فلسطيني

تشاتام هاوس: غزة تدفع ثمن حرب إسرائيل على إيران

المسار …

مع استنزاف الجيش الإسرائيلي بشكل منهجي للبنية التحتية النووية والعسكرية لإيران، تواجه إسرائيل تحديًا معقدًا يتمثل في مدى قدرتها على المحافظة على شرعيتها الدولية، والسعي لتحقيق أهدافها الأمنية الوجودية دون الدعم المضمون من الولايات المتحدة.

بهذا التساؤل بدأت كسينيا سفيتلوفا، الباحثة الزميلة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، تحليلها الذي نشره المعهد على موقعه.

قد يكون أهم تطور دبلوماسي لإسرائيل هو رد فعل أوروبا الداعم لعملياتها ضد إيران، وتجاوز الخلاف الحاد بشأن حربها في قطاع غزة

فالنتائج الأولية للضربات الإسرائيلية كشفت عن مفارقة تتمثل في تعزيز الموقف الإستراتيجي لإسرائيل، وفي الوقت نفسه التشكيك في قدرتها على الاستقلال عن الدعم الأمريكي على الصعيد العسكري.

وفي هذه الظروف، قد يكون أهم تطور دبلوماسي لإسرائيل هو رد فعل أوروبا الداعم لعملياتها ضد إيران، وتجاوز الخلاف الحاد بين أغلب الدول الأوروبية وإسرائيل بشأن حربها في قطاع غزة، والتي يعارضها قطاع كبير من الرأي العام الأوروبي لأسباب إنسانية.

كما أن العديد من الدول الأوروبية نبذت حكومة إسرائيل اليمينية المتشددة، خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في حين يخضع الوزيران بتسلئيل سموتريتش وبن غفير لعقوبات من بريطانيا، مع اعتزام بعض دول الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى هذه الخطوة.

لكن الجهات الفاعلة الأوروبية تدرك أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديدًا وجوديًا لأمن القارة، وهو ما دفع أغلب دول أوروبا، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى التصريح علنًا بأن الأسلحة النووية الإيرانية ليست تهديدًا لإسرائيل فقط، وإنما لأوروبا أيضًا، وإعلان تأييدها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو ما يعني ضمنًا تأييد تلك الحرب الإسرائيلية التي شنتها ضد إيران.

وتقول سفيتلوفا إنه في الوقت نفسه تراجعت قضية الحرب في غزة إلى الخلفية، لكي تتجه الأنظار نحو إيران، وهو ما يمثل نجاحًا دبلوماسيًا لإسرائيل بفصل الملف النووي الإيراني عن الرفض الأوروبي للحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة في التفكير الإستراتيجي الأوروبي، وخلق مسار لاستعادة شرعية وقبول حكومة نتنياهو في القارة الأوروبية، ليدفع قطاعُ غزة وسكانه الفلسطينيون ثمن الحرب الدائرة حاليًا بين إسرائيل وإيران.

وتضيف سفيتلوفا أنه في الوقت نفسه يكشف رد فعل العالم العربي على الهجوم الإسرائيلي على إيران الفجوة بين المواقف العلنية لحكوماته وحساباته الإستراتيجية. فقد دعمت تصريحات القادة العرب رسميًا السيادة الإيرانية وعارضت العدوان الإسرائيلي، لكن مواقفها العملية تجاه الحرب ذات طابع مختلف. كما أن الدور الحاسم للأردن في اعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل يظهر ما تحتمه الحرب من تغيّر في الديناميكيات الإقليمية التقليدية.

في الوقت نفسه، يمكن ملاحظة هذا التحول الإقليمي الأوسع في الموقف السوري. فبعد أن كانت سوريا أهم حليف لإيران في المنطقة أثناء حكم رئيسها المخلوع بشار الأسد، أصبحت الآن مجالًا مفتوحًا للطيران الإسرائيلي المتجه لضرب إيران، وقطعت الطريق على إمدادات السلاح الإيراني إلى حليفه اللبناني “حزب الله”.

كما أن هناك زاوية أخرى لهذه القصة، بحسب سفيتلوفا، وهي أن دول الخليج العربي لا تثق بحكومة نتنياهو، وهو ما جعل مستوى تعاونها معها هذه المرة أقل مما كان عليه خلال هجمات الطائرات المسيّرة الإيرانية قبل عام، في ما عُرف باسم “عملية الوعد الصادق 2”. كما أن هذه الدول تخشى تقليديًا من وجود قوة إقليمية واحدة مهيمنة، سواء كانت إيران أو إسرائيل. لذلك، ورغم العلاقات الجيدة بشكل عام مع إسرائيل، تخشى دول الخليج من انفراد تل أبيب بالهيمنة الإقليمية في حال هزيمة إيران.

أما بالنسبة للمأساة الإنسانية في غزة، والتي قد يتصور نتنياهو أنه تجاوزها بحربه مع إيران، فإنها لن تلبث أن تعود إلى الواجهة. فالحرب في القطاع لا تزال مستمرة، والمعاناة الإنسانية لا تزال هائلة، ولا تزال “حماس” تحتجز الإسرائيليين، ومهما كانت النتيجة في حرب إيران، فإن الضغط الدولي من أجل التوصل إلى حل في غزة سيعود.

الدول العربية تخشى تقليديًا من وجود قوة إقليمية واحدة مهيمنة، سواء كانت إيران أو إسرائيل. ورغم العلاقات الجيدة بشكل عام مع إسرائيل، تخشى دول الخليج من انفراد تل أبيب بالهيمنة الإقليمية

وفي حين يبدو أن نتنياهو قد عزز موقفه الداخلي بشدة بهذه الهجمات ضد إيران، في ظل الدعم الشعبي القوي لها، وتراجع كل القضايا الخلافية من مظاهرات عائلات المحتجزين، إلى مشروع قانون التجنيد المثير للجدل، فإن هناك أسئلة لم يتم الوصول إلى إجابات لها، وتداعيات إستراتيجية لم تكتمل للحرب بين إيران وإسرائيل.

السؤال المركزي هو: هل تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها الإستراتيجية دون انخراط أمريكي أكبر في الحرب؟

وإذا كان نجاح الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية يتوقف إما على إجبار إيران على الاستسلام من خلال التدمير المنهجي لقدراتها العسكرية والنووية، أو على تهيئة الظروف لحل دبلوماسي يمنعها من مواصلة برنامجها النووي، فإن العمل العسكري الإسرائيلي وحده لا يبدو كافيًا لتحقيق أي من النتيجتين.

كما أن استدامة الدعم الدبلوماسي الحالي لإسرائيل يعتمد جزئيًا على مدة استمرار الحرب وفاعليتها. وقد يتضاءل التعاون الأوروبي إذا ثبت أن العمليات الإسرائيلية غير كافية لتحقيق الأهداف المعلنة، ما يطيل أمد حالة عدم الاستقرار الإقليمي.

ورغم ذلك، يبدو أن نتنياهو، الذي غالبًا ما يصفه أصدقاؤه وأعداؤه بـ”الساحر”، قد نجح حتى الآن في إعادة ترتيب الضغوط الداخلية والخارجية للتركيز فقط على إيران وبرنامجها النووي، بدلًا من التركيز على غزة والأوضاع الإنسانية على الأرض ومشكلات إسرائيل الداخلية. ويعني هذا أن الضربات الإسرائيلية ضد إيران قد حققت انتصارًا سياسيًا كبيرًا لرئيس الوزراء على المدى القصير على الأقل.