
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 5/3/2025
غير متوقع، قوي، ومزعج: تأثير ترامب في الشرق الأوسط
بقلم: تامير هايمن مدير معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي
“الترامبية” هي استراتيية زعزعة الاستقرار، تعمل على خلق الفرص والمخاطر من خلال تقويض الافتراضات الأساسية. إن هذا النداء هو محرك التغيير، والذي ينبغي أن يكون استغلاله المتطور بمثابة دليل لتصميم سياسات جديدة، والتي ستوفر أيضاً فرصاً لدولة إسرائيل والمنطقة. وتشكل ظاهرة الترامبية استجابة معينة لتحديات الديمقراطية الليبرالية، وتتوافق مع الإحباط العام من السياسات التقدمية الجذرية. وفي الشرق الأوسط، قد يفتح هذا النهج فرصاً لإنشاء نظام إقليمي جديد، وتعزيز نفوذ البلدان المهتمة بالاستقرار، والمساعدة في تعزيز الاتفاقيات الجديدة وحل المشاكل القديمة. من المتوقع أن تصبح ظاهرة الاضطراب العامل الرئيسي الذي يحدد شكل الشرق الأوسط والساحة العالمية في العامين المقبلين، ومن المناسب فهم أصولها وخصائصها والاستعداد لها ومحاولة استغلالها لصالح الأمن القومي لدولة إسرائيل.
من الصعب التنبؤ بالخطوة التالية التي سيتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وبحسب الوضع الحالي، فإنه ينجح في تعطيل توقعات الخبراء مرارا وتكرارا، ويبدو أنه يستمتع بذلك. فكيف يمكننا إذن أن نفهم ما يحدث؟ لقد أصبح العالم الليبرالي الديمقراطي في دوامة من التصريحات، وفيضان من الأوامر الرئاسية، ومجموعة من الأفكار الجذرية التي تعطل الواقع. ما هو الصحيح من كل هذا، ما هو التكتيك، وما هي الاستراتيجية، وما هي الحيل التفاوضية ذات الصلة، وما الذي يُفترض أن ينبع من اعتقاد أخلاقي عميق؟
“الترامبية” هي رد على أزمة النموذج الديمقراطي الليبرالي. فبعد جيل من انتصار هذا النموذج في الحرب الباردة، فإنه يواجه أزمة وجودية. ولكي نفهم تأثير ترامب، ومقترحاته الأخيرة (بما في ذلك اقتراح “الهجرة الطوعية” من قطاع غزة إلى مصر والأردن)، والعلاقة بين هذا النهج والتحولات العميقة التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، يتعين علينا أولاً أن نفهم جذور الأزمة، ومفاهيم التعامل المختلفة، وتطبيقها في إطار السياسة الخارجية والأمنية من مدرسة ترامب الفكرية ــ التي قد تتعارض إدارتها حتى مع السياسة الإسرائيلية.
تحدي عميق للافتراضات الأساسية الأربعة للنموذج الديمقراطي الليبرالي
إن الكارثة المزدوجة في عام 2001 تشكل بداية الأزمة، وذلك بسبب إظهار محدودية قدرة الدولة على توفير الاستجابة للاحتياجات الأساسية للمواطن: الأمن الشخصي، والازدهار الاقتصادي، والأمن الوطني. لقد تم تقويض أربعة افتراضات كانت تشكل أسس ازدهار الديمقراطية الليبرالية في العقد المزدهر من تسعينيات القرن العشرين:
مبدأ الحقوق المدنية: على مدى عقود من الزمن، كان من المفترض أن الحقوق المدنية الكاملة والمساواة الكاملة في الحقوق لكل شخص داخل حدود الدولة، إلى جانب الرفاه الاقتصادي، من شأنها أن تمنع العنف. وقد أدت الكارثتان المزدوجتان وموجة الإرهاب الإسلامي على الساحة الدولية إلى تقويض هذا التوجه. ومن المثير للدهشة أن المواطنين الذين يستمتعون بثمار الديمقراطية الليبرالية قد تحركوا ضدها. إن الإرهاب الإسلامي الذي ضرب أوروبا، إلى جانب موجة كبيرة من الهجرة، دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في المفاهيم الأساسية المتعلقة بالقبول والإدماج والرفاهة الاقتصادية للمهاجرين، حيث ثبت أن هذه المفاهيم لم تساعد في منع اللجوء إلى العنف. لقد تبين أن الالتزام بالعقيدة الدينية والقبيلة، أي “سياسة الهوية”، أقوى وأعمق من فكرة الدولة القومية في خصائصها الغربية.
العولمة: استندت الظاهرة الى افتراض أن ذلك من شأنه تمكين الكفاءة الاقتصادية وزيادة الأمن، إذ أن انتشار التكنولوجيا يدعم الإنتاج في أرخص مكان والنقل الآمن والرخيص إلى جميع أنحاء العالم. إن العولمة تقلل من أهمية الحدود، ومع تزايد تعقيد سلاسل التوريد وطولها وشمولها لعدد أكبر من البلدان، يتم إنشاء الترابط بين البلدان، مما يتطلب الاستقرار وبالتالي زيادة الأمن. ولكن جائحة فيروس كورونا كانت بمثابة جرس إنذار: إذ أدت الاضطرابات الناجمة عن الجائحة العالمية فجأة إلى إدراك واسع النطاق لمدى هشاشة سلاسل التوريد. لقد تسببت عمليات الإغلاق الطويلة في الصين في حدوث اضطرابات شديدة في إمدادات المنتجات الاستهلاكية، وأصبحت أجهزة الأمن تدرك حقيقة مفادها أن الأمن القومي، في جوانبه المختلفة، يعتمد أيضًا على وجود سلاسل التوريد.
الحرب: كان الافتراض هو أن الحرب التي تهدف إلى تغيير الحدود سوف تختفي من التاريخ، وأنه لم يعد هناك مكان لاستخدام العنف لتغيير الحدود وفرض الرؤية السياسية لدولة على أخرى. وحتى لو كانت الطبيعة البشرية ميالة إلى الحرب، فإن طبيعة الحرب من المتوقع أن تكون مختلفة ومحدودة: ليست دبابات تتجه نحو عاصمة أوروبية، أو هجوماً همجياً على المدنيين بغرض المذابح والاغتصاب والخطف. وكان الخبراء مخطئين مرة أخرى. وقد دحضت الحرب بين روسيا وأوكرانيا والهجوم القاتل الذي شنته حماس على المدنيين المسالمين داخل الأراضي السيادية المتفق عليها لدولة إسرائيل هذا التقييم.
الحقيقة: الافتراض هو أن المواطنين في بلد ديمقراطي يختارون ممثليهم على أساس حكمهم الخاص، والذي يتأثر بقدرتهم على فهم الحقيقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العلم والسعي الدائم وراء الحقيقة يقودان التقدم التكنولوجي، وهناك سلطة مهنية تضمن الموثوقية. إن الحقيقة وحرية المعلومات تسمح لكل شخص بمعرفة المزيد، والتأكد من الواقع بنفسه، واتخاذ القرار الصحيح من خلال عملية ديمقراطية مناسبة. ولكن عصر التطور التكنولوجي الشخصي، الذي بدأ مع ظهور هاتف آيفون، غيّر كل هذا. يتأثر البعد الخاص بالوعي الشخصي بخوارزمية تكنولوجية. علم الأحياء لا يواكب التغير التكنولوجي. يعيش الناس في غرف صدى، ونظريات المؤامرة، وفخاخ الخداع المعقدة، وحتى التمييز بين الإنسان والآلة أصبح مستحيلاً. إن حرية المعلومات تسمح بالمعلومات الكاذبة والمعلومات الخبيثة، ولم يعد الفرد في الديمقراطية مستقلاً في آرائه.
والاستنتاج القاتم هو أن الديمقراطية الليبرالية لا تضمن الأمن الشخصي، والاقتصاد، والأمن القومي، والتجمع الحر (على افتراض وجود مثل هذه الظاهرة). ولمواجهة هذه التحديات، تعمل كافة الدول الديمقراطية الغربية على تطوير استراتيجيتين للاستجابة: استراتيجية منحازة إلى الخارج، وإلى جانبها استراتيجية منحازة إلى الداخل.
مبادئ الاستراتيجية الخارجية
في مواجهة التهديد للأمن الشخصي: معالجة مشاكل الهجرة في بلد المنشأ. وردًا على الهجرة من أفريقيا، لا بد من خلق فرص العمل في هذه القارة؛ وفي إطار الرد على الهجرة من الشرق الأوسط، لا بد من معالجة جذور المشكلة التي تسبب موجات اللاجئين من المنطقة ــ الحروب بين البلدان وداخلها، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني
.في ظل تهديد العولمة: شراكات دولية تخلق ترابطاً بين المصالح في عدد كبير من مجالات التجارة، ونضالاً ضد الدول التي تقوض قواعد وقوانين النظام العالمي (الصين، روسيا، إيران، كوريا الشمالية).
