
بقلم: أسرة التحرير
المالتي ملياردير الأمريكي جيف بيزوس، مؤسس ورئيس أمازون وصاحب صحيفة “واشنطن بوست” قرر هذا الأسبوع سياسة جديدة لنشر المقالات في الصحيفة: التركيز على حماية “حريات الفرد والسوق الحرة” والامتناع عن نشر مقالات تتعارض مع هذه القيم. هذا ليس قراراً بريئاً لصاحب صحيفة مع أجندة أيديولوجية. يدور الحديث عن خطوة هي جزء لا يتجزأ من المزاج في عالم الأعمال الأمريكي منذ انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة. من جهة تملق فظ للرئيس بدا واضحاً منذ مراسم التنصيب، ومن جهة أخرى تدخل متزايد لمجموعة مليارديريين ولا سيما في مجالات التكنولوجيا، في عمل الإدارة.
تنعكس هذه الظاهرة في دور سياسي للرجل الثري في العالم، إيلون ماسك، الذي عينه ترامب مسؤولاً عن النجاعة في وحدات الإدارة الأمريكية. وقد توجه ماسك إلى المهمة بوحشية تضعف مؤسسات حيوية. وسارع مدير عام “ميتا” مارك زوكربرغ للسير على الخط حين ألغى منظومة فحص الحقائق في فيسبوك وفقاً للروح التي تهب من البيت الأبيض.
مسموح لوسائل الإعلام الترويج للقيم والأفكار. لكن قرار بيزوس تقليص حرية التعبير الصحافي في إحدى الصحف الأهم في العالم، محظور رؤيته على نحو منقطع عن سياقات عميقة تهدد الصحافة الحرة في دول عديدة يصل فيها زعماء مناهضون لليبرالية إلى الحكم. إن المس بحرية الصحافة في هذه الدول هو جزء مقصود ومعلن من صراع هؤلاء الزعماء ضد القيم الديمقراطية الليبرالية. إن الخليط بين رئيس غير مرتقب ومنتقم وبين حكم الأثرياء الذي ينشأ في الولايات المتحدة، يؤدي بها إلى عصر خطير على نحو خاص من تآكل التوازنات والكوابح في الديمقراطية الأقوى في العالم، في دول أخرى لاحقاً.
تواجه الصحافة في إسرائيل أيضاً تهديداً متزايداً من قبل حكومة نتنياهو لتقليص استقلاليتها، سواء كان هذا خلال التدخل السري مع أصحاب وسائل الإعلام كما يتضح من الملفات التي يتهم بها رئيس الوزراء، أم بمحاولات السيطرة من الداخل مثلما في أخبار 13، أم بتشريع صريح كذاك الذي يبادر إليه الحكم صبح مساء ضد البث العام أو صحيفة “هآرتس”.
في مثل هذا المناخ، من المهم أن نتذكر بأن للصحافة، حتى عندما تكون عملاً تجارياً خاصاً، دوراً مميزاً في المجتمع الديمقراطي. فأصحاب الصحف يتحملون مهمة قيمية مركبة تنطوي أحياناً أيضاً على عبء شخصي شديد على نحو خاص: التوازن بين مصالحهم الخاصة والمصالح العامة. في عالم يقل فيه الناشرون الذين يفهمون هذا الالتزام العميق ستقل الصحافة الحرة أيضاً ومعها مستقبل النظام الديمقراطي الذي ليس مفهوماً من تلقاء ذاته. جيف بيزوس ليس سوى مثال آخر على السلاسة الخطيرة للمنزلق.