصحية، والإسكان، وليس شعارات رمزية”. وتربط كونولي بين النسوية والسياسة الخارجية أيضًا، إذ تصف الحروب بأنها “امتداد لثقافة ذكورية تتغذى على السيطرة”، وتقول: “النساء أكثر ميلًا للتحدث من أجل السلام، وأيرلندا تحتاج هذا الصوت الآن أكثر من أي وقت مضى”.

تؤمن كاثرين كونولي بأن هناك “خوفًا عميقًا من قوة المرأة”، وترى أن السلطة الحقيقية تكمن في التعاطف والنفور من العنف. وتعد بأن تجعل الرئاسة منصة لتعزيز النقاش الديمقراطي، والدفاع عن التنوع، وبناء “جمهورية جديدة تُقدّر الجميع”. وبرغم أن منصب الرئيس في أيرلندا رمزي إلى حد كبير، فإن انتخابها يُعد نقطة تحول تاريخية في الحياة السياسية الأيرلندية، إذ يجسد رغبة عميقة في التغيير وتجديد الثقة بالقيادة النسوية المستقلة، إذ إنها ثالث امرأة تُنتخب لهذا المنصب منذ سنوات التسعينات.

وقالت في مقابلة مع موقع “هير” الشهر الحالي قبل انتخاباها “لطالما نظرنا إلى النساء كمشكلة، وأعتقد أن ذلك يعود إلى الخوف من قوة المرأة؛ النساء اللواتي يتفاعلن مع مشاعرهن. أعتقد أنهن أكثر ميلاً للتحدث من أجل السلام”. وأكدت كاثرين كونولي أن هناك رجالاً صالحين أيضاً، لكنها تعتقد أن “المؤسسة” تخشى النساء اللواتي “يُطلقن العنان لمشاعرهن”.

عُرفت كونولي بمواقفها الجريئة والمبدئية، خصوصًا دفاعها الثابت عن القضية الفلسطينية وحياد أيرلندا العسكري، وانتقادها لاستخدام الجيش الأميركي لمطار شانون. تُعرّف نفسها بأنها “مُستضعفة” سياسيًا، لكنها تمكنت من توحيد اليسار الأيرلندي خلفها خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مستندة إلى دعم حزب العمال والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحركة “الشعب قبل الربح”، إلى جانب شريحة واسعة من الشباب والفنانين والمستقلين، كما حصلت على دعم حزب “شين فين” لاحقًا الذي سحب مرشّحه.

مواقف بارزة تجاه فلسطين

خلال جلسة في البرلمان الأيرلندي في إبريل/نيسان الماضي، قالت كاثرين كونولي إن أيرلندا “تتحمل مسؤولية” وتُسهّل الإبادة الجماعية في فلسطين، عبر استخدام مطار شانون وتجارة الأسلحة والاستثمارات، وأن عليها أن تتصرف حيال ذلك. وفي بيان لها في سبتمبر/أيلول الماضي، دانت الهجوم الإسرائيلي على أسطول الصمود العالمي أثناء توجهه لكسر الحصار عن غزة وصرّحت أنها باعتبارها رئيسة محتملة ستسافر إلى فلسطين لدعم الشعب الفلسطيني.

واعتبرت في مقابلة مطلع الشهر الحالي أن التجارة بين أيرلندا وإسرائيل هو أمر “فاحش” وأدانت التجارة مع دولة ترتكب إبادة جماعية، وطلبت تطبيق قانون الأراضي المحتلة. وفي مقابلة أخرى عندما سُئلت عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي نفذتها حركة حماس، أدانت ما حصل في ذلك اليوم من جرائم حرب داعية إلى محاسبة الطرفين، لكنها حذّرت أن التاريخ لا يبدأ من ذلك اليوم، كما قالت إن حركة حماس جزء من نسيج الشعب الفلسطيني.

وأثناء إطلاق حملتها الانتخابية، قالت إنها تختلف مع موقف رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر القائل بأن حماس يجب ألا تشارك في أي حكومة فلسطينية، معتبرة أن هذا القرار شأن فلسطيني. ورفضت في تصريحات أخرى اعتبار الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة “شركاء موثوقين” تعليقًا على ما يجري في غزة بسبب ارتباطهم بصناعة السلاح. في حديث انتخابي وجهته إلى الشعب الأيرلندي، وعدت بأن تكون “صوتًا للسلام والعدالة” وتستخدم منصبها، رغم طبيعته الرمزية، للدفاع عن الفلسطينيين.

تتبنى كونولي موقفًا يميل إلى اليسار المناهض للمؤسسة فيما يخص القضايا الأوروبية والعسكرية، إذ أدانت بشدة الغزو الروسي غير القانوني لأوكرانيا وأكدت التضامن مع الشعب الأوكراني الذي تعرض للتهجير والقتل، لكنها في الوقت نفسه تبدي تحفظات قوية على الدور الغربي. كما انتقدت كونولي حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتتهمه بـ”التحريض على الحرب” من خلال التوسع والاقتراب من الحدود الروسية، وترفض بشدة أي توجه نحو “عسكرة القارة” الأوروبية أو التنازل عن مبدأ الحياد الأيرلندي التقليدي، محذرة من الانضمام إلى الناتو بـ”طريقة مجزأة” عبر حضور اجتماعات مجموعات الاتصال الدفاعية. كما تنتقد بشدة قيادات الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، على تصريحاتها التي تراها “غير سلمية” وتخدم تيار “الصناعة العسكرية” الذي يستفيد من الحرب المستمرة.

Share This Article