إسرائيليات

الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 2/8/2024

التصفيات ونشوتها وما بعدها

بقلم: أوري مسغاف

صديق لي، مثقف، واسع الأفق وذكي جداً، كتب صباح أمس “من جهة مدهش. من جهة أخرى مخيف جداً. من جهة ثالثة الويل للمخطوفين”.

كيف أنت لا ترى أن هذه ثلاثة وجوه لقطعة النقد نفسها بالضبط. ما هو المدهش بالضبط في عمليات التصفية في بيروت وطهران التي ستنزل علينا حرباً شاملة مع إيران وامتداداتها في لبنان وفي كل المنطقة، وستحسم مصير المخطوفين القلائل الذين ما زالوا على قيد الحياة بعد عشرة أشهر في أنفاق غزة.

أقواله هذه تمثل بالطبع رداً إسرائيلياً واسعاً على عمليات الاغتيال الهوليوودية لـ “شخصيات رفيعة” من كل الأنواع.

الأحاسيس وعصارة المعدة تعمل، والحاجة إلى الانتقام الشخصي و”البشرى الجيدة” في كل هذا اليأس والمراوحة في المكان تفعل فعلها. بعد ذلك دائماً نستيقظ على الحقائق.

في هذا الصباح يكون قد مر 300 يوم على الحرب الأبدية التي فرضت علينا، في البداية من حماس وحزب الله، وبعد ذلك من نتنياهو وبن غفير.

1600 إسرائيلي أصبحوا مدفونين تحت الأرض. 115 مخطوفاً، أحياء وأموات، يتعفنون في غزة.

النقب الغربي مدمر ومتروك جزئياً. الجليل يتعرض للقصف وجزء منه تم إخلاؤه.

إسرائيل معزولة أكثر من أي وقت مضى، مقاطعة ومجذومة. شؤونها تتم مناقشتها في المحاكم الدولية. هرب الأدمغة والليبراليين في الذروة. ثقافة الرعاع والكذب تقضم كل قطعة جيدة. الحيونة الأخلاقية والقيمية في الذروة. فقط في هذا الأسبوع حدثت هنا نسخة مشابهة ومقلقة لأحداث الكابتول في الولايات المتحدة. أي إنجاز كبير لا يمكن تخيله سجله السنوار وحسن نصر الله منذ 7 تشرين الأول!.

في يوم السبت قام الجيش الإسرائيلي بتصفية أربعة نشطاء عاديين في حزب الله.

حزب الله أطلق الصواريخ. أحد الصواريخ سقط في ملعب لكرة القدم في مجدل شمس وقتل 12 فتى وطفلاً.

قبل ذلك ببضع ساعات هاجم سلاح الجو دير البلح. بين القتلى هناك كان الكثير من الأطفال. في المساء عائلة نتنياهو أنهت أسبوع الاحتفال في واشنطن وعادت في “جناح صهيون” إلى إسرائيل، وهي تتخفى في جناح الشخصيات المهمة جداً في الطائرة يئير نتنياهو عن عيون المراسلين والجمهور.

في هذه الأثناء قتل شاب من كيبوتس هغوشريم. بدأت التصفيات وأبو يئير التقط صورة مع الهاتف الأحمر. الجميع يعرفون أنه في أعقاب عمليات التصفية سيقتل المزيد من الإسرائيليين، وربما أيضاً يهود في أرجاء العالم. حتى الآن الأجواء العامة هي أجواء مريحة، نشوة صغيرة. في أوساط معينة هناك نشوة حقيقية مع خصائص نفسية وجنسية.

هذه الحكومة الفظيعة والرهيبة، بالتعاون مع جهاز الدفاع وإخلاص عدد كبير من وسائل الإعلام الجماهيرية، حكمت علينا بدوائر لانهائية من الموت والثأر والكراهية؛ لأنه في نهاية المطاف في أعقاب الضحايا الجدد لدينا نحن سنضطر إلى الترديد مرة أخرى بأن “الانتقام لولد صغير لم يخلقه الشيطان”.

لننتقم أيضاً لموتهم في إطار “الرد المناسب” و”إرسال رسالة” و”سياسة الردع”.

وكل ذلك يشمل التنكيل المثير للفزع في سديه تيمان، ويحدث في الوقت الذي لنا فيه مخطوفون في يد حماس. حتى أنهم في قطر سألوا أمس: كيف يمكن التوسط في مفاوضات فيها أحد الطرفين يقوم بعمليات اغتيال طوال الوقت للطرف الثاني؟.

هذه الحرب هي الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل. هي تجري منذ عشرة أشهر دون أي خطة استراتيجية على المستوى السياسي – الأمني، سواء في الجنوب أو في الشمال.

بخلاف مطلق مع كل مبادئ عقيدة الأمن الإسرائيلية على أجيالها. يوجد لها إنجاز واحد ووحيد وهو إبقاء عائلة نتنياهو ومساعديها ورجال البلاط فيها ومن يعتاشون منها في الحكم. نحن نشاهد بعيوننا المندهشة دمار الهيكل الثالث، لبنة تلو الأخرى. مثل حادث طرق بالتصوير البطيء أو بسرعة كبيرة جداً.

في داخل هذا الانهيار الداخلي هل من المفروض أن نبدأ بحرب إقليمية شاملة؟ لا فائدة من التحدث لقلب نتنياهو المتحجر. شركاؤه ووكلاؤه هم الذين يتحملون المسؤولية في هذه المرحلة. تذكروا ذلك، هو الرئيس وأنتم المذنبون.

——————————————–

يديعوت احرونوت 2/8/2024

الاغتيال الذي خطط له منذ 7 اكتوبر

بقلم: رونين بيرغمان

زعيم حماس إسماعيل هنية الذي صفي في طهران أول أمس، قتل بانفجار عبوة ناسفة هُربت سرا وزرعت مسبقا قبل أسابيع في مجال الضيافة الذي مكث فيه – وليس بنار صاروخ. هذا ما أفادت به “نيويورك تايمز” امس استنادا الى مصادر استخبارية إيرانية، أمريكية ومصادر في الشرق الأوسط. وفي التقرير انكشفت تفاصيل التصفية التي تطلبت اشهر من التخطيط، في المجال الذي يديره الحرس الثوري.

في التقرير، الذي شارك في اعداده الموقع أدناه قيل انه تم تفعيل العبوة من بعيد – في اللحظة التي علم فيها بان هنية يوجد في الغرفة. وحسب “التايمز” فان المصادر الإيرانية التي اقتبسها التقرير لا تعرف كيف أو متى زرعت العبوة في الغرفة.

نذكر هنا أن إسرائيل لم تأخذ مسؤولية رسمية عن تصفة زعيم حماس. رغم ذلك في ايران وفي حماس القوا المسؤولية على إسرائيل – وكذا مصادر أمريكية اقتبسها التقرير اشارت الى أن هذا هو التقدير في الولايات المتحدة.

وحسب “التايمز” فان التقارير أول أمس والتي جاء فيها ان إسرائيل هاجمت من الجو غرفة هنية بصاروخ، مثلما فعلت بقاعدة سلاح في أصفهان ردا على هجوم الصواريخ الإيراني في نيسان، تبينت غير صحيحة. فقد قيل ان إسرائيل نجحت في استغلال ثغرة في الدفاع الإيراني، وزرعت قنبلة اخفيت في المكان قبل أسابيع من ذلك. هذه الثغرة، حسب المصادر الإيرانية، كانت “فشلا استخباريا وحراسيا كارثيا بالنسبة لإيران، بل وحرجا للحرس الثوري”، الذي يستخدم المجال للقاءات سرية ولاستضافة زعماء، مثل هنية.

احد المصادر الاستخبارية الذي تحدث مع “التايمز” شرح ان تخطيط الاغتيال لهنية استغرق اشهر وتطلب متابعة واسعة لمنشأة الاستضافة المحروسة جيدا والتابعة للحرس الثوري.

وحسب المصادر الإيرانية والصور من الساحة كما حللتها “التايمز” فان الانفجار في الغرفة التي حل فيها هنية أحدث ضررا بالحد الأدنى فقط بالمبنى والذي تلخص بالضرر لقسم من الحائط الخارجي للمجال.

هنية كان في الليل في غرفته، مع حارسه الشخصي، وسيم أبو شعبان. بعد الانفجار، كما وصفت “التايمز” على لسان مصادر إيرانية كانت الغرفة كلها في حالة “فوضى”، الأثاث محطم، الفضاء مليء بالدخان والارضية مدمرة.

وفاة هنية تقررت في المكان. اما حارسه الشخصي فحاولوا إنقاذه في عملية احياء، لكن وفاته أيضا تقررت بعد ذلك. أبو شعبان، الملقلب أبو أنس، كان على مدى سنين مقاتلا وقائد سرية في وحدة النخبة لحماس في غزة. وهو موقع على عملية “الفيلبوكس” في حملة السور الواقي في 2014، حين كان عضوا في خلية تسللت في نفق الى منطقة كيبوتس ناحل عوز وقتلت خمسة من مقاتلي الجيش الإسرائيلي من كتيبة 17 لمدرسة قادة الحظائر.

وحسب “التايمز” فقد كان خليل الحية، نائب زعيم حماس في غزة يحيى السنوار هو الاخر في طهران في ليلة الانفجار، ووصل الى المجال كي يرى جثمان هنية.

هنية، حسب التحقيق، لم يكن الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي وصل الى طهران كي يشارك في ترسيم الرئيس الإيراني الجديد مسعود بوزشكيان. زعيم الجهاد الإسلامي زياد النخالة جاء هو الاخر ونزل في الغرفة المجاورة لهنية. غير أنه حسب المصادر الإيرانية التي اقتبست في التقرير بان غرفة النخالة لم تتضرر بشدة – ما يشهد على التخطيط الدقيق للمس بهنية بالذات.

إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس المسؤول عن العلاقة بين ايران وحماس وباقي محور المقاومة وضع على الفور في خبر الانفجار في مجال الحرس الثوري. وقع الانفجار في الساعة 2:00 قبل الفجر بتوقيت طهران، وكان قآني هو الذي ايقظ في منتصف الليل الزعيم الأعلى علي خامينئي وبلغه بما حدث. بعد بضع ساعات من ذلك في الساعة 7:00 صباحا أمر خامينئي باستدعاء أعضاء مجلس الامن القومي الأعلى لجلسة طواريء امر فيها بمهاجمة إسرائيل مباشرة ردا على ذلك.

