افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
كلكاليست/ يديعوت 6/10/2025
كم ستدفع إسرائيل إذا فشلت مبادرة ترامب؟
بقلم: أدريان بايلوت
بعد عامين من أكبر فشل أمني منذ تأسيس الدولة والحرب التي اندلعت في أعقابها، تشير جميع الدلائل إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي قد غرق في وحل غزة. ومع ذلك، في ليلة الجمعة والسبت، بدا أن خطة ترامب المكونة من 21 نقطة لإنهاء القتال قد قطعت شوطًا كبيرًا، على الرغم من أنها لم تُعلن بعدُ بشكل نهائي عن انتهاء القتال. بعد الرد الإيجابي المبدئي الذي قدمته حماس للوسطاء، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بيانًا مثيرًا على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “Truth Social”، كتب فيه: “بناءً على البيان الذي أصدرته حماس للتو، أعتقد أنهم مستعدون لسلام دائم”. وحسب قوله، “يجب على إسرائيل أن توقف قصف غزة فورًا حتى نتمكن من إطلاق سراح الرهائن بأمان وبسرعة”. لم ينتهِ الأمر بعد، وعلينا أن نتذكر أنه في مواجهة مطالب حماس، لم تتخلَّ حكومة نتنياهو-سموتريتش-بن غفير بعد عن فكرة الحرب الأبدية. إن استمرار الوجود الإسرائيلي في غزة دون تسوية، في حال عدم تحقيق رؤية ترامب للتوصل إلى اتفاق، ينطوي على سلسلة من المخاطر الاقتصادية الجسيمة لإسرائيل. من بين أمور أخرى، ارتفاع هائل في العجز والدين، وإعادة فتح الميزانية التي تُضعف الثقة وتُشكل إشارة سلبية للأسواق. في مقابل ذلك، يجب تذكر نقاط القوة الرئيسية الثلاث التي أظهرها الاقتصاد الإسرائيلي: ارتفاع حاد في سوق الأسهم، ونمو مستمر في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، وبقاء سوق العمل قويًا. يأتي هذا بعد حملتين ناجحتين للغاية للجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية خلال حرب غزة: الحرب ضد حزب الله والحرب ضد إيران (“الاسد الصاعد”). عززت هاتان الحملتان مؤشرات سوق الأسهم، وخفضت كلفة المخاطرة في إسرائيل (التي لا تزال مرتفعة للغاية مقارنة ببداية الحرب)، ووفرت دعمًا لقطاع التكنولوجيا المتقدمة وصناعة الأسلحة المزدهرة.
وفي خارطة الطريق التي تقع فيها إسرائيل، قام معهد أهارون الأسبوع الماضي بتحديث التقديرات وفقا لثلاثة سيناريوهات مختلفة في غزة.
وحل غزة: خروج أم غرق؟
السيناريو الأول هو سيناريو انتهاء الحرب والتسوية هذا العام – وهو سيناريو أصبح أكثر واقعية بعد البيان المشترك للرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. في هذا السيناريو، يعود الاقتصاد الإسرائيلي بسرعة إلى مساره الطبيعي حتى قبل نهاية ولاية حكومة نتنياهو: على الرغم من أن النمو سيظل منخفضًا (2.2%) وبعجزً مرتفعً (5.3% من الناتج المحلي الإجمالي) هذا العام، إلا أن النمو سيتعزز بشكل كبير (حوالي 3.6%) في العامين المقبلين، وسيبدأ العجز والدين في الانخفاض إلى 4% و2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026-2027، وإلى 68-69% من الناتج المحلي الإجمالي. والأهم من ذلك: يفترض هذا السيناريو أنه في الفترة 2025-2038، سيتم تنفيذ إصلاحات داعمة للنمو ضرورية لتحسين معدلات التوظيف وإنتاجية العمل في الاقتصاد – الاستثمار في رأس المال البشري، والتوظيف، والبنية التحتية، وخاصة البنية التحتية للنقل والبنية التحتية الرقمية للاقتصاد.
السيناريو الثاني هو احتلال كامل لقطاع غزة واستمرار الإدارة المدنية الإسرائيلية. هذا السيناريو – وهو واقعي إذا لم يتحقق الاتفاق المقترح حاليًا – كارثي على الاقتصاد. فبالإضافة إلى التعبئة واسعة النطاق لحوالي 100,000 جندي احتياطي، تلتزم إسرائيل بتوزيع الغذاء والخدمات المدنية الأساسية على سكان غزة، وتفترض هذه الخطوة أيضًا عزلة سياسية وحتى عقوبات، وهي عمليات جارية بالفعل وتروج لها العديد من الدول.
