“احفر يا عزيزي احفر”.. نيويورك تايمز: النفط في مركز سياسات ترامب ويريد تشكيل أمريكا كالسعودية.. ويستغل منصبه لإثراء العشيرة الحاكمة في واشنطن

المسار : نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال رأي لمحرر “ديلي بيست” و”رولينغ ستون” السابق والمراسل المخضرم في شؤون الأمن القومي، نوح شاختمان، قال فيه إن السبب الحقيقي وراء حفاوة الرئيس دونالد ترامب بالأمير محمد بن سلمان نابع من سياسات النفط في سبعينات القرن الماضي وقرار منظمة أوبك للدول المنتجة والمصدرة للنفط منع تصدير النفط لأمريكا وأوروبا. وهو يريد تبني نفس نموذج دول الخليج في التغيير من أعلى إلى أسفل.

وبدأ الكاتب بالإشارة إلى حفل تنصيب الرئيس، في كانون الثاني/يناير هذا العام، حيث تسيدت طبقة رجال الأعمال ومدراء شركات التكنولوجيا العملاقة. وكان حضورهم رمزًا واضحًا، ومؤشرًا على عهد جديد ومثير للقلق.

يرى الكاتب أن غريزة ترامب من أجل النفط والهيمنة على العالم من خلاله، تشكلت في سبعينيات القرن الماضي، عندما خفضت السعودية وبقية دول منظمة أوبك الإنتاج، ما أدى إلى انهيار الاقتصاد العالمي

لكن قبل أشهر، أبرم ترامب اتفاقًا مدمّرًا مع مجموعة أخرى من كبار رجال الأعمال، وهذه المجموعة تعيد بالفعل صياغة السياسة العالمية، مدمّرةً الوظائف في الداخل ومضيّقة الخناق على ما تبقى من أمل في تجنب كارثة مناخية.

وقد حدث هذا الاتفاق خلف أبواب مغلقة، كان هؤلاء المدراء من رواد صناعة النفط والغاز، ووعدهم ترامب بتقديم خدمات مهمة لهم، لدرجة أن تبرعهم بمليار دولار سيبدو “صفقة”.

ولم يقدم له المسؤولون التنفيذيون سوى جزء ضئيل من المبلغ الذي طلبه.

ومن ناحية أخرى، منحهم ترامب أكثر مما طلبوا، ويقول البعض الآن إن ذلك يأتي بنتائج عكسية.

وكما كان متوقعًا، خفّض اللوائح وشجع على المزيد من الحفر؛ 1.3 مليار فدان إضافية من المياه الساحلية هذا الأسبوع وحده. ومع ذلك، فقد اتخذ خطوة استثنائية بمحاولة سحق المنافسة الخضراء للصناعة. فقد أوقف أكبر مشروع للطاقة الشمسية في أمريكا الشمالية، والذي كان في طريقه لتوفير طاقة كافية لنحو مليوني منزل.

كما أوقف مشروع مزرعة رياح بقيمة 5 مليارات دولار في نيويورك، ما هدد آلاف الوظائف، ولم يتراجع عن قراره إلا عندما وافقت الولاية على خط أنابيب غاز جديد. كما أنهى حوافز السيارات الكهربائية، التي تضاعفت مبيعاتها أكثر من الضعف منذ ولايته الأولى.

وفي الخارج يحذر فريق ترامب العالم من شراء المزيد من الوقود الأحفوري. وقد استخدمت الإدارة تهديد الرسوم الجمركية لإجبار الحلفاء على شراء غاز أمريكا. وبحسب ما ورد، فقد عرقلت إدارته اتفاقية بين أكثر من 100 دولة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من سفن الشحن. وعندما اجتمع ممثلو بقية العالم في مؤتمر للمناخ في البرازيل، وصف مسؤولو ترامب الإجراءات بأنها “خدعة”، وأشادوا باتفاقيات الحفر البحري مع اليونان، وهي الأولى هناك منذ أكثر من 40 عامًا.

وقال شاختمان إن الكثير من الرؤساء الأمريكيين تحدثوا عن تحرير الولايات المتحدة من اعتمادها على النفط الخارجي ومنع الدول النفطية من التأثير على اقتصاد أمريكا، وهذا هو جوهر شعار “احفر يا عزيزي، احفر”.

وبات الأمر مختلفًا تمامًا اليوم، فقد أصبحت أمريكا أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم. وبدلًا من محاولة الانفصال عن دول الخليج النفطية، يعيد ترامب تشكيل أمريكا لتبدو أشبه بها، نظام يعمل من الأعلى إلى الأسفل ويحكم بقبضة حديدية بلدًا غنيًا بالموارد وعلى استعداد تام لاستخدامها كأسلحة.

