المسار الإخباري :في مشهد يعيد إلى الذاكرة صورة الخراب الشامل الذي ألحقه الحلفاء بمدينة دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، يهدد الاحتلال الإسرائيلي اليوم بمحو غزة بالكامل. تلك المدينة الصغيرة التي تعاني حصارًا خانقًا منذ سنوات، باتت الآن على موعد مع فصل جديد من الإبادة الجماعية، تقوده حكومة فاشية بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي بدأ عمليًا تنفيذ مشروع استعماري خطير: تدمير غزة وتهجير أهلها.
النكبة المستمرة: من التهجير إلى التجويع
منذ أيام، شرع جيش الاحتلال في دفع أكثر من مليون غزي إلى الجنوب والوسط، حيث الاكتظاظ والبؤس، وحيث لا دواء ولا مأوى ولا طعام. إنه تهجير قسري تحت القصف، وحشرٌ للمدنيين في مساحات ضيقة، تُحوَّل بقوة السلاح إلى سجون مفتوحة يموت فيها الناس جوعًا ومرضًا.
وبينما تتحدث الأطراف عن مفاوضات غير مباشرة تهدف إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية تدمير كل مقومات الحياة. المجاعة لم تعد تهديدًا، بل أصبحت حقيقة يومية. يموت الناس بصمت، وتُترك غزة لتُباد على مرأى ومسمع العالم.
مشروع استعماري يتجاوز غزة
ما يجري اليوم ليس مجرد عملية عسكرية مؤقتة. إنه تنفيذ علني لمخطط استيطاني إحلالي، يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وإعادة رسم الخارطة الديموغرافية والسياسية لفلسطين المحتلة. غزة تُهدم الآن، والضفة الغربية تُقطع أوصالها بالمستوطنات، وأهل القدس يُطردون من بيوتهم تحت راية “التهويد”.
ما يجري في كل هذه الجبهات هو مشروع توسعي صهيوني واحد، يسعى إلى إفراغ الأرض من أهلها، وسحق كل ما يمثل الهوية الوطنية الفلسطينية. وإذا كانت غزة اليوم هي الساحة الأكثر اشتعالًا، فإن الضفة تتآكل بدورها تحت وطأة الزحف الاستيطاني، والقدس تُسرق من تاريخها وهويتها يومًا بعد يوم.
العالم يصمت… والبيت الأبيض يبارك
رغم ملايين المتظاهرين في كبرى عواصم العالم، وبيانات البرلمانات والحكومات، يقف نتنياهو مطمئنًا إلى دعم غير مشروط من الإدارة الأمريكية. لم تُخفِ واشنطن موقفها، بل أعلنته بوضوح: “من حق إسرائيل أن تفعل ما تشاء دفاعًا عن أمنها”. لكن أي أمن هذا الذي يُبنى على جثث الأطفال، وأنقاض المستشفيات، وجوع المحاصرين؟
الصمت الدولي، والتواطؤ السياسي، وازدواجية المعايير، كلها عناصر تُغري الاحتلال بالاستمرار في جرائمه، ظنًّا منه أن لا كلفة تُدفع، ولا عقاب يُنتظر.
غزة ليست مجرد جغرافيا… إنها فكرة
لكن ما لا يدركه الاحتلال أن غزة ليست مجرد مدينة على الخريطة. غزة، كدريسدن، قد تُقصف، وقد تُهدم، لكن روحها لا تُهزم. إنها ليست فقط كتلاً سكنية ومخيمات؛ إنها فكرة، وهوية، ومعنى للكرامة والمقاومة. وعلى مدار عقود، لم تتوقف عن مقارعة الاحتلال، واحتضان المقاومة، وتقديم التضحيات، حتى أصبحت رمزًا عالميًا للصمود والتحدي.
في حي الزيتون، أحد أكبر أحياء غزة، بدأ جيش الاحتلال الفصل الجديد من جرائمه، لكن في كل بيت مهدّم يولد إصرار جديد، وفي كل شهيد تترسخ القناعة بأن الحق لا يسقط بالقصف.
الصمود مسؤولية الجميع
الشعب الفلسطيني لا يقف وحده. صحيح أنه يُقصف وحده، ويُجوَّع وحده، لكنه يُقاوم نيابة عن أمة بأكملها. ومقاومته اليوم ليست مجرد رد فعل، بل فعل وطني أصيل، يدافع عن الأرض، والكرامة، والحق في البقاء.
لقد أكدت فصائل المقاومة والجبهة الديمقراطية وغيرهم من القوى الوطنية أن هذا الشعب الذي صمد سنوات، وأذهل العالم بصبره، سيواصل المواجهة حتى يدفع العدو ثمن عدوانه، ويفشل مشروعه التوسعي. وهنا، تقع المسؤولية على عاتق كل من يدّعي الانتصار للحرية والعدالة، من العرب، والأحرار، والضمير العالمي.
غزة لا تُقصف، بل تُخلَّد
قد تُقصف غزة، كما قُصفت دريسدن. وقد تُدمر أحياؤها وتُطمر أنقاضها. لكن كما عادت دريسدن لتشهد على فظائع الحرب، ستبقى غزة – رغم الألم – حيّة في الذاكرة، وفي الحاضر، وفي مستقبل شعب لن يرضى إلا بالحرية.
التهديدات لن تنال من غزة، لأن من قرر الصمود، لا يُقصف… بل يُخلَّد.