ووفقًا لمعهد أهارون، فإن النشاط العسكري والإنفاق على الإدارة المدنية لغزة، بما في ذلك توزيع الغذاء، سيزيد الإنفاق العسكري في عامي 2025 و2026 إلى أكثر من 8.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا و8.8٪ في عام 2026، وسيرتفع العجز في هذين العامين إلى 5.6٪ و6.9٪ على التوالي. في جميع السيناريوهات المدروسة، يحدث تعديل في الميزانية بنسبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي (خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب) في عامي 2026 و2027. وهذا افتراض ذو وزن يأخذه خبراء الاقتصاد في معهد أهارون في الاعتبار، خاصة عندما يدركون أن عام 2026 هو عام الانتخابات، ولكنه افتراض مرتبط بالواقع، وإلا فإن الاقتصاد قد ينهار، حيث من المتوقع أن يدخل الاقتصاد في حالة ركود.
في هذا السيناريو، سيتأثر نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، ومن المرجح أن يكون نمو نصيب الفرد سلبيًا: 0.7% في عام 2024 و1.1% في عام 2025؛ وسيتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.1% في عام 2025. ويوضح معهد أهارون: “هذه النتائج تُهدد الاستقرار المالي لإسرائيل”، حيث من المتوقع أن يرتفع الدين إلى حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2026، وأن يستمر إلى 78% لاحقًا في عام 2027.
ويزعم المعهد: “من المتوقع أن تؤدي هذه المستويات من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى انخفاض كبير في تصنيف ديون إسرائيل، وارتفاع في علاوة المخاطر، وزيادة في تكاليف تمويل وإعادة تدوير الديون الحكومية”. ويؤكد معهد أهارون أيضًا أنه “في ظل احتلال غزة، لن تُنفذ الإصلاحات التي تدعم النمو الاقتصادي، مثل الاستثمار في رأس المال البشري، والتوظيف، والبنية التحتية، وخاصة البنية التحتية للنقل والبنية التحتية لرقمنة الاقتصاد”. يُحذّر معهد أهارون من أن هذا السيناريو يحمل مخاطر جسيمة على الاقتصاد الإسرائيلي واستقراره. “أولاً، لن تسمح هذه الظروف بتمويل كامل لمتطلبات نظام الدفاع. من المتوقع أن تتضرر الخدمات المدنية بشكل كبير، وخاصةً الصحة والتعليم والاستثمارات في النقل.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي هذا السيناريو إلى تفاقم تدهور وضع إسرائيل على الساحة الدولية، والذي من المتوقع أن يُفرض عليه عقوبات اقتصادية ستضر بشركات التصدير، وخاصةً صادرات التكنولوجيا الفائقة، والإنتاج المحلي بسبب صعوبة استيراد المواد الخام.”
ووفقًا للتحليل، ستؤدي العقوبات الاقتصادية الكبيرة إلى خفض النمو السنوي المحتمل في السنوات 2028-2035 بنسبة 2.5٪ مقارنةً بمسار النمو المحتمل للاقتصاد، وستؤدي إلى تباطؤ كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي، بحيث يبلغ متوسطه حوالي 1٪ سنويًا.
يستند التقدير إلى حقيقة أن كل انخفاض بنسبة 10٪ في الصادرات إلى الدول الأوروبية التي تهدد بفرض عقوبات (دول الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي) سيخصم 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، وكل انخفاض بنسبة 10٪ في الواردات من تلك الدول – تعتمد إسرائيل بشكل كبير على المدخلات الأوروبية – سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 0.5٪ في الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. لذلك، “تتوقع هذه التوقعات سنوات من النمو السلبي للفرد وانخفاض في مستوى معيشة المواطنين”، كما جاء في تقرير معهد أهارون.
سيؤدي معدل النمو المنخفض، إلى جانب الإنفاق الدفاعي، إلى عجز كبير وزيادة حادة ومستمرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، حتى فوق 90٪ بحلول عام 2030. يمكن أن يؤدي الجمع بين الضرر الذي يلحق بالخدمات المدنية والأمن وانخفاض النمو والعزلة الدولية إلى زيادة هجرة الشباب ذوي الجودة العالية (“هجرة الأدمغة”) وتفاقم التدهور الاقتصادي المتوقع. ومن المتوقع أن تكون هذه الهجرة حادة بشكل خاص في قطاع التكنولوجيا العالية، ومع تراجع جاذبية إسرائيل كمركز للتنمية، فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى استمرار انخفاض وزنها في العمالة.
