إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 20/6/2025

بينما تنتظر إسرائيل ترامب، الضباب حول نواياه يزداد كثافة

بقلم: عاموس هرئيلِ

ربما هو ما زال مترددا إزاء العملية التي تقف بشكل متناقض مع ميوله السياسية الأساسية جدا. وربما هو ببساطة يستمتع بالاهتمام الكبير الذي يخلقه تردده الدراماتيكي منذ بضعة أيام. ولكن حتى أمس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعلن بشكل واضح عن قراره حول زيادة التدخل الأمريكي في الحرب بين إسرائيل وايران. إسرائيل تتوسل للامريكيين من اجل الانضمام للهجوم، بالأساس استغلال القدرات المتميزة لها من اجل قصف من الجو المنشأة النووية المحمية في فوردو، والتي توجد بعمق 90 متر تحت الأرض.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ما زال يبث التفاؤل حول احتمالية اقناع ترامب بالقيام بهذه الخطوة، التي بدونها ستكون نتيجة ضرب المشروع النووي ضئيلة جدا. اذا فشلت جهود الاقناع فان إسرائيل يمكن أن تعمل لوحدها حتى وهي تعرف بان الإنجاز سيكون جزئي فقط. بدون التدخل الأمريكي فان هناك احتمالية للتدهور الى حرب استنزاف مع نظام متصلب، الذي في هذه الاثناء يعلن أنه ليست لديه أي نية للاستسلام.

ترامب عقد في الأيام الأخيرة سلسلة مشاورات مستعجلة، واكثر من تصريحاته وتغريداته المهددة للنظام في ايران. الإيرانيون ارسلوا وزير الخارجية عباس عراقجي الى جنيف من اجل اجراء محادثات مع وزراء خارجية المانيا وبريطانيا وفرنسا، وعبروا عن الاستعداد لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة. ربما ان الرئيس الأمريكي سيبقي بضعة أيام أخرى للمحادثات، رغم أنه يعبر عن يأسه من المحادثات. حتى الآن يوجد اغراء كبير بالنسبة له للانضمام الى العملية الإسرائيلية التي تبدو ناجعة، وأن ينسب لنفسه الفضل في المستقبل، سواء هزيمة ايران في الحرب أو فرض اتفاق جديد بشروط اكثر تطلبا من ناحيتها. المتحدثة بلسان البيت الأبيض قالت أمس ان “الرئيس سيقرر في غضون أسبوعين” من اجل إعطاء فرصة للمحادثات. هذا لا يبدو كجدول زمني معقول في ذروة حرب، الامر الذي يزيد الشك بان الامر ربما يتعلق بتضليل. “تعالوا نلقي القنبلة الأكبر ونشاهد ماذا سيحدث”، كتب راندي نيومان ذات مرة في السبعينيات، وكأنه تنبأ بايام الرئيس الأمريكي الأكثر غرابة على الاطلاق. في الواقع ترامب يفكر فقط بالقاء قنابل ضخمة تقليدية وليس قنابل نووية، لكن حتى شاعر عبقري مثل نيومان لم يستطع التنبؤ بواقع فيه السفير الأمريكي في إسرائيل يصلي علنا من اجل تدخل ترامب في الحرب، وخيبة امل الرئيس بسبب العرض العسكري الباهت الذي اجبر الجيش على اقامته بمناسبة عيد ميلاده بأنه احد الاعتبارات الذي قد يقنعه بالقيام بالقصف.

وراء الكواليس يحدث صراع شديد بين الصقور والحمائم في الإدارة الامريكية. الامنيون القلائل الذين بقوا حول ترامب في ولايته الثانية يسعون الى القصف، وهكذا أيضا المستوى العسكري. رجال الماغا (لنجعل أمريكا عظيمة ثانية)، يتمسكون بالمواقف الانعزالية. نائب الرئيس جي دي فانس من كبار الانعزاليين اختار مع ذلك الدفاع عن ترامب في تغريدة مطولة في تويتر أول أمس. وقد اكد على ان الرئيس يعارض سلاح نووي لإيران منذ عشر سنوات، وانه اجرى مفاوضات مع الإيرانيين بهدف التوصل الى صفقة، وهو يصمم على منعهم أيضا من إمكانية تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية. فانس عبر عن ثقته بحكمة ترامب. هذا صراع يحدث خارج منطقة نفوذ إسرائيل، باستثناء نتنياهو وربما الوزير رون ديرمر. العلاقة مع المستوى المهني في البنتاغون وفي وزارة الخارجية مشوشة. فقد بقي هناك القليل من الخبراء، الذين درجة تاثيرهم على ترامب ضئيلة وربما حتى معدومة.

حتى الآن ايران تحذر التورط في استفزاز مباشر من خلال مهاجمة القواعد الامريكية في الشرق الأوسط، من اجل عدم دفع ترامب الى الرد. ومن الواضح لإسرائيل بانه بدون انضمام الولايات المتحدة فانه تنقصها قدم مهمة في خطواتها الهجومية، خاصة في فوردو. خبراء امريكيون يقدرون بانه حتى الآن أعاد هجوم إسرائيل المشروع النووي نصف سنة الى الوراء. هناك خلافات حول أي تأجيل سيحققه قصف فوردو من الجو. المتفائلون يعتقدون ان الامر يتعلق بتاجيل لسنتين تقريبا. المتشائمون يتحدثون عن بضعة اشهر. هناك خشية من ان الإيرانيين قد راكموا قدرات نووية ما زالت في أماكن محمية أخرى، وليست جميعها معروفة بشكل كامل للاستخبارات. على أي حال، توجد فجوة كبيرة بين قدرة أمريكا على اختراق التحصينات بالقاء قنابل الى الاعماق وبين قدرة إسرائيل. هذه الفجوة كما وصف لي تتراوح بين القضاء كليا على المنشأة وبين خدش أطرافها (صحيفة “الغارديان” البريطانية أعربت أمس عن شكها في قدرة أمريكا، وزعمت أنه توجد علامات استفهام حول قدرة اختراق هذه القنابل الموجودة لدى الولايات المتحدة).

مقطوعو الاتصال

هذا كان كما يبدو الأسبوع الأكثر قسوة في حياة الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي منذ ورث الخميني في 1989. الزعيم مضغوط، معزول، فقد معظم رؤساء أجهزة الامن الذين عملوا معه خلال عشرات السنين، مخضرمو الحرب الطويلة والدموية مع العراق في الثمانينيات. ولكن في إسرائيل يقدرون في هذه الاثناء بان خامنئي هو عنيد ومصمم ولا توجد لديه نية في هذه الاثناء للتراجع امام الطلبات الإسرائيلية والأمريكية.

إسرائيل تتسلى اكثر فاكثر بفكرة اسقاط النظام، مثلما ظهر ذلك بوضوح في خطابات نتنياهو وفي التصريحات المخجلة لوزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي هدد أمس علنا اثناء زيارته في ساحة الدمار في حولون حياة خامنئي وسماه بـ “هتلر العصر”، وقال ان “ديكتاتور مثله لا يمكن ان يبقى على قيد الحياة”. الى جانب اقوال الهراءات هذه فانه من المثير ان وزراء الحكومة مرة أخرى يتجولون في الخارج بدون خوف بعد ان تم منعهم تقريبا من أي اتصال مع جمهور غير مغربل تماما منذ المذبحة في 7 أكتوبر. من المرجح انهم يعتقدون أن الشعور بالنجاح في أوساط الجمهور سيخفف الغضب من الإخفاقات التي جلبها هجوم حماس في بداية الحرب.

نتنياهو أيضا شوهد اكثر فاكثر من قبل الجمهور. امس خرج الى ساحة سقوط أخرى في مستشفى سوروكا في بئر السبع، لكن حينئذ مرة أخرى اظهر الانغلاق الذي يدل على الابتعاد الكبير بينه وبين المواطنين، حيث قال “هناك اشخاص قتلوا، كل واحد منا يحمل ثمن شخصي… مرة أخرى ابني افنير يقوم بإلغاء حفل زفافه بسبب تهديد الصواريخ”، قال ولم ينس كالعادة مدح بطولة زوجته. رئيس الحكومة ليس الوحيد الذي يوجد في فقاعة، أيضا هيئة الأركان غارقة في نجاحات الهجوم وهي لا تستمع الى قلق المواطنين.

دعم الجيران

في خلاف تام للحرب التي طالت بدون حاجة في قطاع غزة فان إسرائيل حصلت على دعم دولي واسع جدا (لكن ليس دائما معلن)، لعملياتها في ايران. مع كل الانتقاد الدولي لحكومة إسرائيل فان ايران تعتبر وبحق في المجتمع الدولي عامل خطير مع نوايا شريرة. اذا نجحت إسرائيل في ابعاد التهديد النووي الإيراني فهذه بشرى جيدة للاوروبيين، وبالتأكيد للدول السنية في الشرق الأوسط. في قنوات سرية جهات رفيعة في الدول الجارة يقولون لنظرائهم الإسرائيليين: “فقط استمروا”، بالضبط مثلما فعلوا في الحرب مع حزب الله في 2006 و2024.

هذه الاتصالات يرافقها تقدير كبير للانجاز العملياتي والاستخباري الإسرائيلي، ولكن أيضا ترافقها التخوفات: زعماء الدول الجارة لا يريدون أن يجر نتنياهو المنطقة الى حرب استنزاف دموية أخرى بدون تحقيق نهاية سريعة بعقد اتفاق. أيضا الحرب الطويلة يمكن ان تعرض مواقع النفط في دول الخليج للخطر، خاصة اذا بدات إسرائيل في القيام بجهد ممنهج لتدمير مواقع مماثلة في ايران. ومن المرجح ان يكون هناك امران مؤكدان من الان فصاعدا: زيادة مبيعات أنظمة السلاح الإسرائيلية في الشرق الأوسط وفي انحاء العالم بعد اثبات نجاعتها ضد ايران. وسيبقى حساب ايران مع إسرائيل مفتوح لسنوات كثيرة، على افتراض بقاء النظام في طهران. وسيبقى على كبار المسؤولين الإسرائيليين النظر وراء اكتفاهم لسنوات كثيرة في دول كثيرة، ربما باستثناء الولايات المتحدة.