في مواجهة تهديد الحرب: إنشاء تحالفات دفاعية – إنشاء شبكة معقدة من التحالفات والاتفاقيات التي تهدف إلى ضمان قوة النظام والبلدان المنتمية إليه ككيانات منفصلة.
في ضوء التهديد الذي يواجه الوعي: التنظيم العالمي للسيطرة على تطوير الذكاء الاصطناعي، وأنظمة إنفاذ القانون العالمية لمعالجة مشاكل الاحتيال، وضوابط التحقق من الحقائق، والتدخل في محتوى منصات التواصل الاجتماعي.
مبادئ الاستراتيجية الداخلية
نظراً للتهديد الذي يواجهه الأمن الشخصي: سياسة هجرة صارمة ومقيدة، بما في ذلك ترحيل المواطنين غير المسجلين أو المهاجرين غير الشرعيين.
في مواجهة تهديد العولمة: نقل قدرات الإنتاج إلى أراضي الدولة ذات السيادة.
في ظل خطر الحرب: زيادة الاستثمار في الأمن وتبني مفهوم أمني متشدد يرى أن التهديدات الناشئة لا ينبغي احتواؤها أو الاكتفاء بإدارة المخاطر.
في مواجهة تهديد الوعي: إزالة التنظيم الداخلي، وإزالة البيروقراطية، واتباع سياسة ليبرالية تسمح لكل شخص بالتعامل مع المشكلة من خلال التعرض لجميع المعلومات، وجعل النظام البيروقراطي مرنًا بما يكفي للتعامل مع اعتماد التكنولوجيا التخريبية. (إن مكتب كفاءة الحكومة الذي يرأسه إيلون ماسك هو التجسيد المثالي لهذه الاستراتيجية).
وتوجد هاتان الاستراتيجيتان متنافستين ومتحدتين في كل الدول الليبرالية الغربية. إن المنافسة بينهما تولد صراعا سياسيا بين اليسار واليمين. وإسرائيل لا تختلف في هذا المعنى. إن الصراع الداخلي الإسرائيلي هو “فرع محلي” للظاهرة العالمية: حيث يُنظر إلى التوجهات المنغلقة على أنها مواقف يمينية (على وجه الخصوص، السياسات ضد الأجانب والهجرة، والسياسات الأمنية المتشددة، وإزالة السيطرة على الشبكات الاجتماعية وإضعاف الاتصالات المؤسسية، وتحييد الاعتماد على سلاسل التوريد الخارجية)؛ إن المواقف ذات الميول الخارجية يُنظر إليها خطأً على أنها مواقف يسارية (على وجه الخصوص، سياسة الهجرة الليبرالية لإسرائيل، والتكامل والمساواة للمواطنين العرب في الدولة، وحرية الصحافة المؤسسية، وتعزيز العلاقات الدولية، والحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، ومحاربة التأثير الخبيث على وسائل التواصل الاجتماعي (آلات السم المختلفة)، والسياسة الخارجية التي تسعى إلى التسويات واتفاقيات السلام).
والسبب في كون هذا تفسيراً سياسياً خاطئاً هو أنه في الواقع لا توجد بالضرورة صلة بين المواقف السياسية الحزبية ونظرة عالمية خاصة لهذه القضايا. يمكن أن يكون الشخص يمينيًا مع نهج التكيف الخارجي والعكس صحيح.
إن الترامبية هي نهج داخلي للتعامل مع أزمة الديمقراطيات الليبرالية، مقترنة بالدبلوماسية التجارية. ولذلك فإن فهم الواقع يتطلب أيضاً فهم مبادئ الدبلوماسية التجارية من مدرسة الرئيس ترامب الفكرية:
مبادرات تشويش – التقاليد ليست ذات صلة والقيود والحدود المعيارية ليست ذات صلة. إن خبرائهم ومعرفتهم ليست فعالة وذات صلة، بل على العكس من ذلك – فهي تحد من تفكيرهم. الخبراء ذوو الخبرة لا يوقفون إلا المبادرات المبتكرة، بينما رجل الأعمال غير المقيد المليء بالأفكار محبط، لأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
النهج التجاري في العلاقات الدولية – “إنها مجرد تجارة”: إن مشاعر الطرف الآخر، وتراثه، وتاريخه، وممارساته المقبولة، وحتى مبادئه الدينية التي تشكل جزءاً من المفاوضات ليس لها أي معنى. كل شيء قابل للتداول، وكل شيء يتوافق مع توازن السعر والتبادل.
القوة – العالم لا يفهم إلا القوة. وفقًا لهذا النهج، لا معنى لأن تكون قويًا إذا لم تثبت قوتك أو تستخدمها. إن الولايات المتحدة لن تكون قوية إلا إذا كانت مستعدة لاستخدام نفوذها. إن غرض القوة ليس بالضرورة خلق الصراعات، بل تجنبها من خلال ثني إرادة الآخر من أجل تحقيق الصفقة المرغوبة بشروط أكثر ملاءمة.
وبناء على هذه المبادئ، من الممكن أيضا فهم اقتراح ترامب بنقل سكان غزة وربما حتى فرض السيطرة الأميركية على قطاع غزة: ربما لا يكون هذا انفجارا كلاميا، بل خطوة مخططة. وهذا ليس بالوناً تجريبياً أو ورقة مساومة (“مِعْزَة”): فمن وجهة نظر الرئيس ترامب، إذا نجحت هذه الخطوة ــ فسيكون ذلك ممتازاً. ولكن حتى لو لم ينجح الأمر، فإن مجرد طرح الفكرة يغير النظام بشكل حاسم ويمنعه من الانفجار. وهذا تعبير ممتاز عن النهج الترامبي:
مبادرات تشويش – القرار هو نتيجة منطقية للبيانات مع تجاهل البنية التحتية التاريخية: وفقًا لمعلومات الأونروا الرسمية، فإن 70 في المائة من سكان غزة هم من اللاجئين. لقد تم تدمير مخيمات اللاجئين بالكامل. إذا تجاهلنا الرواسب التاريخية، وارتباط الشخص بمكان إقامته، والمعايير الدولية، والحساسية الشرق أوسطية المعروفة، فإن نقل اللاجئين لن يضرهم، بل على العكس تمامًا.
النهج التجاري ـ من منظور العقارات، يشكل قطاع غزة أحد الأصول. ولا يمكن إعادة إعماره في حالته الحالية. وإذا تم تخصيص موقع بديل للمشردين في قطاع غزة، فيمكن تحسين الأرض من خلال بناء عالي الجودة. وسوف يستفيد الجميع: سوف يحصل سكان غزة على موقع بديل أفضل، ولن تبقى حماس كمنظمة عسكرية حكومية في غزة، ولن تواجه إسرائيل أي تهديد أمني من القطاع، وسوف يستفيد السكان الجدد من البنية التحتية الجديدة في “غزة الجديدة”.
القوة – يتم التعبير عن القوة في المفاوضات من خلال موقف افتتاحي يصدم الطرف الآخر. إن طرح فكرة متطرفة تثير غضب مصر والأردن وتهدد بتقويض أمنهما لا يقدم لهما إلا خيارات سيئة ويخلق وضعا جديدا حيث من المنطقي أن يبحثا عن خيارات أقل سوءا للانخراط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. على سبيل المثال: إذا كان الاتحاد الفيدرالي الأردني الفلسطيني أمراً غير وارد من وجهة نظر الأردن، فإنه ينظر إليه الآن باعتباره أفضل من إمكانية أن يصبح الأردن دولة فلسطينية. وقد فعلت مصر نفس الشيء، حيث رفضت في كافة جولات المفاوضات مع إسرائيل قبول أي مسؤولية عن قطاع غزة. وفجأة، أصبحت السيادة المصرية على قطاع غزة تبدو فكرة أفضل من احتمال تجمع مليون فلسطيني عاطل عن العمل في القاهرة. وأخيرا، إذا كانت المملكة العربية السعودية تشترط أي تقدم نحو التطبيع مع إسرائيل بوجود دولة فلسطينية، فربما يكون منع طرد الفلسطينيين من قطاع غزة كافيا لإقامة علاقات دبلوماسية مفتوحة مع إسرائيل.
من المشكوك فيه للغاية أن تؤدي مبادرة ترامب إلى هجرة جماعية للفلسطينيين من قطاع غزة (الكثيرون في إسرائيل، عبر الطيف السياسي، يتمنون ذلك في قلوبهم إن لم يكن علناً)، ولكن لأن الدول العربية ستعتبر موجة الهجرة “نكبة 2” وستعارضها بكل قوتها (الضعيفة)، ولأن معظم دول العالم تواجه صعوبة في التعامل مع المهاجرين والهجرة الجماعية، فمن الصعب أن نتخيل هذا في الوقت الراهن. والأمر المؤكد هو أن هذا يبدو وكأنه عملية مدروسة لتقديم فكرة بعيدة المدى من شأنها أن تجبر جميع “الخبراء” والأطراف ذات الصلة في الشرق الأوسط وربما خارجه على إعادة التفكير.