السيناريو الثالث – استمرار الوضع الراهن في غزة دون تسوية – أقل كارثية ولكنه لا يزال بالغ الصعوبة: في هذا السيناريو، هناك نشاط عسكري بنفس الكثافة التي اتسم بها الربع الثالث من عام 2025، وتستمر مسؤولية إسرائيل عن توزيع الغذاء في قطاع غزة. في هذا السيناريو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.3% في عام 2025 و1.7% في عام 2026. يزيد الإنفاق الدفاعي المطلوب في هذه الميزانية العجز إلى 5.4% في عام 2025 و5% في عام 2026، ويرتفع الدين بالفعل إلى 72% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل – مما يضر بشدة بالاستقرار المالي للاقتصاد، مما سيرفع الدين إلى مستوى 88% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. إن نتائج دين يتجاوز 85%-80% من الناتج المحلي الإجمالي تعني عمليًا إفلاس الحكومة الإسرائيلية، لأنه من غير المرجح، وبالتأكيد ليس من المؤكد، أن يستمر المستثمرون الإسرائيليون أو الأجانب في إقراض الحكومة أموالًا بهذه المستويات من الدين وفي ظل حالة الحرب.
في ظل هذا السيناريو، وعلى المدى الطويل (2028-2035)، وفي غياب إصلاحات داعمة للنمو، سينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى متوسط 2% سنويًا. ويفترض هذا التوقع أيضًا تراجعًا في إمكانات النمو بسبب هجرة الأدمغة، في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والأمني. وعلى النقيض من التوقعات المتعلقة بالحرب مع حزب الله وإيران، أوضح البروفيسور تسفي إكشتاين، رئيس معهد أهارون، أن البيانات الحقيقية المتعلقة بالحرب في غزة أكثر سلبية من التوقعات.
——————————————-
هآرتس 6/10/2025
الكثير من التهديدات والقليل من الفرص في الشرق الأوسط
بقلم: تسفي برئيل
“أنا قلت بأننا سنغير وجه الشرق الاوسط. فسوريا ليست نفس سوريا. ولبنان ليس نفس لبنان. ورئيسة المحور ايران، ايضا هي ليست نفس ايران”، هكذا لخص بنيامين نتنياهو في كانون الاول 2024 وضع الشرق الاوسط “الجديد”. بعد خمسة اشهر قال: “في الـ 600 يوم من الحرب نحن غيرنا وجه الشرق الاوسط”. وهذا ما فعله ايضا في تموز 2025 عشية ذهابه الى واشنطن. ومرة اخرى أول امس عندما اعلن: “من انتصار الى انتصار – نحن نغير معا وجه الشرق الاوسط”.
حسب نتنياهو فانه حتى 7 اكتوبر كان الشرق الاوسط “القديم” يشكل تهديد وجودي لاسرائيل. قوات عربية كانت تحاصرها من اجل تدميرها. ايران كانت على شفا “خطوة” من التوصل الى السلاح النووي. حزب الله خطط لعملية غزو وحماس لم تكن “مردوعة”.
من خلف الظلام الكثيف الذي كان يحيط بالدولة، انبثق كما يبدو شعاع ضوء واحد. “نحن على شفا اختراقة” – اتفاق تاريخي بين اسرائيل والسعودية”، قال رئيس الحكومة في خطابه في الامم المتحدة في ايلول 2023، ووعد بان “هذا السلام سيكون خطوة كبيرة نحو انهاء النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين”. بعد شهر تقريبا هز “طوفان الاقصى” المنطقة.
بعد مرور سنتين على بداية الحرب فانه من السابق لاوانه استخراج استنتاجات، لا توجد طريقة للتنبؤ متى وكيف ستصل التغييرات التي حدثت في المنطقة الى نقطة النهاية، التي منها سيبدأ عهد الشرق الاوسط الجديد.
حلم تغيير الشرق الاوسط ليس حصريا لنتنياهو. رؤساء الولايات المتحدة، من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، كانوا على ثقة بان مفتاح التغيير موجود في جيوبهم. في 2006، بعد خمس سنوات على احتلال افغانستان، وبعد ثلاث سنوات على احتلال العراق، قال جورج بوش الابن في الجمعية العمومية للامم المتحدة: “نحن نرى المستقبل المشرق قد بدأ يضرب جذوره في الشرق الاوسط الموسع”. وفسر كلامه: “قبل خمس سنوات حكمت طالبان المتوحشة افغانستان، والآن تسيطر فيها حكومة منتخبة برئاسة حميد كرزاي. قبل خمس سنوات احتل مقعد العراق في الجمعية العمومية للامم المتحدة ديكتاتور قام بقتل مواطنيه وغزو جيرانه، والآن تسيطر في العراق حكومة انتخبت بانتخابات ديمقراطية.
