إسرائيل تلوّح مجددا بـ”عصا الخرفيش” وحزب الله لا يكترث ويضرب جنودها في حرفيش

رغم أنها تحاشت وما تزال الحرب الواسعة بسبب كلفتها وعجزها عن إدراة حرب على جبهتين اليوم، تواصل إسرائيل التهديد بضرب لبنان وحزب الله إذا لم يوقف هجماته عليها، وسط استمرار مراقبين إسرائيليين في التحذير من مغبة هذا التصعيد ومن الانزلاق إلى حرب مدمّرة للطرفين حتى لو لم يرغبا بها.

بعدما زار رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو كريات شمونة (الخالصة) وفيها هدّد بالتلميح الغليظ بالضربات العسكرية الشديدة بقوله: “نحن مستعدون لعملية قوية جدا في الشمال”، ثم عاد وقال إنه تحدث كثيرا ولا حاجة للمزيد من الأقوال في تلميح لرغبته الذهاب للأفعال. وتبعه قائد الجيش هرتسي هليفي الذي سبق وهدد حزب الله عشرات المرات، فقال أمس: “نحن نقترب من النقطة التي يجب فيها اتخاذ قرار، والجيش الإسرائيلي مستعد لهذا القرار”، وهذه دعوة للمستوى السياسي أن يأمر الجيش لتوسيع نطاق النار مع حزب الله.

تزامنا مع هذه التهديدات، واصل حزب الله إطلاق المسيّرات نحو أهداف إسرائيلية، آخرها ضرب تجمع جنود إسرائيليين في قرية حرفيش بطائرتين مسيرتين تسببتا في مقتل جندي وإصابة 11 آخرين معظمهم جنود.

واصل حزب الله إطلاق المسيّرات نحو أهداف إسرائيلية، آخرها ضرب تجمع جنود في قرية حرفيش بطائرتين مسيرتين تسببتا في مقتل جندي وإصابة 11 آخرين

وحرفيش، قرية فلسطينية حدودية. ومن جبلها العالي، جبل عداثر(جزء من جبل الجرمق) يمكن بالعين المجردة مشاهدة كل الريف اللبناني. وطالما كانت حرفيش الفلسطينية وقرية رميش اللبنانية جارتين ارتبطتا بعلاقات صداقة وتعاون متينة، وكانتا ومحورا للتهريب والمواصلات، ومنها دخل لاجئون فلسطينيون إلى لبنان في نكبة 1948 أو عادوا لوطنهم من خلالها.

ورغم كونها حدودية ومسكونة من قبل الدروز الذين يخدم عدد كبير من أبنائهم في الجيش الإسرائيلي، لا تشتمل قرية حرفيش على ملاجئ تحمي السكان البالغ تعدادهم نحو تسعة آلاف نسمة في وقت الحرب، بعكس المستوطنات الإسرائيلية المجاورة التي تم إخلاؤها حفاظا على سلامة سكانها.

عصاة العز خرفيش

تتباين التفسيرات لاسم حرفيش، فهناك من يعتبرها تعريب لتسمية “حربوشتا” السريانية وتعني النفسة (الصرصور). لكن الجغرافي الفلسطيني شكري عراف، يوضح أن التسمية جاءت من نبتة “الخرفيش” المعروفة بمنافعها الطبية وتنمو بكثرة هناك.

ويوظف الفلسطينيون في الجليل هذه النبتة في مثل شعبي للتحذير من الإسراع بالتورط في استخدام القوة، فيقولون: “عصاة العز خرفيش”. فسيقان الخرفيش طويلة وثخينة، لكنها فارغة تنكسر بسهولة، لكن التلويح بها مع الاحتفاظ بالهيبة وقوة الردع، أفضل من استخدامها فعلا، أي التلويح بالعصا حتى لو كانت هشّة، أفضل أحيانا من الضغط السريع على زناد القوة.

