منظمة الصحة العالمية تحذر: القطاع الصحي في غزة يواجه انهيارًا واسعًا بسبب نقص المواد

المسار : قدّم الدكتور ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، آخر إحاطة صحافية له قبل تقاعده خلال مؤتمر صحافي عن طريق الفيديو من داخل غزة، استعرض فيه تفاصيل الوضع الصحي المتدهور في القطاع، مسلطًا الضوء على التحديات التي تواجه المستشفيات، ونقص الإمدادات الطبية الحيوية، وارتفاع الإصابات، وتدهور الأوضاع الإنسانية في ظل استمرار العمليات العسكرية.

وفي استعراضه الميداني، أوضح بيبركورن أن شمال غزة لا يزال بلا خدمات صحية فعّالة، وأن مستشفيي الإندونيسي والشفاء يعملان جزئيًا ضمن نطاق “الخط الأصفر” الذي يحدّد مساحات التنسيق. وأشار إلى أن منظمة الصحة العالمية حاولت مرارًا الوصول إلى مجمّع كمال عدوان لإقامة مركز رعاية أولية بالتعاون مع شركائها، غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل لأن إسرائيل لم تمنح الموافقة. وبدلًا من ذلك، حددت المنظمة موقعًا بديلًا بهدف تشغيل خدمات أولية تُمكّن السكان من الوصول للعلاج دون الاضطرار إلى قطع مسافات طويلة إلى غزة أو الشفاء.

وفي غزة المدينة، قال بيبركورن إن مستشفى الشفاء عاد للعمل جزئيًا كمرفق تخصصي، مع تشغيل 10 غرف عمليات وقدرات محدودة في العيادات الخارجية. وأشار إلى حاجة المستشفى لزيادة عدد الأسرّة ليصل إلى 700 سرير، لافتًا إلى أن المنظمة تعمل على دعم ذلك من خلال توسعة قدرات المستشفى وتركيب مستشفى ميداني إضافي. كما دعمت المنظمة إعادة تشغيل محطة تحلية المياه التي سمحت بعودة خدمات غسيل الكلى إلى طاقتها الكاملة.

وفي السياق نفسه، تواصل المنظمة إيصال الأدوية والمستلزمات الأساسية والوقود إلى المستشفيات، وإن كان ذلك “ليس بالقدر الكافي”. وأكد بيبركورن أن المنظمة تعمل أيضًا على إعادة تأهيل وحدات العناية المركزة في المستشفى الأهلي ومستشفى الدرة للأطفال، بما في ذلك قسمي العناية المركزة والأورام للأطفال.

ورغم الدمار الواسع، قال بيبركورن إن ما يشهده القطاع الصحي من جهود محلية لإعادة التأهيل “مُلهم”، إذ يعتمد العاملون على إعادة تدوير مواد البناء المستخرجة من المباني المدمّرة لتشغيل الأقسام الأساسية، رغم التكلفة العالية وغياب مواد البناء الرئيسية مثل الإسمنت والحديد.

وفي جنوب القطاع، أوضح أن منظمة الصحة العالمية أشرفت مؤخرًا على تحويل أول مريض إلى مستشفى الهلال الأحمر الإماراتي في رفح، وهو المرفق الوحيد العامل في المنطقة بعد أن ظلّ غير قابل للوصول لفترة طويلة. وتواصل المنظمة، وفق قوله، التفاوض لتسهيل عمليات الإحالة للمرضى الذين يحتاجون إلى جراحات متخصصة، بما في ذلك الجراحة الترميمية.

وانتقل بيبركورن إلى أزمة الإمدادات الطبية، مؤكدًا أن نصف قائمة الأدوية الأساسية البالغ عددها 50 دواءً أصبحت شبه معدومة، وأن المستشفيات تعمل بدون أجهزة التصوير الضرورية مثل الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي، وبدون قطع غيار للمعدات الحيوية، بما في ذلك المولدات الكهربائية. وقال إن جهازًا مسبق التركيب لمستشفى ميداني جاهز منذ أشهر في الأردن لكنه لم يحصل على الموافقة للدخول.

وتناول بيبركورن تأثير الأحوال الجوية الأخيرة، مشيرًا إلى ظروف الشتاء القاسية وتسرّب المياه إلى آلاف الخيام، ما فاقم انتشار التهابات الجهاز التنفسي، وأمراض الإسهال، والتهاب الكبد الوبائي، خصوصًا بين الأطفال. وأوضح أن المنظمة ترصد 16 مرضًا ضمن نظام الإنذار المبكر، وقد سجّلت منذ مطلع 2023 أكثر من 1.47 مليون إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، وأكثر من 670 ألف حالة إسهال.

وأكد أن محدودية القدرة التشخيصية تجعل هذه الأرقام مرشحة للارتفاع. وفي إطار استجابتها، تعمل المنظمة على توفير وسائل التدفئة للأطفال والخدّج، ودعم الرضاعة الطبيعية، وتوزيع مواد العناية الأساسية.

وفي ملف الإجلاء الطبي، قال بيبركورن إن المنظمة ساعدت هذا الأسبوع في نقل 92 مريضًا ومرافقًا إلى دول أوروبية، وإن إجمالي المرضى الذين تمّ إجلاؤهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وصل إلى 10,645 شخصًا، بينهم أكثر من 5,600 طفل. وأشار إلى أن أكثر من 18,500 مريض — بينهم 4,096 طفلًا — لا يزالون بحاجة إلى الإجلاء العاجل، مضيفًا أن مئات المرضى تُوفّوا أثناء انتظارهم الموافقة. وشدّد على ضرورة فتح جميع الممرات الطبية، بما في ذلك مطار العريش، ومعبر رفح، والأهم أن يُسمح باستئناف التحويلات إلى مستشفيات القدس الشرقية والضفة الغربية.

وختم بيبركورن بأن ما بقي من قدرة القطاع الصحي على الصمود “غير مسبوق” رغم الظروف الاستثنائية، مؤكدًا أن المنظومة لم تنهَر بفضل تفاني العاملين الصحيين وجهودهم المستمرة رغم المخاطر والخسائر الكبيرة.

وردّا على سؤال صحفي  حول أعداد المصابين بالبتر، وقدرتهم على الحصول على الرعاية التأهيلية، والأطراف الصناعية، والدعم الجسدي والنفسي، قال بيبركورن إن الأمم المتحدة أوضحت أن الحصول على الرعاية التخصصية لمصابي البتر يجب أن يكون مضمونًا، سواء عبر الإجلاء الطبي خارج غزة، أو عبر إدخال المعدات الأساسية اللازمة لتقديم خدمات الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل داخل القطاع. وأشار إلى أن القيود المفروضة على دخول العديد من المعدات — بما في ذلك ما يُصنّف ضمن “الاستخدام المزدوج” — تحول دون توفير الاحتياجات الضرورية للمرضى.

وتؤكد بيانات منظمة الصحة العالمية الأخيرة أن هناك نقصًا كبيرًا في الحليب المخصص للرضّع والأغذية العلاجية للأطفال، مع تفاقم حالات سوء التغذية والالتهابات المعدية بين الأطفال الصغار. كما يُعدّ دعم المياه النظيفة والصرف الصحي وتوفير وسائل الرعاية الأساسية للأطفال من الإجراءات الحيوية للتخفيف من الآثار الإنسانية للفيضانات الأخيرة.

 

Share This Article