لكن بعد ذلك عاد حكم طالبان وسيطر على افغانستان، وداعش سيطر على مناطق في العراق، وحتى بعد اجتثاثه الا أن العراق ما زال “على بعد خطوة” عن الديمقراطية.
ايضا الرئيس براك اوباما كان على ثقة بان كل الشرق الاوسط سيتغير الى الافضل بعد ثورة الربيع العربي واسقاط انظمة كل من مبارك في مصر، زين العابدين بن علي في تونس، علي عبد الله صالح في اليمن. في تونس يسيطر الآن ديكتاتور، الذي انتخب في البداية بعملية ديمقراطية، وفي اليمن يسيطر الحوثيون على 60 في المئة من السكان وعلى ثلث مساحتها، وليس بالصدفة ان نتنياهو امتنع عن احصائهم في سلسلة نجاحات اسرائيل في المنطقة.
لكن عندما يتحدث نتنياهو عن “تغيير وجه الشرق الاوسط” فهو لا يقصد العمليات العميقة أو التحركات الاستراتيجية، ولا يعرض “خارطة فرص”. بدلا من ذلك كعادته، هو يرسم من جديد خارطة التهديدات التي يبدو أنها تراجعت أو تقلصت بفضل الحرب. ولكن ذلك بعيد عن أن يعد بالتغيير المامول.
سوريا: “شيك ينتظر التسديد”
في سوريا اسقط نظام الاسد تحالف مليشيات بقيادة منظمة “هيئة تحرير الشام”، احفاد القاعدة، الذي يترأسه احمد الشرع. ولكن سوريا ما زالت غير كاملة وغير موحدة وحكومتها لا تمثل كل المواطنين. مركباتها السياسية، العسكرية والاقتصادية، هشة وهي تعتمد على الائتمان السياسي والاقتصادي المؤقت للدول العربية والغربية، لا سيما الرئيس دونالد ترامب. في افضل الحالات الحديث يدور عن دولة في فترة اختبار، التي قد تنهار في أي لحظة.
الاسد كان رئيس قاتل، وقد استعان بحزب الله وايران لذبح ابناء شعبه، وساعدهم في المقابل. ولكن اسرائيل لم يزعجها بشكل خاص ذبح الشعب في سوريا أو ملايين اللاجئين السوريين، ايضا قلب ترامب لم يضعف نبضه ازاء هذه الفظائع – لانه من ناحية عملية الاسد كان “جيد” لاسرائيل. سماء سوريا كانت مفتوحة امام سلاح الجو الاسرائيلي، والاسد نفسه لم يعلن الحرب على اسرائيل، وحتى انه منع “قوة القدس” التابعة لحرس الثورة الايراني من العمل ضدها. في سوريا الاسد ترسخ “التحالف الاستراتيجي” الذي في اطاره ضمنت روسيا تواجدها وسلامة النظام واعطت اسرائيل رخصة عمل تقريبا بدون قيود.
الآن القصة معقدة اكثر. في الواقع الشرع يتحدث مباشرة مع اسرائيل في محاولة للتوصل الى ترتيبات امنية متفق عليها، التي بحسبها من شان اسرائيل ان تحصل على المزيد من العمق الجغرافي في هضبة الجولان على اساس اتفاق الفصل الذي وقعت عليه مع الاسد في 1974، والمنطقة الموجودة جنوب دمشق وحتى الحدود مع الاردن ستكون منزوعة السلاح. هذا مقابل انسحاب اسرائيل من معظم الاراضي التي احتلتها منذ سقوط الاسد في كانون الاول 2024.
لكن في كل ما يتعلق بحرية عمل اسرائيل عسكريا، فانها يمكن ان تواجه الغطاء السياسي الذي يحمي النظام الان والذي يشمل الولايات المتحدة، تركيا، السعودية، اتحاد الامارات وقطر. هذه الدول تطمح الى تاسيس في سوريا دولة سيادية موحدة، خلافا لرؤية اسرائيل التي تعمل على تقسيمها الى كانتونات، تكون بالنسبة لها ركيزة سيطرة، مثل الاقلية الدرزية والاقلية الكردية. وعندما يعلق نتنياهو جمجمة الاسد على حزامه بتفاخر، ويضيف ذلك الى قائمة انجازات اسرائيل في الحرب، فانه يفضل اعتبار سوريا شيك لم يتم صرفه بعد.
