الفلسطينيون أمام «إسرائيل الحقيقية»: قبر وخرجنا منه… سياسات الاحتلال تجاه الأسرى بعد 7 أكتوبر… شروع في قتل جماعي

المسار الاخباري: لا أدقّ من وصف واقع الأسرى الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر سوى تعبير بليغ قاله الأسير المحرر الإعلامي طارق الشريف، عندما سأله صحافيون محتشدون في استقباله حول ماذا يقول عن شعوره بعد خروجه من السجن، رد قائلاً: «قبر وخرجنا منه».

كان الشريف يجلس على كرسي الحلاقة مبتسماً بعد أن قضى في السجن 11 شهراً دون أن توجه له أي تهمة، وهو حال آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية.

ويعتبر واقع الأسرى داخل السجون واقعاً غير مرئي بشكل مطلق في ظل سياسات الاحتلال، فيما يوفر خروج الأسرى المحررين أو دخول أعداد قليلة من المحامين إلى السجون فرصة ثمينة، لكنها ناقصة وغير مكتملة، لرسم واقع الإبادة داخل السجون الإسرائيلية.

في حكاية الأسير المفرج عنه فرج السموني، من قطاع غزة، الذي اعتقل في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بالقرب من حاجز نتساريم (وسط قطاع غزة) مع اثنين من أشقائه وابن عمه، في حكايته الكثير الكثير من الألم والوجع اللذين يعكسان مقدار التوحش الإسرائيلي.

أما حديث ابنته «زهرة» العفوي فيضعنا أمام جانب من تفاصيل الاعتقال الصادمة والمروعة داخل السجون الإسرائيلية، والمعاناة غير المسبوقة، حيث قالت رداً على سؤال حول صحة والدها الذي احتضنته لحظه خروجه من السجن برفقة 50 أسيراً من القطاع: «العظم حسيته في يدي»؛ (أي أن يديها تحسست عظم جسده من شدة الضعف).

تحدث السموني عن تجربة اعتقاله التي امتدت لثمانية أشهر، فيما غالبه البكاء الشديد طوال فترة حديثه عن واقع السجون.

قال: «حصلت معنا أشياء لا يعلم بها إلا الله.. لقد تعذبنا عذاباً لا يعلم به إلا الله.. الله يكون للأسرى معيناً».

فيما تعكس تجربة القيادي الوطني الفلسطيني عمر عساف، الذي أُفرج عنه من سجون الاحتلال قبل أشهر، جانباً من تجربة السجن بعد السابع من أكتوبر.

لقد صعق كل من يعرف عساف عندما خرج فاقداً وزناً كبيراً من جسمه، فيما كان شعره كثيفاً وكأنه خرج من كهف مظلم.

يصف عساف واقع السجون: «إنه كارثي وغير مسبوق في التاريخ الفلسطيني».

‮«‬التعذيب‭ ‬المنهجي‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬السجون‭.. ‬وبن‭ ‬غفير‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬التنكيل‮»‬

يكمل، خلال ندوة في مدينة البيرة عقدت على هامش وقفة أسبوعية وسط رام الله خصصت للأسرى: «مهما كان الحديث الذي يمكن أن نقوله عن تجاربنا فإنه سيظل قاصراً عن وصف حقيقة الواقع داخل السجون».

بحسب عساف، فإن المواجهة داخل السجون هي إحدى محاور الحرب الشاملة التي عنونها الاحتلال بحسم الصراع، وتتكون إلى جانب معركة الأسرى من 4 معارك إضافية: معركة الشعب الفلسطيني داخل أراضي فلسطين 1948، ومعركة الاستيطان في الضفة والقدس، ومعركة تدنيس المقدسات في القدس وتهويدها، ومعركة تدمير وتهجير غزة.

ويخلص إلى أن فهم طبيعة الحركة الصهيونية تجعل من يظن أنه يمكن الوصول لحلول وسط معها حالة من الوهم. «كل القيادات الإسرائيلية تقول إن أصحاب البلاد الأصليين لهم واحد من خيارات ثلاثة، أو وظائف: خدمة الصهاينة، الرحيل، أو القتل».