وبالمناسبة، هذه هي بالضبط الطريقة التي صيغت بها “اتفاقيات إبراهيم” في الماضي. قدم فريق ترامب “صفقة القرن”. وتهدف هذه الخطة إلى إقامة دولة فلسطينية على 70% من أراضي الضفة الغربية كجزء من تبادل الأراضي مع إسرائيل في النقب، حيث تشمل 30% أخرى. إن هذا المخطط الذي لا يمكن تنفيذه عمليا، خلق الشرعية لضم غور الأردن: هذه الفكرة المتطرفة توقفت “دقائق” قبل الضم من قبل الإمارات العربية المتحدة. اقترح صهر ترامب، جاريد كوشنر، فكرة بديلة – تأجيل الضم لمدة أربع سنوات مقابل اتفاق سلام مع إسرائيل.
ويرى كثيرون في اليمين الإسرائيلي أن رؤية ترامب للعالم تشكل فرصة، وإطارا أيديولوجياً سياسياً من شأنه أن يسمح باستمرار الحرب في قطاع غزة، وتدمير البرنامج النووي الإيراني، وإبعاد القضية الفلسطينية إلى هامش الأجندة الدولية، حتى لو لم تكن الإقليمية. من الممكن، ولكن من المؤكد أنه ليس مضمونًا. السياسة المحددة لترامب هي سياسة واحدة: جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى (MAGA). إن هذه السياسة تضع المصالح قبل القيم، والانعزالية قبل الشراكات، والقوة النفعية في العلاقات بين الدول. ما دامت مصالح إسرائيل والولايات المتحدة متوافقة، فمن الواضح أن إسرائيل لن تواجه أي مشكلة. لكن في المرة الأولى التي ينشأ فيها صراع، لن يتم إدارته بأدب، كما فعلت إدارة بايدن عندما نشأ التوتر بينها وبين الحكومة الإسرائيلية. ولكن احتمالات الصراع ليست ضئيلة، إذ إن الإدارة الأميركية تنظر إلى الأمور بشكل مختلف عن إسرائيل في ثلاثة مجالات:
الأفضلية، حتى كتابة هذه السطور، هي استكمال صفقة الأسرى حتى النهاية، بدلاً من استئناف الحرب في قطاع غزة.
يفضل التوصل إلى “صفقة جيدة جدًا” مع إيران بدلاً من مهاجمة المنشآت النووية وحرب أخرى في الشرق الأوسط.
إعطاء أهمية كبيرة للسلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، حتى لو كان إقامته يتطلب من إسرائيل أن تكون مرنة في التعامل مع القضية الفلسطينية.
ختاماً
إن اقتراح الرئيس ترامب لإعادة إعمار قطاع غزة واستقراره ــ والذي يعكس في مجمله نهجه القوي القائم على الأعمال التجارية والتخريب في التطبيق، وفي هذه الحالة في الممارسة العملية ــ يشكل خطوة تخريبية، حتى وإن لم يكن الرئيس نفسه متأكداً من إمكانية تنفيذه. ومن وجهة نظره، إذا نجحت الخطوة المقترحة وتم إفراغ قطاع غزة من سكانه وإعادة بنائه كـ”ريفييرا” في الشرق الأوسط ــ فليكن. وإذا لم يحدث ذلك، فقد كانت هناك بالفعل موجات من ردود الفعل التي تشير إلى تقويض الافتراضات الأساسية، وزيادة المرونة، وتغيير المصالح المعلنة للدول في الشرق الأوسط، وإضافة درجات من الحرية إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي ظل لفترة طويلة محصوراً في دائرة تلك الأفكار التي لا يمكن تنفيذها.
—————————————-
هآرتس 5/3/2025
تنفيذ اقتراح الدول العربية لاعمار غزة ليس متعلقا بها
بقلم: جاكي خوري
قمة الجامعة العربية صادقت مساء أمس على اقتراح مصر لادارة قطاع غزة وإعادة اعماره. مصر اقترحت أن من سيدير القطاع في الستة اشهر القادمة هي لجنة من المهنيين الغزيين الخاضعين للسلطة الفلسطينية. اللجنة المهنية ستهتم بتشغيل المؤسسات في غزة لغرض إعادة الاعمار. بعد ذلك، حسب الاقتراح السلطة الفلسطينية هي التي ستدير القطاع. الاقتراح ينص أيضا أنه خلال سنة سيتم اجراء الانتخابات في كل المناطق الفلسطينية، شريطة نضوج الظروف لذلك. الاقتراح يرفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من القطاع.
في حماس باركوا هذا القرار. في البيت الأبيض رفضوا الخطة وقالوا إنها لا تتعامل مع الوضع في القطاع. وقالوا أيضا إن الرئيس الأمريكي ملتزم بخطة إعادة اعمار القطاع بدون حماس.
مصادر مصرية وفلسطينية قالت إن بيان القمة يدل على أن زعماء الدول العربية يعملون بتعاون بهدف بلورة خطة لاعادة اعمار غزة وادارتها، لا سيما منذ اللقاء في السعودية قبل أسبوعين. ولكن حسب هذه المصادر فان مواقف بعض اللاعبين الرئيسيين الذين تنفيذ الخطة متعلق بهم ما زالت غير واضحة. ولكن أولا وقبل كل شيء من غير المعروف اذا كانت حماس ستتعاون مع الخطة وستنزع سلاحها وتتنازل عن سيطرتها في القطاع.
نفس المصادر قالت أيضا بأنه من غير الواضح اذا كانت إسرائيل ستتعامل مع الخطة وستوافق على عودة السلطة الى القطاع. المصادر تساءلت أيضا اذا كانت إسرائيل ستكون مستعدة للعودة الى مسار المفاوضات، الذي يهدف الى حل النزاع على أساس حل الدولتين. المصادر قالت أيضا بأنه من غير الواضح بعد اذا كانت الإدارة الامريكية ستتبنى موقف القمة العربية، خاصة إزاء التقدير بأنه في الإدارة هناك جهات تميل الى دعم موقف إسرائيل.
القاهرة تقترح إعادة اعمار القطاع بتكلفة 53 مليار دولار، وتطلب عقد مؤتمر دولي في هذا الشهر، من اجل تجنيد أموال الاعمار ومناقشة تطبيق الخطة. حسب الاقتراح فان إعادة الاعمار الشاملة ستستغرق حوالي خمس سنوات، حيث في المرحلة الأولى التي ستكون نصف سنة سيتم جمع الأنقاض وإيجاد حلول مؤقتة للسكن.
اقتراح مصر لا يتطرق بشكل صريح لاحتمالية أن يتم نزع سلاح حماس، حتى أنه لا يذكرها باعتبارها ستحكم القطاع، عسكريا أو مدنيا. مصر تتوجه في الاقتراح أيضا الى مجلس الامن وتطلب أن يضع في القطاع قوة حفظ سلام من قبله لفترة ستة اشهر. حسب الاقتراح، من اجل إعادة الاعمار سيتم تقسيم القطاع الى سبعة مناطق، بحيث يتم تأهيل كل منطقة من اجل استيعاب السكان الذين سيتم نقلهم من مناطق أخرى بشكل متناوب الى أن يتم إعادة بناء المنطقة.
رغم أنه حسب الخطة التي تبنتها القمة العربية فان حماس لن تكون مشاركة في إدارة غزة، إلا أنهم في حماس باركوا القرار بدون التطرق بشكل صريح الى قضية نزع سلاحها في غزة. “نحن أكدنا مرة تلو الأخرى الدعم لكل ما يخدم مصلحتنا”، جاء من حماس. “نحن أعلنا عن دعم قرار تشكيل لجنة مهنية تهتم بإعادة الاعمار وإدارة القطاع. ودعوة القمة الى تطبيق وقف اطلاق النار في غزة بشكل كامل تدل على دعم الدول العربية للشعب الفلسطيني”.
وقد شارك في القمة زعماء كل من مصر، الأردن، قطر ودول عربية أخرى. زعماء السعودية، اتحاد الامارات، الجزائر وتونس لم يشاركوا واكتفوا بارسال وزراء الخارجية. من غير الواضح اذا كان غياب محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يدل على خلافات بين دول الجامعة العربية. أو أنه ربما بالنسبة لهما اطار الخطة تمت بلورته بحضورهما في القمة التي عقدت في السعودية قبل أسبوعين. هدف اللقاء كان بلورة موقف موحد للدول العربية امام اقتراح الأمريكي دونالد ترامب طرد الفلسطينيين من القطاع، من اجل التأكيد على معارضة هذه الخطة وإيجاد بدائل لها.
في بيان علني دعا الزعماء المجتمع الدولي الى توفير المساعدات المالية المطلوبة لتطبيق الخطة. في نفس الوقت اضافوا بأنه يجب البدء في العملية السلمية لتحقيق حل دائم للنزاع يقوم على أساس حل الدولتين وضمان حق الفلسطينيين بدولة مستقلة. الزعماء أيضا طلبوا أيضا تطبيق بشكل كامل اتفاق وقف اطلاق النار بشكل يؤدي الى انسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع ومن محور فيلادلفيا. وأضافوا بأنه يجب استئناف ادخال المساعدات الإنسانية الى القطاع بدون تشويش.