لم يكن اغتيال هنية مرتبطا او مرافقا لاغتيال مسؤول حزب الله فؤاد شكر قبل بضعة ساعات من ذلك. فقد كان المس برجل حزب الله ردا على اطلاق الصاروخ الذي قتل 12 طفلا وفتى في مجدل شمس، فيما ان المس بهنية، الذي نفذته حسب تقرير “التايمز” إسرائيل فقد خطط له منذ 7 أكتوبر وكان يحتاج الى استعدادات خاصة.

في اطار هذا التخطيط وقعت حسب المصدر المنفذ فرصة لمعرفة الموعد الذي سيصل اليه هنية الى طهران مسبقا. إسرائيل، اغلب الظن، فضلت الا تجري الاغتيال على ارض قطر، حيث تتواجد القيادة السياسية لحماس. قطر تتوسط بين إسرائيل وحماس، وإسرائيل تخوفت من أن يكون من شأن عملية غير مسموح بها على ارض قطر ضد واحد من كبار المسؤولين ان توقف هذه الوساطة.

وقالت مصادر إسرائيلية انه رغم ان الهجومين نفذا على نحو منفصل فانه يحتمل بالتأكيد ان يكون أثرهما المترابط سيؤدي الى تصعيد في المواجهة بين إسرائيل ودول ومنظمات محور المقاومة.

في إسرائيل يقدرون بان الامر كفيل بان يتلخص في عدة أيام حتى أسبوع من القتال المتواصل. مع ذلك التقدير هو أن مصالح كل الأطراف المشاركة، باستثناء حماس بقيت متشابهة: فهم غير معنيين بالتدهور الى وضع من الحرب الشاملة في الشرق الأوسط.

——————————————–

هآرتس 2/8/2024

اغتيال هنية يوضح ان إعادة المخطوفين ليست على رأس سلم أولويات نتنياهو

بقلم: عاموس هرئيلِ

سلسلة المتضررين بالاغتيالات في هذا الاسبوع، القيادي الرفيع في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، وقائد حماس اسماعيل هنية في طهران وزميله محمد ضيف الذي تمت تصفيته في خانيونس، وأمس تم التأكد نهائيا من موته، أدت الى هزة اقليمية جديدة. اخراج هؤلاء الثلاثة من العمل سجل في ارجاء الشرق الاوسط كانجاز لاسرائيل، حتى لو لم يمحُ الانطباع الشديد الذي تسببت به مذبحة 7 تشرين الاول. الآن اسرائيل تستعد لصد، بدرجة معينة احتواء، هجوم رد على هذه الاغتيالات من ايران وحزب الله وحمس والحوثيين في اليمن. احتمالية استكمال صفقة التبادل، رغم الدعم الواضح للقيادة الامنية، تبدو ضئيلة ازاء تغير جدول الاعمال الاقليمي.

التهديدات بالانتقام من طهران وبيروت أدت الى رفع الجاهزية في الاجهزة ذات الصلة في الجيش الاسرائيلي. في الوحدات الحربية اعلن اول أمس عن الغاء جميع الاجازات. خطوة ايران وشركاءها يتوقع أن تكون منسقة. ربما أن الامر يتعلق بعدة موجات من الهجمات على مدار بضعة ايام ومن المرجح أن اسرائيل سترد عليها. ولأن اعضاء المحور يريدون الانتقام على قتل هؤلاء القادة وليس بسبب المس الجماعي بالمدنيين، يمكن التقدير بأن عملياتهم سيتم توجيهها لمنشآت عسكرية أو استراتيجية. وهذه المنشآت تنتشر ايضا في مركز البلاد وفي الشمال؛ اختيار اهداف في حيفا أو في غوش دان يمكن أن يعتبر رد مناسب على الاحداث الاخيرة.

إن اغتيال شكر وهنية، الذي نسبته ايران لاسرائيل في فترة زمنية هي سبع ساعات، اشعل خلافات صاخبة جدا. الاول يتناول جدوى الاغتيال في طهران. الثاني يجدد بدرجة أشد النقاش المتواصل حول صفقة المخطوفين. لم يكن تقريبا أي خلاف حول اغتيال شكر. حزب الله عرف أنه تجاوز قواعد اللعب غير المكتوبة عندما قتل 12 طفل وفتى في قرية مجدل شمس الدرزية في الجولان. حزب الله وجد نفسه في حالة محرجة حتى امام الطائفة الدرزية في لبنان (لذلك كذب ونفى بشكل استثنائي مسؤوليته عن الاطلاق). وضربة اسرائيلية محسوبة لهدف عسكري مميز، رئيس اركان الحزب، لا تبدو عملية يمكن أن تدهور الطرفين الى حرب.

لكن بعد ذلك جاء اغتيال هنية. عملية ثانية هذه المرة في ايران، بصورة ستضم حماس الى هذا التوتر خلال الاتصالات حول عقد صفقة التبادل. هذا يعتبر اصبع في عين النظام لأن هنية كان ضيفا لديه في احتفال تنصيب الرئيس الايراني الجديد. هي تضع ايران في بؤرة التخبط فيما يتعلق بعملية الرد. وليس من الغريب أن الزعيم الاعلى علي خامنئي اهتم بتسريب أنه أمر بتوجيه ضربة مباشرة ايرانية نحو اسرائيل. مع ذلك، متحدثون في كل اجزاء المحور اكدوا مؤخرا بأنهم غير معنيين بحرب شاملة.

بخصوص الصفقة يتبين شيئا فشيئا بأنه يوجد لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سلم اولويات خاص به، اعادة المخطوفين لا تقف في مكان مركزي فيه. نتنياهو يهتم باستمرار الحرب في القطاع بدون تغيير حجم القوات التي تعمل ضد حماس وبدون الانسحاب من ممر نيتساريم ومحور فيلادلفيا اللذان يسيطر عليهما الجيش الاسرائيلي. المواجهة مع حزب الله في منطقة الشمال ما زالت تحتل اولوية ثانوية لديه. فهو لا يريد التورط في حرب اقليمية، وبالتالي ايضا ليس في مواجهة كبيرة مع حزب الله. الوضع على الحدود في الشمال يمكن حسب رأيه أن يبقى ثابت حتى وقت طويل، رغم الخسائر المتراكمة والسكان الذين تم اخلاءهم.

المشكلة هي أن القليل فقط من ذلك قيل للجمهور في اسرائيل. نتنياهو يقلل من ظهوره، ويظهر امام الجمهور فقط عندما يمكنه أن يجني مكاسب على نجاحات عسكرية منها، في حين أن الكوارث والاخطاء هي امور يجب على الجيش الاسرائيلي تفسيرها. المتملقون لديه لم يعودوا يهتمون بالدفاع عنه امام انتقاده في هذا الشأن. فبالنسبة لهم هذا هو الواقع وليمت الحاسدين. في تصريحاته رئيس الحكومة يقوم بنثر ضبابية بشكل متعمد. في الاسبوع الماضي عندما كان في زيارة في واشنطن لالقاء خطاب في الكونغرس اصدر اشارات لعائلات المخطوفين بأن هناك تقدم في المحادثات حول الصفقة. وفي نفس الوقت، دون أن يتراجع، تشدد في طلباته في المفاوضات بشكل يضمن الجمود فيها. الضبابية موجهة ايضا نحو الجيش الاسرائيلي. فالضباط الكبار يشعرون أكثر فأكثر بأنهم مقاولو تفجيرات. مواقفهم غير مهمة بالنسبة له.

بعد موت هنية انتشر اعتقاد بأن رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، سيقوم بتأخير المحادثات – حتى كعقاب على عملية الاغتيال، ولأنه في حالة اشتعال اقليمي سيتم تطبيق خطته الاصلية، وليس لديه أي مصلحة في انقاذ اسرائيل من تورطها. في المقابل، رؤساء جهاز الامن يطرحون ادعاء معاكس. فحسب رأيهم بعد الاغتيالات حماس توجد في نقطة الحضيض. السنوار هو تقريبا الشخص الاخير بعد أن قتل معظم اصدقاءه (وخصومه) في قيادة حماس في الاغتيالات. تحقيق صفقة يمكن أن يجعل الوضع يستقر بدرجة معينة، ويعيد الى البلاد بالتدريج المخطوفين الى جانب جثث المخطوفين الذي ماتوا في الاسر، وتمكين الدولة والجيش من اعادة البناء على أمل أن يكون بالامكان تحقيق اتفاق مؤقت على الاقل على الحدود مع لبنان.

وزير الدفاع يوآف غالنت يقول هذه الامور علنية كل يوم تقريبا. جميع رؤساء الاجهزة يشاركونه رأيه في النقاشات الداخلية. نتنياهو يتآمر على اقالة غالنت واستبداله بجدعون ساعر. العمليات الاخيرة تحسن بشكل قليل مكانة نتنياهو في الاستطلاعات وفي القريب يمكن أن يقوم بهذه المقامرة.

السؤال الذي يحلق منذ فترة طويلة هو متى ستأتي اللحظة التي سيقف فيها رؤساء الاجهزة علنا الى جانب غالنت ويقولون رأيهم بشأن السياسة وطريقة اتخاذ القرارات. الحديث لا يدور فقط عن خلاف استراتيجي. يوجد هنا جدال اخلاقي حول مستوى التزام الدولة بمواطنيها وجنودها الذين تم اختطافهم نتيجة الفشل الامني – السياسي الاكثر خطورة في تاريخها.

بعيدون عن الحل

الخلاف حول صفقة التبادل ليس السبب الوحيد للتوتر الجديد بين نتنياهو والقيادة الامنية العليا، ورئيس الاركان هرتسي هليفي بشكل خاص. رئيس الاركان قطع مؤخرا خططه مرتين وسارع الى ساحتين جعلته يصاب بالصدمة، كل واحدة بطريقتها. في منتهى السبت ذهب الى مجدل شمس بعد بضع ساعات على سقوط الصاروخ الذي اطلقه حزب الله وقتل الاطفال. المشاهد التي رآها هناك كانت فظيعة، لكنه استقبل هناك بالتقدير الكبير. الدروز في هضبة الجولان كانوا بحاجة الى احتضان من الدولة، وهليفي قدمه لهم. نتنياهو كلف نفسه عناء الذهاب الى القرية بعد يومين واطلق شعارات فارغة؛ بعض السكان رافقوه بهتافات الاستخفاف.

في يوم الاثنين اقتحم نشطاء لليمين المتطرف بشكل عنيف منشأة سديه تيمان وبعد ذلك معسكر بيت ليد احتجاجا على اعتقال تسعة من جنود الاحتياط المشتبه فيهم بالتحرش الجنسي القاسي لشاب فلسطيني. وزراء واعضاء كنيست شجعوهم، وبعضهم قادوا الاقتحام الاول. رئيس الاركان وصل الى بيت ليد ووجد نفسه مع جنود كتيبة الدورية التابعة للواء المظليين، الذين اضطروا الى أن يصدوا بأيدهم اقتحام زعران “لافاميليا”، وهي منظمة مشجعي بيتار القدس. الضباط هناك قالوا بأنه لم يروا أي يوم كهذا. نتنياهو خلال يومين اصدر ادانات ضعيفة، في واحدة قارن بنية واضحة بين اعمال الشغب المهذبة جدا لليمين وبين اغلاق الشوارع المهذب لمتظاهري كابلان.