الأسير معزز عبيات بعد خروجه من سجن النقب

وتابع حديثه عن تجربته: «أولاً هناك سمة عامة وهي التجويع، ليس من باب عدم الرغبة بالأكل، بل لعدم وجود الطعام، وهو ما ترتب عليه فقدان الأسرى لجزء كبير من أوزانهم، وثانياً: التنكيل والاضطهاد، حيث تنشط فرق متخصصة من «متسادا» و»نحشون» و»الكيدر» من أجل التنكل بالأسرى بسبب ودون سبب، وهو ما يفسر خروج أغلب الأسرى من السجن للمستشفيات، وثالثاً: الإهمال الطبي».

ويرى عساف أن الهدف من هذه السياسة الوحشية تحطيم نفسية المعتقلين، فكل من تم اعتقاله هم فلسطينيون اختاروا وارتضوا طريق مقاومة الاحتلال، ولذلك يمكن للأسر أن يمس الجسد وبنيته الخارجية، لكن أرواح الأسرى المعنوية لن يطالوها».

يختم عساف حديثه وهو الذي اعتقل قبل نحو 40 عاماً: «ولا مرة كانت الظروف تشبه ما نمرّ فيه حالياً. الظروف الحالية غير مسبوقة».

وبحسب الأسرى القدامى، فإن مقارنة واقع الأسرى اليوم مع الأسر قبل 7 أكتوبر يجعلهم يقولون إنهم لم يكونوا في بيئة أسر سابقاً، فالأسر الحقيقي هو في اللحظة الراهنة.

إحصاءات عام مروع

عام مضى على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، رافقته عمليّات اعتقال غير مسبوقة في الضفة الغربية، وتنكيل بالمعتقلين أسفرت عن استشهاد 24 منهم على الأقل. وحسب آخر المعطيات، فإن حالات الاعتقال زادت عن 10 آلاف و800 معتقل، بما لا يشمل معتقلي غزة الذين تعرّضوا لفظائع أبرزها في معسكر «سديه تيمان».

أما النّساء، فبلغت حصيلة حالات الاعتقال بينهن نحو (410) فيما بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال في الضّفة، ما لا يقل عن (735) طفلاً، أما الصحافيون فبلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوفهم (108) صحافيين، تبقى منهم رهنّ الاعتقال (59) من بينهم (7) صحافيات، و(22) صحافيًا من غزة على الأقل ممن تم التّأكّد من هوياتهم.

وزادت أوامر الاعتقال الإداريّ منذ بدء حرب الإبادة عن أكثر من (8872) أمراً ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ أطفال ونساء.

وسُجلت أعلى حالات اعتقال في محافظتي القدس والخليل، فيما استُشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر ما لا يقل عن (24) أسيراً ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في السّجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني.

كما اعترف الاحتلال أنه اعتقل أكثر من (4500) مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضّفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا موجودين في الضّفة بهدف العلاج.

مركز الاستهداف

وقال  رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، قدورة فارس، حول ثنائية الأسرى والاحتلال، فقال إن الفلسطينيين أمام «إسرائيل الحقيقية».

وبحسب فارس، فإن تناول قضية الأسرى يجب أن ينطلق من فكرة أن الحرب الدائرة اليوم سيكون لها ما بعدها، «فقد تغير كل شيء بعد 7 أكتوبر. كل أدوات القياس لعمل دراسات أو قراءات أو محاولة معرفة القادم قد تغيرت، فنحن لسنا أمام إسرائيل الجديدة، نحن امام إسرائيل الحقيقية.. نحن جزء من معركة كسر عظم».

وأضاف: «لم يكن غريباً أو مفاجئاً أنهم وضعوا الأسيرات والأسرى في مركز الاستهداف. بمعنى أنه في اليوم الأول لهذه الحرب شُنت حرب انتقامية بكل تفاصيلها. إنها ساحة حرب على الأسرى، كما أن المعطيات التي وقعت على مدار عام كامل تشير إلى أن ما تعرضوا له لم يكن مجرد ردة فعل أو تعبيراً عن حالة غضب أو أتي في إطار نزعة انتقام لإيقاع الأذى بالشعب الفلسطيني، إنها جوهر إسرائيل التي عمل معظم قادتها وفق رؤية الجدار الحديدي لـ»زيف جابوتنسكي» كما أنهم عملوا ضمن سياسة كي الوعي ومن أجل تكريس ما أسموه قوة الردع الإسرائيلية، فعقيدتهم القتالية تقوم على أساس الردع».

