رغم انتصار هاريس في المناظرة… لا تغيير في السياسة تجاه غزة

علّقت صحيفة “واشنطن بوست” على المناظرة الأولى بين مرشحة الديمقراطيين، كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، بأنها صورة عن الطريقة التي تتشكّل فيها حملة هاريس الانتخابية في ظلّ ترامب.

ورأت الصحيفة أن نائبة الرئيس خرجت فائزة من النقاش، سواء في النبرة أم في الجوهر.

وجاء في افتتاحيتها أن المرشحين صعدا نحو المنصة، ليلة الثلاثاء، برغبات متناقضة، فقد أرادت هاريس أن تعرّف الناخب الأمريكي بنفسها: شخصيتها، وسجلّها، وأهميتها، ورؤيتها. أما ترامب فقد احتاج لأن يخفي ذات الأمور التي تتعلق به. وفقط نجح أحد المتناظرين.

أرادت هاريس أن تعرّف الناخب الأمريكي بنفسها: شخصيتها، وسجلّها، وأهميتها، ورؤيتها. أما ترامب فقد احتاج لأن يخفي ذات الأمور

فمن جهتها، قدمت هاريس رؤية إيجابية للأمة، رغم ما فيها من عيوب، ولكنها كانت في حالة سليمة، حيث دعت الأمة لتجنّب الشرور التي علمت سياسات البلد الأخيرة.

وعلى النقيض من ذلك، صوّر ترامب الولايات المتحدة بأنها “أمة فاشلة” تسير نحو هاوية “الحرب العالمية الثالثة”، حيث ترتفع الجريمة، والمهاجرون يستولون بعنف على المدن الصغيرة، ويأكلون الحيوانات الأليفة للسكان.

فجوهر ما قاله وتدفق من هذا الموقف صورة مظلمة، وتعبير عن تضخم في الأنا، ومتناقض تماماً مع النظرة الإيجابية لهاريس. صحيح أن ليس كل ما اقترحته هاريس في المناظرة كان منطقياً، لكنها استطاعت التغلّب على ترامب من خلال السبب الذي يجعل سياساته الأسوأ.

فسياساته ستضاعف التعرفة الجمركية، التي ستزيد من معدلات التضخم في جميع أنواع السلع التي يشتريها الأمريكيون، مدّعياً، زوراً وبهتاناً، أن الدول الأجنبية تدفع التكلفة.

كما أشار ترامب إلى أن الرئيس جو بايدن أبقى على بعض التعرفات الجمركية التي فرضها، وهذا لا يعني أنها جيدة، كما أنها بالتأكيد ليست دليلاً على أن مضاعفة هذه السياسة أمرٌ جيد للبلد.

وعليه، فمعارضة هاريس لهذا العنصر المركزي في خطة ترامب الاقتصادية أمر يدعو للتفاؤل. وكانت فكرة هاريس لتخفيض أسعار البيوت، وزيادة المتوفر منها، عبر التعاون مع شركات المقاولات الخاصة التي ستقوم ببنائها مماثلة. وذكرت هذه الفكرة باعتبارها الحل الوحيد، وعلى المدى البعيد، لزيادة أسعار البيوت، وبدون أي داع، حيث كررتها ثلاث مرات في ليلة الثلاثاء، في الوقت الذي لم يقدم فيه ترامب أي خطة واقعية للإسكان.

ورأت الصحيفة أن هاريس كانت مرتاحة بالحديث عن موضوعات مثل الإجهاض، حيث أضفتْ على ردّها على الأسئلة جوهراً وإنسانية، وخاصة في معرض حديثها عن الناجيات الصغيرات من سِفاح الأقارب، وعن النساء اللاتي يعانين من الإجهاض ينزفن في مواقف السيارات بدون القدرة على الذهاب إلى المستشفى.

واتخذت موقفاً معتدلاً في موضوع الهجرة، حيث روّجت لمشروع قانون يدعمه الحزبان في مجلس الشيوخ، ومن شأنه أن يشدّد أمن الحدود، هذا إن لم يقم ترامب بتعبئة حلفائه من الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ لقتله.

ولكن الصحيفة لاحظت أن حديث هاريس عن الحرب الجارية في غزة كان حذراً، مع أنها تعهدت بالوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، ودافعت عن الدور التقليدي الذي تقوم به الولايات المتحدة في العالم الحر.

وعلى النقيض، تفاخَرَ ترامب بأن رجل هنغاريا القوي، رئيس الوزراء فيكتور أوربان، يدعمه، وهي مصادقة لا أحد يريد التلويح بها، نظراً لمواقف أوربان الديكتاتورية.

واستطاع ترامب السيطرة على نفسه حتى الثلث الأول من المناظرة. وقدّمَ عدة نقاط جيدة بشأن ردّه على كوفيد-19، لكن هذه النقاط اختلطت، وبشكل مستمر، مع أنصاف الحقائق، وأسوأ.

وكرر نفس الرسالة في موضوع الإجهاض، حيث أكد أن حظره يجب أن يكون له استثناء، مثل زنا المحارم، والاغتصاب، ومن أجل حماية حياة الأم.

وبعد نهاية الثلث الأول، بدأت الاتهامات الكاذبة تتوالى، مثل “الإعدام بعد الولادة”، أو إعلانه أن الهاربين من “مصحات الأمراض العقلية” في بلدان أخرى يغمرون الولايات المتحدة.

لكنها تتضاءل مقارنة بما جاء لاحقاً، عندما رد الرئيس السابق على انتقادات لخطاباته خلال التجمعات من خلال طرح نظرية مفادها أن المهاجرين غير المسجلين يأكلون حيوانات المواطنين الأليفة في المدن التي لجأوا إليها. وبعد التحقق من صحة الحقائق من قبل أحد المذيعين، استشهد كمصدر له بـ “الأشخاص على شاشة التلفزيون”. واتهم هاريس، وهي سوداء، بأنها “لم تكن سوداء” ذات يوم.

وشملت الأكاذيب الأكثر اعتدالاً الادعاء بأنه “أنقذ” قانون الرعاية الميسرة، عندما حاول في الحقيقة إلغاءه. وعندما سئل عما إذا كان لديه بديل، قال: “لدي مفاهيم لخطة”.

وتعلق الصحيفة أن مناظرة الثلاثاء يمكن تذكّرها من خلال نوبات الغضب المتكررة لترامب، والمزاج مهم في النقاش على المسرح وغرفة الوضع بالبيت الأبيض.

وقد أثبتت هاريس، وعلى الهواء مباشرة، بأن هناك فرصة لإغرائه وجعله يروج لمؤهلاته في مدرسة المال والأعمال والدفاع عن حجم حملاته الانتخابية وكيل المديح للديكتاتوريين. وهذه مهمة لأن سياساته نابعة منها، فهو يزعم أن المهاجرين يقتلون الناس، ولهذا علينا منع الهجرة. ويزعم أن الدول في الخارج هي من تتحمل دفع التعرفات الجمركية، وعلينا، والحالة هذه، زيادتها.

لكن على الأمريكيين تذكر ما حدث على الجهة المقابلة للمسرح، فقد انتصرت هاريس في المناظرة من خلال النبرة والجوهر. وقدمت أمراً ليس مختلفاً عن ترامب فحسب بل عن بايدن: لا مكان لمشاحنات السنوات الأربع الماضية، أو السنوات الأربع التي سبقتها، ولا مزيد من التخبط في الشك والانقسام. وركزت في معظم حديثها على رسم “طريق للمستقبل” يتساوق مع القيم التأسيسية التي تقوم عليها الأمة الأمريكية باعتبارها نجماً هادياً، وضرورة تركيز أعيننا على ما سيأتي.

ولكن الشعر في الحملات الانتخابية يجب أن يترجم إلى سياسة نثرية، وهو يقدم صورة أكثر فصاحة عن موقف البلد وإمكانياته أكثر من خطاب ترامب المظلم.

هاريس: لو كان دونالد ترامب رئيساً، لكان بوتين جالساً في كييف الآن

ورغم ما تحمله رؤية هاريس من أمل وإيجابية لمستقبل أمريكا، إلا أنها في موضوعات السياسة الخارجية أبدت حذراً، ولم تقدم خطاباً جديداً، ففي تقرير أعدته راشيل بانيت ونيها مسيح وكيلي كاسولي تشو، ونشرته “واشنطن بوست”، جاء أن نائبة الرئيس اتهمت الرئيس السابق باتخاذ موقف من الرئيس الصيني شي جين بينغ، وغيره من الحكام الأقوياء، في وقت حاول فيه ترامب تصوير مواقفه منهم بأنها علامة قوة، زاعماً، بدون أي دليل، أن الحرب في أوكرانيا وغزة لم تكن لتحدث تحت ناظريه. وركزت هاريس في حديثها على أهمية الوقوف مع الحلفاء، والتأكد من دور أمريكا ومسؤوليتها في النظام العالمي.

وفي الوقت الذي زعم فيه ترامب بأن الدول الأجنبية كانت “تخدعنا لسنوات”، ردت هاريس بالإشارة إلى العجز التجاري الذي تصاعد خلال فترة حكمه، قائلة إن ترامب “دعا إلى حروب تجارية”، بينما “باع الرقائق الأمريكية للصين لمساعدتهم على تحسين وتحديث جيشهم”.

وكان ترامب قد دعا في السابق إلى فرض تعريفات جمركية جديدة شاملة لا تقل عن 10%على الواردات إذا أعيد انتخابه، ما أثار مخاوف من نشوب حرب تجارية مع الصين إذا عاد إلى البيت الأبيض. وهاجمت هاريس ترامب لمديحه شي على التعامل مع أزمة كورونا.

وأشارت إلى منشور لترامب في كانون الثاني/يناير 2020 “عندما كنا نعلم أن شي مسؤول، ولم يتسم بالشفافية بشأن مصدر كوفيد”، لكنه قال إن “الصين تعمل كل ما بوسعها لاحتواء فيروس كورونا، وتثمن الولايات المتحدة جهودهم وشفافيتهم، وستنجح، وبالإنابة عن الشعب الأمريكي أشكر الرئيس شي”. وحاولت هاريس استخدام كلام ترامب ضده، وخاصة في ما يتعلق بعلاقته مع رئيس وزراء هنغاريا ورئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ- أون. وقالت هاريس: “يحن هؤلاء الديكتاتوريون والمستبدون لعودتك رئيساً مرة أخرى، فهم يعرفون أنه يمكن التلاعب بك”.

وفي الوقت نفسه، تجنّب ترامب الأسئلة عن أوكرانيا، وإن كان يريد انتصارها، ورفض الاعتراف أن هذا يخدم مصلحة أمريكا، وقال: “سأحلها، حتى قبل أن أصبح رئيساً، بدون تقديم تفاصيل”.

وتحول النقاش إلى قتال عندما تحدتْه هاريس بأنه يفضّل الديكتاتوريين: “لو كان دونالد ترامب رئيساً، لكان بوتين جالساً في كييف الآن”.

وعن حرب غزة لم يكن هناك جديد لتقوله هاريس، غير أن “إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها”، و”لكن مهم كيفَ، لأن الكثير من الأبرياء الفلسطينيين قتلوا”.

ولم تحِدْ في تعليقها عن سياسة إدارة بايدن، ودعمت حل الدولتين، وصوّرت مواقف ترامب في السياسة الخارجية والأمن القومي بأنها “ضعيفة وخاطئة”، وردّ ترامب، بدون أيّ دليل، أن هاريس “تكره إسرائيل”، و “تكره السكان العرب”. وقالت هاريس إن الحرب في غزة وأوكرانيا يجب أن تنتهي فوراً.