المسار : تتصاعد الاعتداءات الاستيطانية شرقي مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، حيث يواجه المزارعون في وادي سعير وأطراف البلدة تضييقاً متعمّداً من قوات الاحتلال والمستوطنين الذين أقاموا سبع بؤر استيطانية جديدة، حوّلت المنطقة إلى “عسكرية مغلقة”، ومنعت الأهالي من الوصول إلى أراضيهم وقطف ثمار زيتونهم تحت تهديد السلاح. وقبل يومين، تفاجأت عائلة يوسف الشلالدة، عند وصولها إلى أراضيها في وادي سعير شمالي الخليل، بمشهد صادم؛ “عشرات المستوطنين ينتشرون بين أشجار الزيتون يقطعونها، ويسكنون الكهوف القديمة في المنطقة، فيما يُمنع أصحاب الأرض من الاقتراب تحت تهديد السلاح”.
ويقول الشلالدة لـ”العربي الجديد”: “إنّ ما جرى ليس استثناءً، فقبل أيام فقط، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، طردت قوات الاحتلال عشرات المزارعين من أراضيهم رغم حصولهم على تنسيق رسمي مسبق من الارتباط الفلسطيني لدخولها”. ويروي يوسف الشلالدة تفاصيل ما جرى، قائلاً: “إنّ قوات الاحتلال باغتتنا يومها عند مدخل الوادي، ومنعتنا من دخول أراضينا لقطف الزيتون، رغم إبلاغ الجنود بوجود تنسيق مسبق بين الارتباط الفلسطيني والإسرائيلي”. ويضيف الشلالدة: “قالوا لنا إنهم لا يعترفون بهذا التنسيق، ثم طردونا من المنطقة، بينما كان المستوطنون يعتدون علينا في الوادي، والجنود يكتفون بحمايتهم”.
ويشير الشلالدة إلى أن قوات الاحتلال لم تكتفِ بطرد المزارعين، بل منعت أيضاً الصحافيين والنشطاء الأجانب من الوصول إلى موقع القطف، قبل أن تُبلغ المزارعين لاحقاً بأنها “تسمح فقط لـ25 شخصاً بالدخول بين الساعة العاشرة صباحاً والثالثة عصراً”. ويتساءل بغضب: “وحدي أملك نحو 200 شجرة زيتون، ومعي اثنان من أقاربي، فكيف يمكننا خلال ساعات قليلة أن نقطف هذا المحصول؟”. ويؤكد أن موسم الزيتون كان يجمع العائلة كلها في السابق، “لكنه اليوم تحوّل إلى معاناة، إذ لم نتمكن سوى من قطف نصف شجرة واحدة، بعدما ماطل بنا الجنود منذ الصباح، ثم قلّصوا الإذن حتى الساعة الواحدة فقط. فماذا يفعل ثلاثة أشخاص أمام 200 شجرة! لا شيء”.
ويوضح أن ما جرى معه لم يكن حادثة فردية، بل شمل جميع المزارعين في المنطقة الذين طُردوا بالقوة من أراضيهم. ويوضح أن عائلته وأبناء عمومته يملكون أكثر من 400 دونم زراعية في وادي سعير، لكن الاحتلال يتعامل مع الوادي كأنه “منطقة عسكرية مغلقة”، ويطلق فيه قطعان الأغنام لتتلف محاصيل العنب والخوخ والزيتون. ويضيف: “هذا متكرر يومياً بهدف تخريب الأرض ودفعنا إلى تركها”. وتتكوّن أسرة يوسف الشلالدة وإخوانه من نحو 60 شخصاً، جميعهم يعتمدون على الزراعة مصدراً رئيسياً للرزق في أراضي وادي سعير.
ويؤكد الشلالدة أن الأراضي كلها ملكية خاصة للعائلة، قائلاً: “معنا أوراق ملكية رسمية، بعضها صادر عن جهات إسرائيلية”. ولم تقتصر الاعتداءات على الأراضي المصنّفة (ج) الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، بل طاولت أيضاً مناطق (ب) ذات السيطرة الأمنية “الفلسطينية -الإسرائيلية. ويشرح أن نحو 30 دونماً من أراضيه خُرّبت فيها الأشجار وطُرد منها بحجة أنها “منطقة عسكرية”، رغم تصنيفها أراضيَ (ب). ويؤكد الشلالدة أن المستوطنين أحرقوا أيضاً نحو ثلاثة دونمات مزروعة بالزيتون واللوز والخوخ.
