الأسرى في عين عاصفة حرب الإبادة وعجز المنظومة الدولية

تقرير لانا جعص: لا تزال اثار 9 شهور في سجون الاحتلال محفورة على جسد الطالب في جامعة بيرزيت معتصم عرمان 21 عاما، الذي تعرض لتعذيب شديد كآلاف الأسرى الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل منذ السابع من أكتوبر.

ومنذ ذلك التاريخ اعتقل عرمان مرتين، الأولى في شهر تشرين الأول/أكتوبر لمدة 6 شهور برفقة والده، ليعاد اعتقاله مرة أخرى لمدة 3 شهور بعد مضي 12 يوما فقط من الافراج عنه.

ويعاني عرمان من عدة مشاكل صحية كالتهاب الأذن، وتمزق في الاكتاف والصداع المستمر المصحوب بالألم بالرأس، جراء التعذيب الذي تعرض له خلال اعتقاله، مستذكرا في حديثه لوطن أحد أكثر الأيام صعوبة التي مر بها خلال فترة اعتقاله.

وقال عرمان ” لا يزال يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر ماثلا في مخيلتي ولن أنساه طيلة حياتي، “في ذلك اليوم تعرضنا لتعذيب شديد، حيث بدأ الضرب من الساعة السادسة صباحا واستمر حتى السابعة مساء”، مضيفا “هذا يوم حفر بداخلي لن انساه بحياتي”.

لم يتعرض عرمان من قبل للاعتقال، لكنه على اطلاع بأوضاع الأسرى وظروفهم قبل السابع من أكتوبر، لافتا “ان ظروف الاعتقال في سجن النقب حيث كان يقبع صعبة للغاية، موضحا ذلك بالقول “كان هناك اقتحام يومي لغرف الأسرى من السجانين، والاعتداء بالضرب المباشر على الاسرى، وإطلاق الكلاب البوليسية عليهم، كما كان الجنود يجبرون الاسرى على خلع ملابسهم ومن ثم الاعتداء عليهم، اضافة الى ذلك اتباع سياسة التجويع وخفض كميات الطعام، والتي تكون ذات نوعية سيئة”.

“غوانتانامو إسرائيل”

وفعلت إسرائيل بعد 7 أكتوبر “قانون المقاتلين غير الشرعيين”، الذي يجيز تنفيذ اعتقالات إدارية واسعة دون الحق بالاستئناف أو المرافعة القانونية، حظي بمصادقة الكنيست عليه، وبموجبه ارتكبت إسرائيل جرائم في معسكر سديه تيمان الذي بات يعرف بـ”غوانتانامو إسرائيل” وارتكب خلاله جنود الاحتلال جرائم قتل واغتصاب وتعذيب أدت الى الوفاة، لم يكشف سوى جزء يسير منها.

“إسرائيل” تهدف الى تحطيم الأسرى جسديا ونفسيا

وبيّن الخبير في شؤون الأسرى حسن عبد ربه، أن الاحتلال الإسرائيلي عمد منذ 7 أكتوبر على انتهاج سياسة القمع والتنكيل بحق الأسرى، بتحريض وايعاز من وزير الامن القومي إيتمار بن غفير، وقد ترجم ذلك التحريض بمنع الزيارات العائلية للأسرى، ووقف زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومصادره المقتنيات الخاصة والشخصية والملابس والأمتعة والمواد الغذائية المتوفرة بحوزة الاسرى.

ولفت عبد ربه ان سلطات السجون مارست ترهيبا جسديا ونفسيا بحق الاٍسرى، من خلال التعذيب والاعتداءات الجسدية خلال عمليات التفتيش المذل والمهين، والتفتيش العاري وتكبيل الأيدي وتعصيب العيون، وإلقاء الأسرى على الأرض وارغامهم على الجثو لساعات، ما أدى إلى إصابتهم بأمراض متنوعة، وتفشي الأمراض الجلدية بين صفوفهم مع عدم توفير العلاجات الطبية اللازمة، وسياسة التجويع.

وأضاف عبد ربه أن الأسرى يُحرمون من كل الوسائل القانونية وحقهم في الدفاع عن أنفسهم، اذ لا يتم تقديمهم إلى المحاكم أو تمكين ذويهم من زيارتهم، واستبدال ذلك بعقد محاكم غيابية أو محاكم عن بعد من خلال التقنية الإلكترونية، ما يعد انتهاكا وانتقاصا من المعتقلين وحقهم القانوني في المثول أمام المحاكم وحقهم في أن يكون لهم خصوصية في الالتقاء بالمحامين وتبادل المعلومات والآراء معهم.