وتابع فارس: «تاريخ السجون كان أنها ساحات عمل ونشاط وفعل وطني، وبالتالي انشغلت المؤسسة الإسرائيلية في بلورة صيغ للتعامل معهم بما يضمن كسر روحهم وبالنتيجة كسر روح الشعب الفلسطيني».

ويرى أن المسألة المعنوية مهمة في فهم ما تعرض له الأسرى على مدار عام كامل، «فالاستيقاظ على الأخبار المؤلمة والقاسية تشعرنا بالألم والإحباط، لكن في المقابل لا نرى إلا مؤشرات ثبات وتحفز المقاومة وهو ما يضمن ارتفاع المعنويات».

ويصف فارس ممارسات الاحتلال داخل السجون بأنها «سلسلة من الجرائم في مجملها شروع في قتل جماعي للأسرى مع سبق الإصرار وترصد وبشكل مقصود. والنتائج تتحدث عن نفسها. عدد الشهداء الذين صاروا مسجلين ومعروفين لدينا بلغ 48 شهيداً. وخلال الفترة المقبلة سنعلن عن قائمة من شهداء غزة دون أن تشمل الجميع».

ويذكر الوزير فارس، وهو يشرف على أعلى مؤسسة رسمية ترعى شؤون الأسرى، أن ما يتعرض له الأسرى «شيء في مسبوق». ويسأل: «كيف نفهم إصابة آلاف الأسرى بالجراح؟ كيف نفهم أن أي أسير يخرج من السجن يخرج للمستشفى وليس للمنزل؟».

أما السؤال الكبير الذي يفجره فارس فمفاده: «أما والأمر كذلك، والحرب شاملة ونتائجها مؤثرة علينا، علينا وعلى أبنائنا وأحفادنا وأحفاد أبنائنا، وهو ما يشير إلى أن لها نتائج بعيدة» فالسؤال إذن هو: «ما العمل؟ علينا أن نفكر في الكيفية التي يمكن أن نستعيد فيها وزننا وحضورنا في معادلة النضال والكفاح الوطني في مواجهة المشروع الصهيوني؟».

الوزير قدورة فارس

تدمير إنجازات الحركة الأسيرة

وترى مسؤولة الإعلام والتوثيق في نادي الأسير الفلسطيني، أماني سراحنة، أن العام الماضي «غير مسبوق على مستوى وكثافة الجرائم التي وثقت من خلال الأسرى داخل السجون أو من خرج منهم.. لقد مضى عام كان مروعاً وصادماً، وما نرصده كمؤسسات أن هناك تحولات جذرية كبيرة مست كل جوانب حياة الأسرى».

وتتابع في حديث : «الجرائم تنفذ على مدار اللحظة في السجون، والتحولات طالت كل النواحي التي تتعلق بالحياة التنظيمية التي انتهت تقريباً، هناك انقضاض كامل على كل ما تمكن الأسرى من تحقيقه على مدار عشرات السنين.. إلى جانب جريمة الإخفاء القصري لمعتقلي غزة».

وتشدد سراحنة على أنه «لا توجد معالم لإمكانية التنبؤ بكيف يمكن مواجهة ما يتعرض له الأسرى، فلا نكاد نرى ملامح للحياة التنظيمية مثلما كان الحال قبل السابع من أكتوبر، وكل الإنجازات التي حصلت بنضالات ودماء الحركة الأسيرة انتهت».

وتقول إن ما يجري هو وجه آخر لحرب الإبادة، «كنا كمتابعين نقول في بداية الحرب إنها إبادة غير مرئية، لكن من خلال الأسرى المفرج عنهم، أصبحنا نرى وجهاً آخر للإبادة. فعمليات استهداف الوجود الفلسطيني في حيّزات ضيقة عبر انتهاج أساليب تعذيب غير مسبوقة، رافقتها المسألة الأهم من وجهة نظرنا، وهي كثافة الاستهداف».