الزعماء العرب أكدوا على الحاجة الى اجراء إصلاحات شاملة في السلطة الفلسطينية وبناء مؤسسات وطنية قابلة للحياة، وأكدوا على مكانة م.ت.ف كممثلة شرعية وحيدة للشعب الفلسطيني. أيضا عادوا ورفضوا أي محاولة لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة وأي تشجيع على “الهجرة الطوعية” لسكانه، وحذروا إسرائيل من التداعيات المتوقعة لأي محاولة لضم مناطق فلسطينية – “الامر الذي يمكن أن يؤدي الى تصعيد خطير وتوسيع النزاع الى مناطق أخرى في الشرق الأوسط”.
ردا على اقوال الزعماء عن الحاجة الى اجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية اعلن الرئيس محمود عباس عن نيته تعيين نائب لرئيس م.ت.ف، وإصدار العفو لكل من تمت اقالتهم من صفوف حركة فتح. اصدار العفو يبدو أنه خطوة استهدفت دعوة أشخاص سابقين في الحركة مثل محمد دحلان وناصر القدوة وغيرهما الى العودة الى صفوف الحركة.
في لقاء عقده على هامش القمة مع الرئيس السوري احمد الشرع، قال الرئيس الفلسطيني إن “قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين التي توجد لها صلاحيات سياسية وقانونية عليه. وقد تم عرض الخطط اللازمة للبدء في تقديم الخدمات الأساسية لاعادة رجالنا الى أماكنهم في غزة”، قال. “الأولوية هي وقف اطلاق النار وتقديم المساعدات والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة”. “العربي الجديد” نشرت أن محمود عباس يتوقع أن يعرض على القمة رؤية السلطة الفلسطينية لمواجهة الازمة على أمل الحصول على الدعم، رغم أن مصر والأردن لا تؤيدان ذلك.
——————————————
هآرتس 5/3/2025
تحقيق الشباك يعترف أنه فشل لكنه يوجه أصبع اتهام لرئيس الوزراء
بقلم: عاموس هرئيلِ
الشباك لخص أمس تحقيقاته حول فشل المذبحة في 7 أكتوبر. الجهاز اعترف بسلسلة إخفاقات هامة أساسها عدم إعطاء انذار مناسب بشأن استعدادات حماس لتنفيذ الهجوم في الليلة السابقة. مع ذلك، التحقيق يوجه اصبع الاتهام أيضا الى إخفاقات في سياسة إسرائيل بخصوص القطاع، وبدرجة كبيرة يوجه النار نحو المستوى السياسي، بالأساس تجاه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي تسلم هذا المنصب في الـ13 سنة من بين الـ 15 سنة التي سبقت المذبحة.
رغم أنه تحمل المسؤولية عن دوره في الفشل، إلا أن رئيس الشباك رونين بار، لا ينوي الاستقالة في القريب، ويبدو أنه سيناضل ضد محاولة نتنياهو لجعله يستقيل. في هذه الاثناء سينهي صديق بار المقرب، رئيس الأركان هرتسي هليفي، ولايته قبل سنة وعشرة اشهر من الموعد الأصلي المخطط له. أيضا هليفي، مثل بار، هو مسؤول رئيسي عن الفشل.
بار طلب من طاقم التحقيق الداخلي في الشباك، الذي ضم اثنان من رؤساء اقسام الجهاز المتقاعدين متقاعدين والجنرال احتياط امير أبو العافية، توفير له “صورة اشعة تنظيمية” وتوصيات بشأن إصلاحات مطلوبة في عمل الجهاز التي بعضها تم تطبيقها.
صائغو التحقيق قالوا إن الشباك فشل في مهمته لأنه لم يعط أي تحذير لإحباط المذبحة. بأثر رجعي يتبين أن الشباك يجد صعوبة في عرض انذار بشأن شن الحرب، خلافا لاحضار معلومات استخبارية دقيقة حول نوايا العدو. رغم أنه حسب رأيهم الشباك (خلافا للمستوى السياسي وأجهزة أخرى في منظومة الدفاع) ادرك بالضبط حجم تهديد حماس، إلا أنه لم يترجم ذلك الى انذار مناسب، من حيث الحجم والتوقيت.
تفاصيل كثيرة وبعض التوصيات في التحقيق مطابقة لعمل طواقم التحقيق العسكرية، ولكن بتوجيه من بار فان الشباك حقق مع نفسه بشكل منفصل ولم ينسق خطواته مع الجيش الإسرائيلي. من تحقيقات الشباك يتبين أن الخطة التي اطلقت عليها حماس “الوعد الثاني” أو “آخر الزمان” (“سور أريحا”، بلغة الجيش الإسرائيلي)، وصلت الى معرفة إسرائيل مرتين بنسختين مختلفتين. المرة الاولى في العام 2018 والمرة الثانية 2022. في المرتين التهديد لم يتم علاجه في الجهاز حسب نظرية القتال المطلوبة، ولم يتم بناء نموذج للإنذار من تطبيق الخطة كما هو مطلوب. ورغم تحسن وتطور علاقات العمل مع شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، التي تضمنت تحديد مسؤولية مشتركة عن المعلومات حول قطاع غزة في 2017 إلا أنه لم يتم اجراء عملية منسقة مع الوحدة 8200 التابعة لأمان حول تحليل الخطة. ومثلما في الجيش فان التعامل مع الخطة في الشمال علق في المستوى المتوسط، وكبار قادة الجهاز لم يعرفوا عنها أبدا.
عيوب أخرى تتعلق، ضمن أمور أخرى، بتشغيل العملاء في القطاع. الشباك هو المسؤول الحصري منذ فترة عن تشغيل العملاء البشريين “يومنت” في القطاع، وهؤلاء الذين شغلهم لم ينجحوا في جلب انذار عن الهجوم المخطط له، الذي كان يتناسب مع “سور اريحا”. أحد العملاء الرئيسيين كذب عندما سئل بخصوص الإشارات المقلقة التي تراكمت في تلك الليلة المصيرية (على رأسها تفعيل بطاقات الهواتف المحمولة في 45 هاتف محمول لاعضاء حماس). بعض العملاء الآخرين لم يتم سؤالهم على الاطلاق. إضافة الى ذلك لم يتم اجراء ما يكفي من فحص معلومات استخبارية أخرى وصلت قبل يوم من المذبحة، التي في معظمها من الوسائل التكنولوجية.
ضباط متقاعدين في الشباك وجهوا الانتقاد لما سموه منحى متواصل في ظل الرئيسين الأخيرين للشباك، بار وسلفه نداف ارغمان، من خلال تفضيل وحدات قسم العمليات واستخدام التكنولوجيا المتقدمة على تجنيد المصادر البشرية وتشغيلها. بار قال لطاقم التحقيق بأنه لا أساس لهذه الاتهامات، وأن طاقم العملاء البشري، “يومنت”، في القطاع لم يتم اهماله، في حين أن الاستثمار في التكنولوجيا أثمر مثلما في مسألة بطاقات الهواتف المحمولة.
مع ذلك، في الشباك يعترفون بأن الجهاز لم ينجح في جلب ما يكفي من المعلومات الاستخبارية من العمليات في القطاع، أيضا بسبب الفعالية الكبيرة لجهاز الامن الوقائي لحماس، الذي سيطر على غزة بقبضة حديدية. وهو الجهاز الذي قام بكشف طاقم إسرائيلي اثناء عملية له في خانيونس في 2018 في الحادثة التي قتل فيها ضابط من الجيش الإسرائيلي.
من التحقيق يتبين أن كبار قادة الشباك بدأوا في تحليل المعلومات التي تم جمعها ومعناها في مساء 6 أكتوبر. بار عقد في المقر تقدير للوضع مع كبار الضباط ذوي الصلة في الساعة الرابعة والنصف فجرا، وبشكل مواز تحدث رؤساء المنطقة الجنوبية في الشباك مع قائد المنطقة الجنوبية يارون فنكلمان. وقد تم الاتفاق على عدة خطوات محددة للاستعداد والحذر. في الجيش خافوا من اكتشاف حماس بأن عمليتها كشفت. في الشباك قلقوا من احتمالية التقدير السيء: كل طرف سيفسر بشكل خاطيء النشاطات الدفاعية للطرف الآخر، وسيحدث التصعيد الذي سيؤدي الى اطلاق الصواريخ على جنوب البلاد وربما المركز.
