تقرير: دول عربية عدة تعاني من الإجهاد المائي

رباح
10 Min Read
“منطقة حوض البحر المتوسط ستكون إحدى أكثر المناطق التي سيتراجع فيها تساقط الأمطار بحلول نهاية القرن الحالي، والبلدان الخمسة الأكثر تضرّراً تنتمي إلى منطقة حوض البحر المتوسط”.

المسار : يلاحظ المواطنون في دول عربية عدّة تراجعًا في كمية الأمطار السنوية، بينما يقارب العلماء الأزمة بطريقة مختلفة، خلاصتها أن الدول العربية تعاني من الإجهاد المائي وأنها مهدّدة ما لم تتحرك.

في كثير من بلاد العرب، يلفت تقرير  نُشر اليوم السبت، “حين يتحدّث الناس مع بعضهم عن الشتاء الماضي، تكون قلة الأمطار حاضرة، فأكثر ما يقلقهم هو أزمة المياه التي يعيشونها خلال الصيف، والاضطرار إلى تعبئة مياه قد لا تكون نظيفة، بخلاف الكلفة المادية”.

ويتابع التقرير أنه “في العموم، يفتقر ما يقارب 50 مليون عربي إلى مياه الشرب، ويعيش نحو 390 مليونًا، أي نحو 90% من السكان، في بلدان تعاني من ندرة المياه. وتؤكّده الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، رولا دشتي، أن “الأخطر أن المنطقة العربية ليست على المسار الصحيح في ما يتعلق بتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، والمتعلق بتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030”.

بدورها، تؤكد رئيسة قسم استدامة الموارد الطبيعية والشراكات والحد من مخاطر الكوارث بجامعة الدول العربية، السفيرة شهيرة وهبي، أن “المنطقة العربية هي الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، إذ تقع 19 من بين 22 دولة عربية في نطاق شح المياه. وتحصل 21 من 22 دولة عربية على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود”.

إلى ذلك، أظهرت دراسة علمية جديدة نُشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشن”، أن التغيّرات المستقبلية في توزيع هطول الأمطار في العالم قد تشمل أكثر من ثلثي اليابسة، ما يؤثّر في حياة أكثر من 3 مليارات شخص، وكشفت الدراسة التي أعدها باحثون أستراليون، أن منطقة حوض البحر المتوسط ستكون إحدى أكثر المناطق التي سيتراجع فيها تساقط الأمطار بحلول نهاية القرن الحالي، فيما ستكون المناطق القريبة من القطبين والمناطق الاستوائية في أفريقيا وآسيا أكثر رطوبة. وأن البلدان الخمسة الأكثر تضرّراً تنتمي إلى منطقة حوض البحر المتوسط وهي؛ اليونان وإسبانيا وفلسطين والبرتغال والمغرب.

وبرزت منطقة حوض المتوسط نقطةً ساخنة، وتوقعت غالبية النماذج المناخية أن تكون أكثر جفافاً بحلول نهاية القرن الحالي. وإلى جانب الدول المتوسطية الخمس، شملت التوقعات أيضاً دولاً أخرى مثل تونس وسورية وتركيا وإيطاليا.

في فلسطين، أعلنت سلطة المياه، أن فصل الشتاء الماضي كان الأكثر جفافًا خلال المائة عام الأخيرة، إذ بلغ هطول الأمطار حوالى 55% فقط من المتوسط السنوي، كما لوحظ أن منسوب المياه في بحيرة طبرية ارتفع بمقدار 2 سنتيمتر فقط، ويُعتبر تدفق المياه في نهر الأردن الأدنى منذ عام 1960.

في الأردن، يعتبر الموسم المطري 2024- 2025 ثاني أضعف المواسم بعد موسم 1958- 1959، إذ سجلت محطة رصد مطار عمّان المدني 2.7 مليمتر فقط من الأمطار، أي ما يعادل 2% من المعدل الموسمي العام. في المتوسط، عادة ما يتلقى لبنان ما بين 700 و1000 مليمتر من الأمطار سنويًا، مع سقوط جزء كبير (20 إلى 30%) في شهر يناير، لكن لم يشهد لبنان تساقطًا للأمطار في يناير 2025. وفي يناير 2024، تلقى لبنان متوسط 191 مليمترًا من الأمطار.

أما في المغرب، فقد أعلن وزير الفلاحة أحمد البواري، أن معدل هطول الأمطار هذا العام انخفض 53% مقارنة بمتوسط الأعوام الثلاثين الماضية، وأن قطعان الأبقار والأغنام تراجعت بواقع 38% مقارنة مع آخر إحصاء أجري قبل تسع سنوات، بسبب موجات الجفاف المتتالية، وقد أدت ست سنوات من الجفاف إلى إفراغ خزانات السدود المغربية، وتسببت في خسائر فادحة في قطاع الزراعة، ودفعت البلاد إلى تسريع خططها لتحلية المياه.

وتقول أستاذة المياه الجوفية في الجامعة الأميركية في بيروت، ونائبة رئيس الجمعية العالمية للمياه الجوفية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جوانّا دمّر: “إذا نظرنا إلى الأبحاث المتعلقة بالاتجاهات التاريخية من عام 1881 وحتّى 2020، سنلاحظ تغيّرًا في معدل هطول الأمطار. لا يتّضح في تحليل الاتجاهات أن هناك انخفاضًا واضحًا، لكن الواضح أن كمية تساقط الأمطار تزداد خلال فترات قصيرة، وهناك تفاوت كبير بين السنوات الرطبة والجافة والمتوسطة. قد تكون هناك سنة رطبة، تليها سنة جفاف، ثم تأتي سنتان رطبتان. التوقعات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُظهر أنه سيكون هناك انخفاض في تساقط الأمطار بنحو 90 مليمتراً في المتوسط في بعض المناطق، مقابلَ زيادة في مناطق أخرى”.

