المسار : اتحدت مواقف الدول العربية والإسلامية في إدانة هجمات الطائرات الإسرائيلية التي اخترقت السيادة القطرية وقصفت بالصواريخ يوم الأحد 7 أيلول /سبتمبر2025 العاصمة الدوحة في محاولة لاغتيال وفد حركة حماس المفاوض والذي كان يدرس رده على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف النار المستعرة في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023.
فشلت تلك الصواريخ في قتل وفد الحركة المفاوض، لكنها قتلت أحد أفراد قوى الأمن القطرية وعددا من الفلسطينيين العاملين في مكتب حماس، وإضافة إلى ذلك فإنها هزّت هدوء العاصمة القطرية التي تعتمد دون كلل، دبلوماسية التفاوض والحوار، سبيلا للتوصل إلى وقف الحروب والصراعات وتخفيف التوتر الإقليمية والدولية.
وبالتالي هزت الصواريخ أيضا الأمن الخليجي برمته لكون قطر عضوا فاعلا في مجلس التعاون الخليجي، فسارعت العواصم الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى الإعلان أن استهداف أمن قطر يعني استهدافا لأمن تلك الدول جميعها، وتبعتها دول العالم عبر مجلس الأمن الدولي حيث تمت إدانة الهجوم على قطر بشكل واضح لا لبس فيه، رغم عدم ذكر اسم إسرائيل في البيان الذي أصدره مجلس الأمن الدولي يوم الخميس 11أيلول/سبتمبر 2025.
ومع انعقاد قمة عربية وإسلامية طارئة في الدوحة يومي الأحد والإثنين بتاريخ 14 و15 أيلول/سبتمبر الحالي، يكتمل عقد التضامن والوقوف العربي والإسلامي إلى جانب قطر التي وصفت حكومة إسرائيل بأنها مارقة.
ومن هنا يبرز السؤال عن مستقبل الاتفاقيات التي وقعتها دول عربية مع تل أبيب برعاية أمريكية، وخاصة الاتفاقيات المعروفة باسم «إبراهام»، والتي كان تم توقيعها في البيت الأبيض يوم 15 أيلول/سبتمبر 2020 في واشنطن، بين كل من إسرائيل والإمارات والبحرين، ثم تبعها لاحقا انضمام السودان والمغرب إلى قائمة الموقعين عليها في ذات العام.
وفي ظل المسعى الأمريكي لانضمام دول أخرى بينها السعودية إلى تلك الاتفاقيات، يصبح السؤال أكثر إلحاحا عن مصير ما كان منها، ومستقبل ما سيكون.
على الورق، ينص إعلان «الاتفاقيات الإبراهيمية»، على «التزام الأطراف بالحفاظ على السلام وتعزيزه في منطقة الشرق الأوسط وسائر أنحاء العالم، استناداً إلى الفهم المتبادل، والتعايش السلمي، والاحترام لكرامة الإنسان وحريته، بما يشمل حرية الدين والمعتقد…. ومواصلة العمل من أجل رؤية شاملة للسلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط والعالم بأسره».
وحسب النص الوراد على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، فقد تم الترحيب (حينها) بالتقدم المحرز في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل ودول الجوار، بموجب المبادئ الواردة في الاتفاقيات الإبراهيمية عام 2020.
ولكن بالعودة إلى ما قبل الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة الأسبوع المنصرم، فقد كانت دولة الإمارات أطلقت تحذيرا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن خطتها الاستيطانية في الضفة الغربية تهدد اتفاقيات «إبراهام»، وتعتبر تجاوزا للـ»الخط الأحمر»، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تكترث بتلك التحذيرات، فقام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس الماضي بالتوقيع على خطة توسيع المستوطنات، ما سيؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية، وهي من الأراضي التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها.
وفي ذات اليوم كانت بعثة إسرائيل في نيويورك تكرر أمام جلسة مجلس الأمن الدولي، ذات التهديد الذي أطلقه نتنياهو من تل أبيب بمعاودة الهجوم على دولة قطر لقتل قادة حماس، إذا لم تقم الدوحة بالتخلي عنهم وإخراجهم من قطر، وهذا يعني وفق المنطوق الإسرائيلي إدخال قطر إلى قائمة الدول التي تستبيح إسرائيل سيادتها وتقوم فيها بعمليات عسكرية قاتلة كما هو الحال في قطاع غزة ولبنان وسوريا، واليمن، والعراق، وإيران.
فنتنياهو، حذر قطر من أن عليها إما طرد مسؤولي حماس أو «تقديمهم للعدالة، لأنه إذا لم تفعلوا ذلك فإننا سنفعل ذلك». وعلى إثر كل ذلك أعلنت الإمارات يوم الجمعة أنها استدعت نائب السفير الإسرائيلي على خلفية الهجوم الإسرائيلي في قطر وتصريحات نتنياهو التي وصفتها بـ«العدوانية وغير المقبولة».
وذكرت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها أن الإمارات أبلغت المسؤول الإسرائيلي المعتمد لديها أن «استمرار النهج العدواني والاستفزازي… يكرس واقعا لا يمكن السكوت عنه أو قبوله».
