أسامة خليفة …. مبادرة عباس لزيارة غزة

باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

يوم الخميس 15/8/2024 ، وفي كلمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام البرلمان التركي بالعاصمة أنقرة، بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزراء حكومته، وممثلين عن الأحزاب التركية، ووسط تصفيق حاد أعلن عزمه التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية المتواصلة، والتي دخلت يومها «314» حتى يوم إعلان هذه المبادرة. داعياً قادة الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم والأمين العام للأمم المتحدة للانضمام إليه من أجل وقف العدوان الإسرائيلي، وقال عباس: «سأذهب إلى غزة. حياتنا ليست أكثر قيمة من حياة الأطفال في غزة».

في هذا الإطار ترأس عباس الثلاثاء 20/8/2024، اجتماعاً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، ناقشت اللجنة مبادرة الذهاب إلى غزة. تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس مبيناً أهميتها: أن هذه المبادرة الوطنية تهدف إلى وقف العدوان الإسرائيلي، المتواصل على أبناء شعبنا، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة والأراضي الفلسطينية كافة، ورسالتها: أن دولة فلسطين هي صاحبة الوصاية على كل الأرض الفلسطينية، وأن دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية هي صاحبة الولاية على أرض دولة فلسطين كاملة، بما يشمل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، باعتبارها وحدة سياسية جغرافية واحدة، مطالباً مجلس الأمن الدولي بتأمين الوصول إلى قطاع غزة ومن ثم التوجه بعدها إلى القدس المحتلة، إلا أنه لم يعلن عن موعد الزيارة إلى غزة، وأفادت أنباء: بأن القيادة الفلسطينية أجرت اتصالات إقليمية ودولية لإنجاح زيارة عباس، وستواصل الإشراف على خطوات التحرك السياسي على الصعد الإقليمية والدولية كافة، لحشد الطاقات العربية والدولية والإسلامية لتنفيذ مبادرة الرئيس، وأكدت اللجنة، على سرعة تشكيل لجنة من القوى والفصائل الفلسطينية كافة تعمل على إنجاح مبادرة السيد الرئيس، والتوصل إلى خطة موحدة لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة واستلام حكومة التوافق الوطني مسؤولياتها كاملة، والتنسيق مع الهيئات والمنظمات الدولية المانحة لإعداد خطة عمل لعودة النازحين وإعادة الإعمار.

19/8/2024، ووفق موقع «والا» الإسرائيلي: أن عباس قدم طلباً لجهات إسرائيلية للسماح له بدخول غزة، والتقدير في إسرائيل: أن عباس يأمل أن يحصل على رد سلبي، وبالتالي يتمكن من مهاجمة إسرائيل لمنعه من دخول غزة. وإذا تلقى عباس رداً إيجابياً وقام بزيارة غزة، فإن ذلك سيكون بمثابة نصر سياسي كبير له على حركة حماس، تُمكّن السلطة الفلسطينية من العودة إلى غزة. إلا أن غازي حمد القيادي في حركة حماس قال: لا مانع لدى الحركة من زيارة الرئيس للقطاع. وقد كانت آخر زيارة للرئيس الفلسطيني عام 2006، قبل عام الحسم تموز/يوليو 2017، أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل لم توافق على هذه الزيارة، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أن تل أبيب لن تسمح لعباس بالذهاب الى القطاع دون تقديم سبب واضح لهدف الزيارة. وبحسب مصادر اسرائيلية، أن قرار السماح لعباس بدخول قطاع غزة هو في يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يصدر عنه أي رد حتى اللحظة. وموقفه معروف مسبقاً متناغم مع حلفائه من اليمين المتطرف، سموتريتش، وبن غفير، أن لا دور للسلطة الفلسطينية بشكلها الحالي بما تسميه اليوم التالي للحرب.

وقال موقع «والا» العبري نقلا عن مصدرين لم يسمهما، إن حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية الفلسطيني، بعث برسالة الأحد إلى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، طلب فيها تنسيق زيارة عباس إلى قطاع غزة، عبر الحدود الشمالية للقطاع، وليس عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.

وأوضح الموقع أن الشيخ أرسل نسخة أيضا إلى الإدارة الأمريكية وحثها على أن تطلب من إسرائيل السماح بالزيارة، وتمهيدا لزيارة غزة ولضمان نجاح هذه الخطوة، كما تم التواصل مع الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وغيرها من الدول والقوى الهامة في العالم، وكذلك تم إبلاغ إسرائيل.

الرئيس موجود في رام الله في قلب الضفة الفلسطينية، والضفة تتعرض لمجازر واعتداءات وحشية صحيح أنها ليست بمستوى الوحشية التي تنصب حمماً على سكان القطاع، بحيث اصبح الوضع كارثياً هناك، ويستدعي دوراً، فهل وجدت السلطة الفلسطينية لها دوراً في حماية الفلسطينيين في الضفة من اعتداءات الجيش والمستوطنين؟.

