الدحدوح»: حينما تتجسد غزة في رجل… أفراح العرب الجوفاء في مهب الأعاصير!

وائل الدحدوح، صبرا جميلا، وما أصعب المواساة، الرجل صبر صبر أيوب، وما أكثر أدبيات الصبر، وما أقسى ما تتعرض له، كإنسان، غير معصوم، لا كرامة للبشر في زمن الفوضى الدموية.

سيدي، ماذا يحتمل القلب وهو يخفق بسرعة البرق وراء الشاشات وراءك وأنت تحمل الأشلاء والجثث والدماء بين يديك وتسير بيقين «للقضاء المحتوم»؟ لا أحد خيّرك ولا أي من بني جلدتك من يتفرجون خلف الشاشات العملاقة على الفن الرديء والسلع الرخيصة، لا أحد مستعد لمشاركتك همومك ولا مواساتك في مصابك الجلل!

من يستشير إنسانا يدفع ثمن الحرية الباهظ من فلذة فؤاده وشرايينه، ثمنا لإظهار الحقيقة، التي تجند الجميع لإخفائها، بكل ما لديهم من قوة ورباط خيل وأجهزة متطورة! ما أعظم «شهامتك»، وأحقر «نذالتهم»؟!

انهم ينقضون كالجوارح البغيضة عليك، وعلى أبنائك الشرفاء الُعزل، كم هو عدو شره لدماء الأبرياء، يبتر ذراعه إن تحركت صوب «الحق»! ها هو يقتل جنوده الذين يسهرون على الإبادة وعلى حمايته، فكيف يقف أمام صمود الأطفال والنساء والمقاومين؟

تأبينية رواد مواقع التواصل الاجتماعي الصادقة، توالت كمحاولة، ولو يائسة، للتخفيف من «ألمك» والاشادة بـ»صبرك» و»يقينك». يفقد مراسل «الجزيرة» ابنه حمزة، زميله في مهنة الشقاء والمتاعب في زمن الحروب، والإبادات، أي ابتلاء هذا؟! ابتلاء بعد ابتلاء، يرافقه صبر جميل، يفقد اليوم ابنه وفلذة كبده، حمزة يلتحق بقافلة الشهداء، وهو ليس بالأمر الهين على أبيه، رحمه الله تعالى، يكتب «بلقاسم حراث»، على صفحته في فيسبوك. أما «سليم الصغير» فكتب: «صبر وائل الدحدوح، الجبل الكبير، الذي يعتبره الصحافيون في غزة والدهم، كما هو والد حمزة، ووالد الشهداء، ووالد المشاهدين، اليوم احترق قلبه مجددا، لم يعد لديه من عائلته سوى ابنته!! كم تحتاج يا وطني لترتوي من دمائنا، كلنا فداء فلسطين، كلنا مشاريع شهادة لأجلك يا وطني». أما «مقانا يونيتد» فنشر يقول: «لو كانت حربا بين الصهاينة بدباباتهم وبأحدث أسلحتهم وبين صبر وائل الدحدوح لانتصر عليهم، فكلما قتلوا أحد أفراد أسرته عمدا وقصدا، ازداد إيمانا بالله، فصبرا يا من اختارك الله لتظهر للعالم أن الرجولة لم تمت في بلاد المسلمين، يا من أحييت صبر أيوب ويعقوب، إن ربك لن يخذلك أبدا. رحم الله الفقيد وجميع الشهداء الأبرار، وإنا لله وإنا إليه راجعون».

بينما يغمض أولياء أمورنا عيونهم و»يغضون أبصارهم»، لأن غزة بالفعل فاتنة، وبينما ينفتحون على العالم ويقدمون الضيافة والكرم والولاء لـ»الشيطان» تتواصل الشهادة، مقابل العنف والتقتيل والتهجير، ويزداد «وائل الدحدوح احتسابا: «يا صبر وائل الدحدوح، كيف ينعى ولده الشهيد: «نقول لحمزة ولكل الشهداء إننا باقون على العهد، هذا طريق اخترناه طواعية وسقيناه بالدماء».

في غزة بعد ثلاثة أشهر، قوافل الشهداء مستمرة، وكذلك قوافل الصابرين الصامدين. هنيئا لك يا جبل لا يهزك قصف ولا يوقفك رحيل». كتبت «أمينة علاق» على صفحتها على فيسبوك. «لقد كانت رسالة «حمزة» الأخيرة، كزنبقة وداع، رماها في بحر الدم، الذي أصبح مياها وأوحالا بين الأشقاء العرب. كتب الشهيد، الذي أجلت شهادته يوما واحدا بعد خطابه: «إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله، وكن على يقين أن الله سيجزيك خيرا لما صبرت». فعلا كما كتب قصوري عبد الله: «وائل الدحدوح يخوض اختبارات الأولياء والأكابر، وثباته كرامة». غزة، لو يعلمون، ستكتب تاريخ العرب الحقيقي، بمختلف قومياتهم، دون لبس.