الفجوة بينه وبين جهاز الامن ستتسع وستبرز كلما اقتربنا من الذكرى السنوية للمذبحة، وكلما تم نشر المزيد من تحقيقات الجيش الاسرائيلي. من المرجح أنه قبل الذكرى السنوية سيزداد ضغط الجمهور على هليفي للانسحاب (اذا لم تندلع حرب شاملة). مع ذلك، سلوك نتنياهو في هذا الاسبوع يطرح ادعاءات ايضا في الاتجاه المعاكس. انسحاب هليفي ورئيس الشباك، رونين بار، يمكن أن يفتح الطريق امام محاولة تعيين مقربين من هذين المنصبين، لا سيما اذا تمت ازاحة غالنت من الطريق لصالح بديل خاضع أكثر.

النجاح العملياتي والاستخباري الذي سجلته اسرائيل مؤخرا، والتقديرات حول ضائقة حماس والوعود الفارغة لنتنياهو بالنصر المطلق، كل ذلك لا يجب أن يشوش الجمهور في اسرائيل. تقريبا مرت عشرة اشهر منذ الهجوم المفاجيء في الغلاف والورطة التي وجدت اسرائيل نفسها فيها بعيدة عن الحل. ربما أنه لم يكن أي مناص من ذلك، منذ اللحظة التي تفاجأنا فيها. العمليات التي عملت ايران وشركاءها عليها لسنوات تم تسريعها دفعة واحدة ونضجت، بصورة تضع امام الدولة تحديات غير مسبوقة. نتنياهو لا يقوم ببلورة استراتيجية واضحة ولا يعرضها على المنظومة التي تخضع له. هدفه الاساسي والواضح هو ضمان بقاءه في الحكم مع ابطاء (تطلع نحو التحييد) الاجراءات القانونية ضده. في حين أن الميزان الاقليمي بقي على حاله، وفي هذا الوقت هو غير مشجع من ناحية اسرائيل رغم الانجازات المحددة المثيرة للانطباع. قناني الشمبانيا يمكن أن تنتظر.

——————————————–

هآرتس 2/8/2024

نصر الله فتح حسابا منفردا مع إسرائيل، لكن المواجهة تُحسم في غزة

بقلم: تسفي برئيل

على الاعلام الحمراء التي رفعت أمس على المساجد في ايران بعد تصفية اسماعيل هنية، وفي جنازة فؤاد شكر في بيروت، ظهرت الكلمات التالية: “هبوا للانتقام للحسين”. هذا كان شعار المتمردين في مدينة الكوفة في العراق الذي ارادوا الانتقام لدماء الامام الحسين بن علي مؤسس الشيعة، الذي قتل في العام 680. المتمردون اعتبروا انفسهم المسؤولين عن موته لأنهم قاموا باستدعائه لقيادة قواتهم في الحرب ضد يزيد، الخليفة الأموي الثاني. لذلك خرجوا للتمرد في العام 684 الذي في نهاية المطاف تم قمعه. العلم الاحمر يرمز الى دماء الحسين التي سفكت، الذي بموته بدأت الحرب الخالدة بين السنة والشيعة.

حماس التي قادها هنية هي حركة سنية، احد احفاد الاخوان  المسلمين التي تعتبر الشيعة حركة منحرفة وليست جزء من الاسلام الارثوذكسي. الدعوة الى الانتقام لموته تريد اظهار أن استراتيجية “وحدة الساحات” تتجاوز خطوط الحدود الطائفية والدينية، وكلها مجندة للنضال الوطني الفلسطيني، لا سيما نضال حماس. عنصر الانتقام تحول في هذا الاسبوع الى عنصر رئيسي بعد اغتيال هنية وشكر، ودفع الى الزاوية العناصر الاستراتيجية التي املت ميزان القوى الاقليمي – والعلاقة التي انشأها حزب الله بين لبنان وقطاع غزة. بل هي صممت ايضا “معادلة الرد” التي هي اساس قواعد الصراع حتى الآن، وعلى رأسها التي تمت صياغتها في الحرب بين حزب الله وايران وبين اسرائيل.

جدول الاعمال الذي استخدمته كل من اسرائيل وحزب الله لتنظيم “حجم الرد ونطاقه”، الذي حدد خطوط حمراء اشارت الى وقت البدء في التصعيد الذي يحتاج الى رد شديد، الذي فقد اهميته بعد قتل شكر وهنية. امس نشرت صحيفة “الاخبار” اللبنانية المقربة من حزب الله مقال شديد اتهمت فيه مباشرة الوسيط الامريكي عاموس هوخشتاين بالشراكة الكاملة في جريمة تصفية شكر. كاتب المقال المجهور الذي كما يبدو كتبه محرر الصحيفة ابراهيم الامين، كتب أن هوخشتاين نقل رسالة واضحة تقول بأن بيروت والضاحية والمطار لن تتم مهاجمتها ردا على قتل الـ 12 طفل وفتى في مجدل شمس في يوم السبت الماضي.

كاتب المقال كشف ايضا أن هوخشتاين هو الذي نقل الى حزب الله ايضا عبر الوسطاء اللبنانيين، من بينهم رئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، اقتراح يقضي بأنه مقابل موافقته على الانسحاب الى شمال الليطاني فان اسرائيل ستمتنع عن الرد على قتل الاطفال. الحزب رفض هذا الاقتراح ورفض مناقشة الموضوع. باختصار، هذه كانت خدعة. تصفية شكر، كما كتب الكاتب، “رسمت خط فاصل بين ما كان قبلها وما سيكون بعدها”. هذه الاقوال تعكس موقف رئيس حزب الله، حسن نصر الله، حيث أن الحزب في نهاية المطاف يدير الآن معركتين مع اسرائيل. الاولى باسم “وحدة الساحات” التي تشترك وقف اطلاق النار في لبنان بوقف اطلاق النار في قطاع غزة. الثانية، هي معركة منفصلة بين حزب الله واسرائيل غير مرتبطة بالتطورات في غزة. المعنى هو أنه حتى لو تم في الغد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس فان حزب الله ما زال ملزم بالانتقام لدماء شكر. كيف ومتى سيرد حزب الله؟ على ذلك اجاب أمس نصر الله في خطابه عندما قال “التطورات في الميدان والفرص العملياتية هي التي ستحسم”.

لكن ليس فقط هي التي ستحسم. لأنه بعد قتل هنية في ايران بعد بضع ساعات على احتفال تنصيب الرئيس مسعود بزكشيان تم بناء “وحدة ساحات” جديدة، ليس من اجل غزة، بل وحدة يمكن أن تخطط وتبادر وتنسق وتنفذ الرد المناسب على عملية الاغتيال التي اعتبرت في طهران مس شديد بسيادتها. الى جانب ضرورة جباية الدين الذي هي مدينة به لمن كان ضيفها. حسب وكالة “رويترز” هذا التنسيق بدأ يتبلور، وممثلون كبار من الحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق وحزب الله، اجتمعوا أمس في ايران مع قادة كبار في حرس الثورة لمناقشة تنسيق الرد ضد اسرائيل.

الحساب المنفرد الذي فتح بين اسرائيل وحزب الله سيكون من الآن فصاعدا جزءا لا يتجزأ من حساب الحسابات الذي تعده ايران، سواء بشكل مباشر، أي مهاجمة من اراضي ايران كما أمر الزعيم الاعلى علي خامنئي (حسب تقرير “نيويورك تايمز”)، أو بالمشاركة الفعالة لوكلاء ايران في العراق وفي اليمن وفي لبنان. في هذه الاثناء هذا هو السيناريو الذي تستعد له اسرائيل والولايات المتحدة ودول اوروبية اخرى. في نفس الوقت طهران تريد التمهيد من اجل الحصول على الدعم السياسي والاقليمي للعملية التي تخطط لها.

العلاقات الاستراتيجية

وزير الخارجية المؤقت في ايران علي باقري – قآني، اجرى امس سلسلة محادثات مع نظرائه في السعودية ومصر وتركيا وقطر. هو اراد ليس فقط التوضيح لهم واقناعهم بالرد على قتل هنية في ايران، بل بالاساس ضمان أن لا تمس العملية الايرانية بشبكة العلاقات واستراتيجية التقارب مع دول المنطقة التي سعى اليها النظام في طهران. لم يتبين بعد كيفية رد من تحدث معهم وزير الخارجية، لكن كل زعيم من زعماء هذه الدول اجرى في موازاة ذلك محادثات مع جهات رفيعة في الادارة الامريكية. هؤلاء طلبوا منهم منع أي رد لايران، الذي يمكن أن يجر المنطقة الى حرب شاملة، أو على الاقل اقناع ايران بالرد بصورة “محسوبة ومحددة”.

شبكة العلاقات، التي بنيت بحرص وجهود في السنتين الاخيرتين، شملت استئناف العلاقات مع دولة الامارات والسعودية وتطلع ايران الى استئناف العلاقات مع مصر، التي للمرة الاولى قامت بارسال مبعوث للمشاركة في احتفال تنصيب الرئيس الجديد في ايران، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على حجم رد ايران، التي تعتبر أن لهذه العلاقات مع هذه الدول اهمية استراتيجية كبيرة، وحتى “ساحة منافسة” بينها وبين اسرائيل والولايات المتحدة.

محللون في ايران يعتبر شبكة العلاقات هذه اداة ضرورية ليس فقط لاخراج ايران من العزلة السياسية، بل ايضا صد نية الغرب في تأسيس تحالف عسكري استراتيجي ضدها، مثل التحالف الذي تتم مناقشته بين السعودية والولايات المتحدة، الذي في هذه الاثناء بقي على الرف.

الرئيس بزشكيان مدعوم من الحركات الاصلاحية، في نفس الوقت يحظى ايضا بدعم خامنئي، حتى الآن. هو اعلن عن الرغبة في ادارة سياسة خارجية “ودية”، حتى أنه اشار الى الاستعداد لمناقشة موضوع المشروع النووي في بلاده. انتخابه كرئيس يلزم ايران بأن تفحص جيدا تداعيات عملية عسكرية كبيرة والانجرار الى حرب اقليمية على استراتيجيتها السياسية، لا سيما امام امكانية أن يتم انتخاب دونالد ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم.