بعد الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى 7/10/2023 ترأس الرئيس الفلسطيني محمود عباس اجتماعاً قيادياً طارئاً، والأنظار تتجه للسلطة، ماذا هي فاعلة؟. ضم الاجتماع عدداً من المسؤولين المدنيين والأمنيين، تم التأكد خلاله على ضرورة توفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني، وحقه في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين، وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ووجّه الرئيس الفلسطيني بضرورة توفير كل ما يلزم لتعزيز صمود وثبات شعبه في وجه الجرائم المرتكبة من الاحتلال وعصابات المستوطنين، مؤكداً على حقه كشعب في الدفاع عن نفسه، في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال، دون أن يذكر ما دور السلطة الفلسطينية في ذلك؟. وما الذي يجب توفيره لحماية أبناء الشعب الفلسطيني؟.

وُصِف الدور الذي قامت به السلطة الفلسطينية خلال عملية طوفان الأقصى بأنه باهت، ولا يرتقي إلى الحد الأدنى مما يفرضه التحدي الذي تواجه القضية الوطنية، بدت السلطة الفلسطينية مهمشة ومجردة من أدوات التأثير، ولا يملك رئيسها محمود عباس سوى ترديد عبارات التنديد والمناشدات وإصدار بيانات كان أهمها تحميل المسؤولية عن إراقة دماء المدنيين في غزة للولايات المتحدة بعد استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في القطاع.

منذ بدء الحرب على غزة، برزت أحاديث عن شكل إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب، حيث طُرحت خلال اللقاءات خطط لإدارة دولية، في وقت أعلن فيه مسؤولون إسرائيليون مراراً رفضهم تولي السلطة الفلسطينية إدارته.

وأكدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اجتماع سابق لها رفضها “للمشروع الإسرائيلي لما يسمى اليوم التالي، وتمسكها بإنهاء الاحتلال عن دولة فلسطين، وتحقيق حقوق شعبنا المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة.

 

يرى كثيرون أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى أن يكون لها دور فعّال في غزة في الأيام التي تلي الحرب، مراهنة على اهتمام الولايات المتحدة بإعطاء السلطة الفلسطينية دوراً في إدارة قطاع غزة بعد الصراع، وعلى الاهتمام الأمريكي بحماية السلطة وتمكينها والحيلولة دون انهيارها، قال بايدن عن «سلطة متجددة»: إنه يريد إعادة إحياء السلطة الفلسطينية التي يرأسها عباس منذ عام 2005 لتتولى المسؤولية في غزة بمجرد انتهاء الصراع وتوحيد إدارة القطاع مع الضفة الغربية، وأوضح جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض شروط إعادة بناء السلطة الفلسطينية وتجديدها لتتحمل مسؤوليتها في المرحلة التي تعقب وقف إطلاق النار، عندما حدد لها ثلاث مهمات: الالتزام التام بأمن إسرائيل، والالتزام التام بقيم المجتمع الدولي، وتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني. هذا يعني إعطاء الأولوية لتأهيل العناصر الأمنية وتدريبهم، لبسط سيطرة السلطة على المناطق الفلسطينية «الضفة والقطاع»، وتصبح الأجهزة الأمنية معنية بالمهمة الموكلة إليها في اتفاقية أوسلو من التزامها بالتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، التي تطالب السلطة الفلسطينية بخطوات أبعد في قمع الحركة الشعبية الفلسطينية بما فيها ظاهرة مقاتلي الحرية المنتشرين في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية، كما تطالب إسرائيل السلطة التوقف عن تدويل القضية واللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وتغيير المناهج التعليمية، والتخلي عن الرواية التاريخية الفلسطينية ووقف ما تعتبره تحريضاً ووقف صرف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء.

رأى البعض أن هدف الزيارة هي التحضير للمرحلة المقبلة (ما بعد الحرب)، والمشاركة في ترتيبات سياسة مستقبلية والتخطيط لإعمار غزة، وهذا مهم للقضية الفلسطينية إذا تم وقف التنسيق الأمني، والتخلي عن وصفه مقدساً، وذلك قبل الزيارة حتى لا يشبهها البعض بعودة كرزاي إلى كابول رئيساً على ظهر دبابة أميركية، وسحب الاعتراف بإسرائيل، خاصة بعد تبني الكنيست الإسرائيلي الأربعاء 17 تموز/يوليو 2024 قراراً ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية، التنفيذ الفوري لقرارات المجلسين الوطني والمركزي، في هذه الظروف الصعبة التي تبدو غير مسبوقة في شدة الوحشية وتمادي العدوان وإصراره على الحسم بإنهاء القضية الفلسطينية.