——————————————

هآرتس 20/6/2025 

كل العالم يتطلع الى ترامب، لكن القرار في يد ايران

بقلم: رفيت هيخت

امل الغرب، لا سيما امل الديمقراطيات الليبرالية، هو انهاء لطيف للحرب، أي نوع من الاستسلام أو بادرة خضوع للنظام المتعصب في ايران، مع التنازل عن مشروعه النووي، أو على الاقل التوصل الى تفاهمات تمكن الطرفين من التعايش معها بطريقة معينة. أي حل منطقي في عالم سليم، في عالم الديمقراطية الغربية.

هذا يبدو متناقض، لكن حتى كتابة هذه السطور أيضا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ينظر اليه بعيون ليبرالية كمخرب للديمقراطية، محسوب على المؤيدين لهذه المقاربة. رغم تقلبه وتصريحاته الصارخة التي تنتقل بسرعة مدهشة من قطب الى آخر، الا انه انتظر وقت غير قليل في محاولة لاعطاء الإيرانيين فرصة لـ “انهاء الامر” باتفاق. واكتفى باطلاق تصريحات من خلال المنشورات مع القفز بين الاحرف الصغيرة والاحرف الكبيرة على لوحة المفاتيح.

رغم التصريحات العدائية (لكن المسلية) بانه لا توجد له رغبة في التحدث اكثر مع الإيرانيين، ورغم التهديد الذي تمت صياغته بشكل جيد – سنفجر الأمور النووية – الا أنه يبث حتى الآن بسلوكه بانه لا يرغب في الانضمام الى الهجوم الإسرائيلي، وانه سيواصل إعطاء المزيد من الوقت الإضافي من اجل إعطاء الإيرانيين فرصة. زيادة التشدد في تصريحاته يمكن قراءته أيضا كاعطاء ذريعة للايرانيين “من اجل فعل الامر المنطقي”، أي العمل حسب الاعتبارات الغربية والدخول الى المفاوضات بدلا من خوض حرب يكونون فيها في وضع متدني.

لكن للأسف الشديد، جغرافيا هذا الحي مختلفة. فما يظهر منطقي لأي عاقل حسب منطق الديمقراطية يمكن أن يكون امنية غربية اكثر مما هي حل قابل للحياة. المشروع النووي ليس فقط بوليصة التامين للنظام الإسلامي، بل هو الآن أيضا رمز قوته وسيادته. يوجد شك كبير في ان يوافق على التنازل عنه، بالتاكيد ليس بعد بضعة أيام على الحرب، وهكذا ليس فقط هو لن يقبل بتمريغ كرامته بشكل مهين، بل ان يظهر كضعيف وقابل للمس به في نظر المعارضة في الداخل.

كلما مر الوقت وارتفعت معها المخاطرة الى حدود خطر كبير ومخيف في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وصب المزيد من الزيت على النار، فانه تتعزز إمكانية حدوث سيناريو مخيف في نظر الدول الليبرالية، أنه توجد امامنا في الواقع حرب لانهائية. أي “حرب مجموعها صفر”. حرب موضوعها ليس مصير النووي الإيراني وأنواع الصواريخ البالستية، بل في الحقيقة صمود النظام في ايران امام وجود “الكيان الصهيوني” المدعوم من قبل الولايات المتحدة. هذا التقاء بين ازعرين ذهبا بشكل متعمد الى ساحة لا يمكن الخروج منها بدون حسم – احدهما يجب عليه ان يقضي على الآخر.

كل العالم يتطلع الى ترامب، لكن القرار الذي سيؤثر على مسار الأمور وعلى الاحتمالية “غير العالية” للنجاة من ساحة الموت الثنائية، يوجد الآن في يد النظام في ايران. فهو الذي سيقرر هل سيضحي بالمشروع النووي من اجل تمكين نفسه من الحصول على وجبة اوكسجين على المدى القريب أو أنه سيخاطر بالتضحية به سوية مع حياة عشرات آلاف المواطنين الإيرانيين والإسرائيليين وغيرهم في حرب إقليمية لا يمكن توقع ابعادها، نتائجها وتداعياتها. حتى في وضع وسط الذي فيه الامريكيون لا ينضمون بكامل القوة لإسرائيل فان ترامب هو الذي سيقرر ارتفاع اللهب. فهل هذا الوضع سيتحول الى ازعاج حوثي متطور وخطير أو شيء آخر.

هناك أسباب كثيرة للغضب والقلق منذ 7 أكتوبر. ولكن اذا كان يمكن صياغة سبب للضائقة الجماعية في المعسكر الديمقراطي بعيدا عن القصص المحزنة التي مرت على كل واحد منا، فهو الادراك العميق بان هذا الفضاء لا يخضع لقانون الجاذبية الموجود في الديمقراطية الغربية.

 ——————————————

هآرتس 20/6/2025 

بنيامين نتنياهو ليس فقط صديق للقطريين، بل أيضا لآيات الله

بقلم: ادم راز

في نيسان الماضي ثارت عاصفة في سياسة ايران في اعقاب الاقوال التي قالها علي لاريجاني، احد زعماء الإصلاحيين الذي كان لسنوات طويلة رئيس المجلس (البرلمان الإيراني) وهو يشغل الآن منصب مستشار كبير للمرشد الأعلى علي خامنئي. في مقابلة معه قال لاريجاني بانه اذا تمت مهاجمة ايران وازدادت مطالبة الشعب للقنبلة النووية فانه يمكن تغيير الفتوى الدينية لخامنئي، التي تحظر انتاج السلاح النووي. اقوال لاريجاني فاجأت الكثيرين وتم تفسيرها بانها تدعم من يؤيدون التسليح النووي في ايران. ردا على ذلك قال وزير الخارجية عباس عراقجي بانه “في أي حالة ايران لن تطور السلاح النووي”. ومن لديهم نظرة ثاقبة قالوا ان اقوال لاريجاني الذي عارض لسنوات وجود سلاح نووي لإيران، استهدفت الدفع قدما بالمفاوضات مع الولايات المتحدة وثنيها عن المهاجمة وتقوية الذين يوجدون في قمة هرم القيادة ويؤيدون الاتفاق.

وسائل الاعلام الإسرائيلية تقريبا لا تتناول الخلافات التي توجد في قمة الهرم السياسي في ايران، فيما يتعلق بالمشروع النووي. النقاش بين الإصلاحيين ومن يؤيدون الخط المتشدد بشأن التطوير العسكري يقسم ايران منذ سنوات. وهو يتشابك بقضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية ويضر طابع المجتمع في ايران، الذي ليس الجميع فيه يؤيدون النووي. الإصلاحيون يقولون بان التسلح النووي سيؤدي الى ضرر لا يعادل الأفضلية الاستراتيجية التي يتحدث عنها من يرون أن هناك ضرورة لانتاج القنبلة. الإصلاحيون لم يخفوا رايهم بان القنبلة ستساعد النظام في تعزيز حكمه ومنع جعل المجتمع الإيراني مجتمع ليبرالي. يجب التأكيد على ان السبب الرئيسي الذي بفضله لا يوجد حتى الان لإيران سلاح نووي هو الصراع الداخلي في الدولة وليس الخوف من إسرائيل.

لاريجاني اكد على ان الهجوم العسكري يمكنه ان يجعل ايران تجتاز العتبة نحو ترسانة نووية. أي انه سيعزز الذين يدعون الى التسلح النووي وسيحسم الخلاف الداخلي. كما هو متوقع فانه في الأسبوع الماضي أعلنت جهات رفيعة في ايران بان الدولة اضاعت الوقت عبثا على المفاوضات مع الغرب، والآن يجب عليها التقدم بسرعة نحو انتاج السلاح النووي. الانتقاد وجه للداخل: الناقدون ينتمون للمجموعة المتشددة جدا، التي هاجمت سياسة الرئيس مسعود بزشكيان، الذي منذ انتخابه في تموز 2024 أراد الدفع قدما بالحوار مع الغرب، واقترح العودة الى طاولة المفاوضات ومناقشة اتفاق جديد يكون استمرارية للاتفاق الأصلي من العام 2015، الذي انسحب منه دونالد ترامب في 2018 بتشجيع من بنيامين نتنياهو.

نتنياهو قلق جدا من استئناف الحوار مع الإيرانيين في الأشهر الأخيرة، الذي جرى في جولات المحادثات بين عراقجي وستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي. وقد تم تسريب لوسائل الاعلام بأن نتنياهو لم يكن راض عن قرار ترامب استئناف المحادثات – بعد الحماس الذي سجل في محيط نتنياهو في اعقاب انتخابه كرئيس من مجرد التفكير في إمكانية هجوم مشترك أو منسق في ايران.

في هذه الاثناء ورغم ان جولة المحادثات الخامسة في أيار انتهت بالفشل، كانت هناك نية للبقاء في المسار الدبلوماسي رغم العقبات. الحرب التهمت الأوراق وجعلت كثيرين يفقدون الحكمة. “قرار شن الحرب هو قرار نتنياهو، وكل الفضل يعود اليه”، كتب المحلل ناحوم برنياع في 15/6. “ربما نحن اخطأنا تجاهه. ربما هو تغير”. وهكذا فان أي شيء لم يتغير. في المقابلة المذكورة أعلاه اكد لاريجاني على ان الهجوم العسكري لن يضر المشروع النووي الإيراني.

أريد الاشارة الى أنه في هذه القضية بانه منذ سنتين على الأقل يوجد اتفاق واسع بين الباحثين والمطلعين على الامر. اهود باراك، الذي يعرف بعض الأمور عن الموضوع كتب هنا بانه بواسطة الهجوم “لن نؤخر ولن يتأخر حصول ايران على السلاح النووي” (“هآرتس”، 15/6). هذا الادعاء صحيح بالتأكيد بخصوص مهاجمة إسرائيل لوحدها (حقيقة معروفة كما قلنا، لكن على الاغلب هم أرادوا اخفاءها في إسرائيل)، وربما أيضا بخصوص هجوم بمساعدة الولايات المتحدة.