وتضيف الباحثة سراحنة: «الهدف من التنكيل هو قتل وإعدام الاسرى، أول شهرين من الحرب كانت الجرائم مرعبة جداً. أصيب المئات بالكسور في سجن النقب، وعزلوا دون علاج أو أي مساعدة. الاستفراد فيهم كان بشكل كامل».

وتنفي تراجع سياسات التنكيل الوحشي بالأسرى، حيث تقول: «أن نفكر بالمتغيرات مسألة بلا معنى، ما تغير في بداية الحرب مقارنة باليوم هو تفاصيل بسيطة ومحزنة، نرصدها مثل زيادة ملعقة حمص أو مربى… إلخ، أو زيادة على حصة شامبو الحمام. ما تعرض له الأسرى كبير جداً، والاحتلال لم يتراجع، وكل ما نرصده ترسيخ للجرائم».

التحرش المنهجي والاغتصاب

لكن أي السجون أسوأ؟ تقول إن كل السياسات الوحشية طبقت على كامل السجون، «لقد جاءت أكثر الشهادات قسوة من داخل السجون المركزية، وتحديداً سجن النقب، عمليات التعذيب والتحرشات الجنسية وحالات الاغتصاب من أسرى النقب من الضفة وغزة أيضاً.. لدينا تقديرات حول الأسباب مثل أن مدير السجن من المقربين من الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، حيث جعل السجن ساحة لعمليات التعذيب، وبالتالي كل سجان وكل سجن كان يحاول التنافس في إثبات أنه ينفذ الإجراءات الأبشع بحق الأسرى. وسجن مجدو كان في بداية الحرب مرعباً بشكل حرفي، الشباب الذين غادروا ذكروا في شهاداتهم «أن الدماء في كل مكان، والتكسير في كامل أجساد الأسرى».

صورة قبيحة

يتحدث الوزير قدورة فارس حول مفارقة الأسرى في ظل الحرب وبشاعة الصور القادمة من غزة، وهو ما جعل من قضيتهم، ولوقت طويل، بعيدة عن تصدر المشهد الإعلامي، ما كان يستدعي جهداً استثنائياً، وهو ما تراجع مؤخراً، حيث بات يُرصد، والحديث لفارس، اهتمام متزايد بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحقهم.

وينتقد فارس كل من في الطبقة السياسة في فلسطين من مثقفين وكتاب وسياسيين لكونهم عظّموا وضخّموا من دور المؤسسات الحقوقية الدولية، «لدرجة أننا صرنا نوجه النقد الذاتي لأنفسنا على تقصيرنا، في حين أن هذه المؤسسات لم يكن لها دور حقيقي، إنها جزء من ديكور تجميلي تم بيعه للمقهورين الذين يعيشون تحت الديكتاتوريات ودول الاحتلال، فهي ليست أدوات فعالة لكبح جماح المعتدي، بل للتنفيس من الاحتقان».

ويرى أن كل منظومة المؤسسات الدولية أو حتى مؤسسات الاحتلال القانونية تعكس الخوف من أن يحمل تعبير الضحايا عن الغضب أحد معاني المقاومة ضد الاحتلال، ومع ذلك هي مؤسسات دولية لا يجب رفع سقف توقعاتنا منها، بشرط ألا يشعرنا ذلك بالإحباط، فعلينا الاستمرار في طرق الخزان».

تراجع العمل الوطني

وحول تراجع الفعل الجماهيري المساند للأسرى، تقول الباحثة سراحنة: «لا يمكن فصل قضية الأسرى عن الوضع الحالي في الضفة. فمع الأسف الشديد القضايا كثرت والموت أصبح لحظياً، وهذا أثّر على الحشد الجماهيري، كما أن حملات الاعتقال أثّرت على معنى إمكانية التحشيد؛ فكل من حاول تحريك الشارع جرى اعتقاله، والنتيجة أن كل مؤثر وُضع في السجون تحت بند الاعتقال الإداري أو التحريض».