فتح جبهة اقليمية عنيفة من شأنه أن يقوض جهود ايران السياسية، وأن يضعها كهدف للولايات المتحدة، وأن يرسخ بشكل واضح كتلة الدول الغربية الى جانب الولايات المتحدة، وبشكل ضمني الى جانب اسرائيل. كتاب اعمدة في ايران ينشرون في وسائل الاعلام الرسمية تحدثوا عن الحاجة الى اعادة الردع وتعليم اسرائيل والولايات المتحدة درس. ولكن الى أي درجة ستكون طهران مستعدة لتعريض مكانتها للخطر من اجل الثأر لدماء زعيم حماس، حتى لو كان الامر يتعلق بجباية دين لكرامتها الوطنية؟. ايران ملزمة ايضا بفحص تداعيات الرد العسكري على موقف اذرعها، لا سيما حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق، التي تعرضت في هذا الاسبوع لقصف الجيش الامريكي.

الطموحات المشتركة لايران وحزب الله بتسوية الحساب مع اسرائيل يجب أن تأخذ في الحسبان رد اسرائيل في لبنان. الذي في اعقابه يمكن لايران وحزب الله فقدان المعقل الاستراتيجي الاكثر اهمية بالنسبة لهم. حتى أنه لا يمكنهم الاعتماد على الاعتقاد السائد الذي كان في مركز استراتيجية “معادلة الرد” التي بحسبها اسرائيل لن تشن حرب شاملة مع لبنان، لا سيما أنه في هذه المرة يجب على ايران وحزب الله الاستعداد كي لا تكون أي منطقة أو موقع لبنى تحتية خارج الحدود.

حسن نصر الله قام ببناء معادلة الرد على فرض أن اسرائيل لا تريد أو لا تستطيع ادارة حرب على جبهتين. في هذا الاسبوع كان يمكنه قراءة في الصحف اللبنانية التحليلات التي اوضحت بأن قرار تصفية شكر في قلب بيروت وهنية في قلب طهران، يدل ليس فقط على استعراض القوة الاستخبارية والعملياتية لاسرائيل، بل يدل على قرار استراتيجي لاظهار الاستعداد لشن حرب شاملة.

لا يوجد أي تأكيد على أن هذا هو وبحق قرار استراتيجي لاسرائيل، لكن الاكثر اهمية هو الطريقة التي تم فيها النظر الى عملياتها من قبل ايران وحزب الله. هذا لا يعني أن هذه الاعتبارات، مهما كانت موزونة، ستمنع الرد من لبنان ومن ايران، لكن يمكن أن يكون لها وزن كبير على حجمه، وفي الاصل حجم الرد المتوقع من قبل اسرائيل. عندما تنتقل الساحة الرئيسية الى لبنان وايران فان غزة، ذريعة وجود “وحدة الساحات” والمواجهة بين اسرائيل وحزب الله، سيتم دفعها الى هامش الساحة. ولكن غزة لن تختفي. اسرائيل يمكن أن تدعي بأن حماس تفككت، وأن قيادتها في معظمها تمت تصفيتها، وقدرتها العسكرية تقلصت ولم تعد تشكل أي “تهديد وجودي” على اسرائيل. ولكن في غزة، ليس في بيروت أو في طهران، يوجد مفتاح تحرير المخطوفين الـ 115 في غزة في يد يحيى السنوار وليس في يد حسن نصر الله.

حسن نصر الله فتح حساب منفصل مع اسرائيل، لكن نهاية المواجهة مع لبنان تتعلق بوقف اطلاق النار في غزة. هذه المعادلة لم تغيرها أي تصفية حتى الآن.

——————————————–

معاريف 2/8/2024

تصفية هنية شوشت خطة ايران وحماس، باسناد الصين للسيطرة على السلطة الفلسطينية

بقلم: آنا ريفا برسكي

حتى لحظة كتابة هذا المقال ليس معروفا من صفى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، الرجل المهندم الذي مهمته في السنوات الأخيرة تلخصت أساسا في تمثيل خارجي وانيق للمنظمة. يحتمل جدا الا نعرف هذا حتى بعد أن ينشر المقال التالي، ولعل مسألة المسؤولية عن تصفية هنية ستبقى ابدا مثابة لغز دون حل – وخير أن هكذا. إسرائيل عقبت على الانصراف المبارك لاحد كبار رجالات حماس بصمت استعراضي وبتجاهل تام – وطهران أيضا لم تكن بحاجة الى الأدلة. الزعيم الأعلى لإيران علي خامينئي وجه على الفور اصبع الاتهام الى “العدو الصهيوني” وتوعد بثأر شديد. وهكذا أيضا مسؤولو حماس الخارج وعموم منظمات الإرهاب الأخرى.

معقول الافتراض بان في إسرائيل لم يتوقعوا سيناريو آخر من تحقيق عميق يسبق الإعلان عن المذنب لاجل عرض ادلة مؤكدة تشير الى بصمات إسرائيلية. على أي حال، من خلف هذه العملية اللامعة والدقيقة توجد ثلاث مسائل مبدئية ذات صلة من ناحية إسرائيل بالحدث وتداعياته: موعد التصفية، مكانها وتأثيراتها على صفقة المخطوفين واستمرار الحرب في قطاع غزة.

المكان هو مسألة واضحة وسهلة اكثر على الشرح ضمن كل ما تبقى غيرها. فهنية، بصفته الشخصية التمثيلية في منظمته، تمتع بحرية حركة شبه مطلقة. فقد اكثر من زيارة الدول الداعمة لحماس وعقد لقاءات مغطاة إعلاميا. في قائمة المقاصد الدائمة لرحلاته – روسيا، تركيا، ايران، مصر، فيما قرر هنية مستقرا له في الدوحة عاصمة قطر.

وعلى فرض ان إسرائيل هي التي كانت معنية بتصفية هنية فقد كان الخيار بين تصفيته في احدى الدول التي توجد لإسرائيل معها علاقات دبلوماسية وبين تنفيذ العملية على ارض ايران حتى بثمن ثأر إيراني. وبالتالي فقد تم اختيار المكان بالتأكيد في ظل اعتبار سياسي الى جانب الاعتبار العسكري والتنفيذي. اختيار ايران كساحة للاغتيال هو رهان غير سهل لكنه منطقي.

من حيث الموعد، فانه اكثر من معقول الافتراض بان اغتيال هنية لم يكن حدثا غير مخطط، قرار عفوي لحظي لمن خطط ونفذ العملية.

دون ذكر الرجل، نذكر ان إسرائيل أعلنت فور الكارثة في 7 أكتوبر بانها كلفت جهاز الامن بمهمة تصفية كل القيادة السياسية والعسكرية لحماس. وقد ظهر هنية في القائمة السوداء الى جانب صالح العاروري، محمد ضيف ومروان عيسى الذين انضم اليهم في الساعة الثانية قبل فجر يوم الأربعاء الماضي.

الحصانة انتهت

ولما كان هنية بخلاف رفاقه في القائمة السوداء مسؤولا عن إدارة المفاوضات لصفقة المخطوفين ينبغي التقدير بان هذا الدور منحه نوعا من الحصانة. على مدى كل عشرة اشهر الحرب كان بالتأكيد على بؤرة الاستهداف لكن ليس الأول في الطابور. وطالما لم يكن واضحا باي شكل ستؤثر تصفية رئيس المكتب السياسي لحماس على استمرار الاتصالات وعلى خطوات أخرى في المجال بقي هنية على قيد الحياة.

وحسب بضعة مصادر مطلعة، في إسرائيل توصلوا مؤخرا الى الاستنتاج بان تأثير هنية على خطوات اتخاذ القرارات في مجال المفاوضات آخذ في التضاول. منذ البداية لم يكن هنية من الشخصيات المقربة من يحيى السنوار فما بالك من ذوي قوة التأثير على رئيس الذراع العسكري للمنظمة في غزة. الازمة بين السنوار وهنية وقعت قبل احداث 7 أكتوبر بكثير، في الانتخابات لقيادة حماس في العام 2021. صحيح أن السنوار فاز لكن فوزه حققه بصعوبة في معركة غير سهلة حيال رجال هنية. ولم يتردد الفائز في تصفية الحساب مع “معسكر هنية”.

منذئذ ارتفعت قوة السنوار، فيما ان قوة وتأثير واحد من كبار مسؤولي حماس الخارج، رئيس المكتب السياسي الذي يسكن في قطر، تقلصا بما يتناسب مع ذلك. والسنوار حتى لم يجد من الصواب ان يشرك هنية في خطة هجمته الاجرامية على كيبوتسات الجنوب. بعد السبت الأسود كان هنية وسيطا في الاتصال مع السنوار يتفاوض وينقل الرسائل، الا ان تأثيره الحقيقي على المفاوضات طفيف منذ خطوة صفقة المخطوفين الأولى في تشرين الثاني 2023.

في الأشهر الأخيرة، وفي ظل جهد متواصل لتحقيق صفقة مخطوفين أخرى، تبينت الفجوة بين حماس الخارج وحماس غزة، بين هنية والسنوار كواسعة وجوهرية. فبينما أيد هنية المنحى الذي يقترح وقف نار محدد لستة أسابيع كمرحلة أولى من الصفقة، لم يكن السنوار مستعدا لان يسمع. الرسائل التي تلقاها هنية من النفق في مكان ما في قطاع غزة كانت لا لبس فيها: فقط وقف الحرب وانسحاب تام للجيش من القطاع. محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل ممارسة الضغط على السنوار من خلال ممارسة الضغط على رفاقه الذين يسكنون في الدوحة – لم تعطي ثمارها.  في مرحلة معينة وافقت قطر على تهديد حماس بطرد القيادة السياسية كوسيلة “لا مفر منها”، لكن تبين ان هذا التهديد لا يؤثر على السنوار على الاطلاق.  من ناحيته فليطردوا الى حيث يطردون- فان مطالبه بانهاء الحرب مقابل جزء من المخطوفين يبقى على حاله”.

الأهداف الأساسية للسنوار كانت منذ زمن بعيد مختلفة عن اهداف هنية. فالاول معني ببقائه الشخصي وببقاء حكم حماس في قطاع غزة – بقيادته، قيادة السنوار بالطبع. وعليه، فبصفة من يحتجز المخطوفين الإسرائيليين عمليا، جسديا قضى السنوار بانه هو وفقط هو من يحدد السياسة في المفاوضات، بينما يتلخص دور هنية أساسا في تنفيذ المهمة.

