المسار : دعت دولة قطر إلى التعجيل في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 الصادر بتاريخ 17 نوفمبر 2025، مؤكدة أن تطبيق القرار بحسن نية هو السبيل الوحيد لضمان الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وتهيئة واقع جديد يتيح تشكيل حكومة محلية من أبناء غزة والشروع في إعادة إعمار القطاع المنكوب.
الدعوة جاءت عبر البيان الذي ألقاه جاسم يعقوب الحمادي، سفير دولة قطر ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في فيينا، خلال الجلسة المخصصة للوضع في فلسطين في دورة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تحرّك قطري يحمل رسائل واضحة
الحمادي استعرض أمام المجلس صورة قاتمة لما يتعرض له الفلسطينيون، مشيراً إلى استمرار القوات الإسرائيلية في القتل والتهجير المنهجي في الضفة الغربية والقطاع، إلى جانب تغوّل المستوطنين الذين يمارسون عنفاً منظماً “مدعوماً بقرار سياسي من حكومة الاحتلال”، على حد تعبيره.
وشدد على ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال بجميع أشكاله، وإتاحة المجال لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
كما ذكّر بأن “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة” التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين “لا تسقط بالتقادم”، داعياً إلى مساءلة المسؤولين عنها، وحثّ الوكالات والمؤسسات الدولية المختصة على تحمل واجباتها القانونية والأخلاقية.
وفي الجانب الإنساني، دعا الحمادي الدول والمنظمات الإغاثية، وفي مقدمتها الأونروا، إلى تكثيف مساعداتها العاجلة لتخفيف الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان تحت الحصار والدمار، مؤكداً أن الوضع الحالي “يتجاوز حدود التحمل البشري”.
سليمة عجور : لحظة مفصلية… وقطر تقول ما يتردد الآخرون في قوله
وفي تعليق موسّع ، ترى المحللة السياسية القطرية سليمة عجور، أن الخطاب القطري في فيينا يمثل “أكثر المواقف وضوحاً في لحظة عربية ودولية شديدة الالتباس”، معتبرة أن الدوحة اختارت “الذهاب إلى جوهر الأزمة، لا إلى هوامشها”.
وقالت عجور: “ما صدر اليوم من الدوحة ليس مجرد بيان دبلوماسي روتيني. هو رسالة مركّبة يمكن قراءتها على ثلاثة مستويات: أولها إنساني، ثانيها سياسي، وثالثها استراتيجي يرتبط بميزان القوى في المنطقة. قطر تدرك تماماً أن القرار 2803 لن يتحول إلى واقع إذا لم تتوافر إرادة دولية تجبر إسرائيل على الانسحاب الكامل من غزة، ولذلك ركز البيان على عبارة بحسن نية، وهي إشارة ذكية إلى أنّ المشكلة لم تعد في النصوص، بل في تعطيلها”.
وتضيف: “المفارقة اليوم أنّ العالم يعيش حالة وعي متزايد تجاه ما يجري في غزة، لكن هذا الوعي لا يُترجم إلى إجراءات. وهنا تأتي أهمية الموقف القطري: فهو يُعيد ربط البعد القانوني بالبعد الأخلاقي، ويذكّر بأن الجرائم التي ارتُكبت لن تختفي من التاريخ ولن تُمحى من ذاكرة الشعوب مهما تغيّرت التحالفات والمصالح”.
وتشدد عجور على أنّ قطر لا تتحدث فقط عن انسحاب، بل عن صياغة مستقبل جديد لغزة: “حين تطالب الدوحة بتأسيس حكومة محلية من أبناء غزة فهي عملياً تضع حجر الأساس لنظام سياسي متحرر من هيمنة الاحتلال. وهذه النقطة بالذات ستكون محور جدل كبير خلال الأسابيع المقبلة، لأنها تلامس جوهر الصراع: من يملك الشرعية؟ ومن يقرر مصير الأرض؟”.
وتتابع: “الجزء الأكثر حساسية في الخطاب هو حديث السفير عن محاسبة إسرائيل. هنا نرى تحوّلاً مهماً في اللغة السياسية العربية، فالدوحة لا تكتفي بالمطالبة، بل تستند إلى قواعد القانون الدولي، وتقول بوضوح إنّ الجرائم المرتكبة لا تسقط بالتقادم. هذه العبارة ليست مجرد وصف، بل تفتح الباب لملفات قانونية وسياسية قد تمتد لسنوات”.
أما عن البعد الإنساني في الموقف القطري، فتقول عجور: “الدوحة لطالما كانت لاعباً مركزياً في الإغاثة الإنسانية، لكن اليوم تركّز على نقطة جوهرية: لا يمكن ترميم مجتمع تحت القصف. لذلك يجيء التركيز على الأونروا والمنظمات الدولية كجزء من رؤية عملية، لا كمجرد توصية. قطر تريد حراكاً دولياً سريعاً لأن الوضع في غزة لم يعد يحتمل أي تباطؤ”.
وتختم: “في تقديري، هذا الخطاب يعكس رؤية قطر لدورها الإقليمي في المرحلة المقبلة: دور مبادر، صريح، يحاول ملء الفراغ الدولي تجاه القضية الفلسطينية، ويعيد طرح الأسئلة التي يهرب منها الآخرون. الدوحة تقول اليوم إن المسار واضح: انسحاب كامل، حكومة محلية، إعمار، ثم حق تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية. وهذه الخريطة السياسية، إن تم تثبيتها، قد تشكل نقطة تحوّل في مستقبل الشرق الأوسط”.