لا توجد حاجة الى العودة ووصف نشر البرنامج النووي الإيراني في ارجاء الدولة الواسعة، وغلاف الحماية الذي يحافظ على المواد المتفجرة. الإيرانيون قرأوا الصحف بالضبط مثل الذين يعيشون هنا، وعرفوا عن نوايا رئيس الحكومة (كان يكفيهم الاستماع الى خطابه في عيد الاستقلال الأخير). لقد استمروا في الحفر في أعماق الجبال واخفاء هناك قدس اقداس المشروع النووي – الوقود الذري.

يمكن القول عن نتنياهو الكثير من الأمور، لكن لا يمكن القول بأنه غبي. فهو ليس بحاجة الى التذكير بدوره الرئيسي الذي لعبه في انسحاب ترامب في 2018 من الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في 2015، وهي الخطوة التي قربت ايران من مسافة 18 شهر لتصبح “دولة عتبة” نووية الى مسافة بضعة أيام. مع ذلك، من المهم التأكيد، حسب المعروف لنا واعتمادا على تقديرات المخابرات الامريكية، على أن ايران لن تتقدم في مجال مجموعة السلاح (القدرة على تركيب راس نووي)، الامر الضروري من اجل ان تصبح أي دولة ذات قدرة نووية.

أي انها قامت بتخصيب اليورانيوم ولكنها لم تجتز “العتبة”. على أي حال، لم يكن لإسرائيل معرفة تناقض التقديرات الامريكية. وأنا أؤكد مرة أخرى بان ايران لم تجتز العتبة بسبب السياسة الداخلية أو لأنه ينقصها المهندسين والعلماء، الذين تتفاخر إسرائيل بتصفيتهم. في هذه الاثناء من غير الواضح ما الذي سيقرره ترامب. وحتى لو انضمت الولايات المتحدة الى الحرب فمن غير الواضح كيف ستفعل ذلك وكيف سيؤثر تدخلها على المشروع النووي الإيراني. حسب الجيش الإسرائيلي بعد أسبوع سيتم استنفاد بنك الأهداف في ايران، وهناك شك كبير اذا كانت إسرائيل تخطط للمس بالمنشآت الأكثر أهمية وحساسية للمشروع النووي في أصفهان وفي فوردو. بالمناسبة، ليس فقط بسبب أنه لا يمكنها المس بها، بل لأن المس بها ينطوي على خطر الاشعاع. كل ذلك يعرفه نتنياهو بالطبع. هل الهجوم سيساعد على الدفع قدما باتفاق جديد، هناك شك كبير في ذلك. عمليا، الوكالة الدولية للطاقة النووية التي أشرفت على المشروع يمكن الآن ان تفقد قدرتها على مراقبة جزء من المنشآت النووية في ايران والمواد النووية الموجودة لديها. هذا أيضا يعرفه نتنياهو.

بشكل علني نتنياهو شن الحرب على المشروع النووي الإيراني وليس على النظام. إسرائيل تعود وتؤكد بأن الهدف ليس اسقاط النظام في ايران. ولكن هناك نتيجة منطقية جدا للحرب، وهي انه اذا لم يسقط النظام فان ايران ستجتاز العتبة النووية. أي ان الحرب ستؤدي الى حسم النقاش في ايران لصالح من يطالبون بالتسلح النووي، والدولة ستندفع قدما وتبدأ في بناء الترسانة النووية. وحتى أنه من المرجح ان تختار التقدم والحفاظ على سياسة نووية غامضة كما تفعل ذلك دولة أخرى في الشرق الأوسط.

في إسرائيل يتاثرون من عمليات سلاح الجو والاستخبارات الإسرائيلية في ايران. مع ذلك، مع كل الاحترام للانفعال من الطائرات الامريكية التي يقودها طيارون إسرائيليون، فان الأهمية الاستراتيجية للعملية العسكرية محدودة جدا. إسرائيل لن تستطيع تصفية حتى منظومة الصواريخ البالستية، وهم يمكنهم مواصلة شل الدولة لفترة طويلة. رئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي قال في يوم الاثنين بانه “كان لدى ايران آلاف الصواريخ البالستية، وما زال لديها الآلاف”. يجب التأكيد على ان هذه الحقيقة لن تتغير. على كل ذلك يوجد توقيع نتنياهو الذي شن الحرب مع المعرفة بان النتيجة ستكون تعزيز القوى التي تؤيد النووي في ايران، وحتى الدفع قدما بالقنبلة النووية، في الوقت الذي يضلل فيه الجمهور الإسرائيلي ويقول العكس.

الحرب ضد ايران وإمكانية ان تدفع ايران للحصول على القنبلة النووية تعطي نتنياهو افضلية واضحة في السياسة الداخلية: تفاقم الشعور بالخوف في إسرائيل. الناس يقتلون ويصابون، الدولة مشلولة، الشوارع تدمر، التفكير الانتقادي على الحكومة يتلاشى – كل ذلك يساعد على تخليد حكمه. في هذه المرة، بالمناسبة، الإسرائيليون هم الضرر الجانبي. يجب علينا القول بان نتنياهو ليس فقط صديق للقطريين، بل هو أيضا صديق لآيات الله.

 ‏——————————————

يديعوت أحرونوت 20/6/2025 

سبعة دروس من حرب ايران أهمها انه لا توجد مؤشرات على تفكك النظام

بقلم: ناحوم برنياع

في الجيش الإسرائيلي يطلبون الان مزيدا من الوقت. مع الاكل تأتي الشهية. كلما اتسعت حركة طائرات سلاح الجو فوق ايران، كلما طالت قائمة الأهداف التي ضربت، هكذا يزداد الطموح. الهجمات تتركز الان على ضرب قدرة الإيرانيين على أعادة بناء أنفسهم بسرعة في اليوم التالي للحرب. سلاح الجو يضرب منظومات انتاج الصواريخ ومنظومات انتاج السلاح. القرار بقصف المفاعل النووي في اراك هو مثال على ذلك: فقد قصف المفاعل فجر أمس رغم أنه ليس نشطا. “في المستقبل سيكون ممكنا تحويله الى نشط”، كان التبرير.

الإنجازات العسكرية مبهرة: النشوى يجب ان تشعل ضوء تحذير. مسألة اليوم التالي لإيران لا تتلخص باعداد عن انخفاض مستقبلي في قدرة الإنتاج. فإسرائيل تتصدى لدولة كبيرة ومتطورة ولنظام متزمت يؤمن بالطريق الطويل. ضربة بدء ناجحة لا تضمن النصر في ضربة النهاية. واضح الى أي نهاية تتمنى إسرائيل، لكن ليس واضحا على الاطلاق اذا كانت هذه النهاية قابلة للتحقق. أسبوع مر منذ بدء الحرب: زمن طويل مقارنة بالحروب الإسرائيلية في الماضي، زمن قليل مقارنة بالقصة الإسرائيلية في غزة. يمكن أن نتعلم بضعة دروس، لكن حتى هذا التعلم سيكون تجريبيا، مؤقتا، منوطا باللاعبين وبالظروف.

ثانيا، العالم يسير مع من ينظر اليه كمنتصر. هذا مثير للحفيظة، لكن هكذا مبني العالم. المرة الأخيرة التي حظيت فيها إسرائيل بالعطف بسبب ضعفها كانت في أيار 1967، عشية حرب الأيام الستة. العالم الغربي بكى ابادتنا القريبة لكنه فعل قليلا جدا كي يمنعها. وعندها نشبت الحرب وكل شيء انقلب رأسا على عقب. في 7 أكتوبر 2023، عندما انكشفت دولة إسرائيل في ضعفها، امتلأت الجامعات في الغرب بالدعوات لابادة إسرائيل.

ليس في الرأي العام في الغرب رحمة كبيرة على النظام الإيراني. الحكومات تريد سقوطه. عندما قال رئيس وزراء المانيا الجديد ان إسرائيل تقوم بالعمل الأسود نيابة عن العالم فانه قال علنا ما يقوله نظراؤه في الخفاء.

احد التعابير عن التغيير الإيجابي هو الرفع العملي للحظر على بيع السلاح لإسرائيل (أحيانا توجد فجوة إيجابية بين التصريحات والافعال: لدى البريطانيين، مثلا). في الصالون الجوي في لا بورجيه الذي بسبب تدخل الرئيس ماكرون بقيت الاجنحة الإسرائيلية فيه مغلقة، إسرائيل تعقد الصفقات كالمعتاد. قد لا تكون هي شعبية، لكن أسلحتها شعبية.

المنضم الأبرز هو ترامب. أمريكا انتخبت رئيسا مدمنا على كل قصة نجاح، يتبناها لنفسه ويتباهى بها. هو قال امس انه قد يضم أمريكا الى الحرب وقد لا، أحد لا يعرف. بـ “احد” قصد أيضا نفسه. لكن تصريحاته، الصبيانية والمتذبذبة مثلما هي، تصعب على النظام الإيراني اتخاذ القرارات. يحتمل أنه مثلما كتبت “نيويورك تايمز” نجح نتنياهو في أن يجر ترامب الى مشاركة مباشرة في حرب لم يرغب فيها. يحتمل ان تكون المسؤولية تقع على كاتب مقال ما في “وول ستريت جورنال” الذي كتب ان ترامب هو TACO: وهذه الاحرف الأولى من تشخيص مهين يقول ان “ترامب دوما يذعر ويهرب”. الاحرف الأولى هذه انتجت اجنحة وشعر ترامب بانه ملزم بان يثبت بانه ليس دجاجة مذعورة بل رجل الرجال.

ثالثا، أثبتت إسرائيل قدرات استثنائية في تصفية القيادة العسكرية لإيران ودقة قصف سلاح الجو على مسافة نحو 2000 كيلو متر عن إسرائيل.  هذا الخليط بين القدرتين كان فتاكا. مصدر عسكري في إسرائيل يشرح بان النظام اضطر لان يحول عمداء قليلي التجربة الى ألوية وفرقاء. لكن القدرة النووية لإيران تضررت بالهوامش فقط. إسرائيل بحاجة الى تدخل امريكي او على الأقل الى قنابل أمريكية كي تكمل الضربة.