صورة الوضع هذه كانت بالتأكيد امام ناظر من اتخذوا القرارات بالنسبة لموعد تصفية رئيس المكتب السياسي لحماس. فجدوى هنية في المفاوضات للصفقة وصلت الى مستوى طفيف حتى العدم، موقفه الأقل صقرية، مقارنة بمواقف السنوار، لم تساهم على نحو خاص في تليين موقف الأخير. وحسب بضعة مصادر تحدثنا معها فان التقدير هو أن تصفية هنية لم تؤثر على نحو خاص على السنوار بل وربما العكس.

أبو مازن يتنفس الصعداء

ليس محتما أن يكون فقط انعدام جدوى هنية للمفاوضات في الصفقة هو الاعتبار لموعد تنفيذ اغتياله. خطة أخرى، بعيدة المدى وذات تداعيات اكثر دراماتيكية بكثير على المنطقة كلها، فيما لو تحققت، معروفة لإسرائيل وللولايات المتحدة منذ فترة – وحتى يوم الأربعاء من هذا الأسبوع اعتبر هنية جزءاً منها. ويدور الحديث عن جهد معروف وطويل الأمد من جانب الصين لتصبح عاملا سياسيا واقتصاديا كبيرا وسائدا ينافس الولايات المتحدة. احد الأهداف التي وقعها الصين نفسها، في الطريق للهيمنة العالمية المنشودة، هي إيجاد حل للشرق الأوسط، فيما أن استقراره يخدمها. وذلك ضمن أمور أخرى لان الاستقرار في الشرق الأوسط، كما يرونه في الصين – سيساعد ايران، الشريك الكبر لبيجين، للخروج من العزلة السياسية والاقتصادية وجمع القوة والمال.

كجزء من تحقيق الهدف الكبير هذا، توسطت الصين في السنة الماضية بين ايران والسعودية بل واعلنت عن اتفاق المصالحة التاريخية. مؤخرا، كخطوة أخرى في صالح تحسين مكانة ايران، بدأت الصين تهتم بالتدخل في المسألة الفلسطينية، بالطبع، في صالح شريكتها الطيبة طهران. ومثل محادثات المصالحة التي أجرتها بين ايران والسعودية، اجرى بيجين مؤخرا جولة اتصالات بين 14 فصيل فلسطيني، فيما ان الهدف المركزي هو المصالح بين فتح وحماس. بل وسارعت الصين الى الإعلان عن تحقيق هذه المصالحة التاريخية (مع انهم في رام الله اوضحوا بان هذه أساسا علاقات عامة للصين وان الفجوة بين ما يراد ومن ما هو ممكن لم تتقلص بالضبط).

بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فان هذه المصالحة وإقامة جسم فلسطيني سلطوي موحد – هو آخر ما ينبغي أن يحصل. فالتداعيات ستكون سريعة وواضحة جدا بالنسبة لابو مازن ورجاله: السيطرة التامة لحماس على السلطة. في ايران وفي حماس كانوا يحلمون بتحقيق الخطة الصينية – للسبب ذاته بالضبط. حسب التقديرات في إسرائيل، فان خطة السيطرة على السلطة الفلسطينية كانت جزءا من الخطة الإيرانية لصفقة تتحقق بين إسرائيل وحماس.

هنية لم يكن هناك وحده: من كان يقف من خلف موقفه اللين، ظاهرا (مقارنة بالموقف الصقري للسنوار) للوصول الى تفاهمات مع إسرائيل والتوقيع على صفقة بطيئة وطويلة الأمد، هم الاسياد الإيرانيون. حسب التقديرات، كانت الخطة لاستغلال الصفقة التي تتحدث عن وقف نار طويل يمنح حماس (وايران) زمنا وهدوءاً – ليس فقط لاجل ضمان حكم حماس في غزة، بل وأيضا لاجل الدفع قدما بمشروع سيطرة حماس على السلطة الفلسطينية. ليس أي شخص آخر غير هنية، الشخصية المحبوبة في أوساط الفلسطينيين في الضفة يعتبر مرشحا جيدا ومتفقا عليه ليكون على رأس السلطة الفلسطينية دون أن يصطدم بمعارضة شديدة من هذا الفصيل او ذاك.

تصفية هنية بالتأكيد شوشت الخطة الإيرانية لليوم التالي في غزة وفي رام الله. معقول الافتراض بان طهران لم تتخلى عن هذه الخطة، باستثناء أن هذه ستستغرق الان زمنا الى أن يتوفر مرشح آخر، معروف ومتفق عليه مثل هنية، لاجل محاولة دفعه قدما كبديل سلطوي في السلطة الفلسطينية.

——————————————–

هآرتس 2/8/2024

اسبوع ناجح لمملكة يهودا

بقلم: نحاميا شترسلر

هذا لم يكن مجرد هجوم قام به اشرار في قاعدة للجيش الاسرائيلي. هذا كان معركة اخرى في اطار الحرب التي تجري هنا منذ خمسين سنة، بين مملكة يهودا ودولة اسرائيل. اعضاء مملكة يهودا، المستوطنون، المتدينون القوميون والكهانيون، يحاولون احتلال اسرائيل وتحويلها من دولة ليبرالية معتدلة ومتطورة الى دولة دينية متطرفة ومسيحانية وتكره كل العالم. يوجد خطر في أن ينجحوا في ذلك.

الحرب بين يهودا واسرائيل بدأت في العام 1974 عندما بدأت حركة غوش ايمونيم باقامة المستوطنات رغم أنف حكومة المعراخ. زعيما الكتلة، حنان بورات وموشيه لفنغر، قاما بتغيير وجه الدولة. من المستوطنات القليلة والصغيرة في السامرة نبتت مع مرور السنين مئات المستوطنات في ارجاء الضفة الغربية، التي هي الآن يصعب جدا اخلاءها لصالح الاتفاق. الآن نحن نوجد في المرحلة الثانية للحرب. ورثة غوش ايمونيم يحاولون السيطرة على كل اجهزة الحكم. وقد رأينا ذلك في الانقلاب النظامي في العام 2023، الذي كان يهدف الى تصفية استقلالية جهاز القضاء وتحويله الى ذراع للحكومة. هكذا لن تستطيع المحكمة ازعاج الانتقال من الديمقراطية الى الديكتاتورية، بما في ذلك تنفيذ الضم.

هناك من يعزون انفسهم بأنه في الانتخابات القادمة سيتم استبدال بنيامين نتنياهو وسيتم انقاذ اسرائيل. ولكن من يتخيل أن الليكود ونتنياهو سيوافقون على نتائج الانتخابات. انظروا ماذا حدث عندما خسر دونالد ترامب في انتخابات 2020. رجاله قاموا باقتحام مبنى الكابتول ولم يبق الكثير كي ينفذوا انقلاب. انظروا ايضا الى المظاهرات العاصفة في هذا الاسبوع في فنزويلا لأن الرئيس الحالي نيكولا سمادورو، اعلن عن فوزه في الانتخابات، في حين أنه عمليا هزم.

في السنوات الاخيرة ادركوا في اليمين المتطرف بأنه من اجل فعل ما يريدون يجب عليهم السيطرة على اجهزة الامن التي لديها القوة: الجيش والشرطة. لذلك رؤساء اليمين يهاجمون رئيس الاركان ويطالبون باستبداله تحت كل انواع الذرائع الفارغة التي تأتي ايضا من اشخاص لم يخدموا أبدا في الجيش، مثل عضو الكنيست تسفي سوكوت والوزير ايتمار بن غفير. ليس بالصدفة أن من قاموا باقتحام قاعدة الجيش صرخوا “هرتسي، اذهب الى البيت”، “الموت للمحكمة”. وقد صرخوا ايضا “يجب اعتقال المدعية العامة التي تؤيد النخبة”، الهدف هو استبدالها بشخص آخر يروق لهم، شخص يوقف العادة المعيبة التي تتمثل بتقديم من ينكلون بالأسرى للمحاكمة.

اذا نجحوا في أي يوم في تعيين شخص من قبلهم كرئيس للاركان فان الجيش الاسرائيلي سيصبح مقاول تنفيذي لهم. مثلما اصبحت الشرطة مقاول تنفيذي لنظام الحكم. ليس بالصدفة أن الشرطة لم تأت في الوقت المناسب لتفريق المشاغبين في القاعدتين. ضباط الشرطة ادركوا بأنه من اجل الترقية فانه يجب أن يعجبوا الوزير، المجرم المدان بن غفير.

تجدر الاشارة ايضا الى أن بعض المشاغبين كانوا ملثمين ويحملون السلاح. ولن اتفاجأ اذا كان الحديث يدور عن السلاح الذي حصلوا عليه في التوزيع الكبير الذي قام به مؤخرا بن غفير، والذي وصل الى كثيرين في المناطق. والسلاح الذي تم توزيعه في المعركة الاولى نراه في المعركة الحاسمة، والدماء ستكون دماء ابناء دولة اسرائيل.

اعضاء مملكة يهودا لا يتأثرون بحرب 7 اكتوبر. ايضا تهديدات الحرب لحزب الله وايران وتركيا هي اشارة ايجابية بالنسبة لهم. هم يعتبرون كل ذلك المقدمة للحرب الكبرى، حرب يأجوج ومأجوج، التي ستمكنهم من ضم كل الضفة وطرد كل العرب واحتلال كل “ارض الميعاد” من النيل الى الفرات.

هؤلاء الاشخاص الخطيرين، المسيحانيين والحالمين الذين يجروننا الى دمار الهيكل الثالث، ادخلوا للحكومة للمرة الاولى الشخص الاكثر حقارة في تاريخ الشعب اليهودي.

——————————————–

 يديعوت احرونوت 2/8/2024

الشروط التي اضافها نتنياهو الى مقترحه الأصلي بقيت على حالها

بقلم: ناحوم برنياع

أول أمس وقفت امام سياج ملعب كرة القدم في مجدل شمس، امام صور الأطفال، الذين تناثرت اشلاؤهم على السياج، امام بقايا الدراجات المحطمة، امام تيار المعزين الصامت والهاديء، إسرائيليين من كل الطوائف والمعتقدات. في المكان الذي قضى نحبهم فيه 12 طفلا لا معنى للكلام.

في قيادة جهاز الامن كان هناك من رأى في الفظاعة فرصة. هذا يبدو انتهازيا وباردا، لكنه في نظري مشروع تماما. فالخوف من فقدان الشرعية يرافق الدولة من بدايتها. والطريق للتغلب على الخوف هو العمل في الوقت المناسب، حين يكون العالم يقبل ويفهم. موت فؤاد شكر في بيروت وإسماعيل هنية في طهران، المنسوب لإسرائيل، لا يواسي موت طفل واحد في مجدل شمس. لكن الكارثة فتحت نافذة وهذه المرة، لغرض التغيير، الاستخبارات كانت دقيقة، وسلاح الجو اجاد التنفيذ والجيش الإسرائيلي اثبت مرة أخرى بانه يمكنه ان يكون جديا جدا في عملية مبادرة وسيئا جدا في الامن الجاري المعتاد. واحيانا كثيرا يكون هؤلاء هم الأشخاص انفسهم، القادة انفسهم، العقلية نفسها.

