
المسار الإخباري :في ظل ظروف اقتصادية خانقة تعيشها الضفة الغربية، تبرز أزمة فائض عملة الشيكل في البنوك كواحدة من أكثر الأزمات النقدية تعقيدًا، حيث تسببت بقيود مشددة على الإيداع النقدي، وأرهقت التجار والشركات، وفاقمت التحديات أمام الأفراد والقطاع الخاص.
وتكمن جذور الأزمة في توقف البنوك الإسرائيلية عن استقبال فائض الشيكل من البنوك الفلسطينية، ما أدى إلى تكدّس مبالغ ضخمة في الخزائن البنكية، وحدّ من القدرة على تغذية الحسابات المصرفية للتجار، الذين يعتمدون على هذه التحويلات لإتمام صفقاتهم التجارية.
وبحسب اتفاقية باريس الاقتصادية لعام 1994، يُسمح بتداول عدة عملات في الأراضي الفلسطينية، لكن الشيكل الإسرائيلي يظل العملة الأكثر استخدامًا. ومع ذلك، فإن القيود الإسرائيلية الأخيرة جعلت من الشيكل عبئًا لا يمكن التخلص منه بسهولة.
وفي ظل هذا التراكم، اضطرت البنوك إلى فرض سقوف يومية على عمليات الإيداع النقدي، ما دفع العديد من التجار إلى اللجوء لمحلات الصرافة لشراء عملات أجنبية بأسعار مرتفعة، ثم إعادة تحويلها إلى الشيكل، ما كبّدهم خسائر إضافية.
وعلى إثر تفاقم الأزمة، أصدرت سلطة النقد تعليمات تلزم البنوك بقبول الإيداعات الفردية الصغيرة، وضمان صرف الشيكات، وقبول الإيداعات التي تتعلق بالتزامات المواطنين تجاه البلديات ووزارة المالية.
كما دعت سلطة النقد إلى توسيع استخدام وسائل الدفع الإلكتروني كحل طويل الأمد، وألمحت إلى إمكانية التخلي عن الشيكل في حال استمر التعنت الإسرائيلي.
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي محمد خبيصة إلى تناقض ظاهر بين تبريرات سلطة النقد والواقع، موضحًا أن عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل انخفض بنسبة 86% منذ بداية الحرب، مما يقلل فعليًا من تدفق الشيكل إلى السوق الفلسطيني، ما ينفي وجود فائض “طبيعي”.
واتهم خبيصة بعض البنوك بالتورط في تغذية الأزمة من خلال سحب كميات كبيرة من الشيكل من قطاع غزة ونقلها للضفة، إضافة إلى الدور السلبي لبعض محال الصرافة التي تشتري الشيكل من فلسطينيي الداخل بأسعار زهيدة.
أما الدكتور سامح العطعوط، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح، فاعتبر أن جذور الأزمة سياسية بامتياز، مؤكدًا أن حلها مرتبط بقرار سياسي من الجانب الإسرائيلي. ولفت إلى أن الحجم المتزايد للاقتصاد الفلسطيني يتطلب رفع سقف التحويلات إلى ما يزيد عن 4.5 مليار شيكل كل 3 أشهر، وهو السقف الذي لا تلتزم به البنوك الإسرائيلية أصلاً.
وحذّر العطعوط من تأثير الأزمة على الاستيراد بالعملات الأجنبية، داعيًا إلى دراسة جدية للتحول إلى عملات بديلة، مع استمرار الجهود لتوسيع الدفع الإلكتروني، رغم الحاجة إلى وقت وثقافة مصرفية أوسع.
ويخشى اقتصاديون أن تؤدي هذه الأزمة إلى مزيد من الضغط على السيولة، وانكماش القدرة الشرائية، في وقت لا تلوح فيه حلول سريعة في الأفق.