وأوضح عبد ربه ان “سلطات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر نفذت مخططا واضحا هدفه المساس وكسر الروح المعنوية للأسرى، وتحطيم إرادتهم وعزيمتهم وعزلهم عن العالم الخارجي، وإذلالهم”، مشيرا “طالما لا يوجد محاسبة أو ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين من قبل المجتمع الدولي ستستمر قوات الاحتلال بمتابعة جرائمها”.

عجز المنظومة الحقوقية الدولية

ومنذ السابع من أكتوبر حرمت سلطات الاحتلال الأسرى من زيارة المحامين لهم، كما منعت زيارات طواقم الصليب الأحمر، في سياسة لعزل الأسرى عن العالم الخارجي، ترافق ذلك كله مع تجاهل المنظومة الدولية لكل المناشدات للتدخل.

ورصدت منظمات حقوقية وقانونية دولية وإسرائيلية وفلسطينية، تدهور أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال، ودعت سلطات الاحتلال الى وقف التعذيب والقتل، وإلغاء كل السياسات المخالفة للمواثيق الدولية من الإخفاء القسري الى التعذيب حد القتل، لكن إسرائيل تجاهلت كل ذلك.

وقالت المحامية في مؤسسة الضمير لرعاية الاسير وحقوق الانسان تالا ناصر لوطن ” أن هناك بطء في الاستجابة الدولية وتحديداً بعد الحرب، فقد ازدادت الجرائم المرتكبة بحق الأسرى بشكل كبير دون ان نرى اي تحرك من قبل الجهات الدولية في هذا الإطار”.

وذكرت ناصر أن مؤسسة الضمير لديها برنامج توعية اسمه “أعرف حقوقك” تُعرف المؤسسة من خلاله الفلسطينيين بحقوقهم عند الاعتقال وأثناء المحاكمة وأثناء التحقيق، مشيرة ان المؤسسة مستمرة في عملها بمتابعة ملفات الأسرى من المحاكم العسكرية، والمحاكم الجنائية بالقدس والداخل المحتل، وتوثيق الانتهاكات بحق الأسرى، وزيارات السجون التي تسمح سلطات الاحتلال بها مؤخرا ولو كانت قليلة.

ولفتت ناصر الى أوضاع السجون المزرية، والتي أدت الى ازدياد عدد الأسرى المرضى الذين يعانون من أمراض وإصابات خطيرة لا يقدم لهم العلاج اللازم، الأمر الذي تسبب باستشهاد عدد كبير منهم.

وكشفت ناصر أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال تجاوز 9900 أسير، منهم أكثر من 3400 معتقل إداري، و1584 صنفتهم إدارة السجون بالمقاتلين غير الشرعيين، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 250 طفلًا، مؤكدة ان الوضع الصحي والنفسي للأسرى المحررين صعب للغاية، حيث يعانون من مشاكل نفسية وجسدية جراء التعذيب والاحتجاز الطويل.

استهداف الأسرى جزء من حرب الإبادة

وتخطط سلطات الاحتلال الى ترسيخ تغيرات في سجون الاحتلال، تنسف بها كل منجزات الحركة الأسيرة على مدار العقود الماضية، كما تسعى الى تحويل اغتيال الأسرى وقتلهم حدثا عاديا، ولعل هذا ما يفسر إقدام الاحتلال على اغتيال عدد كبير من الأسرى.

وحسب توثيق نادي الأسير فقد استشهد (22) أسيرًا في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم جرّاء جرائم التعذيب والتّجويع والجرائم الطبيّة، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين اُستشهدوا في السّجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني، ليشكل عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 والمعلومة هوياتهم فقط (259).

وقالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة لوطن أن الاحتلال يسعى الى استغلال الحرب لفرض اجراءات غير مسبوقة على الأسرى بمستواها وكثافتها منذ عقود طويلة. ولفتت ان إنقاذ الأسرى يعد مسؤولية كل فلسطيني، لافتة ان استهداف قضية الأسرى يُعد جزءًا من حرب الإبادة التي تشن عليها، مشيرة ان الوضع السياسي بعد السابع من أكتوبر أضاف تعقيدات جديدة، على المشهد برمته وتحديدا ملف الأسرى.

وأضافت أن المؤسسات المعنية بالأسرى تحاول القيام بدورها في نقل صوتهم وتقديم المساعدة القانونية لهم رغم الصعوبات، لكن تحرير الأسرى يتطلب جهودًا سياسية ودولية، لافتة ان “المشكلة الأكبر تكمن في ضعف منظومة حقوق الإنسان الدولية، التي أثبتت أنها غير فعالة في دعم القضية الفلسطينية، ما يجعلنا نشعر بأننا مستثنون من النظام الدولي”.