لبنان: دولة محل اختبار
ايضا لبنان لم يغير الشرق الاوسط. في الحقيقة لبنان تعرض لضربة شديدة جدا، مكانته العامة تدهورت وقدرته العسكرية تقلصت. شريان حياته الذي تدفق من ايران الى بيروت عن طريق سوريا، قطع. رئيسه الكاريزماتي حسن نصر الله، الذي قام ببناء لبنان كدولة موازية تسيطر على الدولة الأم وتملي سياستها، تمت تصفيته هو وقادة كبار آخرين. وريثه نعيم القاسم، لا ينجح في ان يحل محله، والآن لا يبدو في صفوف الحزب زعيم يمكنه ملء الفراغ في القيادة.
الاكثر اهمية من ذلك هو انه للمرة الاولى في تاريخ حزب الله وتاريخ لبنان يوجد في لبنان نظام يتنصل رسميا وبشكل علني من مكانة حزب الله كـ “حامي الدولة”، ويلتزم بنزع سلاحه وحتى أنه يظهر النجاح على الارض.
ولكن الاختبار الحقيقي ما زال ينتظر لبنان ويبدو أنه لن يكون بسيط. فتصفية قيادة حزب الله لم تبعد الحزب عن النسيج السياسي في لبنان، وممثلوه اعضاء في الحكومة وفي البرلمان، وتهديد الحرب الاهلية يتربص في الزاوية اذا قررت الحكومة العمل ضده بالقوة.
بكلمات اخرى، لبنان مثل سوريا ما زال دولة محل اختبار، وهو موجود بين الازمة الاقتصادية الشديدة التي الخروج منها ينتظر تطبيق خطة نزع سلاح حزب الله، وبين الضغط الامريكي وتهديد اسرائيل باستئناف الحرب ضده اذا لم يقم بالوفاء بالتزاماته.
النتيجة حتى الان هي ان الانعطافة السياسية الهامة التي حدثت في لبنان في اعقاب المس بحزب الله، ما زالت لا تضمن هدوء بعيد المدى، وبالاحرى، اتفاق سلام بين اسرائيل ولبنان.
ايران: تستمر في أن تكون تهديد
في حرب “الجبهات السبعة” فان ايران تعتبر قصة النجاح الرئيسية. ليس فقط ان اسرائيل والولايات المتحدة قامتا بمهاجمة منشآتها النووية، بل هي ايضا فقدت معقلها الاستراتيجي في سوريا، وذراع نفوذها في لبنان تم تحطيمه، حتى لو أنه لم يختف.
حتى بعد الهجوم الذي مستوى نجاحه ما زال في طور التقدير، فان التهديد النووي لم تتم ازالته، وحتى الآن الحديث يدور عن “جبهة ساخنة” طالما انه لم يتم التوصل الى اتفاق يضمن رقابة وسيطرة على المشروع النووي الايراني. ليس من نافل القول التذكير بان الاتفاق النووي الاصلي الذي تم التوقيع عليه في 2015، والذي قام ترامب بخرقه بشكل احادي الجانب في اعقاب تاثير نتنياهو الكبير، كان يضمن بان المشروع النووي الايراني سيقتصر على التخصيب بمستوى الحد الادنى حتى نهاية 2025، وسيكون خاضع لقيود ورقابة كثيفة على الاقل حتى 2023.
حتى الان يصعب التقدير اذا كانت الخطوات الدبلوماسية، ومن بينها آلية الزناد التي ستفرض مرة اخرى العقوبات الدولية عليها، ستخضع ايران التي تصمم على حقها في تخصيب اليورانيوم على اراضيها. ولكن اعادة فرض العقوبات سيكون لها تاثيرات اقليمية ودولية خطيرة – بدءا بانسحاب ايران من ميثاق انتشار السلاح النووي، وهي الخطوة التي ستحررها من كل رقابة دولية، ومرورا بقرار روسيا والصين خرق آلية فرض العقوبات رغم التزامهما بها بسبب توقيعهما على الاتفاق النووي الاصلي، وانتهاء بفتح سباق تسلح نووي اقليمي، ومس ايران بحرية الملاحة في الخليج الفارسي، الذي المسافة منه قصيرة الى الحرب الاقليمية.
بدلا من التطبيع، الاعتراف بدولة فلسطين
اذا كان الامر هكذا فان الانجازات العسكرية التي حققتها اسرائيل هي فقط التي حققتها في الحرب في غزة، ولكن في الفروع التي انضمت اليها في لبنان، سوريا، ايران واليمن، فقد بقيت بمستوى التكتيك، بدون ترجمتها الى خطة استراتيجية اقليمية أو دولية.