وهذا ما تحاول إسرائيل القيام به منذ ثمانية شهور بعمليات اغتيال وتدمير من الجو، والتهديد بتدمير وإعادة لبنان للعصر الحجري وإبادة حزب الله، مع استمرار الأخير في إسناد غزة ومحاولة التخفيف عنها، وبردّ الصاع صاعين دون اكتراث بهذه التهديدات من قبل إسرائيل التي تصعّد لهجتها كما تجلى في تصريحات نتنياهو وهليفي أمس، وفي دعوات حرق لبنان من قبل الوزيرين سموتريتش وبن غفير.

ومن جملة هذه التهديدات القول في التلميح والتصريح، إن القرار وُقّع، والسؤال بات مسألة التوقيت، وسط تسريبات بأن منتصف الشهر الحالي هو موعد شن الحرب على لبنان. وفي محاولة لتغطية هذه التهديدات اللفظية وتعزيزها، أعلنت إسرائيل أيضا عن النية بتجنيد 350 ألفاً من جنود الاحتياط.

مقابل دعوات تدمير حزب الله وحرق لبنان وقرع طبول الحرب، يواصل مراقبون في إسرائيل التحذير من ذلك، منبهين لعدم القدرة على إدارة حرب في جبهتين متزامنتين

السقوط معا في الهاوية

بالتزامن ومقابل دعوات تدمير حزب الله وحرق لبنان وقرع طبول الحرب، يواصل مراقبون في إسرائيل تحذيرها من ذلك، منبهين لعدم القدرة على إدارة حرب في جبهتين متزامنتين، وللأثمان الباهظة التي ستسددها إسرائيل من ناحية الخسائر البشرية، وتدمير بنى تحتية وفوقية حيوية في طول وعرض البلاد، وتآكل شرعيتها في العالم.

وفي هذا المضمار، يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، إن تبادل اللكمات يتفاقم، فيما ينضج وعي إسرائيلي لخطورة الوضع، وإسرائيل تهدد بعملية واسعة إذا لم يتوقف حزب الله، وإن مناورات الترهيب بين إسرائيل وحزب الله من شأنها دفعهما للهاوية معا، ولذا ربما تجد واشنطن نفسها الآن تقوم بمحاولة إطفاء النار في الشمال المشتعل، بدلا من محاولة إتمام صفقة جديدة مع حماس.

ويقول هارئيل إن الجيش يسعى للرد على حزب الله بضرب لبنان، محذرا أن هذا من شأنه إشعال حرب. ويعلل ذلك بالقول إن الضرر في لبنان سيكون رهيبا، لكن الأضرار التي ستلحق بمدن شمال ووسط إسرائيل لا يشبه أي شيء حصل من جهة حماس.

ويمضي في تحذيراته قائلا: “الحالة في الشمال تقترب من درجة السخونة في بداية الحرب عندما انضم حزب الله للقتال، ودرست إسرائيل إمكانية الرد بحملة واسعة منعتها واشنطن”.

وتبعه زميله المعلق السياسي في “هآرتس” أوري مسغاف الذي يحذّر هو الآخر من عدم قدرة إسرائيل على الدخول في حرب مع حزب الله. ويضيف: “لا تصدقوا هرتسي هليفي. نحن غير جاهزين لحرب في لبنان. هليفي قال: نحن نقترب من النقطة التي ينبغي فيها اتخاذ قرار، والجيش مستعد للانتقال للهجوم. لكن إسرائيل عمليا غير مستعدة”.

سيناريو الخروج عن السيطرة

هذا ما يتفق معه محلل الشؤون العسكرية البارز في موقع “واينت” رون بن يشاي، الذي يقول إن حزب الله بات يتقن تسيير المسيّرات، والنتائج على الأرض قاسية، وإسرائيل تدرس خيار التصعيد.

ويضيف: “ينبغي الأخذ بالحسبان سيناريو تصعيد إقليمي بعدما يفقد حزب الله وإسرائيل السيطرة. فهما غير راغبين بالحرب، لكن الضرب والرد والصد من شأنه دفعهما لحافة الحرب، خاصة عندما تقع خسائر في الجانبين تحفزهما للذهاب إلى مواجهة واسعة.

حزب الله بات يتقن تسيير المسيّرات، والنتائج على الأرض قاسية، وإسرائيل تدرس خيار التصعيد.

