أمير قطر في زيارة إلى الكونغو الديمقراطية ترسيخا لشراكة استراتيجية تفتح آفاقا جديدة من التعاون

المسار : وصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى العاصمة كينشاسا في زيارة دولة، هي الأولى من نوعها، إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، قادما من الجارة رواندا.

وتأتي الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة، خصوصًا بعد افتتاح سفارتي البلدين في كل من الدوحة وكينشاسا، وتعزيز التعاون السياسي عبر مسار الوساطة التي قادتها قطر لدعم جهود السلام في شرق الكونغو ومنطقة البحيرات العظمى، والتي أثمرت عن توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين الحكومة الكونغولية وتحالف نهر الكونغو «حركة 23 مارس».

وتتطلع الكونغو الديمقراطية، في ضوء مواردها الطبيعية الضخمة وتنوع قطاعاتها الاقتصادية، إلى فتح آفاق جديدة للاستثمار القطري، خاصة في مجالات البنية التحتية والمناجم والطاقة والكهرباء، إضافة إلى الزراعة التي تشكل أحد أكبر القطاعات الواعدة نظراً لامتلاك البلاد ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة والرعي.

كما يمثّل قطاع المعادن، وعلى رأسه الكوبالت الذي تمتلك الكونغو 70 بالمئة من احتياطيه العالمي، فرصة استراتيجية للمستثمرين القطريين، إلى جانب إمكانية التعاون في تطوير موانئ ومطارات وطرق تربط البلاد بدول منطقة البحيرات الكبرى.

وفي سياق متصل، تبرز مشاريع التعاون الإنساني التي نفذتها مؤسسات قطرية مثل الهلال الأحمر وقطر الخيرية، والتي ساهمت في تطوير القطاع الصحي وبناء مراكز رعاية ودعم جهود مكافحة الأوبئة، إضافة إلى مشاريع الكهرباء والطرق التي ساعدت في تحسين الخدمات في عدد من الأقاليم الكونغولية.

قال الدكتور خالد حماد، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن زيارة أمير قطر إلى كينشاسا تمثل نقطة تحول مهمة في مسار الحضور العربي داخل القارة الإفريقية، موضحًا أن اختيار الكونغو الديمقراطية تحديدًا يعكس إدراكًا قطريًا لطبيعة التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة من حيث الأمن الإقليمي وفرص الاستثمار في الموارد الاستراتيجية.

وأضاف أن قطر تنظر إلى إفريقيا الوسطى والجنوبية باعتبارهما فضاءً واعدًا لإعادة تشكيل شراكات طويلة الأجل، تقوم على مبدأ المصالح المتبادلة، وهو ما يظهر بوضوح في دعمها لمسار الوساطة في شرق الكونغو، الذي نجح في تخفيف حدة التوتر بعد عقود من النزاعات.

وأشار حماد إلى أن توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام كان محطة سياسية أعادت الثقة بين الأطراف المتنازعة، وأسست لمعالجة أعمق للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها المنطقة.

وأوضح أن دور قطر في هذا السياق لم يكن دور الوسيط التقليدي، بل دور الشريك الذي يساهم في خلق بيئة سياسية مستقرة تمهد لمرحلة تنموية جديدة.

ويرى حماد أن زيارة اليوم تأتي في لحظة حساسة بالنسبة للكونغو الديمقراطية، حيث تعمل الحكومة على إعادة هيكلة اقتصاد يعتمد على الموارد الطبيعية، وتسعى لجذب الاستثمارات النوعية التي تقوم على التكنولوجيا المتقدمة وسلاسل القيمة بدلًا من تصدير المواد الخام فقط.

وهنا، يضيف حماد، تملك قطر خبرة كبيرة يمكن للكونغو الاستفادة منها، سواء عبر جهاز قطر للاستثمار أو عبر الشركات المتخصصة في البنية التحتية والطاقة.

كما اعتبر أن الطريق مفتوح أمام شراكة إستراتيجية تتجاوز الجانب الاقتصادي إلى تعاون ثقافي وتعليمي ورياضي، في ظل اهتمام قطر المتزايد بتعزيز التواصل مع الشعوب الإفريقية. وأكد أن العلاقات بين الدوحة وكينشاسا يمكن أن تتحول، خلال السنوات المقبلة، إلى نموذج عربي–إفريقي للتعاون القائم على الاستقرار والتنمية، خاصة في ضوء الموقع الاستراتيجي للكونغو وعمقها السكاني والموارد التي تمتلكها، ما يجعلها شريكًا محوريًا لأي دولة ترغب في حضور فعّال داخل القارة.

من جانبه، قال الدكتور جورج فاضل حداد، المحلل والكاتب السياسي، إن زيارة أمير قطر إلى الكونغو الديمقراطية تحمل أبعادًا تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي، كونها تأتي في توقيت يشهد فيه النظام الدولي تحولات كبيرة تدفع الدول إلى تنويع شراكاتها وتعزيز حضورها الإقليمي.

وأوضح حداد أن الكونغو الديمقراطية دولة محورية في إفريقيا، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي الممتد عبر قلب القارة، بل أيضًا لكونها مركزًا لعدد كبير من الموارد الطبيعية التي تمثل حجر الأساس في الصناعات العالمية الحديثة، وعلى رأسها صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية.

وأشار إلى أن قطر تنظر إلى هذه الزيارة باعتبارها فرصة لبناء علاقة متوازنة قائمة على الاستفادة المشتركة، حيث تقدم الدوحة نموذجًا ناجحًا في إدارة الصناديق السيادية وتطوير البنى التحتية المتقدمة، وهو ما يمكن للكونغو الاستفادة منه في إطار خططها لإنشاء صندوق سيادي جديد ولتسريع عملية التنمية.

وقال حداد إن البعد السياسي للزيارة لا يقل أهمية عن بعدها الاقتصادي، إذ إن الوساطة القطرية في ملف شرق الكونغو عززت مكانتها كشريك موثوق للحكومة الكونغولية، وأسهمت في بناء جسور التواصل بين الجانبين.

وأكد أن نجاح هذه الزيارة سيفتح الباب أمام مشاريع استراتيجية قد تشمل ربط الممرات اللوجستية وتطوير قطاع النقل وتحسين الاتصال بين المدن الكبرى، إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة الكهربائية والمشاريع الزراعية الكبرى.

وختم حداد بالقول إن العلاقات القطرية–الكونغولية مرشحة للنمو بسرعة خلال السنوات المقبلة، وإن زيارة أمير قطر اليوم تشكل خطوة عملية نحو بناء شراكة عربية–إفريقية جديدة، تعتمد على الاستقرار والتنمية وليس على المساعدات الآنية، ما يجعلها نموذجًا يمكن تعميمه على علاقات عربية أخرى داخل القارة الإفريقية.

Share This Article