ليس فقط انه لم يتم تشكيل حلف دفاع اقليمي، اسرائيلي – عربي – امريكي، بل ان التغييرات التي حدثت في السنتين الاخيرتين غير موجهة الى النقطة التي يكثر نتنياهو من التحدث عنها. فبدلا من حلف دفاع وتعاون اقليمي، الذي تكون اسرائيل عضوة رائدة فيه، نشأ تحالف عربي دولي يعتبر اسرائيل تهديد على استقرار المنطقة. وبدلا من التطبيع المامول مع السعودية، جاء اعتراف دولي جارف بدولة فلسطين، بمبادرة السعودية. اتفاقات السلام مع مصر، الاردن واتحاد الامارات، تم مدها حتى النهاية، واسرائيل اصبحت دولة منبوذة، ومواطنوها ومنتجاتها وباحثوها وفنانوها “غير مرغوب فيهم”.
لكن حتى الآن لم يتم فقدان الامل. ففي 15 ايار 2008، في عيد الاستقلال الستين للدولة، زار الرئيس بوش الكنيست والقى هناك خطاب متحمس ومتفائل، فيه تخيل الشرق الاوسط “الجديد”. “عيد استقلالها الـ 120 ستحتفل فيه اسرائيل بكونها احدى الديمقراطيات الكبرى في العالم”، قال. “هي ستكون الوطن الآمن والمزدهر للشعب اليهودي، والشعب الفلسطيني سيكون له وطن، الذي حلم به دائما وهو يستحقه، دولة ديمقراطية يحكمها القانون وتحترم حقوق الانسان وترفض الارهاب.
“من القاهرة وحتى الرياض، بغداد وبيروت، سيعيش الناس في مجتمعات مستقلة وحرة. ايران وسوريا ستكون شعوب سلام، والقمع فيها سيصبح ذكرى بعيدة. القاعدة، حزب الله وحماس، ستهزم عندما سيعترف كل المسلمين في المنطقة بعدم فائدة حلم الارهاب والظلم الذي يتسبب به”. هذا حلم مدهش وفقط يجب تحريك الزمن الى الامام حتى العام 2068.
——————————————-
هآرتس 6/10/2025
رغم العوائق الكثيرة يوجد احتمال حقيقي لوقف الحرب هذه المرة
بقلم: عاموس هرئيلِ
دونالد ترامب غير التسارع. فمنذ عودته الى البيت الابيض في 20 كانون الثاني، الرئيس الامريكي بالاساس يتحدث عن رغبته في انهاء الحرب بين اسرائيل وحماس. ولكن الامور تغيرت كليا في مؤتمره الصحفي مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل اسبوع تقريبا. الآن ترامب هو في محط الانظار: هو يلقي بكل ثقله من اجل حث الطرفين على انهاء الحرب وتحقيق صفقة التبادل. العوائق يبدو أنها ما زالت كثيرة، لكن في الذكرى السنوية لاندلاع الحرب التي ستصادف في الغد (الثلاثاء)، فانه يلوح في الافق للمرة الاولى بعد فترة طويلة جدا بان هناك احتمالية كبيرة لوقفها. حتى ان ترامب ونتنياهو يلمحان الى ان التغيير للافضل من شانه ان يبدأ اثناء عيد العرش.
مرة اخرى تم التوضيح بان الرئيس متاثر جدا من المظاهرات الضخمة في اسرائيل لصالح عقد الصفقة. أول أمس نشر صور منها على صفحته في الشبكات الاجتماعية. الآن هو يستغل هذا الضغط العام في اسرائيل للدفع قدما بعقد الصفقة، كما أمل كثيرون في ان تحدث في كانون الثاني. لكن مقاربة نتنياهو مفاجئة قليلا – حتى اليوم، وخلال المفاوضات منذ ولاية بايدن وحتى الآن، حرص رئيس الحكومة على وضع العصي في الدواليب في كل المناسبات. الآن هو بالتحديد يقوم بتنمية توقعات لحدوث تقدم. ربما حان الوقت للاستنتاج بانه لا يستطيع ان يواصل وقف خطوات ترامب.
جهود كبيرة يتم استثمارها في بلورة خط دعاية جديد لنتنياهو امام ناخبيه: يتبين ان الامر يتعلق بشكل عام بانجاز سياسي كبير لاسرائيل، الذي تحقق فقط بفضل تصميمه. عدد من الذين يدعون ذلك قاموا بشرح لنا فقط قبل يومين لماذا يجب عدم التوقيع على أي اتفاق مع رؤساء حماس، النازيين الجدد. ربما يجدر سؤال خبير، لكن هناك شعور بانه هكذا ظهرت صحف الاحزاب الشيوعية في دول الكتلة الشرقية قبل لحظة من سقوط سور برلين في 1989.
