المسار : تل سبسطية في شمال الضفة الغربية هو أحد أهم المواقع الأثرية في الضفة الغربية. يربط علماء الآثار الموقع بمدينة السامرة القديمة، عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية من العصور التوراتية. فوق المدينة التوراتية، تم العثور على قطع أثرية وطبقات من العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية والعثمانية. قرية سبسطية الفلسطينية، المجاورة للموقع، هي تجسيد مباشر للحاضرة القديمة التي كانت قائمة هناك ذات يوم. يكسب القرويون رزقهم، من المطاعم ومحلات بيع التذكارات والجولات في الموقع. كما يكسبون رزقهم من مئات الدونمات من أشجار الزيتون المحيطة بالموقع.
في الأسبوع الماضي، أصدر العميد رافيت نيف من الإدارة المدنية في “المناطق ” [الضفة الغربية] بيانًا أعلن فيه نية مصادرة جميع الأراضي في المنطقة: الموقع الأثري وبساتين الزيتون المحيطة به – 1800 دونم إجمالاً. الهدف من المصادرة هو “الحفاظ على الموقع وتطويره، وفتحه أمام الجمهور”. لكن كل من لديه معرفة بتاريخ مصادرة الأراضي في الضفة الغربية وسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية – التي يتولى فيها سموتريتش منصب وزير الدفاع والمسؤول عن الإدارة المدنية – يدرك أن الهدف من المصادرة ليس فتح الموقع أمام “الجمهور”، بل انتزاعه من فئة محددة (الفلسطينيون)، ونقله إلى فئة أخرى (المستوطنون).
هذا ما حدث مع مصادرة موقع سوسيا الأثري جنوب جبل الخليل: نُقل الموقع إلى إدارة المستوطنين، وطُرد السكان الفلسطينيون. وقعت عملية مصادرة أراضي سوسيا قبل 40 عامًا، وكانت حتى الآن أكبر عملية مصادرة لأغراض أثرية في الضفة الغربية. أما عملية المصادرة في سبسطية فأكبر بستة أضعاف. لكن لا داعي للعودة إلى التاريخ أو البحث عن أدلة على نوايا الإدارة المدنية. يقول وزير التراث عميحاي إلياهو صراحةً: “يُثبت علم الآثار والتاريخ مرارًا وتكرارًا من هم المالكون الحقيقيون ليهودا والسامرة”.
تُعدّ عملية المصادرة في سبسطية انتهاكًا صارخًا وجسيمًا للقانون الدولي، وخطوة أخرى على طريق الضم الكامل للضفة الغربية من قِبل إسرائيل وتعزيز المشروع الاستيطاني. تُمثّل هذه المصادرة بصقة في وجه الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يسعى إلى الترويج لحل إقليمي، كما أنها انتهاك لقرار مجلس الأمن الصادر يوم الاثنين، والذي من أهدافه “تهيئة الظروف لمسار موثوق نحو دولة فلسطينية”.
تعمل الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق سياسة الكماشة التدميرية: فهي تُمكّن الإرهابيين اليهود من شنّ هجماتهم القومية، وفي الوقت نفسه تُصادر أراضي الفلسطينيين. والنتيجة البديهية هي أن الهدف هو إشعال فتيل الصراع في المنطقة وتقويض أي إمكانية للتوصل إلى حل سياسي، في ظل ضغوط ترامب والسعودية ودول عربية أخرى. في الواقع، تعمل الحكومة الإسرائيلية ضد مصالح المواطنين الإسرائيليين، وتسعى إلى ضمان أن تكون هذه الكارثة لا رجعة عنها.
أسرة التحرير
هآرتس.. من سبسطية لترامب: 1800 بصقة في وجهك من إسرائيل ومليشياتها الاستيطانية