رابعا، بين قرار ترامب أم بين روح القائد، إسرائيل تحصل في هذه الحرب من المخازن الامريكية على كل ما تطلب. هذا ما يقوله لا السياسيين بل المهنيون. على حد قولهم مشكلة صواريخ الاعتراض ضخمت بسبب التسريب، نتيجة خلاف بين البنتاغون ووزارة الخارجية الامريكية. استخدام صواريخ الاعتراض بعضها إسرائيل، بعضها امريكي، يدار.

التوترات الداخلية في الإدارة الامريكية ولدت تسريبا آخر يقول ان ايران لم تبني على الاطلاق قدرة عسكرية نووية. المصدر هو على ما يبدو تولسيجفارد المسؤول عن الاستخبارات التي علاقتها مع النظام الإيراني معروفة. كعقاب له، لم يدعوه ترامب الى النقاش عن الحرب في البيت الأبيض. اما إسرائيل فقد سارت في هذا الشأن على الخط مع قائد المنطقة الوسطى الأمريكي الذي قدر مثلها بان ايران بعيدة أسابيع فقط عن انتاج 15 قنبلة.

خامسا، توجد مظاهر فزع في أجزاء من المنظومة العسكرية الإيرانية، لكن الدولة تدار. لا توجد حاليا مؤشرات على تفكك النظام. توجد مؤشرات على خوف الجنود من اطلاق الصواريخ.

سادسا، الفرضية في إسرائيل هي ان حزب الله، او ما تبقى منه لا يسارع الى ان يفتح من جديد معركة ضد إسرائيل. الدعوة العامة لخامينئي لم تستجب حاليا. الهجوم على ايران، يقول مصدر عسكري، ما كان ليتاح لولا صفينا قبل ذلك أساس قوة حزب الله.

سابعا، التقدير في الجيش الإسرائيلي في نهاية أسبوع من القتال هو ان ثلث منصات اطلاق صواريخ ارض ارض دمر، ثلث تضرر وثلث سليم.

إضافة الى ذلك فان سلاح الجو الذي جرى الحدث عنه كثيرا في السنتين الأخيرتين خرج الى هجوم على ايران بالاجماع. الاسراب الرباعية من طائرات اف 16 تخرج الى المهمات وتتلقى مهمات جديدة فور هبوطها. قل شكرا لالاف الأشخاص الذين يعملون هنا، طلب احد الطيارين. هم يأتون من كل شرائح السكان.

لقد حذر من فرصة مبكرة قائلا: “ما نحتاج الى عمله هو أن نعيدهم الى الوراء، بالادوات، بالذخائر، بالتكنولوجيا، بالمعرفة. لكني أقول لطياريّ تعالوا بتواضع واعطوا العدو احتراما. هم إيرانيون. هم سيحاولون التعلم والانتعاش.

ناهيك عن ان في هذه الاثناء لا يسارع ترامب وبوتين لفرض اتفاق، وليس لإسرائيل خطة خروج. الزمن هو مقدر يحسن الإيرانيون استخدامه. نحن من شأننا ان ننتصر في المعركة ونخسر في الحرب.

 كل شيء قابل للتراجع

النصر في حرب الأيام الستة جلب ست سنوات من الغرور والاعتداد، حرب استنزاف عديمة الجدوى واخفاق عسكري رهيب في يوم الغفران؟ كما جلب أيضا مناطق جديدة اثارت لدى بعض الإسرائيليين احلاما جديدة، تطلعات جديدة وسلم أولويات جديد ولدى آخرين اسف وندم.

حرب يوم الغفران انتهت بتعادل لاذع لكنها جلبت سلاما مع مصر ومع الأردن، بداية دخول إسرائيلي الى العالم العربي وتجربة لم تنجح لمسيرة سلام مع الفلسطينيين.

ما هو الشرق الأوسط الجديد الذي يعلن عنه نتنياهو، نحن لا نعرف. نحن نعرف ما هي إسرائيل الجديدة التي تسعى حكومتها اليها. الجهد الحربي يدعو الى الوحدة الداخلية، الى الاجماع. هذا أيضا هو الخطاب. لكن ما يحصل عمليا، معاكس. مهمات في ايران للطيارين؛ استماع قبيل الإقالة للمستشارة القانونية للحكومة. دعم في الحكومة للاعلام الحر؛ تصفية الاعلام الحر في خطوات الحكومة. لم يسبق لمثل هذا الامر في أي من حروب إسرائيل.

——————————————-

هآرتس 20/6/2025 

تهديد النووي لم يُزل بعد لكن الحرب تنتج أهدافا ثانوية

بقلم: تسفي برئيل

المعركة ضد ايران هي الحرب الاولى التي لا تديرها إسرائيل حول أراض توجد لها أهمية استراتيجية من اجل توسيع مجال حياة اليهود أو من اجل تحقيق أيديولوجيا توراتية. البعد الكبير بين إسرائيل وايران (حوالي 2000 كم) والتهديد النووي الإيراني الذي اعتبر تهديد وجودي تقزم أهمية “الأرض” كمكان دفاع يقتضي من دولة إسرائيل ان تسيطر عليه مثل قطاع امني – مثلما هي الحال في غزة والضفة الغربية ولبنان أو سوريا. أيضا هذه هي المرة الأولى التي فيها القوات البرية التقليدية مثل الدبابات والمدفعية وسلاح المشارة لا تشارك في الحرب.

نموذج السيطرة على الأرض كعامل حيوي لامن إسرائيل لا يناسب نوع الحرب التي فيها طائرات، صواريخ ومسيرات مطلوب منها تحقيق الحسم. أيضا تفسير الحسم اصبح مرن، هل معنى “الحسم” هو فقط التدمير الشامل لكل المنشآت النووية وكل مراكز المعلومات والأبحاث التابعة لمنظومات الدعم اللوجستية والعسكرية للبرنامج؟.

يبدو انه كلما طالت الحرب فان تفسير الحسم يصبح نطاقه أوسع، ومثله أيضا التهديد الذي تشكله ايران. في البداية قالت إسرائيل ان ايران هي “رأس الاخطبوط” الذي يجب القضاء عليه أو شله من اجل شل الامتدادات التي وقفت في جبهة الحرب ضدها. وفي نفس الوقت هي تتطلع الى القضاء على التهديد النووي الإيراني. هذه كانت أيضا رؤية الرئيس ترامب عندما حذر في شهر آذار من انه سيعتبر أي اطلاق من الحوثيين وكأنه خرج من ايران وأن ايران ستدفع ثمنا باهظا عن ذلك. هذا لم يحدث، بعد بضعة أسابيع من ذلك ولد اتفاق وقف النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، ومن ناحية الولايات المتحدة – عندما تمت إزالة هذا التهديد اختفت معه الحاجة الى ضرب ايران. خلال ذلك بقيت إسرائيل لمواجهة وحدها رأس الاخطبوط.

في نفس الوقت قررت إسرائيل شن هجوم كثيف مستقل ضد ايران لتدمير المشروع النووي الذي في الأسابيع الأخيرة تسارع بصورة مضاعفة. الوكالة الدولية للطاقة النووية نشرت ان ايران تمتلك مخزون من اليورانيوم المخصب بمستوى اقل من العسكري، 60 في المئة، وأنه في فترة زمنية قصيرة نسبيا، اقصر مما تم التقدير سابقا، هي يمكنها تركيب عدة قنابل نووية.

الأمين العام لوكالة الطاقة النووية، رفائيل غروسي، أكد في الحقيقة انه لا يوجد لديه أي دليل على ان ايران تطمح الى الحصول على السلاح النووي، لكن تقريره فعل فعله. في فترة زمنية حاسمة تعاظم “المسرع” الآخر الذي بحسبه إسرائيل قدرت ان الرئيس الأمريكي يمكن ان يعطي لنفسه ولايران فترة زمنية أخرى من اجل محاولة التوصل الى اتفاق نووي جديد. إسرائيل قررت، ونجحت، اقناع ترامب بانه لم يعد هناك مجال للانتظار.

ترامب، الذي قبل الحرب ببضعة أيام أوضح بأنه لا يقف وفي يده ساعة توقيت من اجل انهاء المفاوضات، التي كان يمكن استئنافها في يوم الاحد الماضي في عُمان، اعطى الموافقة على شن الهجوم بدون الانضمام اليه بشكل مباشر. بالمناسبة، الفرق بين المشاركة المباشرة وبين الدعم “من الخلف” الذي من غيره كان يصعب تخيل ان إسرائيل كان يمكنها شن الحرب، هو فرق ضبابي جدا. يبدو أنها تبقي للولايات المتحدة هامش نفي وإمكانية القول بأنها لا تحارب ايران، وهكذا ربما هي تحاول إبقاء ثغرة لاستئناف المفاوضات.

بالنسبة لإيران الولايات المتحدة اتخذت موقفها

ايران لا تقوم بهذا التمييز بين الامرين. فوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال في هذا الأسبوع بانه يوجد لدى ايران ادلة على ان الولايات المتحدة شريكة كاملة في الحرب. رغم ذلك ورغم تحذيرها فان ايران تجنبت حتى الآن مهاجمة الأهداف والقوات الامريكية. وهكذا فانها تبث بان الحرب ما زالت تراوح على المحور الثنائي بينها وبين إسرائيل. وانه بالنسبة لها فان المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل ما زالت لا تشكل ذريعة لتوسيع ساحة نشاطاتها، ضد الأهداف الامريكية أو ضد ثروات دولية وعربية مثل الملاحة في الخليج الفارسي واغلاق مضيق هرمز.

في نفس الوقت ايران لم توقف جهود التوصل الى حل دبلوماسي. اليوم يتوقع أن يلتقي عراقجي مع وزراء خارجية الدول الاوروبية الثلاثة التي وقعت على الاتفاق النووي، فرنسا، بريطانيا وألمانيا، في محاولة للعثور على قناة لانهاء الحرب.

