إسرائيليات

هآرتس … نتنياهو يصاب مرة أخرى باحساس الغرور  ولا يزال يأمل بانهيار الصفقة

بقلم: عاموس هرئيلِ

صفقة المخطوفين تتقدم حتى الآن كما هو مخطط لها. الفوضى التي سادت في يوم الخميس في مراسم اعادة المخطوفين التي قامت بها حماس في خانيونس، حل محلها صباح أمس جهد واضح من قبل حماس لاعادة فرض النظام، من خلال عرض سيطرتها على قطاع غزة. في هذه المرة تسلم الصليب الاحمر المخطوفين الثلاثة عوفر كلدرون ويردين بيباس من كيبوتس نير عوز، اللذان تم تسليمهما في خانيونس، وكيث سيغال من كيبوتس كفار عزة الذي تم تسليمه في ميناء غزة، بدون أي مشاكل.

لقد اثقل على السعادة من اعادة المخطوفين النبأ الذي اصبح مؤكد، وهو أن بيباس فقد عائلته في اعقاب الهجوم الارهابي القاتل لحماس. كلدرون وسيغال هما أكبر سنا، وقد أصيب عدد من ابناء عائلاتهم والاصدقاء في المذبحة. هما عانيا كما يبدو من معاملة قاسية ومن التنكيل في الأسر. ويحتمل جدا أن مسألة أن المخطوف تم احتجازه لفترة طويلة، تقريبا 16 شهر، في الانفاق أو في بيت فوق الارض، تؤثر على حالته النفسية والعقلية عند عودته الى البيت. الشجاعة وضبط النفس والسرور الذي يظهر في كل صورة أو كل تقرير عن المراقبات الشابات تسر القلب. مشاهد مشابهة وثقت ايضا في اللقاءات المؤثرة لكلدرون مع ابناء عائلته أمس، لكن سيكون من المبالغ فيه توقع بالضرورة رؤية نفس الشيء في كل النبضات القادمة. من الافضل ايضا أن يكون الجمهور الاسرائيلي يدرك هذا مسبقا.

في هذه الاثناء يبدو أن هناك من يريد التأكد من أن مراحل الصفقة القادمة – بقي حتى الآن 79 مخطوف في القطاع، الذين اكثر من نصفهم اموات – لن تخرج الى حيز التنفيذ. الحديث يدور كما هو متوقع عن المشبوهين العاديين. أمس اهتم مصدر سياسي غير معروف بالتسريب لاخبار 12 بأن اسرائيل تقدر بأن حماس سترفض اطلاق سراح جميع المخطوفين الاحياء في المرحلة الثانية من الاتفاق، لأنها تريد استخدامهم كبوليصة تأمين لقادتها الذين ما زالوا على قيد الحياة. في هذه الحالة تم الادعاء بأن اسرائيل ستستأنف القتال.

باسلوب مشابه، على الاغلب في نفس القناة، اهتم محيط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومحيط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالتشويش على تنفيذ صفقة المخطوفين في ثلاث محطات على الاقل خلال السنة الماضية. ايضا حماس ساهمت في هذا التشويش. تأخير الصفقة منذ شهر تموز الماضي كلف حياة ليس اقل من ثمانية مخطوفين و122 جندي اسرائيلي، الذين قتلوا في المعارك حتى وقف اطلاق النار في 19 كانون الثاني الماضي.

التسريبات في هذه المرة جاءت على خلفية زيارة نتنياهو في الغد في واشنطن، حيث سيلتقي في يوم الثلاثاء مع الرئيس الامريكي ترامب. رئيس الحكومة الذي حتى الآن لم يف بتعهده زيارة نير عوز، ساحة الكارثة التي شهدتها عائلة بيباس وعائلة كلدرون وعائلات اخرى، اصابته مؤخرا مشاعر الغرور. نتنياهو والمستشار المقرب جدا منه الوزير رون ديرمر على ثقة كبيرة  بأنهما سينجحان في اقناع ترامب في اتخاذ مواقف كما يريدان، في اللقاء الذي يوصف بأنه الاكثر مصيرية من بين اللقاءات بين رؤساء الدولتين منذ سنوات.