وقبل ذلك أيضا كان الموقف السعودي واضحا في دعم قطر حيث دعا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مساء الأربعاء، إلى «تحرك عربي وإسلامي ودولي» لمواجهة العدوان الإسرائيلي على قطر، وقال في خطاب متلفز أمام مجلس الشورى السعودي: «نرفض وندين اعتداءات سلطة الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة وآخرها العدوان الغاشم على دولة قطر الذي يتطلب تحركا عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهة هذا العدوان». كما طالب بـ«اتخاذ إجراءات دولية لإيقاف سلطة الاحتلال وردعها عن ممارساتها الإجرامية في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها». وأضاف ولي العهد السعودي: «سنكون مع دولة قطر الشقيقة في كل ما تتخذه من إجراءات بلا حد، ونسخّر كافة إمكانياتنا لذلك».
ولي العهد السعودي كان لفت إلى أن «مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة عام 2002 وقمنا بتفعيلها دوليا عبر منظور حل الدولتين، تشكل اليوم مسارا غير مسبوق لتحقيق الدولة الفلسطينية».
ذلك المسار تلقى دعما دوليا كبيرا تمثل في إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا، يوم الجمعة الماضي، لـ «إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين»، بأغلبية 142 صوتا مقابل 10 أصوات معارضة وامتناع 12 دولة عن التصويت، وفق بيان نشرته الأمم المتحدة على حسابها الإلكتروني.
هذا الإقرار يأتي تتويجا لنتائج مؤتمر «حل الدولتين» الذي شهدته نيويورك بتاريخ 28 و30 تموز/يوليو الماضي، برئاسة السعودية وفرنسا، وبمشاركة رفيعة المستوى وحضور فلسطين وغياب أمريكي، لدعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. وصدر عن المؤتمر حينها «إعلان نيويورك» بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، ودعا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بدلا من الوضع القائم منذ عام 2012، وهو «دولة مراقب غير عضو».
ويتضمن «إعلان نيويورك» الاتفاق على «العمل المشترك لإنهاء الحرب في قطاع غزة، والتوصل إلى تسوية عادلة وسلمية ودائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بناء على التطبيق الفعال لحل الدولتين، وبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين وجميع شعوب المنطقة».
وأكد «رفض أي أعمال تؤدي إلى التغييرات الإقليمية (المتعلقة بالأرض) أو الديموغرافية (السكانية)، بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين الذي يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني».
كما جدد الإعلان «إدانة جميع الهجمات من أي طرف ضد المدنيين، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية وكل الاعتداءات ضد الأعيان المدنية والأعمال الاستفزازية والتحريض والتدمير».
وأشار الإعلان إلى أن «أخذ رهائن (أسرى) محظور بموجب القانون الدولي».
وأدان الإعلان «الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة، بما في ذلك استهداف البنية الأساسية المدنية والحصار والتجويع وصولا إلى كارثة إنسانية مدمرة من ناحية، والهجمات التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين في 7 أكتوبر 2023 من ناحية أخرى».
وتعهد المسؤولون والمندوبون في الإعلان باتخاذ «خطوات ملموسة، محددة بإطار زمني، ولا يمكن التراجع عنها، من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين، وتجسيد، بأسرع وقت ممكن عبر أعمال ملموسة، دولة فلسطين المستقلة الديمقراطية ذات السيادة القادرة على الاستمرار اقتصاديا، التي تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، بما يمكن التكامل الإقليمي والاعتراف المتبادل».
إسرائيل سارعت يوم الجمعة إلى رفض قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن تنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وذهبت أبعد من ذلك حيث وصفت الحكومة الإسرائيلية، في بيان، القرار بأنه «سيرك سياسي منفصل عن الواقع»، وفق ادعائها.
وقالت إن «القرار المؤيد من غالبية الدول لا يتضمن أي إشارة إلى أن حركة حماس منظمة إرهابية»، على حد زعمها.
وادعت أن القرار «لا يتطرق إلى حقيقة أن حماس تتحمل المسؤولية الكاملة عن استمرار الحرب، من خلال رفضها إعادة الأسرى ونزع سلاحها». وزعمت الحكومة الإسرائيلية أن «القرار لا يقرّب فرص السلام، بل يشجع حماس على مواصلة الحرب».
بناء على ما تقدم باتت الولايات المتحدة الراعية لاتفاقيات إبراهام أمام اختبار حقيقي في مواجهة قرار الأمم المتحدة الداعم للمبادرة العربية للسلام على أساس حل الدولتين، وباتت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أمام منعطف كبير في تعاطيها مع الحلفاء.
والسؤال البديهي هنا، هل يمكن أن تتجاهل واشنطن مصالح حلفائها في المنطقة وتذهب للضغط عليهم للسير في الاتفاقيات الإبراهيمية في ظل الرفض الإسرائيلي لحل الدولتين؟
وفي حال ممارسة تلك الضغوط هل ستكون واشنطن ذاتها قادرة على حماية حلفائها من هجمات إسرائيلية كتلك التي حصلت في الدوحة؟
وتنقل وكالة «فرانس برس» عن جوناثان بانيكوف النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط قوله «يمكن للولايات المتحدة أن تحاول بلطف إقناع إسرائيل ودفعها لاتخاذ قرارات… لكن نتنياهو سيواصل التصرف بما يراه في مصلحة إسرائيل وحدها».
وعن كل ذلك تقول الباحثة في مؤسسة بروكينغز أصلي أيدينتاسباس في منشور على منصة إكس «لقد كانت قطر منذ فترة طويلة تحت المظلة الأمنية الأمريكية، والآن سيتساءل الخليج عن مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية».
المصدر ..صحيفة القدس العربي