وتضيف دمّر لـ”العربي الجديد”: “أحد الأسباب الأساسية هو تغير المناخ المرتبط مباشرةً بالاحتباس الحراري، إذ إنّ العوامل الخارجية الأخرى، مثل ما يُعرف بدورات ميلانكوفيتش، أي كيفية دوران الأرض حول الشمس وتأثير الكواكب عليها، لا تكفي لتفسير سبب حدوث هذه التغيّرات على الأرض. التغيير الذي نتحدث عنه خلال الـ 200 سنة الأخيرة لا يمكن تفسيره إلا بزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتأثيرات الاحتباس الحراري”.

ولفهم أفضل لقضية الأمن المائي أو أزمة المياه، تقول دمّر إنّنا نحتاج إلى النظر في المصادر التي تعتمد عليها الدول العربية، وما الذي تفعله لضمان استدامة مواردها المائية في ظلّ تحديات تغيّر المناخ، وتوضح: “تعتمد معظم المناطق على المياه الجوفية، باستثناء الدول التي تملك أنهاراً كبيرة مثل سورية والعراق ومصر، ومعظمها مشتركة. لكن عموماً، 50% من المياه المستخدمة في الخليج العربي هي مياه جوفية. وللأسف، شهدنا استغلالاً مفرطاً للمياه الجوفية خلال السنوات الأخيرة ولأغراض متعدّدة، مثل الزراعة، إضافة إلى التوسّع السكاني”.

تتابع أن “المشكلة الأساسية في البلدان العربية هي النسب المتدنية من الأمطار، إذا أخذنا لبنان مثالاً، تتراوح كمية الأمطار في المناطق الساحلية ما بين 700 إلى 900 مليمتر على الساحل، و1600 مليمتر على المرتفعات سنوياً. في السعودية مثلاً، تسجل مناطق سقوط 300 مليمتر من الأمطار في وقت قصير، ما يؤدي إلى فيضانات، لكنها لا تغذي المياه الجوفية، وفي تونس وشمال أفريقيا، نجد أن معدل الأمطار يتراوح ما بين 400 و500 مليمتر، وهي قادرة على تغذية المياه الجوفية، لكن تكمن الخطورة في تساقط كميات أقل. بلدان كثيرة منها سورية والعراق تشهد تدنياً في تغذية المياه الجوفية، الأمر الذي يهدد الأمن المائي”.

وتشير إلى أن “المشكلة الرئيسية في الدول العربية هي عدم توفر المياه لفترات طويلة، أي لأشهر عدّة في السنة. فترة الجفاف إلى ازدياد؛ وهي الآن تقارب 150 يومًا، ويمكن أن تصل إلى 175 أو 200 يوم. في هذا الإطار، من الضروري العمل على تخزين المياه، مع أهمية البحث عن وسائل تغذية مختلفة، منها التخزين الاصطناعي للخزانات الجوفية، خصوصاً أن للسدود تأثيراً على الأنهار والنظم البيئية، وتعمد عدد من الدول إلى إزالتها في الوقت الحالي”.

وتكمل بأنه “على سبيل المثال، يمكن إنشاء سدود صغيرة على بعض الأنهار لتأخير تدفق المياه، والسماح لها بتغذية المياه الجوفية على نحوٍ طبيعي، أو إيجاد طرق لحجز المياه، وجعلها تتدفق على جوانب الأنهار لتغذية الطبقات الجوفية، أو إعادة ضخ المياه العادمة المعالجة، ما يتطلب تكثيف الدراسات تمهيداً لبدء العمل. بينما تحلية مياه البحر يجب أن تكون الخيار الأخير، وبعض الدول تحاول تعزيز الأمن المائي من خلال تحلية المياه ثم ضخها في طبقات المياه الجوفية. لكن الأمر الأكثر أهمية هو تقليل هدر المياه، سواء من خلال التكنولوجيا أو التوعية. وحتّى الآن، لا جهود كبيرة في هذا الإطار، ربما لأن الناس لا يزالون يشعرون بأن المياه متوفرة، علماً أن أزمة المياه مثل المرض الكامن الذي لن تدرك وجوده حتّى يظهر فجأة”.

من جهته، يتحدث المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجدّدة، جواد الخراز، لـ”العربي الجديد”، عن حلول مشابهة، خصوصاً أن الدول العربية دخلت في مرحلة الإجهاد المائي لأسباب عدّة، منها تراجع الأمطار، كما أن أكثر من 60% من المياه تأتي من الخارج؛ فإذ أخذنا مثالاً أنهار النيل ودجلة والفرات والأردن، نجد أنها لا تنبع من الأردن أو العراق أو سورية أو مصر، والمغرب كمثال يشهد جفافاً تاريخياً، كما أن نسبة المياه في السدود متدنية.

ويشدّد الخراز على “ضرورة إدارة الموارد المائية بطريقة أكثر فاعلية، وتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، من خلال اعتماد التكنولوجيا الحديثة، واستخدام تقنيات حديثة لتوزيع المياه، علماً أننا نفقد ما بين 30 إلى 40% من المياه في شبكات التوزيع. وينبغي زيادة الضرائب على الأشخاص أو الشركات التي تستخدم كميات أكبر من المياه، ما يساهم في الحد من الهدر”.
ويتفق الخراز مع دمّر على أن الواقع المائي للبدان العربية مصدر قلق، وأنه “على الدول العربية البدء بوضع استراتيجيات طويلة الأمد لتخزين المياه”.

المصدر “العربي الجديد”

Loading

Share This Article