إسرائيلية تقول : أرفض أن أكون جزءاً من شعب يسكت عن إبادة جماعية في غزة

المسار الاخباري : أين كان العالم عندما ذُبح اليهود في الكارثة؟ أين كان الله في 7 أكتوبر عندما ذبح الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون المطمئنون واقتيدوا إلى قطاع غزة بملابس النوم؟ أين كان جيش الدفاع الإسرائيلي وحكومة إسرائيل في تلك الأيام الفظيعة؟ يبدو أن العالم في معظمه تماهى لبضعة أيام مع مشاعر الصدمة وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؛ إلى حين فهم معنى حرب الدفاع عن النفس التي نشنها. وبخصوص الله، بالنسبة لبعض أعضاء الحكومة ومن يؤيدونهم، فقد حدثت معجزة لنا في أننا ذبحنا، كي تؤدي إلى الخلاص النهائي وانتصارنا المطلق.

 الآن، أين هو الله وأين شعوب العالم و”لاهاي”، أين هم، فضلاً عن ذكر الأخلاق اليهودية وقيم إسرائيل التي ستهب لإنقاذ من ذبحوا في غزة 2024 من الفلسطينيين – أطفالاً ونساء وشيوخاً وغيرهم من الأبرياء أو غير المتورطين، الذين ماتوا بسبب “أضرار عرضية” وتم تحديد مصيرهم بالذكاء الاصطناعي، والذين قتلوا وذبحوا وخنقوا وأحرقوا ودفنوا أحياء أو تحولوا إلى غبار بشري تحت أنقاض بيوتهم في عملية إحراق غزة وتدميرها بالكامل في حرب الدفاع التي تحولت إلى حرب انتقام.

 أين صرخة الجميع وأين هم مواطنو إسرائيل، الذين باسمهم يجوع ويهجر الناس الذين لا يجدون مأوى أو خلاصاً ويهيمون من “مكان آمن” إلى آخر، ويعودون مرة أخرى، ومصيرهم كمخربين يستحقون الموت تقرر من قدرتهم أو عدم قدرتهم على الخضوع لأوامر “الإخلاء” التي يمليها عليهم جيش الدفاع. يموتون بالسيف والحرق والجوع والعطش، والاختناق والقصف المنهجي للمستشفيات التي لم يتم إخلاؤها رغم تحذير “الإخلاء”. وسواء تقرر مصيرهم بالتجويع أو التعطيش أو التدمير، حسب “خطة الجنرالات” التي يتم نفيها وتتقنع بقناع القانون الدولي وتعمل تحت غطاء الأكاذيب والإنكار التي تعرضها حكومة إسرائيل – فقد صممنا الآذان إزاء نداءات “أنقذونا”. نقول لأنفسنا: نحن مختلفون، هم يقدسون الموت ونحن نقدس الحياة. ونظرتنا عمياء من كثرة عدالتنا. ونقول لأنفسنا أيضاً: هذه حرب وجود وتقديس لأرواح جنودنا، وإله الجنود معنا. ونقول أيضاً إن مخازن الأحاسيس والألم لدينا مليئة من كثرة قتلانا وأطفالنا الذين ذبحوا والأيتام وآلاف الجرحى والمصابين بالصدمة النفسية في الحرب. لقد نفد مخزون الرحمة تجاه الآخر.

 لا نعرف ولا نريد أن نعرف ماذا يحدث هناك في وادي القتل. نحن الإسرائيليين لا نصرخ الصرخة المريرة التي يجب أن نصرخها على ما ينفذ باسمنا. علينا أن نصرخ: أنقذوا الغزيين من القتل. ولكن أيضاً يجب أن نصرخ: أنقذونا نحن الإسرائيليين من عبء الضمير على المذبحة التي نرتكبها ضد الآخر، على القتل الجماعي الذي يحدث باسمنا في غزة وفي المناطق التي تحت سيطرتنا، على عار سرقة حقوق وأراض، واللامبالاة إزاء مصير الآخر. أنقذونا من حكومة خبيثة نحن بسببها مسؤولون عن جرائم الحرب التي ترتكب باسمنا، وعن الأخلاق اليهودية وقيم دولة إسرائيل التي يتم محوها هناك بغطاء الحرب الوجودية، التي كل شيء فيها مباح، وأنقذوا حياة جنودنا من هذه الحرب الاختيارية.

 أريد أن أصرخ هنا صرختي الشخصية: ما لم تتم إعادة المخطوفين إلى بيوتهم واستمرت عائلاتهم في التعرض لسحق قساة القلوب، وما دامت الحرب مستمرة ومعها القتل والدمار وفقدان الطابع الإنساني، فإنني أفصل نفسي وأعلن على رؤوس الأشهاد بأنني لست جزءاً من شعب إسرائيل، إسرائيل التي تعتبر القيم الأساسية وقدسية الحياة والإنسانية مسائل أثرية، تعود إلى فترة أخلاق انقضى زمنها. الآن عصر الـ “أنت انتخبتنا”، التفوق اليهودي، أنا والآخر لا شيء، الفاشية، العسكرتارية، الحكم المسيحاني، عصر الغطرسة والفظاظة وسحق القانون، الذي لم أولد له ولم أعد أجد فيه مكاني. هويتي كإسرائيلية فخورة وكيهودية آخذة في الطمس، وتمسكي بها يهتز. يمكنني أن أصرخ “أنقذونا”.

يهوديت كارف

 هآرتس 29/10/2024