ومثل قادة دول الخليج الغنية بالنفط، يطالب ترامب بالاحترام التام.

كما يستغل منصبه بدون اعتذار لإثراء العشيرة الحاكمة في أمريكا، عائلته، بصفقات من مليارات الدولارات. كما تخلت وزارة العدل التابعة له تقريبًا عن مكافحة الفساد، إلا في حالة خدمت أغراض الرئيس. وقد خصص مليارات الدولارات لأجهزة الأمن الداخلي الأمريكية. ويعتبر التغطية الإخبارية الناقدة له “غير قانونية تمامًا” ومعارضيه السياسيين إرهابيين.

وأمر ترامب الحكومة بالاستحواذ على حصص في شركات رئيسية، وهو تكتيك تقليدي للرجل القوي ينفّذه بطريقة وصفها إريك كانتور، زعيم الجمهوريين السابق في مجلس النواب، من الرياض، بأنها “لا تختلف كثيرًا” عن “رؤية ولي العهد هنا في المملكة العربية السعودية”.

والأهم من ذلك كله، هو أن ترامب وجماعته يصفون احتياطيات الوقود الأحفوري في البلاد بأنها جوهر النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم، وينظرون إلى المنافسة على هذه الأصول على أنها تهديد لأمريكا نفسها. وقال ترامب، الشهر الماضي: “أقصى إنتاج، أقصى ازدهار، وأقصى قوة”.

ويرى الكاتب أن غريزة ترامب من أجل النفط والهيمنة على العالم من خلاله، تشكلت في سبعينيات القرن الماضي، عندما خفضت السعودية وبقية دول منظمة أوبك الإنتاج، ما أدى إلى انهيار الاقتصاد العالمي.

ولعقود بعد ذلك، عبّر عن مزيج من الإعجاب والاستياء من ثروة المملكة من الموارد. قال للاري كينغ في “سي إن إن” عام 1987: “المملكة العربية السعودية آلةٌ للأموال” و”أما الكويت، فهي آلات للأموال وهي أعظم ما صُنع على الإطلاق”. وبعد أربع سنوات، عندما كان الرئيس المستقبلي يمر بضائقة مالية، باع يخته للأمير السعودي الوليد بن طلال.

وبمرور الوقت، دعا ترامب أمريكا إلى حشد ترسانتها الخاصة من الوقود الأحفوري. ويجادل فصل “خذ النفط”، وهو أحد فصول كتابه الصادر عام 2011 بعنوان “حان وقت الحزم”، بأنه ينبغي على الولايات المتحدة الاستيلاء على أصول الوقود الأحفوري من العراق، مع زيادة الإنتاج محليًا. وقال آنذاك: “لدينا قوة هائلة إذا عرفنا كيف نستخدمها”. وبمجرد أن أصبح رئيسًا، جعل ترامب علاقته بالسعوديين على رأس أولوياته.

وعندما أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حملة تطهير لمنافسيه عام 2017، نشر الرئيس تغريدة معبرًا عن “ثقته الكبيرة” به وبوالده. وأضاف: “إنهم يعرفون تمامًا ما يفعلونه. بعض من يعاملونهم بقسوة كانوا يستنزفون بلادهم لسنوات!”.

واختار السعودية كوجهة أولى لرحلته الخارجية بعد انتخابه. وخلال فترة ولايته الثانية، كانت أول مكالمة هاتفية له مع زعيم أجنبي إلى ولي العهد. وقد استثمر صندوق الاستثمار السيادي السعودي ملياري دولار في شركة جاريد كوشنر للاستثمارات الخاصة، وتشير التقارير إلى أن صفقة بين شركة عقارية سعودية مملوكة للحكومة ومؤسسة ترامب قيد الإعداد.

وهذا الأسبوع، أقام ترامب حفل استقبال فاخرًا في البيت الأبيض للأمير محمد، ونظم منتدى استثماريًا استثنائيًا مؤيدًا للسعودية في مركز كينيدي، واصفًا إياه بأنه تجمع “القوتين العظميين الرائدتين في مجال الطاقة في العالم”. ووصف ضيفه الملكي بأنه “صديق عزيز”، مضيفًا أن “ما فعله مذهل في مجال حقوق الإنسان”.

ويعتقد الكاتب أن أمريكا، بالطبع، بعيدة كل البعد عن السعودية. فالمعارضة السياسية لا تزال قانونية، وإن كانت محاصرة، والاقتصاد معقد وغير منضبط. لا يزال بإمكان دولة غنية بالنفط أن تكون ديمقراطية ليبرالية.. انظروا فقط إلى النرويج. لكن ترامب لا يحاول أن يجعل أمريكا أشبه بالنرويج.

