في تقرير مطول لها، اتسم بالانحياز لإسرائيل واعتمد إلى حد كبير على الرواية والمصادر الإسرائيلية، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” السبت بأن حركة المقاومة الاسلامية “حماس” التي هاجمت إسرائيل يوم 7 تشرين الأول الماضي بأسلوب شبه عسكري تقليدي، كان مباغتا “باتت تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وان مسلحيها غالباً، ما يتنكرون بزي مدني ويختبئون دخل الأحياء السكنية ويخزنون أسلحتهم في شبكة طويلة من الأنفاق وفي المنازل والمساجد وتحت الأرائك وحتى في غرف نوم الأطفال”.
وتدعي الصحيفة في تقريرها الذي نشرته تحت عنوان “كيف تقاتل حماس” أن مقاتلي الحركة “يختبئون تحت الأحياء السكنية، ويخزنون أسلحتهم في أميال من الأنفاق وفي المنازل والمساجد والأرائك – حتى غرف نوم الأطفال- مما يؤدي إلى عدم وضوح الحدود بين المدنيين والمقاتلين”، ومن ثم “يخرجون من المخابئ بملابس مدنية، وأحيانًا يرتدون الصنادل أو البدلات الرياضية قبل إطلاق النار على القوات الإسرائيلية، أو زرع الألغام في مركباتهم، أو إطلاق الصواريخ من قاذفات الصواريخ في المناطق المدنية”.
وقالت “إنهم يقومون بتلغيم المنازل المهجورة بالمتفجرات وأسلاك التعثر، وفي بعض الأحيان يستدرجون الجنود الإسرائيليين لدخول المباني المفخخة عن طريق نثر علامات وجود حماس”.
ويشرح التقرير التحقيقي، الذي اعتمد بأغلبيته على مصادر جيش الاحتلال الإسرائيلي، أنه “طوال ثمانية أشهر من القتال في غزة، قاتل الجناح العسكري لحركة حماس – كتائب القسام – كقوة لا مركزية ومخفية إلى حد كبير، على النقيض من هجومه في 7 تشرين الأول على إسرائيل، والذي بدأ بمناورة منسقة واسعة النطاق شارك فيها الآلاف من “الجنود”- المقاتلين، واقتحمت قوات كوماندوز يرتدون الزي الرسمي المدن الحدودية- الاسرائيلية- وقتلت ما يقرب من 1200 شخص (منهم 311 جنديا بحسب المصادر الإسرائيلية).
وبدلاً من مواجهة الغزو الإسرائيلي الذي أعقب ذلك في معارك مباشرة، انسحب معظم مقاتلي حماس من قواعدهم ومواقعهم الأمامية، سعياً إلى إضعاف التفوق التكنولوجي والعددي الذي تتمتع به إسرائيل من خلال شن هجمات مفاجئة على مجموعات صغيرة من الجنود.
وتقول الصحيفة : “ومن تحت الأرض، لم يظهر جيش حماس الأشبه بالأشباح إلا بشكل عابر، حيث خرج فجأة من مجموعة من الأنفاق ــ مسلحاً غالباً بقذائف صاروخية ــ لاعتقال الجنود ثم العودة بسرعة إلى حصنه تحت الأرض. وفي بعض الأحيان، اختبأوا -مقاتلي حماس- بين المدنيين القلائل الذين قرروا البقاء في أحيائهم على الرغم من الأوامر الإسرائيلية بالإخلاء، أو رافقوا المدنيين أثناء عودتهم إلى المناطق التي استولى عليها الإسرائيليون ثم تركوها”.
كما تدعي الصحيفة أن “قرار حماس بمواصلة القتال أثبت أنه /كارثي/ بالنسبة للفلسطينيين في غزة. ومع رفض حماس الاستسلام، مضت إسرائيل قدماً في حملتها العسكرية التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 2% من سكان غزة، وفقاً للسلطات في غزة، وشردت ما يقرب من 80 في المئة من سكانها، وفقا للأمم المتحدة، وألحقت أضرارًا بمعظم المباني في غزة، وفقًا للأمم المتحدة”.
وعلى النقيض من الواقع، وأرقام جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، تدعي “نيويورك تامز” أن “أقل من 350 جنديًا إسرائيليًا قتلوا في غزة منذ بداية الغزو، وفقًا للإحصاءات العسكرية – وهو أقل بكثير مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون في تشرين الأول الماضي عندما بدأت الحرب”.
“ولكن وعلى الرغم من المذبحة في غزة، فإن استراتيجية حماس ساعدت المجموعة على تحقيق بعض أهدافها الخاصة” وفق الصحيفة التي قالت: “لقد شوهت الحرب سمعة إسرائيل في معظم أنحاء العالم، مما أدى إلى توجيه اتهامات بالإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الانقسامات طويلة الأمد في المجتمع الإسرائيلي، مما أثار خلافات بين الإسرائيليين حول ما إذا كان ينبغي على إسرائيل أن تهزم حماس وكيف، كما أعادت مسألة الدولة الفلسطينية إلى الخطاب العالمي، الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى الاعتراف بفلسطين كدولة”.