وترى أنه «لم نرتق بمستوى الجرائم التي حدثت بالسجون، ولا يمكن لوم أنفسنا، في الحقيقة لا قدرة لنا على العمل كما يجب وبحجم الجريمة، كما أن هناك تراكمات أوصلتنا لهذه الحالة، فالعائلات مثقلة وحزينة، تجد عائلة الأسير فيها شهيد أو أكثر، إنه وضع صعب ومثقل فعلياً، كما أن الاعتقال الإداري مس بكل محاولة لأي حراك شعبي، وعشنا تحولات كبيرة سابقاً، لكن الشيء الوحيد الذي يذهب لتحول أسوأ هو التحول الشعبي».

‮«‬نحو‭ ‬11‭ ‬ألف‭ ‬معتقل‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الحرب،‭ ‬وآلاف‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬يسومون‭ ‬التجويع‭ ‬والعنف‭ ‬والقتل‭ ‬والإخفاء‭ ‬القسري‭ ‬والاعتداءات‭ ‬الجنسية‮»‬

محاكم الاحتلال.. الأداة

وحول خيار مقاطعة المحاكم الإسرائيلية، ترى سراحنة أن هناك حاجة ملحة للحديث عن هذه القضية، فهي «سلاح قوي في يد المؤسسات لمواجهة عمليات الاعتقال، لكن هناك معضلة إقناع الأطراف الأساسية في هذه القضية، من عائلات وأحزاب وأسرى».

وتقرّ بأنّ «المؤسسات الحقوقية المختصة بشؤون الأسرى فشلت في إقناع الأطراف المختلفة بخيار مقاطعة المحاكم، وتحديداً فصائل العمل الوطني والإسلامي، فمنع الذهاب للمحاكم يعكس نضجاً وتحولاً مهماً، والتعامل مع الجهاز القضائي للاحتلال يعني أنك تتعامل مع أكبر مركّب يساهم في تعذيب الأسرى».

وتضيف: «النضال من أجل الوصول للمقاطعة بحاجة لقرار وطني وحملة لتوعية كل مواطن فلسطيني. مثل مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وهو أمر يجب أن نسير فيه».

إنتاج الأمل

وقال الوزير قدورة فارس، حول من أين يأتي الأسرى بالأمل أمام كل ما يتعرضون له، فأجاب: «إنهم يعون ويدركون طبيعة الصراع الذي هم جزء منه، يدركون أن القضية التي هم رموز الكفاح من أجلها، لقد سجنوا وهم يكافحون من أجل قضيتهم التي تمر بمرحلة عسيرة وصعبة، هناك إدراك عقلي، وهذا أولاً. ثانياً، لديهم مخزون من الوعي يكفي لإنتاج الأمل؛ فالصراع يمر بحالة من الصعود والهبوط، يعني استمرار التصدي والمقاومة، وكذلك بالنظر إليهم على أنهم رموز كفاح يعبر عن انحيازهم لقضيتهم. وثالثاً، لدى الإنسان، بشكل عام، ماكينة لإنتاج الأمل، من خلالها يستقوي الإنسان على مواجهة التحديات والصعاب».

وحول سؤال استعادة زمام المبادرة والنضال داخل السجون، يرى فارس أنه «من الخطأ التعويل على أن الأسرى يمكنهم مرة أخرى قيادة العملية النضالية فهم في ظروف بالغة التعقيد، أما لو هبت حركة شعبية في الوطن وفي الضفة تحديداً، ربما سيكون هذا حافزاً لهم كي يفكروا في ذلك».

ويشدد على أن «الأسرى يدركون بفطرتهم أن «الموج عالٍ» وأنهم لا يريدون الذهاب إلى الانتحار، لو وصل الأسرى لحالة من اليأس لكانوا قاموا بأعمال لمواجهة ما يتعرضون له مثل ما نطلق عليها الخطوات اليائسة، إنهم ما زالوا يعولون على أن تنتهي الحرب بصفقة تخرجهم للحرية».

وينتقد فصل مسارات العمل الوطني وتقسيمها بناء على القضايا والجغرافيا، «هذا من الأخطاء الكبرى التي عملنا عليها، يجب ربط المسارات بمسار واحد، فمستقبل الأسرى رهن بمستقبل شعبهم».

ويختم الوزير بالتأكيد أن ملف الأسرى ليس ملفاً مستقلاً، بل هو جزء من القضية الفلسطينية، «فإذا حققنا الانتصار سيكونون سادته، وإذا امتد عمر الاحتلال فستستمر المعاناة».