والمفارقة هي أن السعوديين يحاولون، هذه الأيام، جعل اقتصادهم ومصادر الطاقة لديهم أشبه باقتصاد أمريكا، مبتعدين عن الوقود الأحفوري. بل إنهم يبنون مزارع شمسية ضخمة ويستثمرون في مزارع الرياح. وحتى وقت قريب، بدا أن بعض كبار منتجي الوقود الأحفوري يتجهون نحو هذا الاتجاه أيضًا.

ولكن ترامب لا يعتقد أن الطاقة تتعلق في النهاية بالنفط أو الغاز أو حتى “فحمه الجميل”، بل بالقوة. فهي تمكنه من التصرف كما يشاء على الساحة العالمية.

قال للاري كينغ في “سي إن إن” عام 1987: “المملكة العربية السعودية آلةٌ للأموال” و”أما الكويت، فهي آلات للأموال وهي أعظم ما صُنع على الإطلاق”

وأحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران هذا العام: لم تعد طهران تملك القدرة على قلب أسواق الطاقة العالمية رأسًا على عقب.

ولا عجب إذن أن إدارة ترامب تنظر إلى معدات الطاقة الشمسية والبطاريات التي تصدرها الصين، والتي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار سنويًا، على أنها تهديد مباشر لأمريكا. ونقل الكاتب عن ريتشارد غولدبرغ، الذي غادر مؤخرًا المجلس الوطني لهيمنة الطاقة التابع للبيت الأبيض، أن على الولايات المتحدة تهديد أو معاقبة أي دولة تحاول “منع أو حظر أو خنق أو سحب استثماراتها” من الوقود الأحفوري الأمريكي. والحقيقة هي أن الوقود الأحفوري وحده لن يكفي لتلبية احتياجات أمريكا من الطاقة. فمزيج من تزايد مراكز البيانات وتناقص مصادر الطاقة المتجددة يرفع فواتير الكهرباء للأمريكيين العاديين.

وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بفضل صفقات التصدير التي أبرمها ترامب.

وسيستغرق صعود الطاقة النووية سنوات حتى تحقق ثمارها. وبحسب إيثان زيندلر، مستشار المناخ السابق في وزارة الخزانة في عهد بايدن، والذي يعمل على السياسات في “بلومبرغ” لتمويل الطاقة الجديدة: “لو أعطيتني ورقة وطلبت مني التفكير في أكثر الطرق إبداعًا وفعالية لرفع أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة، لكانت النتيجة مشابهة جدًا لما فعلوه”.

ويقول شاختمان: قد تظن أن قطاع النفط والغاز الأمريكي سيكون سعيدًا للغاية؟ ليس تمامًا. وتشكل الهجمات المتقلبة على مصادر الطاقة المتجددة والتقلبات الكبيرة في سياسات الطاقة عبئًا على قطاع تجبره طبيعة مشاريعه الهندسية المعقدة على التخطيط لسنوات، بل لعقود، مستقبلًا. وقد قال دارين وودز، الرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل”، لصحيفة “نيويورك تايمز” قبل فترة: “إن السياسات المتغيّرة باستمرار، لا سيما مع تغير الإدارات، ليست في صالح الأعمال، إنها ليست في صالح الاقتصاد وفي نهاية المطاف، ليست في صالح الناس”.

ويضيف الكاتب أن أهداف ترامب في مجال الطاقة، مثل العديد من سياساته لـ”أمريكا أولًا”، تنطوي على تناقضات. ففي إطار التزامه التام بعالم يعتمد بشكل كبير على الهيدروكربونات، لم يضغط على المنتجين المحليين فحسب، بل دفع أيضًا المملكة العربية السعودية وبقية دول أوبك إلى مواصلة ضخ المزيد والمزيد من النفط الرخيص. قد يكون هذا خبرًا سارًا للمستهلكين، إذ يعوض بعضًا من هذه الأسعار المرتفعة للكهرباء. ولكن مع انخفاض أسعار النفط إلى حوالي 60 دولارًا للبرميل، تقول الشركات الأمريكية إنها لا تستطيع تحمل تكاليف فتح آبار جديدة، خاصة بعد أن جعلت الرسوم الجمركية معدات الحفر باهظة الثمن. ويتراجع إجمالي عدد منصات الحفر النشطة عامًا بعد عام. وإذا كان المسؤولون التنفيذيون في قطاع الطاقة غير راضين، فإن ترامب لا يهتم، فهو يريد استخدام الطاقة كأداة للضغط الأمريكي بدلًا من مساعدة أي شركة. كما يعتقد أن هؤلاء الرؤساء التنفيذيين يعملون الآن لصالحه، وليس العكس. وقال للناخبين في تجمع انتخابي العام الماضي: “إذا أفلسوا، فلن أكترث”.

Share This Article