وعلى نفس القدر من الأهمية بالنسبة لحماس، فإن عقيدتها الحربية سمحت لها بالبقاء وفق التقرير.
ولا يزال زعيم حماس في المنطقة، يحيى السنوار، ومعظم كبار قادته العسكريين على قيد الحياة. وتقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من 14 ألفاً من مقاتلي حماس البالغ عددهم 25 ألفاً – وهو رقم غير قابل للتحقق ومُختَلفٌ عليه، وإذا كان صحيحاً، فإنه يشير إلى أن الآلاف ما زالوا نشطين.
ويشير تحليل مقاطع الفيديو التي نشرتها حماس في ساحة المعركة والمقابلات مع ثلاثة من أعضاء حماس، وعشرات الجنود الإسرائيليين، الذين تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث علناً، إلى أن إستراتيجية حماس تعتمد على:
– استخدام مئات الأميال من الأنفاق، التي فاجأ حجمها القادة الإسرائيليين، للتنقل في أنحاء غزة دون أن يراهم -مقاتلي حماس- الجنود الإسرائيليون.
– استخدام منازل المدنيين والبنية التحتية – بما في ذلك المرافق الطبية ومكاتب الأمم المتحدة والمساجد – لإخفاء المقاتلين ومداخل الأنفاق والأفخاخ المتفجرة ومخازن الذخيرة.
– نصب كمائن للجنود الإسرائيليين بواسطة مجموعات صغيرة من المقاتلين الذين يرتدون ملابس مدنية، بالإضافة إلى استخدام المدنيين، بما في ذلك الأطفال، للقيام بدور الحراسة.
– ترك علامات سرية خارج المنازل، مثل غطاء أحمر معلق من النافذة أو كتابات على الجدران، للإشارة إلى زملائه المقاتلين بوجود ألغام أو مداخل أنفاق أو مخابئ للأسلحة في الداخل.
– إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة، حتى على حساب المزيد من القتلى والدمار بين المدنيين، من أجل توريط إسرائيل في معركة استنزاف أدت إلى تضخيم الانتقادات الدولية لإسرائيل.
وتنسب الصحيفة إلى صلاح الدين العواودة عضو حماس والمقاتل السابق في جناحها العسكري، والذي يعمل الآن محللا مقيما في اسطنبول قوله: “الهدف هو الاختفاء، وتجنب المواجهة المباشرة، أثناء شن هجمات تكتيكية ضد جيش الاحتلال. إن التركيز ينصب على الصبر” مشيرا إلى أنه “قبل 7 تشرين الأول، كانت كتائب القسام تعمل كجيش له قواعد تدريب ومخزونات لكن خلال هذه الحرب، يتصرفون كمقاتلين”.
وتدعي الصحيفة أن حماس وحلفاؤها أطلقوا في بداية الحرب، وابلاً من الصواريخ باتجاه المناطق المدنية في إسرائيل، بما في ذلك حوالي 3000 صاروخ في 7 تشرين الأول (يوم الهجوم الاول)، وغالباً ما كانت تستخدم قاذفات مخبأة في أحياء مدنية مكتظة بالسكان في غزة. استولى الجيش الإسرائيلي على عشرات منصات الإطلاق ودمرها، بما في ذلك بعض تلك المنصات التي قال إنه “عثر عليها بالقرب من مسجد وروضة أطفال”، مما أدى إلى توقف إطلاق الصواريخ تقريبًا.
وبعد اجتياح القوات البرية الإسرائيلية في تشرين الأول، “ذهبت حماس إلى أبعد من ذلك بتحويل المناطق المدنية في غزة إلى مناطق عسكرية، ونصبت الأفخاخ في عشرات الأحياء وخلقت حالة من الارباك حول الشكل الذي يبدو عليه المقاتل من خلال ارتداء مقاتليها ملابس مدنية”.
وتشير الصحيفة إلى أن العشرات من مقاطع الفيديو الدعائية لحماس، التي نشرتها الجماعة على قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، تظهر مجموعات صغيرة من المسلحين، غالباً ما يرتدون سراويل الجينز والسراويل الرياضية والصنادل والأحذية الرياضية وهم يخرجون من الأنفاق لالتقاط صور للدبابات وناقلات الجنود الإسرائيلية القريبة.
بعدها يندفعون سيراً على الأقدام نحو الدبابات لزرع الألغام أو إطلاق قذائف صاروخية من المباني السكنية، وإطلاق النار على الجنود ببنادق قنص.