هذه الخطوة يمكن أن يكون لها نتائج فعلية فقط اذا نجحت هذه الدول في اقناع ترامب بانه يوجد مخرج يمكن ان يكون مقبول عليه، ويدفع قدما وبسرعة الاتفاق النووي. الرئيس الأمريكي قال في الواقع ان “الوقت من اجل المفاوضات انقضى”، وان ايران كان يجب عليها استغلال الفرصة والموافقة على عرضه، لكن ترامب قال أيضا عدة اقوال التي في غضون ساعات أو أيام هو نفسه ناقضها.

في نهاية المطاف حتى لو امر سلاح الجو الأمريكي بمهاجمة المنشأة في فوردو فان هذا لا يعني انه بذلك ينهي المسار الدبلوماسي. حتى لو تم تدمير معظم المنشآت النووية فان العملية العسكرية يجب ان تنتهي باتفاق يهدف الى شمل بنود إضافية مثل معالجة برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية وتفكيك المليشيات والجماعات التابعة لإيران وانهاء دعم الإرهاب. هذه البنود تنازل عنها ترامب عندما بدأت المفاوضات مع ايران، لكن اذا نجحت العملية العسكرية فانه يمكنه شملها في أي اتفاق مستقبلي مع ايران.

ماذا ستفيد تصفية خامنئي؟

إسرائيل من ناحيتها اضافت هدف مركزي اخر لاهداف الحرب، الذي صاغه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، عندما قال “ديكتاتور مثل خامنئي لا يمكنه البقاء على قيد الحياة”. كاتس قال ان “خامنئي هو هتلر العصر الذي يؤمن بايديولوجيا تدمير إسرائيل ويجند موارد بلاده لصالح هذا الهدف الفظيع”. كاتس، مثل الخبراء في الشؤون الإيرانية، يميز بين “الشعب” الإيراني وبين قيادته، وبين الجمهور وبين “الجمهورية الإسلامية”. من هنا فان الاستنتاج المطلوب هو ان تصفية خامنئي ستنهي ليس فقط الأيديولوجيا الشيطانية، بل أيضا سينهي آلية القوة والنفوذ التي تحمي هذه الديكتاتورية في ايران. إضافة الى ذلك هي ستمكن “الشعب” من أن يختار بنفسه قيادة جديدة، التي يجب ان نامل بان تكون ليبرالية، تحب الديمقراطية وتحترم حقوق الانسان، وبالاساس ديمقراطية لا تسعى الى الحرب، وبالاحرى، لا تسعى الى تطوير وسائل دمار شامل.

خلافا للاحلام فانه يوجد للامل أساس واقعي. ولكن التاريخ غير البعيد يدل على ان تغيير الحكام والأنظمة ليس الضمانة لتدمير الأيديولوجيا او تأسيس أنظمة ليبرالية. فتصفية صدام حسين والملا عمر ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح خلفت دول مدمرة، بعيدة عن الليبرالية الأوروبية أو الامريكية، واوجدت تهديدات، التي بعضها مثلما في اليمن والعراق، أصبحت جزء لا يتجزأ من التهديد الإيراني الإقليمي.

أيضا تصفية حسن نصر الله ويحيى السنوار وأبو بكر البغدادي لم تنهي تنظيماتهم (حتى لو قلصت بشكل كبير قدرتها). نظرية “تصفية الراس” كعلاج للتهديد الاستراتيجي وكوسيلة للقضاء على الأيديولوجيا الراديكالية تستدعي الغرق في الأوهام الساذجة، التي بحسبها لا توجد حاجة على الاطلاق الى شن حرب شاملة ضد ايران أو أي دولة مجنونة أخرى. تكفي تصفية الزعيم من اجل القضاء على الخطر الذي تشكله. أي انه لو أن إسرائيل قامت بقتل خامنئي قبل عقد أو عقدين لما كان المشروع النووي استمر، ومثله أيضا برنامج تطوير الصواريخ البالستية التي تضرب الآن إسرائيل. إضافة الى ذلك كان يمكن التنازل عن استراتيجية الردع وبناء جيش يستعد للتهديدات التي سمعناها من زعيم دولة العدو.

تضليل اخر يكمن أيضا في التمييز بين “الشعب الإيراني” وبين قيادته. الشعب الإيراني مثل كل الشعوب غير متجانس، وفي داخل أجهزة النظام توجد عدة أنواع. ايران هي دولة يحكمها نظام ثيوقراطي متصلب، وحشي وقمعي، يستند الى الشريعة وآلية القوة التي لا تبقي أي احتمال حقيقي لاستبداله بشكل ديمقراطي. الاستطلاعات في ايران هي موضوع غير دقيق، على اقل تقدير، واستخدام الشبكات الاجتماعية محدود ومراقب، لكن من مجمل الحوار يمكن ان يتولد الانطباع بان كثيرين في أوساط الجمهور الإيراني يمقتون أسلوب النظام، الذي فيه رجل الدين الأعلى هو أيضا الزعيم السياسي الأعلى، الذي على أساسه يتم اتخاذ كل القرارات، وهم يتوقون الى استبدال هذا النظام.

مئات آلاف العائلات في طهران تتطلع الى ندب الحرب بين ايران والعراق. آلاف العائلات تقوم كل أسبوع بزيارة اعزائها في السجون والمئات منها تنتظر في الغرفة موعد اعدام أبناء العائلة، ومعظم الجمهور لا ينجح في انهاء الشهر ماليا او استئجار شقة مناسبة او الاستمتاع بالخدمات العامة بمستوى جدير بالدولة التي لديها إمكانية كامنة للثروة الأسطورية. ولكن هذا هو أيضا نفس “الشعب” الذي قام بالثورة في 1979 عندما قام باسقاط ديكتاتور آخر، الشاه محمد رضا بهلوي، فقط من اجل ان يدرك بانه جلب لنفسه ديكتاتورية اكثر قسوة بكثير.

هذا الشعب الذي مئات الآلاف من أبنائه قتلوا في الحرب مع العراق باسم الثورة الإسلامية، فرضت عليه الحرب في حينه، لكن كان هناك عدد غير قليل اعتبروها حرب وطنية للدفاع عن الوطن. الآن جزء من هذا الشعب يشارك في أجهزة الحكم والجيش والحرس الثوري والمنظومة الاقتصادية، جزء كبير من الجمهور الإيراني شارك في الاعتصامات وفي الاحتجاجات ضد النظام عندما رفع النظام أسعار الوقود (وعندما قتلت شرطة الاخلاق مهاسا اميني)، لكن ليس عندما قتلت قوات الامن المتظاهرين الاكراد أو نكلت بابناء الأقلية البلوشية.

لا يبدو أن الملايين الذين تظاهروا ضد النظام في 2009 عندما تم تزوير الانتخابات الرئاسية بشكل وحشي ورفعت مرة أخرى محمود احمدي نجاد الى الحكم، يخرجون الآن للتظاهر ضد النظام. ولكن هذا لا يعتبر تعبير عن دعم النظام. فبعضهم يخشى مواجهة قوات الامن، وآخرون ينتظرون رؤية كيف ستنتهي الحرب، وآخرون يأخذون مستقبلهم في الحسبان. تصفية خامنئي بالنسبة لهم جميعا ليست نهاية نهج النظام أو نهاية الأيديولوجيا.

الأهم من ذلك هو ائتلاف القوة الذي سيحكم الدولة بعد خامنئي. هل الحرس الثوري الذي كل ذريعة وجوده هي الثورة الإسلامية والسيطرة على اقتصاد الدولة، سيواصل وجود الائتلاف الديني العسكري الذي ضمن حتى الآن سيطرته؟ هل الجمهور سيتجرأ حينها على الخروج الى الشوارع من اجل تغيير نهج النظام؟ أو أنه سيتذكر مرة أخرى الاحداث التاريخية التي شكلت وجه الأمة، مثل الإطاحة بالشاه رضا بهلوي وتعيين ابنه المارق، أو عندما قامت أجهزة المخابرات الامريكية والبريطانية بالاطاحة بمحمد مصدق، الزعيم الذي اصبح الرمز للوطنية المتفاخرة التي تعارض الكولونيالية الغربية، أو عندما قامت الولايات المتحدة وإسرائيل برعاية الديكتاتور الذي حكم ايران حتى العام 1979. كل ذلك منقوش عميقا في الذاكرة الجماعية الإيرانية.

 —————————————–

معاريف 20/6/2025

الانجاز الاكبر من تدمير منشآت النووي هو اسقاط النظام أو اتفاق استسلام

بقلم: ألون بن دافيد

اللغة تصبح هزيلة، والكلمات تتقزم في ضوء عظمة الاحداث التاريخية التي نعيشها. في نهاية الأسبوع التي حتى كلمة “مذهل” صغيرة عليه، حققت اسرائيل إنجازات تفوق كل خيال في المعركة ضد ايران، والسؤال الان هو متى هي اللحظة الصحيحة لترجمة كومة الإنجازات هذه لخلق واقع مستقر وطويل المدى لا تكون فيه لإيران قدرة على تطوير سلاح نووي.

ان الظهور الشاحب والمفزوع للزعيم الأعلى هذا الأسبوع يمثل اقترابه من النقطة التي يكون فيها ملزما بالتنازل. حين نحاول تصور كيف يشعر زعيم تحلق في سماء عاصمته طائرات العدو تفعل فيها ما تشاء، قيادته العسكرية شطبت، وكل من يدخل اليه الى مكتبه ليتلقى رتبة يصفى في غضون يومين – فهذا مفهوم بما يكفي.

هذه هي المرة الأولى منذ 52 سنة التي تقاتل فيها إسرائيل دولة وأمة. والان يدور الحديث عن دولة اكثر من 90 مليون نسمة، تقع على مساحة 1.6 مليون متر مربع (50 ضعف عن مساحة إسرائيل). في دولة كهذه لن تنتهي لنا الأهداف ابدا. دوما سيكون هناك ما يمكن مهاجمته.

