المسار : شهد يوم أمس الثلاثاء، تبدلاً كبيراً في معادلات إسرائيل الميدانية، التي اعتمدتها منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان، بحيث استهدفت للمرة الأولى منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا جنوبي لبنان، موجهة ضربة مباشرة على ملعب رياضي مكتظّ بالشبان، ما أسفر عن سقوط 13 شهيداً وجرح العديد من الاشخاص في محصلة غير نهائية صادرة عن وزارة الصحة اللبنانية.
واستكملت إسرائيل تغيير استراتيجيتها بتنفيذها صباح اليوم الأربعاء، غارة على سيارة في بلدة الطيري جنوباً، بينما كان بجانبها باصاً مدرسياً، ما أسفر عن استشهاد شخص وإصابة 11 آخرين بجروح، علماً أنّ السياسة المختلفة التي يمارسها الاحتلال حالياً، بدأت قبل فترة من الوقت بشكل تدريجي، من خلال توسعة نطاق الاستهدافات لتشمل مناطق في عمق الجنوب، مع رفع وتيرة الضربات بقاعاً، ومن ثم توجيهها بيانات الإنذار بالإخلاء، فتنفيذها للاعتداءات ضمن مناطق سكنية وبساعات الذروة، إلى جانب زيادة عدد اعتداءاتها على قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل).
وتوضَع هذه الوقائع الميدانية في إطار تمهيد إسرائيل لتصعيد أكبر في المرحلة المقبلة، والضغط بالنار، من أجل دفع لبنان إلى الإسراع في نزع سلاح حزب الله، حائزة على ضوء أخضر أميركي، وعلى دعمٍ في مسار موازٍ، من خلال الضغوط الأميركية التي تُمارس على المسؤولين اللبنانيين، وأهمّها، سجّل أمس الثلاثاء، بإلغاء قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل زيارته لواشنطن، غداة الهجوم الواسع الذي تعرّض له من أعضاء في الكونغرس، علماً أن ضغوط الإدارة الأميركية التي بدأت تتخذ شكلاً آخر، لا تقتصر على الجانب الأمني، بل أيضاً تشمل الإصلاحات، وعلى رأسها ضرورة اتخاذ لبنان الإجراءات المالية اللازمة لوقف مسارات تمويل الحزب.
وبحسب معلومات “العربي الجديد”، فإن “الولايات المتحدة تريد قطع الطريق على أي محاولة للمماطلة أو الالتفاف اللبناني على القرارات، وتريد من الجيش اللبناني تكثيف عملياته أكثر في الجنوب، في ظل تقارير لديها تشير إلى أن السلاح لا يزال موجوداً في جنوب نهر الليطاني، علماً أنها رحّبت بما يقوم به، لكنها تعتبر أن المطلوب أكثر بعد، وبوقت أسرع”. وتبعاً للمعلومات، هناك امتعاض أميركي من البيانات التي يصدرها الجيش اللبناني، والتي يصف فيها إسرائيل بالعدو، ويهاجمها فيه، كما هناك تباينات على مستوى طريقة تطبيق خطته، إلى جانب وجود امتعاض أيضاً من تأخر الإصلاحات في لبنان، وعدم قيام السلطات بما يلزم من أجل قطع إمدادات وطرق التمويل عن حزب الله، الذي بحسب تقارير أميركية لا يزال يتلقى تمويلاً إيرانياً، وهذه مسؤولية الدولة اللبنانية لوقف ذلك.
في المقابل، يقف لبنان عاجزاً أمام هذه التطورات، مكتفياً بانتظار نتاج الحراك الغربي العربي من أجل الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها، والجواب الإسرائيلي عبر الأميركي للتفاوض من أجل إنهاء الاحتلال، ويعتبر أنه قدّم الكثير منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وكان الطرف الوحيد الملتزم بالترتيبات، وقام بالخطوات اللازمة، سواء على صعيد إقراره أهداف الورقة الأميركية، أو حصرية السلاح بيد الدولة.
في الإطار، تقول مصادر رسمية لبنانية لـ”العربي الجديد”، إن “لبنان ينظر بقلق إلى كلّ التطورات الأخيرة، سواء السياسية والأمنية، بحيث إنّ ما حصل مع قائد الجيش غير مسبوق، ويؤشر إلى مرحلة دقيقة في العلاقات اللبنانية الأميركية، لكن هناك اتصالات مع الأميركيين لمعرفة تفاصيل ما حصل، وللتأكيد مجدداً على دعم لبنان المؤسسة العسكرية في ما تقوم به، والدور الكبير الذي تبذله لتطبيق خطة حصرية السلاح، وفي كافة مهامها على صعيد الوطن، كما هناك اتصالات داخلية تحصل لمتابعة التطورات والتصعيد الخطير الذي حصل أمس”.