وتنقل الصحيفة عن “ضابط” في حماس القول، إن الحركة كانت تستعد لهذه اللحظة منذ عام 2021 على الأقل، عندما بدأت في زيادة إنتاج المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات، استعدادا لحرب برية، وتوقفت عن صنع العديد من الصواريخ بعيدة المدى.
كما قامت بتوسيع شبكة الأنفاق، وخلقت نقاط دخول في المنازل في جميع أنحاء غزة تسمح للمسلحين بالدخول والخروج دون أن يتم رؤيتهم من الجو.
وجرى كذلك “تجهيز الأنفاق بشبكة هاتف أرضي يصعب على إسرائيل مراقبتها، وتسمح للمسلحين بالاتصال حتى أثناء انقطاع شبكات الهاتف المحمول في غزة، التي تسيطر عليها إسرائيل، وفقا لما أكده هذا “الضابط” ومسؤولون إسرائيليون وصلاح الدين العواودة، وهو عضو سابق في الحركة ومقاتل سابق في جناحها العسكري يعمل الآن محللا مقيما في إسطنبول” على حد قول صحيفة نيويورك تايمز.
وأكد “الضابط” التابع لحماس أنه مع بداية الحرب، كان لدى حماس ما يكفي من المتفجرات بالإضافة إلى ما يكفي من الخضروات المعلبة والتمور ومياه الشرب التي يمكن أن تكفي مسلحيها لمدة 10 أشهر على الأقل.
واتسعت شبكة الأنفاق إلى حد أنها “مرت تحت مجمع كبير للأمم المتحدة، وأكبر مستشفى في غزة، فضلا عن الطرق الرئيسية وعدد لا يحصى من المنازل والمباني الحكومية”، وفقا للصحيفة.
وبعد تسعة أشهر من بدء الحرب، يقول كبار المسؤولين الإسرائيليين إنهم لم يدمروا إلا جزءا صغيراً من شبكة الأنفاق تلك، وأن وجودها كان سبباً في عرقلة قدرة إسرائيل على تدمير حماس.
ويشير “الضابط” إلى أن قوات الكوماندوز التابعة لحماس تم تدريبها أيضا على البقاء في حالة تأهب وتركيز أثناء نقص الغذاء والماء.
ويبين أنه قبل الحرب، كان يٌطلب من المسلحين في بعض الأحيان قضاء أيام في تناول حفنة من التمر فقط، والجلوس لعدة ساعات دون تحرك، حتى عندما كان مدربوهم يرشون الماء على وجوههم لتشتيت انتباههم.
ويتابع هذا “الضابط” أنه مع بدء إخلاء مساحات شاسعة من غزة في أكتوبر، بدأ مسلحو حماس بتفخيخ مئات المنازل التي توقعوا أن تحاول القوات الإسرائيلية دخولها.
وتبرر صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها التدمير الإسرائيلي الممنهج وقتل عشرات الآلاف من المدنيين بالقول : “يقول المسؤولون الإسرائيليون إن تكتيكات حماس تفسر لماذا اضطرت إسرائيل إلى ضرب الكثير من البنية التحتية المدنية، وقتل العديد من الفلسطينيين واعتقال العديد من المدنيين”.
وبحسب الصحيفة، فقد رفض موسى أبو مرزوق، وهو مسؤول كبير في حماس مقيم في قطر، الانتقادات الموجهة لاستخدام حماس للملابس المدنية وتخزين الأسلحة داخل منازل المدنيين، قائلا إن ذلك يصرف الانتباه عن المخالفات الإسرائيلية، كما قالت الصحيفة.
“إذا كان هناك من يأخذ سلاحا من تحت السرير، فهل هذا مبرر لقتل 100 ألف شخص؟” قال أبو مرزوق. “إذا أخذ شخص سلاحاً من تحت السرير، فهل هذا مبرر لقتل مدرسة بأكملها وتدمير مستشفى؟”
ويعترف أعضاء آخرون في حماس ويدافعون عن استخدام الحركة للملابس المدنية والمنازل المدنية، قائلين إن الحركة ليس لديها بديل.
وتنقل الصحيفة عن العواودة قوله لها: “كل تمرد في كل حرب، من فيتنام إلى أفغانستان، شهد أناسًا يقاتلون من منازلهم، وإذا كنت أعيش في- حي- الزيتون، على سبيل المثال، وجاء الجيش – سأقاتلهم هناك، من بيتي، أو عند جاري، أو من المسجد. سأقاتلهم أينما كنت”.
وقال العواودة إن مقاتلي حماس يرتدون ملابس مدنية في محاولة مشروعة لتجنب اكتشافهم.
وأضاف: “هذا أمر طبيعي بالنسبة لحركة المقاومة، وليس هناك أي شيء غير عادي فيه” وفقا لما تقوله صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها.