هآرتس.. الهدف التالي في سلسلة التطهير العرقي: الاستيلاء على “نبع العوجا” وما حوله

بقلم: تسفرير رينات

التطهير العرقي الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين وراء الخط الأخضر يهدد في الفترة الأخيرة وصول آلاف الفلسطينيين إلى هدف حيوي في غور الأردن. الحديث يدور عن نبع العوجا، الذي هو مصدر المياه الأكبر والأهم للسكان في شمال مدينة أريحا. بالنسبة للمتنزهين، هو معروف بسبب نبع الماء الذي يمكن الانزلاق فيه. حتى فترة متأخرة، الكثير من الإسرائيليين زاروا المكان، ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليه أو إبعاد سكانه. غير أن الوضع تغير في الأشهر الأخيرة.

قناة العوجا تعتمد على نبع موجود في المحمية الطبيعية “عين بيت عطاب”. المياه تستخدم للري في القرى القريبة، من بينها رأس العين والمعرجات، التي تعيش فيها تجمعات رعاة، وهي تصل حتى إلى قرى كبيرة في المحيط. بنيت القناة الإسمنتية في القرن الماضي، ومكنت من وجود منظومة لتوزيع المياه على التجمعات الموجودة في المنطقة. وضمن أمور أخرى، في العوجا أراض زراعية تعود لعائلات فلسطينية ذات مكانة اجتماعية واقتصادية، اشترتها قبل حرب الأيام الستة. سيطرة المستوطنين الممنهجة في المنطقة استمرت عقدين تقريباً. الأمر بدأ بمزارع منفردة، تطورت إلى أبعاد كبيرة، وترسخت بين قرى المنطقة. بعد ذلك، أقيمت مزرعة أخرى وعقب ذلك تم إبعاد الفلسطينيين عن أراضي الرعي. في الأشهر الأخيرة، زاد المستوطنون حضورهم. فأقاموا بؤرة استيطانية أخرى قرب النبع، وبدأوا بنشاطات تهديدية وإزعاج ضد السكان الفلسطينيين. وركزوا محاولاتهم على تشويش قدرة الفلسطينيين على استخدام مياه النبع. وبشكل استهدف الإشارة إلى سيطرتهم على المكان، لوّن المستوطنون النبع بألوان العلم، الأزرق والأبيض.

المستوطنون في السابق سيطروا على عشرات الينابيع وراء الخط الأخضر. ولكن هذا النبع الأكبر من بينها. مجموعة نشطاء باسم “ينظرون إلى الاحتلال بعينيه مباشرة” موجودة دائماً في المكان وتتابع ما يحدث. ومثلما في أماكن أخرى في الغور وفي جبل الخليل، يقوم أعضاء هذه المجموعة بـ “تواجد الحماية”. ثمة نشطاء يتضامنون مع السكان الفلسطينيين ويحاولون مساعدتهم في مواجهة تهديدات مستمرة ينفذها الزعران المستوطنون.

في الأشهر الأخيرة، تم توثيق أحداث تخريب لأنابيب المياه ومحاولات لمنع ضخ المياه واعتداءات جسدية ضد الفلسطينيين. في إحدى الحالات، أتلف المستوطنون إطارات تراكتور يحمل صهريجاً للمياه. وقبل أسبوع، هدموا جزءاً من القناة وسدوه بالحجارة، كما سدوا جزءاً آخر لمنع تدفقه.

يصعب توثيق الزعران أثناء قيامهم بهذه الأفعال، لكن هذا التخريب لم يحدث قبل إقامة البؤر الاستيطانية في المنطقة. الشباب من البؤر الاستيطانية يتجولون في المنطقة وهم يرسلون الجمال للتجول في أراضي القرى الفلسطينية القريبة. سكان البؤرة الاستيطانية القريبة من النبع يتعمدون دائماً أن يشعر الفلسطيني بالتهديد طوال الوقت. في الأسبوع الماضي، تجول نشطاء لحقوق الإنسان عند النبع، وعلى الفور وقف أمامهم أحد رؤساء البؤرة وهو يركب حصاناً. وبدون قول أي كلمة، أخذ هاتفه وبدأ يوثق النشاطات ويرسلها إلى أصدقائه ويبلغهم بما يحدث.

النشاطات ضد الفلسطينيين انزلقت أيضاً إلى المحمية الطبيعية. حاول المستوطنون عدة مرات إبعاد الزوار الفلسطينيين عن المحمية. ولكن الفلسطينيين لم يتجرأوا على معارضة المهددين، إذ لا جهة تساعدهم لصد هؤلاء. سكان البؤر الاستيطانية والمزارع المنفردة يدأبون على السيطرة على المنطقة، من خلال إدخال أغنامهم إلى المناطق التي يستخدمها الفلسطينيون. قبل بضعة أشهر، قال صاحب مزرعة بأن الفلسطينيين هاجموا وسرقوا أغناماً من قطيعه. اعتقلت الشرطة أحد الفلسطينيين بتهمة السرقة والاعتداء. وفي أعقاب إجراء جلسة لتمديد اعتقاله، قبل شهرين ونصف شهر، كتب القاضي المقدم عزرائيل ليفي: “لا خلاف حول عدم إثبات جريمة السرقة. لا أدلة بخصوص باستثناء شهادة “المعتدى عليه”. يجب الإشارة إلى أن شهادته والتشخيص الذي قام به لمن اعتدوا عليه ليست عالية وغير مدعومة بأي دليل آخر”. وقد حكم القاضي بأنه يجب إطلاق سراح المشتبه فيه.

حتى الآن، نجحت الحماية لنشطاء “ينظرون إلى الاحتلال في عيونه” في كبح المستوطنين بدرجة معينة. طوال الوقت يوجد خوف حقيقي من أن ترسخ هذه البؤر والمزارع سيزيد الاحتكاكات، وسيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام عنف متصاعد، في حين أن الجيش الإسرائيلي لا يوفر لهم أي حماية رغم أن هذا واجبه بصفته ممثلاً للجهة التي تسيطر على المنطقة.

أنشوطة خنق هذه البؤر الاستيطانية وجدت تأييدها في أقوال الوزير سموتريتش ووزيرة حماية البيئة عيديت سلمان بعد عملية إطلاق النار في المنطقة قبل نصف سنة. جاء الوزيران إلى منطقة العوجا وأعلنا عن نية توسيع المحمية الطبيعية، وتحدثوا عن وضع الحقائق على الأرض من خلال البناء والاستيطان.