رسائل مشابهة نقلت من نتنياهو الى سموتريتش على أمل أن يبقى حزب الصهيونية الدينية في الائتلاف ولا ينسحب منه بعد انتهاء الاسابيع الستة التي خصصت للمرحلة الاولى في الاتفاق. حسب هذه التنبؤات فان المفاوضات على الصفقة ستتفجر اصلا، ولذلك لن يتم تنفيذ المرحلة الثانية وسيتم استئناف الحرب. اضافة الى ذلك يعلقون هناك آمال كبيرة على الانشغال الكثيف لترامب بتصريحات علنية على الاقل، بامكانية أن يتم فرض على مصر والاردن استيعاب مئات آلاف الفلسطينيين من سكان غزة، في الوقت الذي فيه دول الخليج ستمول اعادة اعمار انقاض الحرب. الحكومة في مصر والعائلة المالكة في عمان عبرت عن معارضة كبيرة لذلك، لكن نتنياهو متفائل. من وراء هذا التطلع يختفي هدف طموح اكثر، الذي يسعون اليه في اليمين، وهو استغلال الحرب من اجل فرض طرد دائم للفلسطينيين من قطاع غزة، واعادة سيطرة اسرائيل عليه وبناء المستوطنات .

هذه الآمال لم يتم التنازل عنها حتى بعد أن قام الجيش الاسرائيلي بالانسحاب في هذا الاسبوع في اطار الاتفاق من ممر نتساريم، وسمح لمئات آلاف الفلسطينيين بالعودة الى شمال القطاع. العودة الى الشمال كانت معقدة. الدمار كبير جدا، اكثر مما قدر الكثير من العائدين. هناك حتى مشكلة في تزويد دائم لمياه الشرب في الكثير من البلدات المدمرة. بعض العائدين اضطروا الى العودة مرة اخرى الى الجنوب بسبب نقص المياه والخيام في شمال القطاع.

في هذه الاثناء اجتمعت امس في القاهرة لجنة وزراء خارجية لعدد من الدول العربية من بينها السعودية واتحاد الامارات. الى جانب مباركة وقف اطلاق النار والتأكيد على الحاجة الى الحفاظ على سكان القطاع على ارضهم ومنع تهجير آخر، قيل في البيان المشترك بأن هذه الدول تؤيد الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني. هذا ايضا ظهر مثل تحية سعودية لنتنياهو عشية زيارته في واشنطن.

مقابل آمال نتنياهو وشركائه هناك مصادر سياسية وامنية في اسرائيل تعتبر عودة المخطوفين وانهاء القتال في غزة حجر الزاوية لخطوات ترامب في الشرق الاوسط. حسب تقدير هذه المصادر فانه بدون انهاء الحرب في القطاع فان السعودية لن تنضم الى عمليات اعادة الاعمار ولن توقع على الصفقة الضخمة مع الولايات المتحدة، التي يمكن أن تكون مرفقة ايضا باتفاق التطبيع بين اسرائيل والسعودية.

من تبذل الجهود الكبيرة للدفع قدما باستمرار عودة المخطوفين هي عائلات العائدين وعائلات المحتجزين في القطاع. يجدر الانتباه الى أنه كيف في كل تصريح للآباء يشددون على الواجب الضخم لترامب، وتقريبا يقفزون عن شكر نتنياهو. القسم الاول ينبع من فهم الحاجة الى شكر الرئيس الامريكي طوال الوقت لتشجيعه على العمل. والقسم الثاني تم القيام به بشكل متعمد من اجل أن لا يتملص نتنياهو من مواصلة الصفقة، لكن يبدو أنه ايضا من اجل اغضاب الابواق التي تطالب طوال الوقت بشكره على عمله. النشاطات امام البيت الابيض تجري بصورة متواصلة ومباشرة بهدف التأكد من أن مصير المخطوفين لن ينزل عن جدول الاعمال في واشنطن.

حتى لو كان نتنياهو يعتقد بأنه يعرف افضل من الجميع، إلا أنه يبدو أنه لا توجد أي طريقة لتوقع خطوات ترامب القادمة، الذي الضبابية والتصريحات المتناقضة هي جزء من طابع عمله الاساسي. مفترق الطرق الحالي يذكر قليلا بالتوتر بعد عرض “صفقة القرن” في شتاء 2020، في ولاية ترامب الاولى. في حينه وعد قسم في الادارة ورجال نتنياهو سارعوا الى اعلان ذلك على الملأ بـ “سيادة في اليوم الاول”. القصد كان اعتراف امريكا بضم المستوطنات في الضفة الغربية لاسرائيل، لكن في الادارة نفسها ثارت ضجة كبيرة، وفي نهاية المطاف تغلق القسم الذي يعارض الضم. تصعب معرفة الى أين ستتطور الامور في هذه المرة، لأنه توجد امور اكبر موضوعة على كفة الميزان.