هل تنجح “آبل” و”واتساب” في الصمود أمام أدوات التجسّس الإسرائيلية؟

المسار : تصاعدت المخاوف العالمية من برمجيات التجسس، بعد تحذيرات أطلقتها شركات كبرى مثل “آبل” و“واتساب”، أكدت فيها أنها ستواصل حماية مستخدميها من أدوات الاختراق المتطورة، في وقت تسعى فيه شركات إسرائيلية مثل “إن إس أو” و“باراغون” لتعزيز وجودها في السوق الأميركية.

وفقاً لصحيفة ذا غارديان، فإن شركة “إن إس أو” مطورة برنامج التجسس الشهير “بيغاسوس”، و”باراغون” المطورة لبرمجية غرافيت، تحاولان توطيد علاقاتهما مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. عانت “إن إس أو” من مشكلات مالية، بسبب الجدل المحيط بها، لكن استحوذت عليها أخيراً مجموعة من المستثمرين الأميركيين، وعيّن ديفيد فريدمان، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في إدارة ترامب، رئيساً تنفيذياً جديداً للشركة. وأوضح فريدمان أنه يسعى للتقرب من البيت الأبيض، وبيع خدمات “إن إس أو” لجهات إنفاذ القانون الأميركية، زاعماً أن الإدارة، إذا كانت منفتحة على أي فرصة لتعزيز أمان الأميركيين، فستأخذ برامج الشركة بعين الاعتبار. أما “باراغون”، فاستحوذت عليها أخيراً شركة الاستثمار الأميركية ريد لاتيس التي عملت مع الحكومة الأميركية، عبر اتفاقية مع وكالة الهجرة والجمارك عام 2024. وأوقف هذا العقد مؤقتاً للتحقق من توافقه مع أمر تنفيذي صدر في مايو/أيار 2023، يحظر استخدام برمجيات التجسس التي تشكل مخاطر على الأمن القومي، أو تُستغل لانتهاكات حقوق الإنسان.

تُتهم “إن إس أو” بالاختراق غير القانوني لتطبيقات المراسلة مثل “واتساب” و”آيمسج”، بينما استُهدف مستخدمو “واتساب” ببرمجية “غرافيت” المطورة من قبل “باراغون”.

في مواجهة هذه التهديدات، أعلنت “آبل” أنها صممت إشعارات التهديدات لإعلام ومساعدة المستخدمين الذين قد يكونون مستهدفين بشكل فردي، مشددة على أن الموقع الجغرافي ليس عاملاً في تحديد من تُرسل إليهم الإشعارات. وقال متحدث باسم “واتساب”: “أولوية الشركة حماية مستخدميها، من خلال تعطيل محاولات الاختراق، وبناء طبقات حماية جديدة، وتنبيه المستخدمين المتأثرين بغض النظر عن مكان وجودهم”.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات، لاحظت السلطات الأميركية أن “إن إس أو” و”باراغون” تشكلان تهديداً مستمراً، إذ أدرجت إدارة بايدن الأولى على قائمة الحظر من الاستثمارات الأميركية عام 2021، بينما درس مكتب التحقيقات الفيدرالي إمكانية استخدام برامجها داخلياً، لكنه قرر عدم اعتماد ذلك رسمياً. وفي يناير/كانون الثاني 2025، اكتشفت “واتساب” استهداف 90 شخصاً، بينهم صحافيون وناشطون، بواسطة برنامج “غرافيت”، ما دفع “باراغون” لإنهاء علاقتها مع الحكومة الإيطالية، بعد خرق شروط الخدمة. وأشارت تقارير لاحقة إلى أن هذا الاستخدام أثار جدلاً واسعاً، ووصفه رئيس وزراء إيطاليا السابق، ماتيو رينزي، بـ”فضيحة ووترغيت الإيطالية”، مؤكّداً أن استخدام أدوات التجسس ضد الصحافيين غير مقبول في الديمقراطيات الليبرالية.

هل تستطيع “آبل” و”واتساب” فعلاً حماية المستخدمين؟ تكشف مراجعة لأحدث الأبحاث الأمنية (2024–2025) عن صورة مركّبة تجمع بين قدرات حماية متقدمة ونقاط ضعف لا تزال قيد المعالجة. فمن جهة، تُظهر الدراسات أن أدوات “آبل” الأمنية، وخاصة وضع Lockdown Mode، نجحت في صد هجمات حقيقية استخدمت فيها برامج تجسس متطورة مثل “بيغاسوس”، مع عدم وجود سجل لحالة مؤكدة لاختراق جهاز كان هذا الوضع مفعلاً فيه. كما عززت الشركة آليات الكشف والإنذار، عبر نظام إشعارات التهديدات، مضاعفة مكافآت اكتشاف الثغرات، وتعاونها مع منظمات مستقلة لتقديم الدعم للمستهدفين، لكن هذه الحماية ليست مطلقة؛ إذ أظهر باحثون إمكانية خداع واجهة Lockdown Mode في الأجهزة المخترقة مسبقاً، بينما تبقى الهجمات المعتمدة على الثغرات غير المكتشفة (Zero‑day exploits) تحدياً مستمراً لأي منصة. أما “واتساب”، فبالرغم من حفاظها على تشفير قوي من طرف إلى طرف، أظهرت أبحاث حديثة نقاط ضعف في الطبقات المحيطة بالتشفير، خصوصاً في نظام تعدد الأجهزة، وإدارة المفاتيح المؤقتة، وميزة اكتشاف الأرقام.

توضح هذه الثغرات أن الخصوم الحكوميين أو الشركات التي تمتلك أدوات استخبارية متقدمة قادرون على الالتفاف حول التشفير، عبر استغلال الجهاز نفسه، أو الثغرات الثانوية في البروتوكول. وتكشف هذه القراءات أن قدرة “آبل” و”واتساب” على حماية المستخدمين ليست متساوية؛ فبينما تملك “آبل” بنية أمنية أشمل وأكثر تماسكاً تُصعّب الاستهداف المباشر، تظل “واتساب” عرضة لمخاطر تعتمد على طريقة إدارة البيانات والميزات الإضافية داخل التطبيق، وليس على محتوى الرسائل المشفرة وحده.

Share This Article