في نهاية الجلسة تقرر نشر انذار للشباك حول احتمالية تنفيذ عملية، لكن هذا الإنذار تمت صياغته على اعتبار أنه من المستوى المتدني جدا، الذي يتم اتخاذه في مثل هذه الحالات (“معلومات انذارية”)، وليس انتظام أو عن الدرجة الخطيرة جدا وهي الإنذار. بار قرر أن يرسل الى الجنوب طاقم معزز من قسم العمليات في الجهاز المتخصص في احباط عمليات معينة. ولكن هذا السيناريو الذي استعد له الطاقم كان اقتحام واختطاف في مستوطنة واحدة قرب الجدار ولم يتعلق على الاطلاق بهجوم واسع على طول حدود القطاع.
تحقيق الشباك فسر المرات الكثيرة التي أوصى فيها رؤساء الجهاز الأخيرين نتنياهو (وحكومة بينيت – لبيد) اغتيال كبار قادة حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد الضيف. رؤساء الحكومة لم يصادقوا في أي يوم على ذلك. أيضا عشية الهجوم أوصى الشباك باغتيال شخصيات رفيعة في الذراع العسكري في القطاع بسبب تورط “قيادة الضفة” في حماس التي توجد في القطاع في توجيه العمليات في الضفة الغربية.
خلافا للجيش الإسرائيلي فان الشباك لا يعتبر نفسه شريك في التصور الخاطيء حول نوايا حماس. أرغمان عارض نقل الأموال القطرية وإدخال العمال للعمل في إسرائيل (بار انحرف عن موقف سلفه في الموضوع الثاني بناء على طلب من نفتالي بينيت). في فترة ارغمان عرض الشباك على نتنياهو أدلة على أن أموال قطر تستخدم لأغراض حماس العسكرية، وليس فقط تساعد السكان المدنيين.
بار حذر، خلافا لاقوال نتنياهو ورئيس الأركان هليفي وسلفه افيف كوخافي وكبار قادة “أمان”، من أن حماس ليست مرتدعة حقا من إسرائيل. الشباك أيضا تحفظ من سياسة التمييز التي يتبعها نتنياهو بين حماس في القطاع والسلطة الفلسطينية في الضفة. ففي شباط 2023 تم اجمال التقدير الاستخباري السنوي للشباك، الذي جاء فيه بأن توجه حماس ليس الحرب، لكن في المقابل حذر التقدير من أن خطوات إسرائيل الاستفزازية في الحرم وتجاه السجناء الفلسطينيين مثلما بدأت عند تولي حكومة نتنياهو الحالية، يمكن أن تجعل حماس تبادر الى تنفيذ عملية تدهور الوضع على حدود القطاع. الدرس من هذه الاقوال واضح. فخلافا لادعاءات نتنياهو كان هناك من امسك بياقته عدة مرات.
الخصم
نتنياهو طلب مؤخرا من بار التبكير وتقديم له تحقيقات الشباك حول الحرب. ومثلما في حالة هليفي فان رئيس الحكومة يريد استخدام التحقيقات من اجل تحميل المسؤولية عن المذبحة لكبار القادة في المستوى الأمني. وفي نفس الوقت فرض عليهم تقديم الاستقالة المبكرة حيث تركز النقاش العام على اخفاقاتهم. هذا في الوقت الذي يحارب فيه بكل الطرق تشكيل لجنة تحقيق رسمية، التي يؤيد تشكيلها 70 في المئة من الجمهور. في يوم الاحد كرس نتنياهو جزء كبير ومؤثر من خطابه في الكنيست لمهاجمة التحقيق المستقل. قبل فترة قصيرة من ذلك ضرب المنظمون في الكنيست آباء ثكالى وأعضاء “مجلس 7 أكتوبر” الذي يطالب باجراء تحقيق رسمي، بعد أن أرادوا الاحتجاج اثناء جلسة الكنيست.
لكن يبدو أن بار غير مستعد لتسهيل الامر على نتنياهو. ففي محادثات مع موظفيه قال مؤخرا رئيس الجهاز بأنه بقيت له مهمتان، إعادة الـ 59 مخطوف، الاحياء والاموات، من قطاع غزة، وضمان تشكيل لجنة التحقيق الرسمية. فقط بعد ذلك سيغادر. في الخلفية يثور توتر آخر بين نتنياهو وبار حول مبادرة الأخير، التنسيق مع المستشارة القانونية للحكومة، المحامية غالي بهراف مياري، لفتح تحقيق آخر ضد موظفين في محيط نتنياهو، هذه المرة بتهمة الاشتباه بعلاقات مع قطر. رئيس الحكومة يظهر عصبية كبيرة في هذا الشأن، رغم أنه في التحقيق لم يتم طرح ادعاءات تتعلق به بشكل مباشر. في حين أن المستشارة القانونية للحكومة تعتقد أن اجراء التحقيق في مسألة قطر يجب أن يمنع نتنياهو من اقالة بار الآن.
بار، مثل هليفي وجهات رفيعة أخرى في الجيش وفي الشباك، فشل فشلا ذريعة في 7 أكتوبر. النتيجة هي الكارثة الأكثر خطرا في تاريخ الدولة. لا شك أنه، مثل رئيس الأركان، يجب عليه ترك منصبه قبل انتهاء ولايته في تشرين الأول 2026. حتى الآن في الظروف التي نشأت حالته مختلفة عن حالة هليفي. نتنياهو بسبب الدعم الذي حصل عليه من الرئيس الأمريكي في اللقاء بينهما في الشهر الماضي، يحاول القاء الرعب على المستوى المهني في جهاز الامن وجهاز القضاء ووزارات حيوية أخرى في الحكومة. بعد نشر التحقيقات وتفاصيل إخفاقات الجيش الإسرائيلي والشباك فان ماكنة السم التي تخدم رئيس الحكومة ستزيد سرعتها، وبار سيكون الهدف الرئيسي. بيان طويل ومسموم بشكل خاص، الذي أصدره أمس مكتب رئيس الحكومة ضد بار نفسه، يدل على التصعيد الآخر الذي يتوقع في المواجهة. للمراقب يبدو أنه مستعد لمحاربة ذلك حتى رغم الادراك بأنه يتوقع أن تكون فترة صعبة للجهاز وحتى لعائلته. السؤال هو أي فرق عسكرية بقيت لهذا القائد العسكري في معركة دفاعه الجديدة؟.
جزء من الصدام بين الاثنين ينبع من تشكك بار وكثيرين آخرين بأن نتنياهو يريد وضع على رأس الجهاز شخص يروق له، يخضع لكل تعليماته. عندما عاد من الولايات المتحدة فاجأ رئيس الحكومة أعضاء الكابنت بـ “خطاب الإخلاص”، الذي ألمح فيه للمشاركين بأن من لا يتساوق معه لن يواصل البقاء في منصبه. ترامب، قال نتنياهو، يقدر الزعماء الأقوياء الذين يتصرفون مثله.
——————————————
يديعوت احرونوت 5/3/2025
تحقيقات الشاباك أشارت الى مسؤولية المستوى السياسي في إخفاق 7 اكتوبر
بقلم: بن درور يميني
كان هذا ترتيبا ممتازا. الواحد تلو الآخر تنشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي، وأمس تحقيق الشباك. لكل التحقيقات يوجد قاسم مشترك واضح. في جميعها يوجد أخذ للمسؤولية. لا طمس ولا تبرير. نحن مذنبون، يقول ضباط كبار، بمن فيهم رئيس الأركان. بعضهم استقال منذ الان. اليوم سيكون هذا رئيس الأركان هرتسي هليفي الذي ستدخل استقالته حيز التنفيذ. لانه هكذا يعمل أناس يأخذون المسؤولية.
كان هذا ترتيبا ممتازا لان الاعلام يعنى بلا توقف بالتحقيقات. ما حصل في ناحل عوز وما حصل في كفار عزة وما حصل في الاستحكام إياه وماذا كان في تلك الليلة. ومن لا يشارك في الاحتفال؟ ومن يراقب من الجانب؟ الرجل الذي يتحمل المسؤولية العليا. الذي قرر الاستراتيجية، الذي قرر أن حماس هي ذخر، الذي تجاهل في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر كل أجراس التحذير. هو ليس في اللعبة. فليلعب الفتيان أمامه.
“يوجد تخوف من أن رئيس الوزراء سيتخذ قرارات على أساس المصلحة الشخصية لبقائه السياسي وليس على أساس المصلحة القومية. هذه كلمات واحد، هو بنيامين نتنياهو. قال ولم يعرف ما قاله. ليس واضحا انه كان تخوف كهذا في موضوع اهود أولمرت الذي قصده نتنياهو. ولكن واضح أن معظم الجمهور يتخوف، يتخوف جدا، من أن هذا بالضبط ما يفعله نتنياهو. هو يحرص على بقائه السياسي. وقد واصل اتهام أولمرت: “انت لا تبدي مسؤولية لانك لست مستعدا لان تدفع أي ثمن”. كل كلمة، شريطة أن ينظر نتنياهو الى المرآة.
