
قال نتنياهو إنَّنا نخوض “حرب الاستقلال الثانية”. لا أحد يُهدِّد استقلال الكيان أو وجوده اليوم، فما سبب تسميتها حرب الاستقلال الثانية؟ أعتقد أنَّ هناك سبباً خبيثاً وراء ذلك -لقد اقترنَت حرب الاستقلال الأولى بالنكبة، واليوم هناك مؤشِّرات في الوثائق المسرَّبة تدلُّ على أنَّ الحكومة الإسرائيليَّة تُخطِّط لطردٍ جماعيٍّ ثان (من غزَّة). ما نستخلصُه من التاريخ هو أنَّه عندما تشنُّ دولة الإحتلال حملة تطهيرٍ عرقيٍّ مثلما فعلَت في عام 1948، فإنِّها لن تسمحَ للعرب بالعودة إلى ديارهم. أعتقدُ أنَّ أميركا تتحمَّل إلى حدٍّ كبير المسؤوليَّة عمَّا وصلنا إليه اليوم بسبب دعمها الأعمى للكيان، وذلك ما زال مستمرَّاً على الرغم ممَّا ترتكبه الأخيرة من فظائع في غزَّة.
_ ينسى الناس فوز حماس في عام 2006 بانتخابات نزيهةٍ وحرَّة، ليس فقط في غزَّة، بل وفي الضفَّة الغربيَّة أيضاً. وأنَّها شكَّلت حكومةً لكن رفضَ الكيان الاعتراف بها، وكذلك فعلَت الولايات المتَّحدة والمملكة المتَّحدة والاتِّحاد الأوروبيّ؛ وشنَّ الكيان حرباً اقتصاديَّة بهدف تقويض حكومة حماس، وانضمَّ إليها حلفاؤها من الأوروبيّين والأميركيّين، إمعاناً في الغرق بعارهم الأبديّ. هذا واحد من ضمن أمثلةٍ عديدة على النفاق المطلق للقوى الغربيَّة. يقولون إنَّهم يؤمنون بالديموقراطيَّة، وها أمامك مثالٌ ساطع لديموقراطيَّة عربيَّة على أرض الواقع، لكنّ الحلفاء الغربيِّين رفضوا الاعتراف بنتيجتها لأنَّ الشعب الفلسطينيّ قد اختار المجموعة الخاطئة من الأشخاص.
_ الاعتقاد الخاطئ الرئيسيّ هو أنَّ حماس هي العقبة في طريق السلام. لدى الحركة ميثاق مروِّع، وكان لديها برنامج متطرِّف لكنَّها، بعد وصولها إلى السلطة، خفَّفت من حدَّة برنامجها وعرضَت على الكيان وقف إطلاق نار طويل الأمد (كجزءٍ من مفاوضات أشمل على الأرض وقضايا أخرى في عام 2006، ومرَّة أخرى في عام 2015). بيد أنَّ الكيان رفض ذلك. لذا يُمثِّل هذا أحد الاعتقادات الخاطئة؛ أنَّ الكيان يرغب بالسلام بينما تحول حماس دون تحقيقه. الكيان هو العقبة في طريق السلام.
_ هناك اعتقادٌ خاطئ آخر مفاده أنَّ الكيان أرادَ حلَّ الدولتين. هذا هراء محض! من المألوف الآن القول إنَّ حلَّ الدولتين قد مات بسبب أشياء على غرار المستوطنات الإسرائيليَّة في الضفَّة الغربيَّة، لكنَّني أقول إنَّ حل الدولتين لم يولد قط؛ إذ لم تطرح أيُّ حكومة إسرائيليَّة، منذ عام 1967، حلَّ دولتين بصيغةٍ يَقبلُها حتَّى أكثر الزعماء الفلسطينيِّين اعتدالاً، وكذلك لم يسبق أن ضغطت أيّ حكومة أميركيَّة حقَّاً على الكيان من أجل حلّ الدولتين.
_ لقد ظنَّ الكيان نفسه أنَّه لا تُقهَر، واعتقدَ نتنياهو “أنَّ بمقدورنا فعل ما نشاء في الضفَّة الغربيَّة، وإدارة الوضع في غزَّة، وتحقيق السلام مع الدول العربيَّة من دون الاضطرار إلى تقديم أيِّ تنازلاتٍ إلى الفلسطينيّين”. لكن في السابع من أكتوبر، انهارت هذه السياسة عن بكرة أبيها بين ليلةٍ وضحاها. ولا يزال المجتمع الإسرائيليّ برمَّته مشدوهاً بفعل هذه التجربة. كانت تجربةً صادمةً بحقّ. واليوم لم يعد بمقدور الإسرائيليِّين التفكير باتِّزان، يريدون من الحكومة إزالة حماس نهائيّاً. لكنَّ القضاء على حماس غير ممكن. حماس ليسَت تنظيماً عسكريَّاً. إنَّها حركةٌ اجتماعيَّة، وجزءٌ من نسيج المجتمع الفلسطينيّ.