لكن الحرب ليست لعبة. فمع كل الاحترام للتنفيذ، فان الاختبار الحقيقي هو في النتائج. لقد لعب شكر دورا أساسيا للذراع العسكري لحزب الله. موته يهز سلسلة القيادة في المنظمة ويفرض تعديلات شخصية في حوارها مع ايران. غيابه يفرض تحديات على نصرالله وعلى الإيرانيين. فتصفية سليماني (ترامب) ومغنية (منسوبة لإسرائيل في عهد أولمرت) فتحتا حفرة في القيادة العسكرية في طهران وفي بيروت. تصفية امين عام حزب الله موسوي (شمير) شقت الطريق لصعود نصرالله، اكثر منه كفاءة ونجاحا. يوجد وجه الى هنا والى هناك.

في الهوامش كان هناك دافع واحد آخر، عزف على عصب حساس. ضباط وجنود دروز في الجيش تابعوا بتوتر عظيم القرار. رأوا كيف ردت إسرائيل على مُسيرة حوثية قتلت مواطنا في تل أبيب. اذا كان هذا هو المعيار، فكيف سترد إسرائيل الى موت أطفال دروز في الجولان.

هنية أدى دورا تمثيليا في الذراع السياسي لحماس. هو كان رمزا. واذا كان ممكنا المقايسة مع مستوانا السياسي فقد كان هيرتسوغا اكثر مما هو غالنت. العالم لن يخسر شيئا من انتهاء حياته السياسية. التداعيات على صفقة المخطوفين متعلقة باعضاء قيادة حماس المتبقين. التصفية حررتهم مؤقتا من ضغط الوسطاء. من ناحيتهم أيضا هذهع كارثة تفتح فرصة.

أملت في أن يستغل نتنياهو التصفيات كي ينزل عن الشجرة التي تسلق اليها في المفاوضات على الصفقة. في بيروت وفي طهران حصل على النصر الذي تمناه جدا. كان يمكنه أن يقتبس تشرتشل الزعيم الذي يعجب به والذي قال في احدى جمله الشهيرة، “في الحرب تصميم؛ في الهزيمة مقاومة؛ في النصر سخاء”.

ليس سخاء تجاه حماس – بل سخاء تجاه المخطوفين الذين تركوا لمصيرهم في ورديته. في الجيش رأوا في التصفيات في بيروت وفي طهران رافعة للمستقبل: نعقد صفقة في الجنوب، نعقد صفقة او ننقل قوات لتغيير الواقع في الشمال، أخير يكون فصل بين غزة ولبنان، وعندها يشق الطريق للتحالف الأكبر ضد ايران.

لكن نتنياهو، لاعتبارات معروفة، اختبار البقاء على الشجرة. الشروط التي اضافها الى مقترحه الأصلي بقيت على حالها.

والزمن يضيق.  هو يضيق ليس فقط بسبب الحياة التي تنفد للمخطوفين والمخطوفات. هو يضيق أيضا لان ايران وحزب الله والحوثيين سيردون، معا أو كل على حده، في غضون أيام. الرد كفيل بان يجر ردا ضد إسرائيليا مضادا يجر تصعيدا إضافيا، حتى حرب لا يريدها أي طرف. عندما تطلق الصواريخ الصفقات تصمت.

لقد وعد الإيرانيون رفض قاس وأليم. بشكل عام هم يفون بوعودهم. ليس مؤكدا ان هذه المرة سينجح الامريكيون في أن ينظموا لنا الائتلاف إياه؛ ليس مؤكدا ان تكون النتائج مشابهة. الإيرانيون يستخلصون الدروز من اخفاقاتهم.

في الليلة بين 13 و 14 نيسان اطلقت ايران الى إسرائيل 130 صاروخا باليسيتا، 36 صاروخا جوالا و 130 مُسيرة. هذا هو الأساس للبحث. اذا كانت ايران تريد ان تثير الانطباع لدى العالم، فانها ملزمة بان تطلق اكثر وتصيب اكثر.

انا اصغر من ان اوصي الإيرانيين ما الذي يفعلوه بصواريخهم. لكني تذكرت ان في الحدث في نيسان لحق ضرر طفيف بمبنى في قاعدة سلاح الجو نباطيم. يتبين ان الإيرانيين يعرفون العنوان. اذا كانوا يريدون ان يضربوا إسرائيل دون ان ينجروا الى حرب، فانهم يمكنهم أن يواجهوا صاروخا واحدا الى طائرة واحدة غير مأهولة، مركونة في هذه القاعدة. وهم سيحصلون على ضربة برمز رسمي، غالي للدولة وغالي للمستخدمين. بكلمتين: جناح صهيون. ضربة خفيفة في الجناح، وفي طهران يمكنهم ان يحتفلوا بالنصر. انا مقتنع بان الإسرائيليين رغم الإهانة، سيجدون الطريق للتجلد.

——————————————–

 هآرتس 2/8/2024

ما هي الفائدة من تصفية اسماعيل هنية؟

رفيت هيخت

يصعب عدم تفسير تصفية اسماعيل هنية، بالتأكيد التوقيت والمكان، إلا كمحاولة لتأخير صفقة اعادة المخطوفين مقابل وقف القتال، ليس فقط مواصلة الحرب بل حتى توسيع المواجهة مع ايران، بدلا من مواصلة الازعاج من قبل مبعوثيها، في حين أنها تستمر في تطوير مشروعها النووي. كل ذلك مع محاولة جر الولايات المتحدة الى حرب تحت عنوان دولي، “حرب الحضارات”.

بنيامين نتنياهو يركب هنا على ظهر مشاعر عامة صلبة يصعب اختراقها. ففي المناخ الاسرائيلي بعد 7 اكتوبر لا يوجد أي معارض يمكنه أن يخاطر، ولو باحتجاج صغير على تصفية هنية، الذي كان يمكن تصفيته بعد عقد الصفقة وفي مكان آخر. هذا في الوقت الذي فيه التصفية تخرب بشكل مباشر وفوري احتمالية نجاح صفقة المخطوفين. ايضا في الوقت الذي تدخل فيه دولة بأكملها، التي اعصابها مشدودة اصلا، الى حالة استعداد عصابي وتزيد من خطر اندلاع حرب اقليمية، حيث اسرائيل المقسمة والممزقة ،كما اثبتت احداث سديه تيمان وبيت ليد في هذا الاسبوع، ستتضرر فيها بشكل كبير.

ربما أن التصفية تفيد في تدمير معنويات حماس، وتنضم الى الضربات التي تلقتها على الارض طوال الطريق من اجل اضعافها الضروري. ولكن التجربة الطويلة من تصفية الكثير من الشخصيات في تنظيمات كثيرة تعلمنا بأنها لا تؤدي في نهاية المطاف الى تأثير حقيقي، وبالتأكيد ليس تأثير دائم، على الواقع. حتى لو كان هناك ادعاء بأن تصفية شخصيات رئيسية في حماس أو في حزب الله ساعدت لفترة معينة، فان امتحان النتيجة يثبت أن المنظمات الارهابية ليس فقط اوقفت عملها، بل وسعت عدوانها ايضا (لأن شخص آخر سيستيقظ من اجل العمل في صباح اليوم التالي، (في حالة حسن نصر الله مثلا فانه كان ناجحا أكثر من سلفه).

في حين أن تدمير الانفاق والبنى التحتية والسيطرة على محاور التهريب أو الاتفاقات والتحالفات لها تأثير يمكن حسابه على الواقع القريب والبعيد، فان التصفيات هي اداة تأخذ معظم قوتها (المتخيلة) من الميدان الرمزي (هنية تم توثيقه في صلاة شكر على المذبحة).

إن تصفية هنية في هذا التوقيت بالذات وفي هذا المكان تندمج مع الرفض الحازم للتحدث عن “اليوم التالي”. ليس فقط بمعنى ايجاد بديل عن حكم حماس الى جانب محاربتها، بل بالمعنى العام للتعامل مع حجم تأثير اعمال مختلفة تتقنع بأنها شجاعة. هذا بالضبط مثلما يحيى السنوار وحماس انزلوا على اسرائيل ضربة شديدة من حيث وحشيتها في 7 تشرين الاول في ظل هتافات الفرح للاسلام الاصولي في كل العالم، فقط من اجل الاستيقاظ في اليوم التالي على احدى الكوارث الكبيرة للشعب الفلسطيني، عشرات آلاف القتلى والتهجير الجماعي والدمار الشامل في المنطقة.

تصفية هنية كما جرت تجدد لدى معظم الاسرائيليين الشعور القوي بأن المبادرة عادت الينا، وأنها تعيد بطريقة معينة كبرياء اسرائيل المتضررة وقوة الردع المتآكلة. ولكن يصعب ادراك كيف أن حلم وحدة الساحات ليحيى السنوار والذي سيتم تحققه بواسطة انضمام حزب الله وايران بكل القوة وهو التطور الذي يبدو أنه المرجح ازاء التصعيد في تبادل اللكمات – سيخدم بشكل معين اسرائيل أو اليهود في العالم.

نحن مأسورون اذا في بناء انشائي قوي وذكوري جدا مع ميل صبياني واضح، فيه المس المتبادل بالرموز، المذبحة واعمال الاغتصاب التي ارتكبتها حماس هي التعبير الوحشي والحقير جدا لهذه الثقافة، يوجد على سلم اهتمام واضعي السياسة مرات كثيرة، بذريعة أنها خطوات حيوية لتحقيق مكاسب استراتيجية أو امنية. أول من يدفع ثمن تهديد هذه السياسة ليس واضعيها، بل المخطوفين والاطفال والنساء والمدنيين العاجزين.

——————————————–

فوضى وصدمة .. اغتيال هنية وصورة النصر من كواليس هجوم طهران المفاجئ!

ترجمة خاصة بـصحيفة “القدس”

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، صباح اليوم الجمعة، تفاصيل جديدة حول اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في العاصمة الإيرانية طهران.

وبحسب تقرير الصحيفة الذي أعده الصحفي الشهير والمعروف بعلاقاته السياسية والأمنية الاستخباراتية رونين برغمان، فإنه لساعات لم يتم تسريب أي معلومات حول اغتيال هنية، وكانت هناك حالة من الفوضى والصدمة سادت في أوساط قيادة “حماس” من جهة، وفي إيران من جهة أخرى.