ومنذ بداية العام، تجاوز عدد الأشجار المثمرة التي قطعها المستوطنون 500 شجرة من الزيتون واللوز وكروم العنب، في حين يُمنع أصحاب الأراضي من الوصول إلى نحو 6 آلاف شجرة يزيد عمر كل واحدة منها عن 150 عاماً، بحسب ما يقول عضو لجنة توثيق الانتهاكات في سعير، يوسف الطروة. وتتكرر ذريعة “الأراضي منطقة عسكرية مغلقة” في كل مرة، حيث يوضح الطروة لـ”العربي الجديد” أن قوات الاحتلال تمنحهم في كل مرة ورقة تتضمن خريطة للأراضي مظللة باللون الأحمر، مع منع الدخول. ويشير الطروة إلى أنه “من المفترض أن تمنع المنطقة العسكرية المغلقة كلاً من المستوطن والفلسطيني من الدخول، لكنهم يمنعوننا نحن أصحاب الأرض فقط، ويسمحون للمستوطنين باقتحامها”.
ويقول الطروة، وهو أحد أصحاب الأراضي المهجّرة في منطقة جورة الخيل: “كنت آخر من طُرد من أرضه في 23 سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ومنذ ذلك اليوم، لم نعد قادرين على الوصول إليها. قدّمنا قضية في المحكمة الإسرائيلية، وأثبتنا ملكيتنا القانونية، وصدر قرار في 14 أغسطس/ آب الماضي، يسمح لنا بالعودة، لكن عند محاولتنا الدخول حضر الجيش والشرطة والمستوطنون ومنعونا بالقوة”. ويشير الطروة إلى أن الاعتداءات النوعية تصاعدت بعد اندلاع الحرب على غزة، حين أُغلقت الطرق وفُصلت المناطق بعضها عن بعض، وبدأ الاحتلال الاستفراد بالمناطق. ويؤكد أن الهجوم بدأ في منطقة “القانوب” شرقي بلدة سعير، حيث جرى تهجير السكان بالقوة، وسرقة مواشيهم وأغنامهم، قبل أن يمتد إلى منطقة “جورة الخيل” التي يقطنها. وفي الوقت نفسه، تعرض سكان منطقة المنيا لضغوط مماثلة، ضمن هجوم ممنهج شمل عدة مناطق في البلدة.
ويقول الطروة: “خلال العام الأول من الحرب، هجّر الاحتلال 23 عائلة من هذه المناطق، يراوح عدد أفراد كل أسرة بين 6 و10 أشخاص، وأقام المستوطنون 7 بؤر استيطانية امتدت من شرق سعير حتى جنوب سعير”. وتحوّلت هذه البؤر لاحقاً إلى نقاط انطلاق دائمة للاعتداءات اليومية على سكان سعير “من الجنوب إلى الشرق ثم الشمال والغرب”، بحسب الطروة. ويشير الطروة إلى أن اللجنة الأهلية التي يعمل ضمنها “توثق بشكل يومي عمليات سرقة وقطع أشجار الزيتون وإقامة بؤر جديدة”، كان آخرها في منطقة خربة حمروش، شرقي بلدة سعير.
ويؤكد أن أكثر المناطق تضرراً تقع في قلب وادي سعير، وتُعرف باسم أم بطم، “وهي اليوم معزولة بنسبة 90 % عن بلدة سعير، بعدما قطع الاحتلال الطرق المباشرة المؤدية إليها، وأصبح الوصول ممكناً فقط من الشمال عبر قرى بيت لحم وتقوع، وصولاً إلى بيت فجار ثم سعير، وهذا العزل جزء من سياسة ضغط تهدف إلى تهجير السكان”. ويوضح الطروة أن عدد سكان أم بطم لا يتجاوز 120 نسمة، يعيشون في بيوت فلسطينية قديمة بُنيت منذ خمسينيات القرن الماضي، “لكن الاحتلال يقطع عنهم كل شيء، بما فيه الماء والكهرباء بشكل متعمد”.
ويشير الطروة إلى أنه منذ بداية الحرب وحتى الآن، “تم تهجير 43 عائلة من مناطق القانوب وجورة الخيل وبرية سعير”. ويتساءل الطروة: “أين يذهب الناس؟ أنا شخصياً اضطررت إلى السكن مع أخي وتقاسمنا الشقة، ومعظم العائلات لجأت إلى أقاربها أو أبناء عمومتها. كنا نسكن في كهوف وكرفانات. كنت أعيش في كهف ورثته عن والدي، وكان لدينا بناء قائم هدمه الاحتلال عام 2016. كل المناطق التي كانت مأهولة بالسكان تم تدميرها وسرقة ما تبقى فيها، وأقيمت بؤرة استيطانية فوق كهفنا”. ويختم: “أراضينا أملاك خاصة، وهناك قرار من المحكمة الإسرائيلية بعودتنا إليها للسكن والزراعة، لكن القرار لم يُنفذ، ونحن نملك الأرض والوثائق، لكن الاحتلال يملك القوة التي تحرمنا من حقنا فيها”.