وبعكس هارئيل، يرى بن يشاي أن الجيش جاهز لحملة برية في لبنان خلال ساعات، لكنه يرى في المقابل، أنه من الأفضل تحاشي حرب طالما أن صفقة تبادل أسرى مع حماس مطروحة، وطالما أن هناك فرصة لتسوية مع لبنان بطرق دبلوماسية. ويضيف: “هذا يعني أنه على الجيش إدارة التصعيد بحذر شديد، على الحد بين رد قوي، وبين خطوة فظّة من شأنها الدفع للخروج عن السيطرة”.

هل إبقاء الحرب على جبهة غزة استراتيجية صحيحة؟

وهذا ما يراه رئيس معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط تامير هايمان، الذي قال للإذاعة العبرية الرسمية اليوم، إن الوضع في الشمال خطير جدا. هايمان الذي ترأس في السابق الاستخبارات العسكرية أضاف: “أخلينا الجليل الأعلى، وهذا مسّ بهيبتنا وردّنا، ولكن لم ندخل الحرب بعد. حزب الله يريد مساعدة حماس وربط مصيره بمصير غزة”.

وتساءل هايمان: “نحن في نقطة حسم. فهل نتخذ قرارا بالذهاب إلى الحرب؟”، عن ذلك يوضح: “لا لتضليل أنفسنا… علينا تعريف أهدافنا أولا، فالحل ليس أن نقوم بأنصاف أفعال”.

وحذّر من التصرف بانفعالية وغضب، وقال إن الحرب مع حزب الله ستكون خطيرة ومدمرّة، وعلينا تحديد الأهداف والتثبت من وجود خيارات أخرى. وتابع: “حسم حزب الله يعني الحرب في لبنان، ولهذا أثمان داخلية وخارجية. الحرب مع حزب الله مختلفة جدا”.

وفي تلميح خفي لوجود احتمال بمحاولة القيادة الإسرائيلية الفاشلة الهروب للأمام من خلال حرب واسعة في الشمال، قال هايمان: “إذا كان الهدف تسويةً تكفل انسحاب حزب الله من الحدود مع استعادة النازحين، يجب التأكد أولا من تحقيق الهدف دون حرب فهذا أفضل”.

وردا على سؤال حول الجهوزية، اكتفى هايمان بالقول: “حالتنا مقابل محور الشر جيدة، ولكن علينا الحذر من الغرور والغطرسة”.

حمل كاذب

وكان “نبي الغضب” الإسرائيلي، الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، قد حذّر بلغة قاطعة من “المغامرة”. وعلل ذلك بالقول إن الجيش غير جاهز لحرب جديدة الآن في الشمال.

يتسحاق بريك: نحن الآن في خضم حرب تشكل تهديدا وجوديا مباشرا على إسرائيل

وفي مقال نشرته صحيفة “معاريف” أمس، قال بريك الذي توقع السابع من أكتوبر: “كي نفهم حجم المأساة التي نحن فيها، سأقدم إليكم باختصار ما يمكن أن يحدث لنا في حرب شاملة إقليمية، ربما لسنا مستعدين لها بتاتا، ولا يوجد اليوم من يوجّه المواطنين الإسرائيليين كي يستعدوا لها، وهي حرب يمكن أن تحدث بسرعة أكبر كثيرا مما نعتقد، ونحن الآن في خضم حرب تشكل تهديدا وجوديا مباشرا على إسرائيل”.

كما يشير بريك في تحذيراته المتكررة منذ شن هذه الحرب المتوحشة على غزة، التي تدخل شهرها التاسع غدا، إلى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي ستكون هدفاً أساسياً لصواريخ العدو، ليست مستعدة لمواجهة حرب إقليمية شاملة.

يشار إلى أن قائد كبيرا في الجيش، حيزي نحاما، قد حمل اليوم الخميس في حديث لـ”يديعوت أحرونوت” على قيادة الجيش، وقال إنها منفصمة عن الواقع وعن الميدان. وأشار إلى نقص في المعدات والأسلحة لدى الجيش المستنزف داخل القطاع.

وخلص للقول: “إدارة الحرب بهذه الطريقة، لن تؤدي لانتصار”.