رئيس الشباك لم يكتفِ أمس بالنمط الاعتيادي للتحقيقات التي سبق أن نشرت، من حيث أخذ المسؤولية. يبدو أنه مل لعبة الرجل الذي يتنكر للمسؤولية. فوجه اصبع اتهام الى المستوى السياسي أيضا. هذا ليس لأننا كنا نحتاج الى هذا التذكير، لكن يوجد معنى آخر حين لا يكون هذا مجرد استطلاع، وهذه ليست فقط الصحف، وليس فقط رجال المعارضة. هذه المرة يدور الحديث عن رئيس الشباك الذي أن يكون كيس الضربات لنتنياهو. فـ “محيط” نتنياهو، أي نتنياهو، يوجد في حملة تحريض منذ زمن بعيد. يحتمل أن يكون رونين بار كسر قواعد اللعب. لكن لم يكن له مفر. فنتنياهو هو الذي حثه، بسرعة، على أن يعرض التحقيقات. وهذا لا يعني ان التحقيقات كانت تهمه. التنكر للمسؤولية هو ما كان يهمه. أخذ المسؤولية من المسؤولين الآخرين هو الذي حفزه. إذن تفضل، اذا كان لا بد من اجراء التحقيق فينبغي إذن قول الحقيقة وكل الحقيقة. نتنياهو بلور سياسة. نتنياهو تجاهل التحذيرات. نتنياهو اصر على التمويل وتطوير حماس وبالتالي فهو يتحمل المسؤولية. هذا ليس رأيا، هذا حقيقة.
وفي نفس الوقت الذي يحث فيه كل الاخرين على أن يعرضوا التحقيقات، يعطي نفسه اعفاء من التحقيق الأساس. فهو الذي منذ وقت غير بعيد حقا، على خلفية قضية برامج التجسس طالب بلجنة تحقيق رسمية. رسمية فقط ولا أي شيء آخر. حكيم على الاخرين. هو أبو المفهوم الذي فشل. إذن يوجد واحد آخر: حكم واحد للجميع، حكم معاكس لنفسه.
في الأيام العادية تكون من صلاحيات الحكومة اقالة رئيس الشباك. لكن هذه ليست أيام عادية. فالتحريض ضد بار يتعزز، بسبب “قطر غيت”. لم تكن هناك خيانة. حقا لا. لكن مما يعرف حتى الان هذا افلاس. كيف كنا سنعقب لو كنا اكتشفنا بان محافل ترتبط بقطر هم مستشارون كبار في مكتب رئيس الحكومة البريطانية. كنا سنصخب العوالم. وعندنا – الأكثر قربا من نتنياهو كانوا مقربين، هكذا حسب المكتشفات، من قطر أيضا. وهذه قطر الذي هي معقل الاخوان المسلمين، التي تمول الحملات الأكثر لذعا ضد إسرائيل، والتي حتى الدول العربية تمقتها. لكنها بعثت بالاذرع الى مكتب نتنياهو.
لا توجد حدود، ببساطة لا توجد، لتنكر نتنياهو لكل مسؤولية. هكذا بحيث ينبغي وضع حدود. هذا ليس لان رونين بار أراد هذه المواجهة، نتنياهو هو الذي يحرض مؤيديه على كل رؤساء أجهزة الامن. هو المسؤول عنها. هو القائد الأعلى. هو الذي يفترض أن يحمي الجيش، الشباك والموساد. لكن كيف قال، وعن حق حين قال: “يوجد تخوف من أن يتخذ رئيس الوزراء قرارات على أساس المصلحة السياسية لبقائه السياسي وليس على أساس المصلحة القومية”. ليته كان هذا مجرد تخوف.
——————————————-
يديعوت احرونوت 5/3/2025
لائحة اتهام الشباك
بقلم: يوآف زيتون وآخرين
في ثماني صفحات فقط بسط أمس جهاز الامن العام – الشباك خلاصة التحقيق الذي اجراه على دوره في أخفاق 7 أكتوبر.
بخلاف الاقوال المبطنة للجيش الإسرائيلي، احصى الشباك صراحة خطوات المستوى السياسي التي أدت برأيه الى بناء قوة حماس.
بين الإخفاقات التي اعترف بها الجهاز: اغلاق وحدة الرقابة التي كانت معدة لتشخيص الفجوات ومواضع الخلل.
العناصر التي أدت الى تعاظم قوة حماس
سياسة الهدوء.
ضخ أموال قطرية نقلت الى حماس.
تآكل متواصل في الردع الإسرائيلي.
سياسة انجرار بدلا من المبادرة وتصفية مسؤولين كبار، بخلاف توصية الشباك.
اعمال اخلال للنظام في الحرم.
المعاملة للسجناء الفلسطينيين.
فهم حماس بان الوحدة الاجتماعية في إسرائيل تضررت.
هكذا نشأ الإخفاق الاستخباري
الشباك لم يرَ في خطة “سور اريحا” تهديدا حقيقيا.
التقدير كان ان حماس تركز على الضفة.
حرية العمل الإسرائيلية في غزة تقلصت.
جساسات استخبارية زرعت في السنوات الأخيرة “لم تستغل”.
فشل في تشغيل وكلاء وعملاء في غزة.
تسلسل الاحداث
المؤشرات بدأت تنطلق قبل يومين من المذبحة، والمعلومات نقلت الى الجيش الاسرائيلي.
حتى 4:30 في الليلة ما قبل المذبحة وضعت قيد الاستخدام بالتدريج 45 شريحة اتصال إسرائيلية في غزة.
في 3:03 حول الشباك اخطارا لمحافل الامن: استخدام شاذ للشرائح ومع مؤشرات دالة أخرى كفيل بان يشير الى هجوم لحماس.
القرارات التي اتخذت في نهاية تقويم الوضع الليلي نبعت من فجوات تغطية، تحليل مغلوط للمعلومات، تخوف بان تكون حماس تستعد لهجوم إسرائيلي وانعدام التعاون بين أمان والشباك.
في محيط رئيس الوزراء هاجموا التحقيق وقالوا: “تحقيق لا يجيب على أي سؤال، رونين بار كان أسيرا للمفهوم المغلوط”.
——————————————-
معاريف 5/3/2025
إسرائيل: لن ننتظر التهديد المصري وتكرار 7 أكتوبر
بقلم: يوسي أحيمئير
توجه أليّ أحد أصدقائي بسؤال – تعجب: “يا يوسي، كنت مقرباً جداً من إسحق شمير، عملت إلى جانبه ثماني سنوات، فهل كان يمكن لحدث مثل 7 أكتوبر أن يقع بينما يتولى هو منصب رئيس الوزراء؟”، هذا سؤال أفكر فيه بيني وبين نفسي غير مرة منذ نشبت حرب “السيوف الحديدية”. ثمة سؤال مشابه طرح بشأن رؤساء وزراء آخرين في الماضي، نفتالي بينيت ويئير لبيد. الأخير الذي شغل منصب أربعة أشهر فقط هو اليوم رئيس المعارضة، ويكثر اليوم من مهاجمة رئيس الوزراء نتنياهو على مسؤوليته العليا عن الإخفاق الذي وقع بعد أقل من سنة من عودته إلى المنصب.
بالنسبة لبينيت ولبيد، لا شك لدي. بينيت الذي يصعد في الاستطلاعات ولبيد الذي يهبط فيها، كانا جزءاً من المفهوم العسكري الذي استشرى أيضاً في المستوى السياسي وأدى إلى الكارثة. كلاهما، مثل نتنياهو، اعتمدا على المعلومات التي كانت تصل، أو لا تصل، من المستوى العسكري، عبر وزير الدفاع أو السكرتير العسكري لرئيس الوزراء. تحقيقات الجيش الإسرائيلي تدل بوضوح على فشل قادة الجيش ورئيس الأركان هليفي على رأسهم، وبخاصة رئيس “أمان” ورئيس “الشاباك”، في الليلة الدراماتيكية التي بين 6 و7 أكتوبر، وعلى ثقافة ترشيح المعلومات عن رئيس الوزراء. في التحقيقات نفسها هناك اعتراف بذلك.
في هذه الأيام يكثرون من الحديث عن المفهوم الذي يفيد بأن حماس مردوعة، زعماً. كانت الاستخبارات أسيرة له. هيئة الأركان كانت معتدة ومفعمة بالثقة بالنفس. في الليلة الرهيبة، نام رئيس “أمان” في إيلات، وكان قائد المنطقة الجنوبية في الشمال. فهل تنظف هذه الحقائق رئيس الوزراء، المنقطع عن الأخطار من مسؤوليته كرئيس المنظومة التي تشرف على ذراع الأمن. كانت لشامير علاقات عمل ممتازة مع جهاز الأمن. كان الموضوع الأمني – السياسي على رأس اهتمامه. أعطى إسناداً لوزير دفاعه، إسحق رابين، ولرئيس الأركان. طبيعته الشكاكة تتركه يفحص كل التفاصيل ويدرس كل موضوع. عند خروجه من مكتبه إلى بيته، كان يأخذ معه رزمة كبيرة من الوثائق السرية لقراءة ليلية وللتعمق في التقارير السرية قبيل اتخاذ القرارات في صباح الغد.