لكن بعد سلسلة النجاحات اللامعة، كل يوم من استمرار القتال يُعلي الخطر بان ندفع نحن أيضا اثمانا أعلى. يمكن أن يكون هذا خلل في طائرة او ضربة ذات مغزى كبير في الجبهة الداخلية، وعليه فيجب أن نفحص في كل يوم قتال ما هو حجم الإنجاز الذي لا يزال ممكنا تحقيقه مقابل هذا الخطر.

البرنامج النووي الإيراني لا يمكن تصفيته من الجو، ولا أيضا تطلعات النظام للنووي العسكري. لقد جمعت ايران المعرفة لتخصيب اليورانيوم، كما جمعت كمية مبهرة من المادة المشعة ووزعتها في ارجاء الدولة. وهذان الامران لا يمكن تدميرهما بالطائرات وبالقنابل. حتى لو دمرت كل منشآت النووي الإيرانية، يمكنها أن تقيم البرنامج من جديد وعليه فالانجاز يجب أن يكون اكبر من التدمير المادي لمنشآت النووي: اسقاط النظام أو اتفاق استسلام بصيغة فرساي.

واضح أن دخول الولايات المتحدة الى القتال سيغير الصورة تماما وسيسرع نهاية المعركة. فهذه ليست فقط القدرة الامريكية على ضرب المنشأة التحترضية في فوردو – انه الفهم الإيراني بان الأمريكيين يمكنهم ان يفككوا هذا النظام تماما. فقد رأى الإيرانيون ما احدثه الامريكيون من الجو لنظام صدام حسين في العراق. وهذا الدرس لاذع لديهم. اذا كانت الولايات المتحدة في الداخل – فان ايران ستزحف استجداء للوصول الى اتفاق.

 أوقفوا المماطلة

حتى ذلك الحين، هاكم بضعة تشخيصات لما حصل حتى الان وتنسيق التوقعات للمستقبل القادم:

توقيت الهجوم – خرجت إسرائيل الى المعركة ليس اضطرارا بل رغبة في استغلال نافذة الفرص الخاصة التي كانت توشك على الانغلاق. في السنة الأخيرة لم يطرأ اختراق ذو مغزى في طريق ايران الى القنبلة. ايران بالفعل جمعت كميات اكبر من مادة اليورانيوم المخصب بمستوى عال وكانت تطورات موضعية في أوساط العلماء الإيرانيين الذين انشغلوا بتطوير سلاح نووي.

منذ خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، وبقوة اكبر منذ تصفية ابي البرنامج النووي الإيراني محسن فخريزاده في 2022 بدأ العلماء الذين واصلوا طريقه بمبادرات مستقلة. لم يكن توجيه من الزعيم الأعلى لتطوير قنبلة، لكنه سمح للعلماء ان يعملوا بشكل مستقل ويغلقوا فجوات معرفة في الطريق الى انتاج قنبلة أولى. وعليه فان تصفية العلماء في ضربة البدء هي احد الإنجازات الأهم لنا. ليس مؤكدا ان ايران ستعرف كيف تستعيد المعرفة التي جمعها هؤلاء الأشخاص.

ما اشغل البال حقا هو الجهد الإيراني لترميم قدرات الدفاع الجوي الذي تضررت في أكتوبر من السنة الماضية، ودخولهم الى انتاج متسارع لصواريخ ارض ارض. نافذة الفرص فتحت عندما فهمت الإدارة الامريكية بان الإيرانيين يماطلونها في المفاوضات وليسوا مستعدين للوصول الى حل حقيقي. الجيش الإسرائيلي اكمل الجاهزية لخطط الحرب وآمن بقدرته على خلق حرية عمل جوي فوق ايران، وإدارة ترامب اعطتنا الضوء الأخضر للعمل.

خامينئي – في كل تصورات الشخصية التي كتبت في أجهزة الاستخبارات في الغرب عن الزعيم الأعلى لإيران يوصف كمتطرف، شكاك، مصاب بجنون الاضطهاد لكنه حذر وغير مغامر. لكن هو أيضا كان اسيرا لمفهوم ما وهو أيضا عاش 7 أكتوبر الخاص به. تماما مثل نصرالله الذي آمن حتى نفسه الأخير بان إسرائيل مردوعة منه ولم يفهم ان حاجز خوف إسرائيل من حزب الله انكسر في 7 أكتوبر.

خامينئي أيضا لم يفهم، حين تجرأ لأول مرة على مهاجمة إسرائيل مباشرة في نيسان 2024، وبعدها مرة أخرى في أكتوبر، حين كسر الرد الإسرائيلي حاجزا آخر: سلاح الجو فهم بانه يمكن تدمير الدفاع الجوي الإيراني وخلق الظروف لسلاح الجو للعمل بحرية فوق ايران. هذا شق الطريق للخطة الجريئة التي تتحقق في الأيام الأخيرة.

كما أن خامينئي لم يقرأ الأمريكيين. فقد اعتقد أن ترامب متحمس جدا لتحقيق اتفاق بكل ثمن وانه يمكن جذبه الى مفاوضات لا نهاية لها. كما أنه رأى امامه محاميا متمرسا لا يفهم حقا بالنووي وكان واثقا انه يمكنه أن يماطل. فرضيته الأساس كانت انه طالما كانت مفاوضات لا يمكن لإسرائيل ان تهاجم. ما في أمريكا يسمونه: بيغميستيك (خطأ جسيم).

فوردو – موقع التخصيب الثاني في حجمه في ايران، المفدون عميقا في داخل جبل، يصبح في الخطاب الإعلامي في الأيام الأخيرة الحجم الرئيس في البرنامج النووي. فوردو هو عنصر هام في البرنامج النووي، ويحتمل أن الى جانب أجهزة الطرد المركزية هو أيضا موقع التخزين الرئيس للمادة المشعة، وبصفته هذه من المهم تدميره. لكن البرنامج النووي الإيراني لا يسقط او يقوم على فوردو.

ليس لإسرائيل قدرة على تدميره بهجوم جوي. احدى إمكانيات إسرائيل لتدمير الموقع، كما نشر هو الوصول الى باطن الأرض واستخدام قوات برية بكل المخاطر التي تنطوي على ذلك. الأسلحة الامريكية يمكنها ان تخترق وتضربه، لكن كما اسلفنا هذا أيضا لن يصفي البرنامج النووي الإيراني.

ستاند ان – اصطلاح جديد لكثيرين منا. المعنى هو ان طائرات سلاح الجو يمكنها أن تبقى بحرية فوق الأهداف في مناطق نقية من الدفاع الجوي والقاء قنابل رخيصة اكثر بتواتر اعلى على الأهداف. هذا يعطي لإسرائيل قدرة إصابة اكبر لكل هدف في المناطق التي فتحت ويعزز إحساس الإيرانيين بانعدام الوسيلة.

طول النفس – تقارير أمريكية تدعي بان مخزون صواريخ حيتس الإسرائيلية آخذ في النفاذ. ايران لا تعرف كما صاروخ اعتراض بقي لنا  لكنها احصت كل صاروخ اعتراض اطلقناه في الأشهر الأخيرة ضد الصواريخ الحوثية (واطلقنا كثيرا) وضد هجماتها.

دون الدخول الى اعداد دقيقة نقول ان اسرائيل تنتج مئات قليلة جدا من صواريخ حيتس كل سنة. انتاج حيتس ليس مرنا. فهو منوط بتوريد عناصر معينة تستغرق وقتا طويلا. اذا ما طلبنا اليوم الف صاروخ إضافي – فسيستغرق انتاجها سنوات. بالمقابل انتجت ايران حتى يوم الخميس الماضي 30 صاروخ ارض ارض في الأسبوع، أي نحو 1500 في السنة. بعض من قدرات الإنتاج هذه تضررت، لكن ليس كلها. وعليه فهذه فجوة تشغل البال.

الولايات المتحدة تساعدنا في الدفاع، لكن أداء منظومة ثاد المنشورة في إسرائيل وأداء سفن AEGIS لا يقترب من نجاح حيتس الذي يبلغ نحو 90 في المئة. المعنى هو انه كلما طالت المعركة، فان الإصابة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستكون اشد.

الامريكيون يغدقون علينا كل ما نطلب. من بداية الحرب تهبط هنا طائرات محملة بالذخيرة الجوية التي تسمح بتواصل الهجمات في ايران. سلاح الجو يمكنه أن يعوض الضغف في الدفاع بقدرات العقاب التي طورها لنفسه – على كل إصابة ذات مغزى في إسرائيل يمكنه أن يجبي ثمنا باهظا من ايران. لكنه لا يمكنه أن يعيد أولئك الذين سيصابون بالصواريخ الإيرانية.

 جني الأرباح

حالة النهاية – قلة من الأشخاص الذين بعد سلسلة نجاحات يمكنهم أن ينهضوا عن الطاولة ويلموا كومة أقراص القمار التي جمعوها. كثيرون يستسلمون للاغراء في محاولة تحقيق المزيد. تغيير النظام في ايران هو شيء ما نتمناه جميعنا. لكن من الخطير بمكان ان يغرينا التفكير بان سلاح الجو سيغير النظام في ايران. معظم العالم يفهم اليوم بانه لم يتبقَ لإيران أوراقا كثيرة باستثناء الصمود. توجد فرصة لخلق اجماع دولي لاقتياد ايران الى نزع قدراتها النووية. الإنجازات العسكرية شقت الطريق للعمل السياسي، وهذا ما هو مطلوب من إسرائيل الان. إسرائيل تتميز دوما بضربات بدء لامعة ولا تعرف متى تنهي.

ان البطولة الرائعة لطواقم الجو، مقاتلي الوحدات الخاصة ورجال المواد، التفاني الرائع للطواقم الأرضية التي تتيح تواصل القتال، يمكن أن نستخدمها الان لخلق مستقبل افضل. نتنياهو الذي على مدى سنة ونصف كان مشغولا بان يشطب من ارثه 7 أكتوبر ويضمن مستقبله الشخصي، يمكنه الان ان يكتب فصلا فاخرا في ارثه، وهذه المرة أيضا ان يضمن مستقبلنا جميعا.

