صفقة الغاز الإسرائيلي على حافة الانهيار… ومصر تريد بدائل

المسار: تتجه واحدة من أكبر صفقات الغاز الإسرائيلي الطبيعي بين مصر ودولة الكيان إلى حافة الهاوية، بعد أن تحولت إلى إحدى أدوات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة في المناكفة السياسية لمصر، والتقرب لأنصاره الذين يخشون من دعمها اقتصاد القاهرة، لاعتبارها تشكّل حجر عثرة أمام التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وتأثيرها السلبي على أسعار إمدادات الطاقة محليًا، وعدم حصولهم على “أسعار عادلة” للغاز في المستقبل.

وقد دخلت صفقة الغاز، التي تستهدف توريد كميات من الغاز تُقدَّر بنحو 130 مليار متر مكعب بقيمة 35 مليار دولار، وبكميات تبلغ 1.8 مليار قدم مكعبة في المتوسط يوميًا حتى عام 2040، نفقًا سياسيًا معقدًا داخل إسرائيل، وسط مشاكل فنية وتنظيمية قبل أيام من موعد تنفيذها الحاسم المحدد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

وتؤكد مصادر رفيعة بوزارة البترول لـ”العربي الجديد” أن إمدادات الغاز من إسرائيل حاليًا تتراوح ما بين 850 مليون إلى مليار قدم مكعبة يوميًا، والتي تُورد ضمن اتفاقية توريد الغاز الطبيعي الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 2019، والتي يجري تنفيذها منذ عام 2020، مؤكدة عدم التزام الجانب الإسرائيلي بزيادة الواردات وفقًا للتحديث الذي أُدخل على الاتفاق في يوليو 2025، والذي يستهدف زيادة التدفقات إلى مستوى 1.3 مليار قدم مكعبة يوميًا حتى نهاية 2025، ليرتفع إلى نحو 1.6 مليار بحلول ربيع 2026، ويزداد تدريجيًا خلال الصيف ليتراوح ما بين 1.8 مليار إلى ملياري قدم مكعبة يوميًا.

وأكد المصدر أن الجانب الإسرائيلي ظل يبرر عدم زيادة التدفقات للغاز إلى الشبكة المصرية للطاقة بوجود مشاكل فنية، والتي انتهت بالكامل خلال أكتوبر الماضي، إلى أن كشفت حكومة تل أبيب، وبدعم من لجان في الكنيست، عن رغبتها في تجميد الصفقة الإضافية لوجود خلافات مع مصر حول ملفات غزة والوجود العسكري المصري في سيناء، وتجميد الاتفاق لأسباب سياسية وإعادة تعديل أسعار التوريد في المستقبل.

وبينما تضغط شركات تشغيل حقل “ليفاثان”، وهو المصدر الرئيسي لغاز الصفقة، على تنفيذ الاتفاق وتعتبره قابلًا للإنفاذ والصمود أمام ضغوط نتنياهو، تظهر مؤشرات سوق الغاز والتحركات الحكومية الأخيرة في القاهرة أن مصر تستعد لتراجع كبير في تدفق الغاز الوارد من الحقول الإسرائيلية، وربما توقف جزئي يمتد حتى صيف 2026.

وطرحت هيئة البترول المصرية مناقصة مطلع الأسبوع لاستيراد ثلاث شحنات من الغاز المسال من سوق الغاز الفورية، للتسليم خلال شهر نوفمبر، واستقبالها عبر خمس سفن إعادة إسالة بموانئ الإسكندرية والعين السخنة، وضخها بالشبكة الوطنية للغاز. وفقًا لبيانات وزارة البترول، اتفقت الهيئة مع شركات سعودية وفرنسية وهولندية وأذربيجانية لتوريد 20 شحنة غاز مسال قبل نهاية العام، لتعويض أي نقص محتمل في واردات الغاز الطبيعي القادم من إسرائيل، بالتوازي مع توقيع اتفاقات لشراء نحو 125 شحنة غاز خلال عام 2026 من قائمة موردين تضم أكثر من 70 شركة عربية ودولية، مع التوجه إلى طرح مناقصات شهرية لضمان أفضل سعر ممكن، بعد أن أصبحت مصر أكبر مستورد للغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط.

تأتي تحركات الحكومة المصرية لتأمين بدائل للغاز الطبيعي بعد شهرين من خفض الاستيراد للغاز المسال من السوق الفورية الدولية، عقب استئناف معدل التدفقات المعتادة القادمة من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين عبر شبكات الربط البحري مع الشبكة الوطنية للغاز وانتظامها، وتراجع استهلاك الطاقة في مصر مع تحسن الأجواء وزيادة تدفقات المياه بنهر النيل، ما ضاعف إنتاج محطات الطاقة المائية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2025.

وفجّر خبير البترول حسام عرفات مفاجأة بتأكيده إمكانية لجوء الحكومة الإسرائيلية لإلغاء صفقة توريد الغاز لمصر دون أن تتحمل أية توابع مالية أو غرامات، مرجعًا ذلك إلى أن الاتفاق الموقع لزيادة واردات الغاز الطبيعي من حقلي تامار وليفياثان عبارة عن مذكرة تفاهم غير ملزمة للطرف البائع، وأن الاتفاق لم يدخل بعد حيز التنفيذ، وفي حالة استمراره يمكن لإسرائيل أن توقفه دون الحاجة إلى تحكيم دولي يلزمها أو يفرض عليها غرامات مالية.