ما كان شامير ليسمح بتغذية حماس بحقائب المال والتعاظم القوي، وما كان ليقبل “عبادة” اعتدالها. ما كان ليخفف عن وزير الدفاع ورئيس “الشاباك”، ويسأل ويشكك كي يتلقى المعلومات الدقيقة. ما كان ليمر مرور الكرام عن القول “كل شيء على ما يرام”. بتعابير أخرى: ما كان ليتطور مفهوم متطرف بهذا القدر لدى شامير ثم يقوم على أساس الراحة وعلى أساس التحليل المغلوط للمعلومات الاستخبارية. وعليه، أغلب الظن، ما كان يمكن لنا أن نصل إلى 7 أكتوبر تحت شامير.
والآن، بعد سنة ونصف من نشوب الحرب، وليدة المفهوم المغلوط، علينا أن نكمل المهام التي لم تتحقق بعد: إعادة إخواننا الذين لا يزالون في أسر حماس، وتصفية حكم الإرهاب في غزة، وذلك بمساعدة الرئيس الأمريكي. عندما تنهى هذه المهام العليا، على النظرة أن تتجه إلى المستقبل، إلى التهديدات المتواصلة على الدولة وجودياً. جواب كاتب هذه السطور هو أن المفهوم المغلوط لم يغادرنا قط. فضلاً عن ذلك، فبينما لا نزال نلعق جراح 7 أكتوبر، يتطور مفهوم جديد عندنا. وما المقصود؟ في سيناء.
بخلاف اتفاق السلام قبل 40 سنة، الذي أخلت فيه إسرائيل كل شبه جزيرة سيناء وتعهد المصريون بألا يدخلوا جيشاً إلى نطاقها، تأتي معلومات مقلقة، ليست سرية على الإطلاق، عن قوات جيش ومدرعات مصرية تنتشر في أرجاء سيناء تتدرب وكأنها تستعد لحرب. فهل تكفي الأصوات الهزيلة للقلق من هذا الخرق المصري الخطير لاتفاق السلام؟ هل سنكون جاهزين لاستقبال وجه الشر الذي قد يقتحم حدودنا الطويلة مع دولة السلام، مصر؟ محظور أن ننسى: في 6 أكتوبر 1973 سبق للمصريين أن فاجأونا، وخدعونا بشدة.
هل بات جهاز الأمن ومكتب رئيس الوزراء أسرى المفهوم الجديد، حيال تهديد محتمل، من جانب مصر هذه المرة؟ في هذه الأيام، مصر إحدى الوسطاء في إعادة المخطوفين. فهل تعد هي وقطر وسيطين نزيهين؟ لا بديل آخر، فإعادة المخطوفين قيمة عليا. لكن يجدر الحذر من خطورة المصريين إزاء مناوراتهم في سيناء، حتى لا نغرق مرة أخرى في رمال المفهوم.
——————————————-
هآرتس 5/3/2025
استغلوا جثة ابني وضربوني على درجات الكنيست.. ويرفضون “لجنة تحقيق”: حكومة أشباه الرجال
بقلم: أسرة التحرير
“ما الذي ينبغي أن أقاتل ضده غير ألم فقد الولد”، سأل شمعون بوسكيلا، أبو يردين الذي قتل في حفلة النوبا، فيما كان يجلس على أرضية الكنيست وعيونه تمتلئ دموعاً. قبل نصف ساعة من ذلك، كان يستلقي غائباً عن الوعي على الدرج بعد تلقيه ضربات من رجال حرس الكنيست. أب بات عالمه خرباً، ثم يهان في مجلس نواب إسرائيل؛ لأنه ورفاقه في الكارثة جلسوا على مدرج الضيوف في الهيئة العامة في وقت المداولات حول مطلبهم الأساس – إقامة لجنة تحقيق رسمية.
لا مبرر لما وقع هناك ولا حتى أمني. فمدرج الضيوف محمي بزجاج سميك لدرجة أن صرخات الألم والغضب لن تتسلل إلى الهيئة العامة – بكل معنى الكلمة. يبقى الألم حبيساً هناك ولا ينتقل إلا بالحركات. المشكلة أن أحداً من الحكومة الحالية لا يرغب في النظر إليهم، ولا الاستماع لهم حتى.
لا زيف أكبر من البيان الذي أصدرته الناطقة بلسان الكنيست عقب “الحدث المؤسف”، حسب تعبير البيان: “رئيس الكنيست أمير أوحنا، وجه المدير العام للكنيست وضابط الكنيست بإجراء فحص في الموضوع”. ماذا هناك ليفحص؟ كان بإمكان رئيس الكنيست إنهاء هذه المهزلة بعد خمس دقائق من بدئها بأمر واحد. لكن في 17:30، بعد ساعة ونصف من بدء الجلسة، كان رجال الحرس والمدير العام للكنيست لا يزالون منشغلين بمفاوضات أخيرة عن اثنين رفضا إدخالهما، بعد أن كانا أقرا إدخال العائلات كلها. المتبقيان كانا ابني عائلات اضطرت “فقط” للتمترس يوم المذبحة.
هذا السلوك الفضائحي استمرار مباشر لسلوك كاسح من الائتلاف، الذي يرفض توجيه النظر إلى الأحداث الرهيبة التي وقعت في ورديته. للسبب ذاته، يخافون من لجنة تحقيق رسمية، ويلفقون أحابيل كي لا يقيموها، ويشجعون نظريات مؤامرة لا أساس لها تلمح بوجود خونة في جهاز الأمن، ويمزقون الثقة بجهاز القضاء بنية مبيتة.
كل الأمور مرتبطة معاً: نتنياهو لم يزر “نير عوز” بعد؛ وثمة وزراء يرفضون مشاهدة شريط اختطاف مجندات المراقبة؛ إلى جانب قساوة قلب تجاه عائلات المخطوفين – كل هذه حلقات في سلسلة واحدة للتهرب من الذنب والمسؤولية، وكله بفظاظة روح أصبحت ميزة يعرف بها هذا الائتلاف. لكن هذا لن يجدي نفعاً: الجمهور الغفير لن ينسى، لن يرتاح ولن يهدأ له بال إلى أن تقام لجنة تحقيق رسمية، ويُقدم المذنبون إلى المحاكمة إلى حين استبدال الحكومة ويقودها الجديرون بالقيادة الدولة بدلاً من عصبة أشباه الرجال الذين نسوا ماذا يعني أن يكونوا بشراً.
——————————————-
هآرتس 5/3/2025
تتوسع في غزة ولبنان وسوريا وتتعفن داخلياً.. إسرائيل: إمبراطوريتنا من نوع آخر
بقلم: تسفي برئيل
أصبحت إسرائيل تشبه شبكة السوبرماركت التي تدهورها إدارتها الفاشلة نحو الهاوية، ولكنها تواصل وتفتح المزيد من الفروع، وتبث بأن كل شيء على ما يرام. ليس كل شيء على ما يرام، بل هي أقوى من أي وقت مضى. تحقيقات الجيش التي تدل على الإهمال والتخلي والعجز العميق، التي أدت إلى القتل المتعمد، وقتل وإصابة آلاف المدنيين والجنود، وأيضاً المخطوفين الذين ما زالوا يحتضرون في أنفاق غزة- كل ذلك يعتبر في هذه الإدارة “ضرراً جانبياً” لا مناص منه عندما نريد الدفاع عن الوطن، وبالأساس الحفاظ على الهيبة الضائعة.
هذه الإدارة لن تسمح لـ “جهات معادية”، مثل لجنة تحقيق رسمية، بفحص سلوكها الذي استمر سنوات وتسبب بالضرر والدمار الأكثر فظاعة في تاريخ الدولة. هي تشير إلى “الإنجازات الكبيرة” التي حققتها، مثل تصفية قادة حزب الله وحماس، وشخصيات إيرانية رفيعة وعلماء إيرانيين، وكأن في ذلك ما يقلل الخسارة الخيالية التي حدثت تحت قيادتها. هذه الإدارة تواصل خرق الاتفاقات بشكل فظ، التي هي نفسها صاغتها ووقعت عليها، وكأنها كانت بطاقات لا قيمة لها. هكذا مرة أخرى، تم فتح اتفاق المخطوفين الذي كان يجب أن ينتهي بتحرير جميع المخطوفين في نهاية المرحلة الثانية، والآن لا تأكيد على تنفيذه. بدلاً من المخطوفين، يبدو أننا سنكتفي بوعد فارغ، وهو تدمير حماس.
لا يوجد ما يمكن التحدث عنه حول نقل السيطرة عن ف رع غزة إلى جهة ليست حماس. محور فيلادلفيا الذي تنازل عنه نتنياهو في السابق بتوقيعه، تحول مرة أخرى إلى أساس وجودنا. هكذا فلب رئيس الحكومة منطق الاتفاق رأساً على عقب. فبدلاً من مناطق مقابل مخطوفين، أي الانسحاب من غزة حسب طلب حماس، اقترحت إسرائيل على حماس مخطوفين مقابل استمرار سيطرتها في غزة. في هذه الأثناء، يجد سكان غلاف غزة صعوبة في العودة إلى بيوتهم، ولا يعرفون الآن إذا كانت حياتهم أكثر أمناً.