أمس استعدت بعثة المفاوضات الاسرائيلية برئاسة الوزير رون ديرمر للذهاب الى مصر من اجل الالتقاء مع دول الوساطة. الخطوط الاساسية لصفقة المخطوفين واضحة جدا. ترامب يسعى الى اطلاق سراح العشرين مخطوف الاحياء واعادة الـ 28 جثة – هذه ارقام اسرائيلية؛ الرئيس يذكر كل مرة رقم مختلف – خلال 72 ساعة، التي من شانها ان تبدأ قبل نهاية الاسبوع. مشكوك فيه اذا كان هذا الامر قابل للتنفيذ الكامل في هذه الفترة القصيرة جدا. احدى العقبات تتعلق بالعثور على كل الجثامين. لقد مرت على القطاع هزة ارضية خلال سنتين، وحتى لو كانت حماس تريد انهاء هذه القضية فربما انه تنتظرنا هنا قضايا طويلة على صيغة اختفاء الطيار رون اراد في لبنان.
توجد عقبات اخرى. في منتهى السبت نشر ترامب خارطة انسحاب اسرائيل. في المرحلة الاولى يدور الحديث عن انسحاب محدود الى الخطوط التي كان فيها الجيش الاسرائيلي في شهر تموز الماضي. هذا بعيد عن ارضاء حماس، حتى بسبب استمرار سيطرة اسرائيل على محور فيلادلفيا. حماس ايضا تعارض طلب امريكا مثلما ظهر في وثيقة الـ 21 نقطة (التي تم تقليصها الى 20)، نزع سلاحها. هي تسعى الى تقويض نية نقل القطاع الى سيطرة قوة متعددة الجنسيات وتتحدث عن قوة فلسطينية. اضافة الى ذلك حماس لن ترغب في السماح لاسرائيل بتحديد وتيرة انسحاب الجيش الاسرائيلي وطبيعة دخول قوة بديلة الى القطاع.
الطريق الى اتفاق بعيد المدى في القطاع تبدو مليئة بالعقبات. مستوى اهتمام ترامب بتفاصيل الاتفاق محدود جدا: مثلما في قضية ايران فانه من ناحية الرئيس الحرب انتهت لأنه قال بانها انتهت، والويل لمن يعارضه. عمليا، هذه هي المرة الثانية خلال ثلاثة اشهر ونصف التي يامر فيها ترامب نتنياهو بوقف القصف.
بعد اشهر من التملص يبدو ان نتنياهو خضع لضغط ترامب: حسب الخطة سيتم الاعلان عن وقف كامل لاطلاق النار، واطلاق سراح المخطوفين (مقابل اطلاق سراح حوالي 2000 فلسطيني، بينهم 250 قاتل تمت ادانته)، بدون ان تتعهد حماس وبحق بنزع سلاحها، وبدون تنفيذ نتنياهو لوعده، التصفية النهائية لحماس، كجزء من النصر المطلق. مع ذلك فانه حتى الان لا يمكن استبعاد امكانية نجاح نتنياهو في افشال الصفقة، حتى لو كان يبدو انها في مرحلة متقدمة جدا.
استنتاجات غير ملزمة
في يوم الجمعة الماضي، بعد ضغط كبير من قبل ترامب، ارسلت حماس ردها على خطة الـ 20 نقطة. الرئيس الامريكي، لاعتباراته وبصورة مميزة، اعتبر رد المنظمة الارهابية ايجابي رغم التحفظات الكثيرة التي تضمنها. خلال بضع ساعات فرض على نتنياهو وقف معظم عمليات قصف الجيش الاسرائيلي في غزة، حتى منتهى السبت وضع رؤساء احزاب اليمين المسيحاني في حكومته، الوزير بتسلئيل سموتريتش والوزير ايتمار بن غفير، امام حقيقة قائمة.