«الفخفخة» من الخليج إلى ليبيا

بعد كل ما قيل عن «أيام طرابلس الإعلامية»، والحفاوة التي لاقاها الضيوف من إعلاميين وفنانين، ها هي طرابلس «الذهب» تحتفي بلجين عمران، وبالفنانين أيما احتفاء في جو بذخ لا مثيل له، في الوقت الذي لا يجد فيه أطفال غزة شربة ماء، بل كل مظاهر الحرمان من الحياة!

المؤسف أن لا أحد يقف لحظة تذكر أو ترحم أو مواساة لما يحدث في غزة ولأجل أهلها الخالدين، مسكنات من نوع آخر لفقد الوعي، والعيش داخل فقاعات زائفة، ستتلاشى، ويبقى الواقع على حاله، ليبيا المنقسمة، ليبيا التي يحاول أبناؤها لملمة الشمل، دون تدخل ودون سمسرة الدول، التي ساهمت في تفتيتها واستنزاف مواردها.

أهلا وسهلا بـ»لجين»، كتب «علي منصور الزناتي»، على فيسبوك: «تصدرت الإعلامية لجين عمران «ترند» شبكات التواصل الاجتماعي في زيارتها الأولى إلى ليبيا، حيث حظيت باستقبال حاشد ومبهر، ونشرت النجمة الخليجية مجموعة من الصور والفيديوهات، التي رصدت سفرها، بدءا من ركوبها الطائرة الخاصة، مرورا بوصولها إلى المطار وافتتاح «المعرض الذهبي»، وقالت في تعليقاتها: «زيارتي الأولى التي أتشرف فيها إلى أهل الكرم والذوق في ليبيا، شكرا على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة. أنا بين أهلي وناسي. وأضافت أنا في طريقي لافتتاح المعرض الذهبي العربي في ليبيا، معرض يدعم ويبرز قوة المرأة الليبية بشكل خاص والعربية بشكل عام. وأوضحت أن المعرض يشتمل مسابقات وعروضا وأسعارا منافسة، من جميع المشاركين ودورات مهمة في التمكين الاقتصادي للمرأة لإطلاق مشاريع تدعمها اقتصاديا أو تساعد في تطوير مشاريع قائمة». وهذا نقلا عما جاء في موقع «المشهد الليبي» بتصرف يقول صاحب المنشور.

وانتشرت مقاطع فيديو للجين، وهي ترتدي الزي الليبي، الذي عشقته، وكذلك جلسة تحضير الشاي، وقامت بالمساعدة في تحضيره «لجين البدوية تحسن تحضير الشاهي، لكن لا بد من اسعافها «بورق كلينكس» على سروالها الأبيض حتى لا يتسخ».

وإذا كان الاحتفال خاصة من طرف النساء والمؤسسات الرسمية بهيجا، مشيدا بخصائل الإعلامية في مجالها، إلا أن استقبالها من طرف وزيرة شؤون المرأة في حكومة «الدبيبة» حورية الطرمال، تم استهجانه من بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث علقت فوزية بشر على هذا الاستقبال وعلى صفحة «شبكة الرائد الإعلامية، التي كتبت عن هذا اللقاء: «هذه إعلامية، مذيعة وليست وزيرة الإعلام في المملكة العربية السعودية، ركزوا شوية أين مكانة الاعلاميات الليبيات من هذا الاستقبال، ما هذا العبث، أين قواعد البرتوكول، عجب»!

هذا في الوقت التي تستقبل فيه تونس والجزائر مئات الأطفال الفلسطينيين الجرحى والمصابين، جراء القصف الصهيوني، تستقبل البلدان العربية، في غالبيتها، وخاصة عواصم الخليج هذه الأيام أهل الفن، وأي فن؟! وأهل الثقافة، وأي ثقافة، وأهل البزنس وأي بزنس، غير مدركين أن لا مكانة لكل هذه الأمور المهمة وغير المهمة، دون رأس مرفوعة وضمير صاح، وقلب خافق، ودماء الأخوة، التي توقفت عن الجريان، لأنها تصلبت وتجمدت وتلوثت تحت ضغوطات وتنازلات لا حصر ولا قاع لها!

كاتبة من الجزائر

مريم بوزيد سبابو