ووفقا لبيرغمان، فإن الهجوم وقع نتيجة تفجير عبوة ناسفة في مقر إقامة هنية المحصن جيدًا من قبل الحرس الثوري الإيراني والذي يشرف على الحماية الأمنية فيه.

وبين أن الغرفة التي تم تصفية هنية فيها مخصصة للضيوف المهمين والمتميزين بشكل خاص، وقد نالت إعجاب هنية واستخدمها في جميع زياراته لإيران.

قبل اغتياله بساعات، حصل هنية خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، على ترحيب حار، والتقطت له مئات الصور، وربما كان واحدا من أكثر الأشخاص الذين تم تصويرهم في التاريخ بمثل هذا النوع من الأحداث، نظرًا للتوقيت والتغطية الدولية ولأنه تواجد 86 وفدا وصلوا لطهران في الساعات التي سبقت الاغتيال والتنصيب.

وبحسب التقرير، فإن القنبلة زرعت بشكل احترافي في غرفة نتنياهو، بحيث لا يمكن للحدث أن ينتهي إلا بطريقة واحدة، يشبه إلى حد ما اغتيال قائد الجناح العسكري لحركة “حماس”، محمد الضيف، الذي تأكد أمس أيضا اغتياله، والذي اغتيل فور أن عرف مكانه.

ويضيف بيرغمان في تقريره: أمام العبوة الناسفة المستخدمة في اغتيال هنية، لم يكن لديه فرصة للخروج من المكان حتى ولو بإصابة خطيرة.

يقول: عشرات من الأشخاص كانوا يراقبون شاشات التلفاز في عدة أماكن لمعرفة فيما إذا كان هناك أي نبأ أو رد فعل على ما جرى، وقبل الساعة الثالثة فجرا بقليل، نشر نجل هنية منشورا غريبا عبر فيسبوك، لكن لم يعرف فيما إذا كان يعرف ما حدث لوالده أم لا، ولعدة ساعات لم يتم تسريب أي معلومات من ذلك المنزل الواقع على تلة في طهران.

يضيف: كبار المسؤولين في حماس والحرس الثوري الذين سئلوا عما إذا كانوا يعلمون إذا كان هناك أي شيء قد حدث لأحد قادة المنظمة الموجودين في طهران، ضحكوا وسخروا من السائلين، فما هي احتمالات أن يحدث لهم شيء ما هناك، في إيران؟، لكن في ذلك الوقت كان بعض من علموا باغتيال هنية يجتهدون لمنع تسريب أي معلومات حول ذلك.

ويتابع: في الخامسة والربع من صباح يوم الأربعاء، نشر ابن هنية منشورا كان يشير بشكل واضح لاغتيال والده، وبعد 5 دقائق فقط أعلن الحرس الثوري الإيراني ذلك، وعندها انتشرت فوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبعد ساعات قليلة، في واحدة من أكثر المنشآت الأمنية حراسة في الشرق الأوسط، جلس مجموعة من النساء والرجال المطلعين على ما يجري، وجميعهم يعانون من علامات واضحة لقلة النوم، فيما كانت إيران لا تزال في حالة صدمة عميقة، وكذلك الأمر بالنسبة لأبناء حماس الذين صدموا من اغتيال هنية في قلب طهران. كما يقول بيرغمان.

في المنشأة الأمنية، قال أحدهم: “ربما تكون هذه هي الخطوة الأخيرة لإسرائيل في الحرب في غزة، وأن هذه ستكون صورة النصر التي يتوقعها الجميع، والتي لا يمكن لنتنياهو الاستغناء عنها”، وأجاب أحد الحاضرين “إسرائيل لن تعترف أبدا بتورطها في عملية الاغتيال هذه”، وقال آخر: “فليقولوا إذن أن هذه هي صورة انتصار إسرائيل”.

يضيف: ساعات إضافية للأمام في الجدول الزمني، كانت أجواء الشرق الأوسط مليئة بالتهديدات بالانتقام والخوف في إسرائيل من المستقبل، وأي حديث عن نهاية الحرب يبدو غير ذي صلة، ولكن على وجه التحديد بسبب الخوف من حرب إقليمية، ومن المنطقي دراسة إمكانية إغلاق الاتفاق، والسماح بتعزيز الصفقة ووقف إطلاق النار.

وتابع: في وقت أعربت أطراف مختلفة في الدول الوسيطة المشاركة في المفاوضات عن غضبها إزاء عملية الاغتيال، ومن غير المرجح أن تجد عزاءها في حقيقة أن الأمر كان من الممكن أن يكون أسوأ من ذلك بكثير، ومن ناحية أخرى، من المهم التأكيد على أنه على الرغم من أن عملية في قطر كانت ستتضمن مخاطر أقل لحدوث اشتعال إقليمي، إلا أن من قاموا بالعملية فضلوا عدم تنفيذها على أراضيها بفضل مساهمتها في إطلاق سراح المختطفين، وأن أي اغتيال على أراضيها سيكون ضارا جدا ومن المؤكد أنه سيقضي على نصيبها من الوساطة.

ويشير التقرير إلى أن هناك فجوة كبيرة في تقييم مدى الضرر الذي سيلحق بالمفاوضات، ورأى المسؤولون القطريون والمصريون والأميركيون أن هنية شخصية معتدلة مقارنة بآخرين في حماس، وأولئك الذين يسعون إلى التوصل إلى اتفاق، في حين يدعو أشخاص مثل الضيف أو يحيى السنوار إلى اتباع نهج أكثر تطرفا وتشددا.

وبحسب التقرير، فإن من وجهة نظر المخابرات الإسرائيلية، فإن الصورة أكثر تعقيدا، وتعتقد مصادر استخباراتية إسرائيلية منذ فترة أن رئيس المكتب السياسي لحماس لم يساعد في دفع المفاوضات نحو التوصل إلى اتفاق، بل تسبب في بعض الحالات في تصلب موقف حركته.

وبحسب المصادر الإسرائيلية، قد تكون لدى هنية صورة نسبية شخص معتدل، ولكن خلف الكواليس وطوال أشهر المفاوضات، غالبا ما كانت مواقفه وتصوراته عائقا أمام تقدم المحادثات أكثر من السنوار، وتقول المصادر نفسها أيضا إنه الآن، مع انسحاب هنية من التأثير على موقف حماس في المفاوضات، فإنهم يأملون، إلى جانب الأحداث الأخرى التي ضربت حماس مؤخرا بما في ذلك الدخول إلى رفح واغتيال محمد الضيف أن تكون الحركة أكثر مرونة في استعدادها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويقدر المسؤولون الإسرائيليون أن حماس ستظل مهتمة بوقف إطلاق النار وأن اغتيال هنية لا يغير هذه الرغبة بشكل عميق.

ووفقا لمصادر مشاركة في المفاوضات، فإن عملية الاغتيال قد تؤدي على المدى القصير إلى تأخير إجراء المفاوضات قليلا كعمل احتجاجي من جانب حماس، لأن هنية كان حجر عثرة في المفاوضات من أجل التسوية، ورحيله سيسهل إمكانية تنفيذ الاتفاق بسرعة أكبر.

فيما يقدر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن اغتيال هنية قد يخلق ضغوطا وإحساسا بالخطر لدى قيادة حماس خارج قطاع غزة، التي ظلت حتى الآن متوترة، وكانت تعتقد أنها تتمتع بالحصانة من الاغتيالات الإسرائيلية.

ولا يعرف فيما إذا كان نتنياهو سيقتنع بصورة النصر الحالية، لكن الاغتيال قد يوفر فرصة له بعد “كبش الفداء” في أعقاب اغتيال هنية والضيف، للمضي قدما بالصفقة وبما يمنع حرب إقليمية.

——————————————–

“واشنطن بوست”: فضيحة تعذيب الأسرى لا تستطيع “إسرائيل” تحمّل نتائجها

بقلم: ماكس بوت

الدعم الدولي والتماسك الداخلي كلاهما مهدد ببروز فضيحة تتعلق بتعذيب “إسرائيل” للمعتقلين الفلسطينيين في سجن سدي تيمان، وهو الاسم الذي يُرجح الآن أن يدخل في سجلات السجون الأكثر تعذيباً وانتهاكاً لحقوق الإنسان إلى جانب سجني غوانتانامو وأبو غريب.

صحيفة “واشنطن بوست” تنشر مقالاً للكاتب ماكس بوت، يتحدث فيه عن التقارير والتحقيقات والشهادات التي تفضح وتكشف أساليب التعذيب التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين في سجن سدي تيمان، ويرى أنّها تخطت تلك التي تمّت في سجني غوانتانامو و”أبو غريب”.

مضى على الحرب التي تشنها “إسرائيل” ضد حماس في قطاع غزة ما يقارب 10 أشهر، وحتّى الآن لا وجود لأي إشارة تدل على اقتراب نهايتها.

في هذه الأثناء، تتصاعد وتيرة المواجهة ضد حزب الله. وبعد وقوع صاروخ في ملعب لكرة القدم في الجولان يوم الأحد وتسببه بمقتل 12 طفلاً، شنت “إسرائيل” يوم الثلاثاء غارة جوية على ضاحية بيروت الجنوبية اغتالت فيها قائداً كبيراً في حزب الله. كذلك تتهم إيران، الداعمة الرئيسة لكل من حماس وحزب الله، “إسرائيل” باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والذي تم إعلانه في وقت مبكر من يوم الأربعاء، وتوعدت بالانتقام، ومن المحتمل أن يندلع صراع إقليمي أكبر في أي لحظة.

وفي ظل هذه البيئة الخطيرة والمشتعلة، تحتاج “إسرائيل” بشدة إلى الدعم الدولي والتماسك الداخلي، على حد سواء. وكلاهما مهدَّد ببروز فضيحة تتعلق بسوء معاملة “إسرائيل” للمعتقلين الفلسطينيين في سجن سدي تيمان، وهو الاسم الذي يُرجح الآن أن يدخل سجلات العار إلى جانب سجني غوانتانامو و”أبو غريب”.

منذ وقوع الهجوم الذي شنته حماس على “إسرائيل”، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قامت القوات الإسرائيلية بإرسال الأسرى الغزّيين، الذين تم اعتقالهم، إلى معتقل سدي تيمان في صحراء النقب، حيث تقوم باحتجازهم، أسابيع وحتى أشهراً، من دون توجيه أي اتهامات إليهم، أو محاكمتهم.

وبموجب القانون الإسرائيلي بشأن المقاتلين غير الشرعيين، يمكن احتجاز المعتقلين مدة تصل إلى 75 يوماً من دون رؤية قاضٍ، وما يصل إلى 6 أشهر من دون رؤية محامٍ.

