المسار : في تطور لافت شهدته العلاقات الجزائرية الفرنسية، زارت الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن-ماري ديسكوت الجزائر، لتنهي بذلك قطيعة دامت أشهرا طويلة. يأتي ذلك وسط مؤشرات تهدئة عديدة بين البلدين، على الرغم من انتفاء فرضية عقد لقاء على مستوى الرئيسين على هامش قمة مجموعة العشرين بجنوب إفريقيا.
وجاءت زيارة الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية إلى الجزائر يوم الخميس 20 نوفمبر الجاري، في سياق وصفته الخارجية الفرنسية بأنه بداية لمسار تهدئة تدريجي بين البلدين. وقد أُعلن من باريس أن هذه الزيارة تندرج ضمن “إعادة بعث الديناميكية، خطوة بخطوة”، وفق ما صرّح به الناطق باسم الخارجية الفرنسية الذي شدد على أن الهدف يتمثل في تحقيق نتائج “ملموسة” تخدم المصالح المباشرة للفرنسيين.
وأوضح المتحدث أن زيارة العمل هذه تنسجم مع أولويات الوزير الفرنسي، والمتمثلة في إعادة تفعيل التعاون في مجالات الهجرة والأمن، إضافة إلى تحريك مسار التعاون الاقتصادي. وأكد أن هذا الجهد يأتي ضمن “حوار يتسم بالصرامة ويجب أن يحقق نتائج”، مشيرا في خضم ذلك إلى الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال بعفو رئاسي وقعه الرئيس عبد المجيد تبون، والذي اعتبر في فرنسا خطوة نحو استئناف الحوار والتهدئة بين البلدين.
وفي الواقع، كان دائما حضور الأمين العام للخارجية الفرنسية إلى الجزائر يسبق التحضير لزيارات رسمية رفيعة المستوى. ويجري الحديث حاليا عن زيارة مرتقبة لوزير الداخلية الفرنسية لوران نونيز الذي تحدث عن تلقيه دعوة من نظيره سعيد سعيود قبل أيام. وتعد المسائل التي تشرف عليها الداخلية الفرنسية مثل الهجرة وعمليات الترحيل والتنسيق الأمني أكثر ما يستدعي اسم الجزائر في الساحة السياسية الفرنسية خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن الجزائر تنظر عكس ذلك، بتركيز أكبر إلى الجوانب الدبلوماسية والاقتصادية في علاقتها مع باريس.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر إعلامية جزائرية أن زيارة آن-ماري ديسكوت جاءت لتهيئة الأرضية لزيارة مرتقبة لوزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز إلى الجزائر، والمتوقعة نهاية نوفمبر أو في مطلع ديسمبر. وتشير المعطيات المتداولة إلى أن الجزائر طلبت أن تكون استعادة الحوار مع فرنسا عبر قنوات سياسية ودبلوماسية أوسع، لا عبر وزارة الداخلية فقط، حتى لا يُختزل المسار بين البلدين في جوانبه الأمنية أو المتعلقة بالهجرة، بعد أشهر من القطيعة التي شملت تعليق قنوات اتصال كانت فعّالة في السابق.
وكان متوقعا قياسا للعديد من الإشارات، أن يجري اتصال مباشر بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون لتجاوز الأزمة الممتدة منذ أشهر. وصبّت التخمينات في إمكانية اللقاء بجنوب إفريقيا على هامش قمة العشرين، إلا أن ذلك لن يتم لكون الرئيس الجزائري فضّل في الأخير إيفاد وزيره الأول سيفي غريب لحضور القمة بدلا عنه.
وتدفع شخصيات بارزة منذ مدة للقاء بين الرئيسين، مثل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية برونو فوكس الذي دعا إلى “لقاء مباشر”، واعتبر أن إنهاء التوتر مسؤولية مشتركة لا بد أن تقودها أعلى هرم السلطة في البلدين. وذهبت أصوات أخرى مثل دومينيك دو فيلبان وسيغولان رويال إلى التعبير عن رغبتها في عودة القنوات الدبلوماسية وتخفيف حدّة التشنج المرتبط بملفات الهجرة والذاكرة.
وتأتي هذه التطورات كلها على خلفية أزمة غير مسبوقة بين البلدين تستمر منذ أكثر من العام، بدأت بعد الموقف الفرنسي المؤيد لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، والذي اعتبرته الجزائر خروجا واضحا عن الحياد. تبع ذلك توتر دبلوماسي شمل تقييد اعتماد دبلوماسيين وقناصل، إلى جانب تفعيل أدوات ضغط مرتبطة بالتأشيرات والترحيل، ما أدى إلى تجميد قنوات التواصل.
واليوم، مع تبادل الرسائل المباشرة والضمنية وظهور تصريحات متواترة تدعو إلى إعادة القنوات الدبلوماسية والحديث المتكرر عن قرب عودة السفير الفرنسي إلى الجزائر وتحضير زيارة وزير الداخلية الفرنسي، ثمة انطباع بوجود مسار يُعاد تشكيله تدريجيا لإعادة ربط جسور التواصل، رغم غياب إعلان رسمي لحد الآن عن لقاءات قمة أو ترتيبات سياسية كبرى.