——————————————

هآرتس 20/6/2025

كاتس “الشعبوي”: أضفنا هدفاً جديداً للحرب.. اغتيال خامنئي

بقلم: أسرة التحرير

وصل وزير الدفاع إسرائيل كاتس إلى ساحة سقوط صاروخ إيراني في حولون، وقال إن “دكتاتوراً كخامنئي لا يحق له العيش”. وبعد أن سُئل إذا كان الحديث يدور عن هدف جديد في الحرب ضد إيران، أضاف مؤكداً بأن “منع وجوده (خامنئي) جزء من أهداف الحملة”.

يخيل أن النجاحات العملياتية في الأيام الأولى من الهجوم في إيران ملأت أصحاب القرار في إسرائيل بثقة مبالغ بها في النفس، ربما تكلف غالياً. لقد خرجت إسرائيل إلى الحرب وحدها، دون معونة هجومية من الولايات المتحدة، فيما شرح رئيس الوزراء نتنياهو هذا بتهديد أن تكون لإيران قنبلة نووية، وبزيادة وتيرة إنتاج الصواريخ الباليستية. ضرب هذين التهديدين أعلن كهدف الهجوم، وليس تغيير النظام أو المس بالزعيم الإيراني.

لتحقيق هذه الأهداف دون التدهور بالمنطقة كلها إلى حرب واسعة، لا تكفي قوة عسكرية وفقدان اللجام. تصريحات كتصريحات كاتس أيضاً لا تساهم في شيء، بل تصعد التوتر الإقليمي وتؤدي إلى المس بشرعية إسرائيل في أوساط بعض من مؤيديها. كما أنها لا تضفي أمناً على مواطني الدولة لأنها تفسر على أنها تبجحات لسياسي شعبوي.

تنتظر إسرائيل قرار ترامب إذا كان سيهاجم إيران. لكن سيكون من الخطأ الجسيم التفكير بأن استخدام القوة فقط – بما في ذلك قوة الولايات المتحدة – سيؤدي إلى حل ناجع لـ “المشكلة الإيراني”. فاستخدام القوة سيؤدي باحتمالية عالية إلى اشتعال إقليمي، قد يتضمن هجوماً على قواعد أمريكية في الشرق الأوسط، وهجمات إيرانية على حقول الغاز والنفط لدول الخليج وإمكانية انضمام حزب الله إلى الهجمات ضد إسرائيل. هذا إضافة إلى ضرر جسيم لحق بالجبهة الإسرائيلية الداخلية.

لقد تلقت إيران ضربات قاسية من إسرائيل في الأيام الأخيرة. ثمة في هذا ما يفسر الرسائل التي يطلقها دبلوماسيون إيرانيون بأن إيران مستعدة لمحادثات مع الولايات المتحدة. محظور أن تكون إسرائيل هي من تخرب عن قصد إمكانية الوصول إلى اتفاق سياسي يلبي الأهداف التي وضعتها. إن إهانة إيران ليست هدفاً وكذا ليس إسقاط النظام أو اغتيال خامنئي.

لإسرائيل سجل مثبت من انعدام القدرة على وقف الحملات العسكرية في الوقت المناسب – من حرب لبنان الأولى وحتى الحرب في غزة. إذا اعتقد نتنياهو أن إيران هي وملعب آخر من “ساحات اللعب” يمكن أن تخاض عليه حرب أبدية أو جر الحلفاء التقليديين إلى داخله لتحقيق المزيد من الأهداف التي تتجدد في إطار الحرب – فهو مخطئ، بل إنه يعرض مواطني إسرائيل للخطر. بدلاً من حرب إقليمية واستمرار الدمار، على إسرائيل التطلع إلى تسوية سياسية تعالج النووي الإيراني بأفضل شكل وبعيد المدى.

——————————————

يديعوت 20/6/2025

«سمفونية الاشتباك» بدلاً من «البحث عن الهدوء»

بقلم: جوناثان أديري

في الحرب مع طهران، تصل العقيدة الأمنية الجديدة إلى نقطة الذروة، عقيدة الاشتباك. إن نجاح إسرائيل في مواجهة إيران ليس نتيجة خطوة ذكية واحدة، وهو مرتبط بأمر واحد فقط: الاستعداد للاشتباك الاستباقي والمحسوب. طوال أعوام، عاشت إسرائيل في وهم خطِر – الإيمان بأنه يمكن إدارة الواقع الفوضوي في الشرق الأوسط من المكاتب المكيفة، والوصول إلى الهدوء، عبر الامتناع من الاشتباك. هذا ما سمّيناه “احتواءً” أو “إدارة صراع”. عملياً، هذه كانت استراتيجية الخوف.

الخوف من الاشتباك هو الذي حوّل “حماس” إلى “وحش” على حدودنا الجنوبية. لقد فضّلنا الاقتناع بأنها “مرتدعة”، وسمحنا للأموال القطرية بالدخول إلى القطاع، على أمل شراء الهدوء. عملياً، موّلنا تعاظُم قوتها حتى انفجرت في وجوهنا يوم 7 تشرين الأول. “حماس” من طرفها، أدارت استراتيجية تمويه ذكية، واستغلت ارتداعنا عن الاشتباك من أجل التحضير لأكبر “مذبحة” في تاريخنا.

أمّا في الشمال، فالنتيجة لم تكن أقلّ تدميراً. إن سياسة الاحتواء في مقابل “حزب الله”، التي تمأسست منذ سنة 2006، سمحت للحزب بمراكمة أكثر من 150 ألف قذيفة. تم الرد على كل استفزاز بشكل محسوب، رغبةً في احتواء الحدث. فكانت النتيجة عكسية: إسرائيل هي التي أصابها الشلل، وكانت مرتدعة، تجنباً للثمن الكبير جداً للحرب الشاملة. وبدلاً من ضمان الأمن، منحت سياسة الامتناع من الاشتباك أعداءنا العامل الأثمن: الوقت من أجل تعاظُم القوة من دون إزعاج.

شكّل هجوم “7 تشرين الأول” الموت العنيف لهذه النظرية. ودمرت الصدمة القومية الوهم القائل إن قوتنا نابعة من امتناعنا من المواجهة. منذ ذلك الوقت، لم يكن التحول الجوهري الأكبر عسكرياً فقط، بل على صعيد الرؤية أيضاً: الانتقال من عقيدة الخوف إلى عقيدة الاستعداد للاشتباك. وهذا لا يعني بالضرورة عمليات متهورة.

أساس هذه العقيدة الجديدة هي الحصانة الوطنية. قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمُّل أثمان ثقيلة – إجلاء عشرات الآلاف من المواطنين وضرر بالاقتصاد وخسائر مؤلمة- أمور كلها سمحت للقيادة بإدارة معركة مُكلفة وطويلة. هذه الحصانة التي وُلدت من الأزمة هي ما يحرك إسرائيل، ليس فقط في اتجاه الرد، بل أيضاً للمبادرة إلى الاشتباك.

إن النجاح في مواجهة إيران هو تتويج “لسمفونية الاشتباك” المُحكمة جيداً، وبُنيت على مدار عام ونصف العام: سابقاً، اشتبكت منظوماتنا الدفاعية مع التهديدات اليمنية، وواجهت بنجاح ضربتين صاروخيتَين ومسيّرات كثيرة من إيران. وعلى صعيد الهجوم، اشتبكت طائراتنا، ومن دون توقف، مع منظومات الدفاع الإيرانية وأذرعها في سورية واستنزفتها، كما أنها جمعت معلومات استخباراتية وبنّت تفوقاً جوياً. هذا علاوةً على أن القتال المستمر والمؤلم في غزة لم يفكك فقط قدرات “حماس”، بل عزز أيضاً قوة الجيل الجديد من المقاتلين، وبنى حصانة وطنية لتحمُّل ثمن الحرب “العادلة”.

كل خيط من خيوط الاشتباك هذه نُسج مع غيره، وجهّز الأرضية لخطوة حاسمة: اشتباك عنيف ومباشر مع إيران على أرضها. فالضربات التي وُجهت إلى المفاعلات النووية والقيادة العسكرية لم تكن مخاطرة، إنما مسار طويل من بناء القدرات، والثقة، والتفوق الإدراكي، عبر الخبرة المتراكمة والمستمرة.

يثبت التاريخ أن الدول القوية لا تطمح إلى الهدوء. إنها تطمح إلى الاشتباك الدائم والمدروس، لأنه الطريق الوحيد إلى تطوير القدرات والوصول إلى التفوّق. في العالم الفوضوي والمتغير، التخطيط في المكاتب عبارة عن وهم. فالتفوق يُبنى عبر العلاقة بالواقع بشكل دائم. إسرائيل دولة لديها قدرات مذهلة، ولا يمكن أن تسمح لنفسها بترف الخوف. إن عقيدة الامتناع من الاشتباك دفنتنا تحت أنقاض النظرية، أمّا عقيدة الاشتباك، فهي التي تقودنا إلى النصر ويجب الاستمرار فيها في اليوم التالي، بعد تحقيق الإنجازات العسكرية والدبلوماسية في إيران.

——————————————

عن “N12” 20/6/2025

الحرب مع إيران: على إسرائيل أن تعيد حساباتها بشأن «الإنجاز المطلوب»

بقلم: إسرائيل زيف

دخل سلاح الجو مرحلة متقدمة من الهجوم على إيران، بعد ضربة افتتاحية ناجحة جداً ومرحلة أُخرى من السيطرة الجوية وتعميق الضربات. يجب على إسرائيل إعادة حساباتها في الإنجاز المطلوب من أجل تثبيته، والتفكير كيف يمكنها الخروج وهي متفوقة، من دون أن تُجرّ إلى حرب استنزاف طويلة.

لا شك في أن الإنجازات استثنائية حتى الآن. لا أحد كان يمكن أن يتخيل وضعاً كهذا من السيطرة الجوية فوق إيران، وإدارة العمليات بشكل شبيه بحُرية الحركة الموجودة في غزة. علينا رفع القبعة احتراماً لسلاح الجو، هذه الحرب حربه كلياً، وهو يدير المعركة بشكل مذهل، بمساعدة شعبة الاستخبارات العسكرية و”الموساد”. وأيضاً كل التقدير للجبهة الداخلية والجهات المسؤولة عن الإنقاذ. إن التوازن في الهجمات التي تدمج ما بين ضرب الخلايا المحلية وقدرات إطلاق صواريخ أرض – أرض يجري بمهنية عالية، لكنه لا يزال بعيداً عن السيطرة المطلقة بشكل يمنع إطلاق الصواريخ على إسرائيل نهائياً من هناك.