ويوضح عرفات لـ”العربي الجديد” أن هذه الصفقة لا توقف العمل بالاتفاق الأصلي لاستيراد الغاز من إسرائيل، والتي تشمل توريد كميات تصل إلى مليار قدم مكعبة يوميًا، بقيمة 15 مليار جنيه، وينتهي العمل بها عام 2035، والتي تعرضت للتعطل عدة مرات لأسباب قاهرة، تتعلق ببدء العدوان الإسرائيلي على غزة وتكررت مع الضربات الصاروخية لإيران على تل أبيب.

كما يشير عرفات إلى أن حكومة نتنياهو حولت الصفقة الاقتصادية إلى لعبة سياسية، تحاول توظيفها للبقاء في السلطة وعدم ملاحقة نتنياهو أمام القضاء في قضايا الفساد والفشل الأمني، مؤكّدًا أن هذه الأسباب تدفع اليمين المتطرف في إسرائيل إلى تعطيل الصفقة واستمرار حالة العدوان على غزة وعدم احترام الاتفاقات الموقعة مع 30 دولة لإنهاء الحرب على الفلسطينيين، كما يهمهم خلق أزمة مع مصر لتوظيفها داخليًا سياسيًا.

ومع ذلك، يبين خبير البترول أن حكومة نتنياهو لن تستطيع إيقاف تصدير الغاز من حقول تل أبيب لمصر، لوجود ضغوط من الشركاء المالكين لحقل ليفاثان، بقيادة شركة شيفرون الأمريكية، المالكة لـ39.66% من أسهمه، ونيو-ميد إنرجي الإسرائيلية، التي نقلت سجلاتها من تل أبيب إلى أوروبا، وشركة راتيو، الذين يظهرون تفاؤلًا كبيرًا بصفقة تضمن لهم تصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر حتى عام 2040، وتحقيق عائد قيمته 20 مليار دولار، في الوقت الذي لا يوجد أمامهم بديل آخر لتصدير تلك الكميات إلا الشبكة المصرية للغاز أو استخدامه محليًا فقط، بما يهدر 15 مليار دولار استثمرها ملاك الحقل دون أية عوائد بديلة عن القاهرة.

وقد أوضح عرفات أن الشركاء في الحقل الإسرائيلي طلبوا من حكومة تل أبيب موعدًا نهائيًا في 30 نوفمبر الجاري للحصول على موافقة وزارة الطاقة لتوسيع قدرات حقل ليفاثان واعتماد مسار خط الأنابيب البري الذي يصل بين ليفاثان والحدود المصرية، مشددًا على أن عدم التزام حكومة تل أبيب يضعهم في مأزق أمام الجانب المصري، ويهدر استثماراتهم ويعطل تصدير الغاز لمدة قد تستمر أعوام.

كما أكد عرفات أن الضغوط الفنية والمالية التي يمارسها وزير الطاقة الأميركي الداعم للصفقة ستدفع إسرائيل لتنفيذ الاتفاق رغم هشاشته القانونية، لأنهم لا يملكون القدرة على تصديره لأطراف أخرى، وليس لديهم محطات إسالة مثل مصر يمكن اللجوء إليها لإعادة تصدير الغاز إلى أوروبا.

في سياق متصل، أكد مصدر قيادي بشركة الغاز المصرية أن تهديد إسرائيل بتصدير الغاز إلى قبرص أو أطراف بديلة لأوروبا عبر اليونان يبدو غير منطقي ويستهدف الاستهلاك السياسي، حيث يحتاج إلى شبكة لنقل الغاز بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، بينما العائد المادي ضعيف جدًا، مؤكّدًا أن ما يسوقه الأطراف الإسرائيليون عبارة عن “فرقعة إعلامية”.

وأكد المصدر أن تجاهل مؤسسة الرئاسة والحكومة للرد على التهديدات الإسرائيلية بقطع الغاز عن مصر يعكس عدم رغبتها في منح نتنياهو فرصة للمزايدة السياسية في قضية محسومة فنيًا، وإذا ما نفذها ستكشف أمام العالم عدم التزام الحكومة الإسرائيلية باتفاقاتها التجارية مع الآخرين، بعد أن ظهر جليًا كيف تهدم أي اتفاق وافقت على تنفيذه أمام المجتمع الدولي.

وأشار المصدر إلى أن الغاز الإسرائيلي المستخرج من حقلي تامار وليفياثان ظل عديم الفائدة تجاريًا رغم اكتشافه منذ عام 2008، إلى سعى الاتفاق على تصديره إلى مصر والأردن عبر الشبكة الوطنية للغاز عام 2019، الأمر الذي سيجعلها عاجزة عن وقف إمداداته تحت الضغوط المالية للشركاء الدوليين وعدم قدرتها على استيعاب طاقاته في الداخل.

في سياق متصل، أكد مصدر اقتصادي مطلع أن قيادات عسكرية وباحثين اقتصاديين وخبراء بترول عقدوا اجتماعات مكثفة على مدار الأسبوعين الماضيين بأكاديمية ناصر العسكرية لوضع بدائل لتخفيف الاعتماد على الغاز الطبيعي، ووضع عدة سيناريوهات تتضمن توفير نحو 3 مليارات دولار إضافية على الموازنة الحالية لقطاع البترول، لشراء احتياجات مصر من الغاز المسال، والتي تُقدّر بنحو 125 شحنة حتى نهاية 2026، ومواجهة تعطل تشغيل محطتي الإسالة بدمياط وأدكو شمال الدلتا، المخصصة لتسييل الغاز القادم من إسرائيل وإعادة تصديره لأوروبا، والتواصل مع الإدارة الأميركية بما يضمن تنفيذ الصفقة ضمن تسوية سياسية داخل إسرائيل، مع تنويع موردي الغاز واللجوء إلى عقود طويلة الأجل تضمن تدفقات الغاز المسال لمصر حتى عام 2030.

Share This Article