من جهتها، تقول مصادر مقرّبة من رئيس البرلمان نبيه بري لـ”العربي الجديد”، إن “لبنان يقوم بكل ما أمكن من أجل تنفيذ القرارات الدولية، ويتمسّك بالتفاوض وبالحلول الدبلوماسية، ولا يريد الحرب، ولكن يبدو أن إسرائيل لا تريد إلا الخيار العسكري، والضغط بالاعتداءات والضربات التي تنفذها، ولكن لا يمكن حصول تفاوض في وقت تتواصل فيه الغارات والخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار”. وتلفت المصادر إلى أن “هناك استغراباً من الهجمة التي يتعرّض لها الجيش، فهو يقوم بمهام كبرى رغم إمكاناته المحدودة، وطريقة تطبيقه لخطته نالت ترحيباً داخلياً كما خارجياً، وقد نفذ عمليات مهمة جداً على مستوى ضبط مخازن الذخائر والأسلحة والأنفاق، وعزز انتشاره في الجنوب، وكثف من حواجزه، وهو ينتظر انسحاب إسرائيل ليستكمل انتشاره الكامل، وهو مصمّم على تطبيق المرحلة الأولى من خطته في نهاية العام الجاري”، مشيرة إلى أنه “لا يمكن لإسرائيل أن تفرض مهاماً على الجيش، مثل مداهمة المنازل والممتلكات الخاصة، فالجيش حريص على إتمام مهامه بدقة، وبطريقة تحافظ على الأمن والسلم الأهلي”.
وأجرى الرئيس اللبناني جوزاف عون اليوم اتصالاً بقائد الجيش، قدم له خلاله التعازي باستشهاد عسكريين خلال ملاحقة تجار المخدرات في حي الشراونة في بعلبك ليل أمس. وقال عون “مرة جديدة يدفع الجيش من دم رجاله ثمن حماية المجتمع اللبناني من آفة المخدرات من جهة، وتطبيق القانون من جهة أخرى”، مضيفاً “لقد انضم شهيدا الأمس إلى قافلة طويلة من رفاقهما الذين ضحوا بأغلى ما عندهم وفاء لقسمهم، وتأكيداً على تصميم المؤسسة العسكرية بالتعاون مع القوى الامنية الأخرى على المضي في تطبيق القوانين وملاحقة المرتكبين والحد من الجريمة على مختلف أنواعها، بالتزامن مع حماية الحدود وبسط سلطة الدولة، ولن يثني شيئاً الجيش عن القيام بدوره الوطني، لا الحملات المشبوهة ولا التحريض ولا التشكيك من أي جهة أتى سواء من الداخل أو الخارج”.
حزب الله يرفض منطق الوصاية الأميركية
وضمن مواقف حزب الله اليوم، قال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب إبراهيم الموسوي “تغالي الإدارة الأميركية كثيراً في تعاطيها مع لبنان من منطلق استتباعي مستكبر، وتبلغ الوقاحة والعجرفة أقصى حدودها في محاولة فرض الوصاية عليه من خلال التدخل لفرض تعريف للعدو والصديق، وتحييد العدو الإسرائيلي المحتل لأراضي لبنان، والذي يمارس عدواناً ويرتكب المجازر بحق أهله بشكل يومي عن خانة العداء”.
وأضاف “إننا نؤكد وبقوة على رفض منطق الوصاية الأميركية بحق بلدنا، ونرى أن محاولات المسّ باستقلاله وسيادته وكرامته والتعرض لجيشه الذي هو محل إجماع وطني، ودوره الطبيعي في حماية البلد من الأعداء وخاصة العدو الإسرائيلي، يجب أن يكون موضع إدانة من جميع اللبنانيين”. وشدد الموسوي على أن “منطق الإملاءات الأميركية أمر مرفوض بالكامل، وسعي واشنطن للضغط على الجيش لإحداث فتنة خدمة لمشروع إسرائيل الكبرى مرفوض ومدان من اللبنانيين الشرفاء”، مضيفاً “لا يحق أبداً لأي مسؤول أميركي كائناً من كان أن يسيء لجيشنا الوطني وقائده ودوره في حماية البلد في إطار تنفيذ الاتفاق الذي التزمه لبنان بالكامل وانتهكه العدو ويستمر في انتهاكه آلاف المرات”.
وأردف “إن الابتزاز المكشوف الذي تمارسه الإدارة الأميركية وأدواتها ضد الجيش اللبناني للاستثمار في الفوضى الداخلية خدمة لأعداء لبنان ومشاريعهم يجب أن يشكل فرصة لجميع اللبنانيين كي يتوحدوا في رفضه وإدانته وإعلاء الصوت أن للبنان نهجه ومشروعه السيادي الاستقلالي الوطني الذي يخدم لبنان وأهله حصراً، وهذا ما يتعاكس بالضرورة مع مخططات وإرادة ورغبة الإدارة الأميركية”.
إضراب عام في مخيم عين الحلوة
إلى ذلك، يشهد مخيم عين الحلوة إضراباً عاماً تنديداً بالمجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال ليل أمس الثلاثاء، وسط حالة غضب عارمة من جراء ما حصل، فيما أقفلت بعض المدارس في صيدا أبوابها حداداً على أرواح الشهداء. كذلك، يُعقد اجتماع موسع لفاعليات صيدا في دار الإفتاء استنكاراً للعدوان، وتضامناً مع عائلات الشهداء والجرحى.
ودان النائب عن صيدا، عبد الرحمن البزري، في بيان “المجزرة الوحشية التي ارتكبها المحتل الإسرائيلي في مخيم عين الحلوة”، معتبراً أنها موجهة ضد لبنان الوطن وسيادته وضد الشعب الفلسطيني، داعياً الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لإدانة هذا العدوان الوحشي. واعتبر البزري أن ما حدث هو أكبر دليل على النوايا الإسرائيلية، وعلى رغبة العدو الإسرائيلي في إحداث المزيد من الضغط والعدوان على أهله وسكانه.
المصدر … العربي الجديد