وضع فرع لبنان ليس أفضل. في الحقيقة، وفر تفاخراً كبيراً ومكاسب كبيرة لا يجب الاستخفاف بها. ولكن صيانته تكلف الدولة مبالغ طائلة. إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار بدعم من أمريكا، ومازال الجيش الإسرائيلي يحتفظ بعدد من المواقع الدفاعية في لبنان. ومثلما في غزة، فمن غير المعروف متى ستنسحب إسرائيل من هناك. آلاف سكان الشمال يأملون العودة إلى روتين الحياة، وترميم بيوتهم وحقولهم والعودة إلى المدارس. ولكن الشعور بالأمن الذي وعدوا به يشبه ما حصل عليه حتى الآن سكان غلاف غزة.
كل ذلك لا يزعج إدارة شبكة السوبرماركت في التوسع. ففي الأسبوع الماضي، افتتحت إسرائيل قناة أخرى لزبائن راضين جدد. “لن نسمح للنظام الإرهابي الإسلامي المتطرف في سوريا بالمس بالدروز. أصدرنا تعليمات للجيش الإسرائيلي للاستعداد وإرسال رسالة تحذير شديدة وواضحة”، هذا ما أعلنه يسرائيل كاتس، المعروف بلقب وزير الدفاع. حماية الأقليات هي مهمة إنسانية حيوية، وإسرائيل تميزت بها. ويشهد على ذلك الدروز في إسرائيل. ليس لأن أحداً في سوريا استدعى خدمة الحماية للجيش الإسرائيلي، أو لأن استراتيجية ذكية معينة تختفي وراء هذا التصريح، لكنها فرصة لتبرير وجود الجيش الإسرائيلي في المناطق الجديدة التي احتلها في سوريا.
إمبراطوريات أكبر وأقوى من إسرائيل سبق واستخلصت الدرس التاريخي الصعب: الوجود العسكري في المناطق لمحتلة لا يعتبر ضمانة للأمن. الحفاظ على المركز، على الدولة الأم ومناعتها واستقرارها وازدهارها، هو الشرط الحيوي لاستمرار وجودها. حكومة إسرائيل تطمح إلى الإثبات بأن إمبراطوريات أكبر منها أخطأت، ومن المؤسف أن مواطني الدولة هم من يدفعون التكلفة.
——————————————-
إيهود أولمرت لـ”لوفيغارو”: غزة فلسطينية وليس لدينا ما نفعله هناك.. وترامب قد يصنع التاريخ
باريس- “القدس العربي”: في مقابلة خصّ بها صحيفة لوفيغارو الفرنسية، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت إلى الإنهاء الفوري للحرب في قطاع غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن الآن، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، مشددًا على أن ذلك هو الحل الوحيد الذي سينهي الصراع.
واعتبر إيهود أولمرت أنه لم يعد هناك أي مبرر عسكري لبقاء إسرائيل في قطاع غزة، لأن استئناف القتال يعني أن القوات الإسرائيلية ستقتل المزيد من المدنيين الأبرياء، وحتى المزيد من مقاتلي “حماس” الذين سيتم استبدالهم على الفور. وفي نهاية المطاف ستفقد إسرائيل جميع الرهائن، وسيُقتل جنود إسرائيليون آخرون. وعلى النقيض مما وعد به نتنياهو، فإنه لن يكون هناك “نصر كامل” في قطاع غزة، يقول رئيس الوزراء الأسبق.
أولمرت: ما يفعله بعض المستوطنين بالفلسطينيين في الضفة الغربية، من عنف وهجمات واغتيالات، غير شرعي على الإطلاق
وشدد إيهود أولمرت قائلًا: “غزة فلسطينية، وليس لدينا ما نفعله هناك. لقد فكرت في هذا بالفعل في عامي 2004 و2005، عندما كنت مهندس الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، بصفتي نائب رئيس الوزراء في عهد أرييل شارون”.
وأضاف أولمرت: “إذن، فلنوقف الحرب، ولنعد الرهائن، ولندعم السلطة الفلسطينية باعتبارها السلطة الشرعية الوحيدة في قطاع غزة في مواجهة إسرائيل. ولنقبل بأنها تعين حاكمًا لإدارة غزة، من دون “حماس”، مع قوة أمنية مكونة من فلسطينيين ومصريين وأردنيين، تكون مسؤولة بشكل نهائي عن منع إمكانية وقوع هجوم جديد ضد إسرائيل”.
وأوضح إيهود أولمرت أيضًا أن هناك نقاشًا سياسيًا مشروعًا في إسرائيل حول مستقبل الضفة الغربية، قائلًا إن موقفه كان، لسنوات عديدة، حتى قبل أن يُصبح رئيسًا للوزراء، هو أن تنسحب إسرائيل من جزء من الأراضي المحتلة، وتُساعد في إنشاء دولة فلسطينية، مؤكدًا أن هذا هو المشروع الذي يُدافع عنه حاليًا مع ناصر القدوة، وزير الخارجية الأسبق في عهد ياسر عرفات، ومُشيرًا إلى أن هناك موقفًا آخر يقضي ببقاء إسرائيل في الضفة الغربية إلى الأبد، وأنه يعارض ذلك، لأنه يبدو له أنه وصفة لكارثة بالنسبة لإسرائيل، ولكنه موقف مشروع.
ومن ناحية أخرى، اعتبر إيهود أولمرت أن ما يفعله بعض المستوطنين بالفلسطينيين في الضفة الغربية، من عنف وهجمات واغتيالات، غير شرعي على الإطلاق، قائلًا: “أعتقد أن ما يحدث في قطاع غزة أمر فظيع. ولكنني لا أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية ارتكبت أي جرائم حرب هناك”.
وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق القول: “في الضفة الغربية، تُرتكب هذه الأعمال العنيفة أمام أعين الشرطة والجيش، دون أن يفعلوا شيئًا.. ربما لأنهم يعتقدون أن هذا في ذهن الحكومة.. ولهذا أقول إنه في ما يتعلق بالضفة الغربية فإننا سنحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ولن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا”.
وعن تأثير الصراع مع فلسطين على مكانة إسرائيل بين الأمم، اعتبر إيهود أولمرت أن المشكلة المركزية، والمشكلة الأكثر أهمية، والخطر الأعظم على مستقبل الدولة الإسرائيلية، هو القضية الفلسطينية، مشددًا على أنه إذا لم تحل إسرائيل هذا الصراع فإنها ستظل منبوذة، ومقاطعة من المجتمع الدولي، قائلًا: “نحن بالفعل قريبون جدًا مما كانت عليه جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري وذلك بسبب احتلال الضفة الغربية”.
وتابع إيهود أولمرت القول إن المجتمع الدولي بأسره، وكل الأطراف الدولية الفاعلة، يدركون أن هذا هو الحل الوحيد الممكن، موضّحًا أنه التقى هو وناصر القدوة بمعظم وزراء خارجية أوروبا، وأنهم جميعهم يُدركون أن الحل الوحيد هو حل الدولتين، ويعتقدون (الأوروبيون) أنه ما لم تتحرك الولايات المتحدة في هذا الاتجاه فلن يتمكن أحد من إجبار إسرائيل.
أولمرت: نحن بالفعل قريبون جدًا مما كانت عليه جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري وذلك بسبب احتلال الضفة الغربية
ويوضّح إيهود أولمرت قائلًا: “أنا أحاول أن أقول لهم: أعيدوا هذه القضية إلى مركز النقاش السياسي الدولي، وادفعوا الحكومة الأمريكية إلى التحرك في الاتجاه الصحيح. ومن الممكن أن يصل ترامب إلى نتيجة مفادها أن هذا هو الحل الحتمي”.
وردًا على سؤال حول مدى اعتقاده أن دونالد ترامب قد يكون مؤيدًا لإقامة الدولة الفلسطينية؟، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إنّه متفائل بهذا الشأن: “منذ انتخابه الأول، كان ترامب يستعد لحملة رئاسية ثانية. ولم يكن بوسعه أن يتحمل خسارة الدعم المتبقي من أنصار إسرائيل. ولكنه لن يواجه إعادة انتخابه بعد الآن، وبعد مرور عام ونصف، بعد الانتخابات النصفية، سيركز على شيء واحد فقط: إرثه. إنه في نفس عمري تقريبًا، كما ترى. بحلول نهاية ولايته، سيكون عمره أكثر من 80 عامًا… وإذا نجح في المنطقة الأكثر تقلبًا وخطورة في العالم، فسيصنع التاريخ”، يقول إيهود أولمرت.
وتابع أولمرت القول إن نتنياهو يعتمد بشكل كامل على ترامب، الذي يعد داعمه المهم الوحيد على الساحة الدولية. وبالتالي، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعارض ما يقرره ترامب.
—————–انتهت النشرة—————–