الوضع الحالي لا يُبعد إيران عن القنبلة

من المهم أن نفهم أن إيران دولة كبيرة، ولديها صبر، وقدرة على تلقّي الضربات، وعلى النهوض من جديد، بشكل مختلف كلياً عن التنظيمات “الإرهابية” التي اعتدنا ضربها حولنا. لقد شرح رئيس هيئة الأركان هذا، الأحد الماضي، بشكل جيد، عندما تحدث عن “التواضع”، بدلاً من سكرة القوة. وفي الحالة الإيرانية، من الأفضل الالتزام بذلك، بعكس النشوة والاستعلاء الصادرَين عن الحكومة ورئيسها. يجب ألا يتحول ما يحدث إلى حملة انتخابية في الوقت الذي تُدمّر طرقات بأكملها، وكل يوم يوجد مصابون وقتلى لدينا، ولم تتضح نتيجة الحرب بعد.

ترزح إيران تحت العقوبات منذ أكثر من عقد، إلّا إنها حافظت على قوتها حتى الآن، ولا تزال تصدّر الثورة، وتحولت إلى مصدر أساسي للدعم العسكري لروسيا، وحالياً، تحصل على مساعدات كبيرة من الصين. وعلى الرغم من الضرر الذي لحِق بها، فإنها لا تزال قادرة على النهوض من جديد بسرعة أكبر كثيراً مما يعتقدون.

الإذلال الذي مرت به إيران، وإدراكها إلى أيّ حد باتت مكشوفة أمام الضربات، يرغمانها على تغيير سلّم الأولويات الأمني، فيتحول هدفها النووي إلى أولوية ضرورية لنجاة النظام، وهو ما لم يكن كذلك سابقاً، إذ كانت تحتاج إلى التسلح النووي كتهديد، وليس كحاجة إليه بالذات. سابقاً، كان السلاح النووي أداة تأثير لتصدير الثورة، والآن، بات أساس وجودها أصلاً. لقد حوّلت الضربة الإسرائيلية حاجتها إلى السلاح النووي إلى حقيقة، ولم يعد أمامها أيّ خيار إلّا العمل على الوصول إليه بكل قوتها.

بلغت قدرة إسرائيل على ضرب البرنامج النووي بشكل مباشر ذروتها، بغياب المشاركة الأميركية، ومن الواضح أنه لا يمكن فعلاً القضاء على النووي إلّا بطرق أُخرى، ومن الصعب قياس الإنجاز، حتى الآن، استناداً إلى الضرر والوقت الذي ربحناه حتى النهوض من جديد وإعادة البناء. حتى لو قيل إن الإنجاز وصل إلى 60%، لكن لأن الدافع الإيراني إلى أن تصبح إيران دولة نووية أصبح هائلاً، يجب أن نفترض أن إيران في الوضع الحالي ستنجح في صنع قنبلة نووية خلال أقل من عام.

عملياً، يمكن القول، إن العملية الإسرائيلية الناجحة دفعت إيران إلى الأمام من أجل صنع قنبلة بأيّ ثمن. لذلك، كل المطلوب الآن هو المضيّ في إلحاق أقصى ضرر أفقي ممكن من أجل زعزعة قدرة النظام على العمل كلياً، وألّا نمنحه أيّ فرصة للنهوض من جديد، لأنه يمكن أن ينقلب علينا مع قنبلة خلال وقت قصير. لذلك، كل ما يبدو أنه زيادة في الضرر يتحول إلى ضربة حاسمة لكل ما يعمل في إطار النظام – يجب ضرب كل “عضلة داخل الجسد الإيراني” ومنعه من النهوض من جديد. لذلك، يمكن تعريف الهجوم الآن بأنه تفكيك شامل للقدرات القيادية والإدارية والاقتصادية، والسيطرة من أجل منع إعادة النهوض من جديد، والتي تتضمن كل دوائر الإدارة للنظام.

خياران

الأول، هو التدخل الأميركي والوصول إلى اتفاق نووي أفضل كثيراً، لا يتعلق فقط بمنع الحصول على السلاح النووي، بل يكون أوسع كثيراً، مع الموافقة على تفكيك “حزب الله” والحوثيين ومنع نشر “الإرهاب”. هذا الخيار ليس بسيطاً، بالنسبة إلى النظام.

من الممنوع أن تضللنا الرسائل الإيرانية بشأن الرغبة في وقف إطلاق النار. يجب أن نفترض أن الحديث يدور حول رغبة في كسب الوقت من أجل إعادة التنظيم من جديد، وليس التنازل عن البرنامج النووي؛ لذلك من المهم جداً أن يرغب الإيرانيون أكثر في المفاوضات، لأن أداة الضغط في المفاوضات ستكون أقوى، وستكون في يد الأميركيين، وليس الإيرانيين.

يجب أن نتذكر أن الإذلال الذي يمرّ به الإيرانيون لن يلغي رغبتهم في الحصول على السلاح النووي، لكن العكس هو الصحيح. لذلك، فإن وقف إطلاق النار هو رغبة في التوصل إلى “هدنة” – وقف إطلاق نار مؤقت، الهدف الوحيد منه هو النهوض من جديد والتنظيم الذاتي. في نهاية المطاف، نحن نتحدث عن نظام أيديولوجي، لا عن نظام سياسي، وتقوم أولويته على الدين والصورة، وليس على التفكير العملي.

في نهاية المطاف، إذا نجح الضغط الإسرائيلي في إدخال الأميركيين من أجل ضرب فوردو، فستكون النتيجة تفوقاً ضرورياً وإمكان التوصل إلى اتفاق، إذ سيكون أصعب على الإيرانيين إعادة بناء القدرات النووية من دون منشأة فوردو. هذا الأمر سيصنع فارقاً كبيراً في نتيجة الحرب. خلال أقل من عام، ستكون إيران النووية أسوأ نتيجة بالنسبة إلى أمن إسرائيل.

يجب على إسرائيل إنهاء القصة

هناك قيد إضافي على إسرائيل. عليها أن تنظر إلى الوقت الفعال المعرّف، وهو نحو أسبوعين من الآن، وعدم الوصول إلى النقطة الزمنية التي تبدأ فيها الفاعلية بالهبوط، وينخفض مستوى الأهداف، ثم يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في حالة نقص واقتصاد للسلاح واستنزاف متصاعد للقوة، ويمكن أن يكون لذلك إسقاطات ثقيلة على الاقتصاد الإسرائيلي. يجب أن يكون التوجه نحو تحقيق أقصى قدر ممكن من الإنجاز والحفاظ عليه من دون الوصول إلى حالة استنزاف. ويجب أن نتذكر أنه لا يوجد لدى إسرائيل أيّ مسار خروج سوى الأميركيين، وهم ليسوا على عجلة من أمرهم. يستطيعون الاستمرار إلى ما بعد “الفاعلية الإسرائيلية”، وهذا سيكون أقلّ إيجابية، بالنسبة إلى إسرائيل.

إذا وصلنا إلى وضع “النهاية المفتوحة”، وعدم وضع نهاية للحرب من طرف الأميركيين، ولا يوجد مَن نتحدث معه في إيران، فسيكون من الجيد أن تكون لدينا إمكانات لخطوات أحادية الجانب، مثلما فعل ترامب مع الحوثيين، وأن نعلن أننا انتصرنا، وأنهينا ضرباتنا، وألحقنا الضرر بقدرات إيران، وأن نعلن وقف إطلاق نار أحادي الجانب. هذه الخطوة يمكن أن تسمح للولايات المتحدة بإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه، تسمح لإسرائيل بالعودة إلى تنفيذ ضربات، لأنها أصلاً كانت خطوة أحادية الجانب. في هذه الحالة، سيكون من الجيد للإيرانيين الحفاظ على الهدوء من دون أيّ التزام، وأيضاً لنا، لأن هذا يحوّل المعركة إلى معركة مستمرة.

وفي جميع الأحوال، من السيئ لإسرائيل الذهاب إلى حالة بينغ – بونغ من الاستنزاف الذي ينطوي على أثمان ثقيلة سندفعها، بمرور الوقت. الاستنزاف في هذه الحالة لا يشبه الإزعاج الحوثي، وهو أخطر بأضعاف. نحن نرى أن الإيرانيين يقاتلون بدقة، أكثر فأكثر، ويشكل شلّ الاقتصاد الإسرائيلي وقتاً طويلاً ضرراً كبيراً جداً، يمكن أن يُضعف إسرائيل كثيراً؛ لذلك، نحن بحاجة إلى نهاية.

وفي الوقت الذي تتجه الأنظار إلى الشرق، لا تزال حرب سيئة تدور في غزة، وتكلفنا أثماناً ثقيلة جداً من المصابين كل أسبوع، علاوةً على الأثمان الدبلوماسية التي من الصعب وصفها. تقريباً، لا توجد أيّ جهة في العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة، لا تتهمنا بارتكاب جرائم حرب، والهالة الناتجة من قصفنا إيران لا تغطي على الضرر الذي يُحدثه استمرار هذه الحرب. إن إطراءات رئيس الحكومة على الحرب في إيران، وتجاهُله ما يجري في غزة لا يحلّان أيّ مشكلة هناك، بل يجعلها أكثر سوءاً، وستنفجر في وجهه، وفي وجوهنا جميعاً. ومن الواضح أيضاً أن الجيش لا يركز على إنهائها بشكل حقيقي. فالمخطوفون يختنقون، ورئيس الحكومة لا يحاول إعادتهم، ولا يقدم سوى وعود كاذبة. هذا الأمر خطير، ويُعتبر تهديداً يصل حد انعدام الإنسانية. إن عدم إنهاء الحرب في غزة يشير إلى انفصال الحكومة عن الواقع وهروبها منه.

—————–انتهت النشرة—————–