وتشير التقديرات إلى أنّ نحو 4 آلاف معتقل فلسطيني اعتُقلوا في معتقل سدي تيمان، وأُطلق سراح نحو  1500 معتقل من إجمالي المعتقلين من دون تقديم أي اعتذار أو تعويض، في حين نُقل سائر الأسرى إلى سجون إسرائيلية أخرى من أجل إخضاعهم لمزيد من التحقيقات.

ومنذ أشهر، ظهرت شهادات وتقارير بشأن تعذيب المعتقلين في سدي تيمان وغيره من المعتقلات. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” واحداً من أقدم هذه التقارير، في كانون الثاني/يناير، يروي شهادة شاب فلسطيني، يبلغ من العمر 20 عاماً، تم أسره في قطاع غزة. و”قال جهاد حمودة إنه أمضى 17 يوماً معصوب العينين ومقيد اليدين في معتقل إسرائيلي، وأُجبر على الركوع على الأرض ساعات”. وروى أنّ “المحققين ضربوه عندما نفى تورطه مع حماس، وحمل أحد الجنود سكيناً في يده وهدد بقطع إصبعه ما لم يعترف بامتلاكه أسلحة”.

ومع مرور الوقت، تزايدت الأدلة على سوء المعاملة في معتقل سدي تيمان، على وجه الخصوص. ولقي ما لا يقل عن 35 معتقلاً حتفهم، إما في السجن وإمّا بعد وقت قصير من مغادرته. ويدّعي المسؤولون الإسرائيليون أنّهم ماتوا متأثرين بجروحهم أو نتيجة أمراض أُصيبوا بها قبل دخولهم السجن. لكن محامياً إسرائيلياً، رافَعَ عن المعتقلين الفلسطينيين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، زار سدي تيمان وقال للمجلة الإسرائيلية “+972” إنّ “الوضع هناك أكثر فظاعة من كل ما سمعناه عن معتقلَي أبو غريب وغوانتانامو”.

وفي التماس مقدّم إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، وصفت جمعية “الحقوق المدنية” في “إسرائيل”، وهي مجموعة حقوقية، الوضع داخل المعتقل، بالقول: “لقد كشفت الأدلة المتراكمة عن الانتهاكات، التي لا يمكن تصورها في سدي تيمان، بشأن عمليات جراحية من دون تخدير، والتقييد فترات طويلة في أوضاع مؤلمة، وإصابات نتيجة تكبيل اليدين تتطلب البتر، وعصب العينين بصورة دائمة حتى في أثناء العلاج الطبي، وبقاء المعتقلين في الحفاضات، والضرب المبرح والتعذيب”.

وبضغط من المحكمة العليا الإسرائيلية، قام “الجيش” الإسرائيلي بنقل معظم المعتقلين إلى مراكز أخرى، وتعهد استخدام سجن سدي تيمان لـ”إدخال المعتقلين واستجوابهم وإجراء فرز أولي لهم”. ووصل يوم الإثنين أفراد من الشرطة العسكرية الإسرائيلية إلى سدي تيمان من أجل إلقاء القبض على 9 جنود في الاحتياط يعملون حراسَ سجن بتهمة “إساءة معاملة أحد المعتقلين بشدّة”، بما في ذلك اغتصابه والاعتداء عليه جنسياً.

انقلبت الدنيا رأساً على عقب، واقتحم عشرات المتظاهرين اليمينيين، بمن في ذلك أعضاء يمينيون متطرفون في ائتلاف الكنيست، الذي يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، السجن يوم الاثنين. وفي وقت لاحق، هاجم مزيد من المتظاهرين قاعدة “بيت ليد”، مقر المحاكم العسكرية الإسرائيلية والشرطة العسكرية، حيث كان الجنود التسعة المعتقلون محتجزين. وكان بين المتظاهرين في معسكر “بيت ليد” جنود ملثّمون، بعضهم يرتدي شعارات تشير إلى أنّهم أعضاء في الوحدة التي كانت تحرس المعتقلين في سدي تيمان.

ووفقًا لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإنّ الشرطة، التي يشرف عليها وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، لم تفعل الكثير لوقف مثيري الشغب.

في الواقع، بدا بن غفير كأنه يحرّض المتظاهرين، من خلال وصف عملية اعتقال الجنود بأنّها “مخزية”، والإصرار على أنّ “الجنود في حاجة إلى دعمنا الكامل”. لكن، بعد ذلك، أوضح بن غفير أنه لا يهتم بحقوق المعتقلين، بل يشجع على تعذيبهم.

وفي الـ من 2 تموز/يوليو الماضي، كتب في منصة “أكس”، رداً على تقارير بشأن اكتظاظ السجون والانتهاكات التي تحدث فيها: “آليت على نفسي أن أتسبب بتفاقم أوضاع المعتقلين في السجون، وتقليص حقوقهم إلى الحد الأدنى، الذي يقتضيه القانون. إنّ كل ما نُشر عن الأوضاع المزرية التي يعيشها هؤلاء القتلة الأشرار في السجن كان صحيحاً”.

من خلال هذا الكلام القاسي، يُظهر بن غفير وأمثاله من اليمين المتطرف أنهم مستعدون للتضحية بسمعة “إسرائيل”. فهم، كما وصفهم متحدث سابق باسم “الجيش” الإسرائيلي، “مهووسون بإشعال الحرائق ويتفوهون بالحماقات”.

ويذكّرنا هؤلاء الإسرائيليون بالأميركيين اليمينيين، الذين احتفلوا بالملازم في الجيش ويليام إل. كالي جونيور، وهو الجندي الأميركي الوحيد الذي دِينَ بارتكاب مذبحة “ماي لاي” عام 1968، والتي قتلت خلالها القوات الأميركية ما لا يقل عن 347 رجلاً وامرأة وطفلاً، في عام 1968، في قرية فيتنامية جنوبية. فبالنسبة إلى كثيرين من الأميركيين، أصبح كالي (الذي تُوفي في نيسان/أبريل) بطلاً شعبياً، واحتُفي بقصته في أغنية (“Battle Hymn of Lt. Calley”)، والتي بيعَ منها أكثر من مليون نسخة.

في الحقيقة، تسبب كالي وغيره من مجرمي الحرب في أضرار لا تُعد ولا تُحصى للبلد الذي خدموا فيه. وأدّى سوء سلوكهم إلى تقويض دعم جهود الحرب، وشوه سمعة القوات المسلحة، وألحق الضرر بالروح المعنوية والانضباط العسكريين. والأمر نفسه ينطبق على هؤلاء الأميركيين الذين أساءُوا معاملة المعتقلين في الحرب على الإرهاب بعد عقود من الزمن.

وكما قال السيناتور جون ماكين (الجمهوري من أريزونا)، في عام 2011، فإنّ “من الصعب تقدير الضرر الذي تسببه أي ممارسة للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من جانب الأميركيين لطابعنا الوطني وسمعتنا التاريخية ولمكانتنا كأمة استثنائية بين دول العالم”.

واليوم، فإنّ المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والتي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون، تُلحق ضرراً جسيماً بسمعة “إسرائيل” في العالم وبتماسكها الداخلي في أسوأ الأوقات. فبينما هي غارقة في صراع يبدو أنّ لا نهاية له ويتوسع بسرعة، سيكون الفائزون الوحيدون مقاتلي حماس وحزب الله  وطهران.

——————————————–

توماس فريدمان: أميركا قد تدخل الحرب قريبا

قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان إنه من واقع خبرته في تغطية الأحداث في الشرق الأوسط، فإن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران وحركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، يمكن أن تجر إليها الولايات المتحدة عما قريب.

وأضاف فريدمان -المعروف بتأييده الكامل لإسرائيل- أن الأمور لم تكن من قبل أكثر وضوحا مما هي عليه الآن، فعلى الرغم من أن أحد أسباب هجوم حماس المباغت على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هو التوسع “المتهور” في إقامة المستوطنات، والمعاملة “الوحشية” للسجناء الفلسطينيين والتعديات على المواقع الدينية الإسلامية في القدس، فإن السبب الآخر في الهجوم أنه كان أيضا جزءا من حملة إيرانية أوسع تهدف إلى إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وحشر حلفائها في الزاوية.

وحذر من أن الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران ومن وصفهم بـ”وكلائها” إذا تحول إلى حرب واسعة النطاق قد لا تستطيع إسرائيل خوض غمارها بمفردها لمدة طويلة من الزمن، فعندئذ قد يتعين على الرئيس الأميركي جو بايدن اتخاذ أصعب قرار مصيري في ولايته الرئاسية حول ما إذا كان عليه الدخول في حرب مع إيران مناصرة لإسرائيل، ومن ثم القضاء على برنامجها النووي، الذي يشكل “حجر الزاوية” في شبكة طهران الإستراتيجية في المنطقة.

الحذر من نتنياهو

ويزعم فريدمان في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز أن إيران أقامت تلك الشبكة لتحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الطرف الأقوى في الشرق الأوسط، ولتجعل إسرائيل “تنزف حتى الموت نتيجة ما سيصيبها من جروح يلحقها بها وكلاؤها” في المنطقة.

لذلك يتوجب على الولايات المتحدة – برأي الكاتب – أن تكون حذرة دائما، مما ينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القيام به.

واستشهد فريدمان بسؤال ورد في مقال للدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بنحاس بصحيفة هآرتس يوم الخميس، وهو لماذا اختار نتنياهو الآن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في خضم مفاوضات “حساسة” بشأن تبادل الأسرى؟

فهل كان السبب هو إظهار أن إسرائيل قادرة على القيام بذلك، أم أنها -وفق بنحاس- “تدفع الأمور عمدا نحو التصعيد أملا في أن يفضي تأجيج الصراع مع إيران لجر الولايات المتحدة إلى الحرب، مما يُبعد الشُقة أكثر بين نتنياهو وكارثة 7 أكتوبر/تشرين الأول التي لم يُحاسب رئيس الوزراء عليها حتى يومنا هذا؟”.

ماذا سيفعل نتنياهو؟

واعترف فريدمان بأنه لن يثق في نتنياهو “ولو لثانية واحدة” في الادعاء بأنه يضع مصالح الولايات المتحدة فوق خلاصه السياسي، بل إنه لن يضع حتى مصالح إسرائيل قبله.

وأوضح فريدمان أن بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، قاموا “بهدوء وفعالية” ببناء شبكة تحالفات واسعة في السنوات الأخيرة لاحتواء الصين وإيران.

والتجمع الآخر الأكثر أهمية -في منظور فريدمان- هو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي صُمم لتعزيز العلاقات التجارية وتسهيل تدفق إمدادات الطاقة بين الاتحاد الأوروبي والهند.

——————انتهت النشرة—————-