الاثنان تصرفا وفقا للاسلوب غير المسؤول الذي تبنياه منذ بداية الحرب. فقد هاجما قرارات نتنياهو وكأنه ليس رئيس الحكومة، وبعد التصريحات التفسيرية امتنعا في هذه المرحلة عن القيام بخطوات عملية. في هذه الاثناء يبدو انهما يفحصان هل سيؤخران انسحابهما حتى تحقيق المرحلة الاولى في الخطة التي في اطارها سيعلن عن وقف اطلاق النار واعادة جميع المخطوفين والجثامين. بالتاكيد وبدون أي شك المعارضة ستوفر لنتنياهو شبكة امان برلمانية تمكنه من المصادقة على الاتفاق. ولكن بعد ذلك ربما ان سموتريتش وبن غفير لن يكون امامهما أي خيار. هما يحاربان على الاصوات في هوامش اليمين، ومن اجل تمييز انفسهما عن نتنياهو فانه يجب عليها الانسحاب من الحكومة في القريب. هذا السيناريو يقرب الانتخابات القادمة باحتمالية كبيرة، الى الربع الاول من السنة القادمة.
اذا فاز نتنياهو في الانتخابات أو قام بفرض التعادل، الذي في نهايته ستكون حكومة انتقالية شبه خالدة، فهو سيتمسك بالهدف السامي: البقاء في الحكم واستمرار تاجيل محاكمته الجنائية ومنع منهجي لتشكيل لجنة تحقيق رسمية من اجل التحقيق في الاخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة. وبصفته صاحب البيت الرئيسي في الـ 14 سنة التي سبقت الحرب، والتي سوق فيها رعاية حماس بواسطة الاموال القطرية وتجاهل تحذيرات الاستخبارات في 2023، فانه يوجد لديه الكثير لاخفائه. والى حين اتضاح قضية التحقيق ستبقى لدينا قناتي استيضاح: تحقيق مراقب الدولة وعمل اللجنة العسكرية برئاسة اللواء المتقاعد سامي ترجمان.
من المحادثات مع الشخصيات الرئيسية التي التقى معها مراقب الدولة، متنياهو انغلمان، تظهر صورة واضحة جدا. طاقمه يميل الى التركيز على الليلة التي سبقت هجوم حماس وتوجيه جزء كبير من النيران الى كبار قادة الجيش الاسرائيلي، وعلى رأسهم في حينه رئيس الاركان هرتسي هليفي. لجنة ترجمان يتوقع ان تقدم استنتاجاتها لرئيس الاركان ايال زمير في الفترة القريبة القادمة. النغمة التي تصاعدت في اللقاء مع الضباط المتورطين شديدة جدا. سيكون لترجمان والضباط الكبار في الاحتياط الذين عملوا معه اقوال كثيرة لقولها. سواء عن الاخفاقات أو عن الطريقة التي اختارها الجيش الاسرائيلي للتحقيق مع نفسه. بؤرة التوتر مع زمير، الذي قام بتعيين اللجنة، ستكون حول الاستنتاجات الشخصية. حتى اليوم امتنع زمير وسلفه هليفي عن فعل ذلك. عمليا، الضباط القلائل الذين تم تاجيل تعيينهم بعملية ناجعة، كانون هم المتضررين من قرار وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي كعادته عمل بدافع شعبوي وبدون التعمق في الحقائق.
في بؤرة الاهتمام والرهان يقف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، الجنرال شلومي بندر. فعندما كان عميد قبل سنتين ترأس بندر قسم العمليات في هيئة الاركان. لجنة ترجمان هي انتقادية فيما يتعلق بالتحقيق الذي فحص اداء هذا القسم والأداء الفعلي. زمير يميل الى الاعتقاد بان المستوى التنفيذي في قيادة المنطقة الجنوبية وفي هيئة الاركان فشل في 7 اكتوبر، بالاساس بسبب الاداء المخيف لشعبة الاستخبارات العسكرية. هذا هو الاستنتاج الحاسم للعقيد ش.، وهو قائد وحدة في القسم والذي صاغ تقرير شخصي عن الفشل وقال فيه بان ما وفرته الاستخبارات قبل 7 اكتوبر وفي الليلة التي اعقبت اندلاع الحرب افشلت القادة. هذا ليس ما يعتقده ترجمان ورجاله – بكلمات اخرى، ربما انه بالنسبة لهم فان قسم العمليات اهمل حتى بدون صلة بالاستخبارات العسكرية.
زمير الذي يقدر بندر ويريد ان يواصل وظيفته سيتعين عليه أن يحسم، لكن كالعادة – ايضا السياسيون يمكنهم التدخل لاعتباراتهم غير الموضوعية.
واقع وهمي
السلسلة الوثائقية لعمري اسنهايم “ماذا حدث للجيش الاسرائيلي” (القناة 13)، سجلت في هذا الاسبوع انجاز كبير عندما في الفصل الاخير تضمنت مقابلة مع رئيس الاركان السابق افيف كوخافي. هذه هي المرة الاولى منذ اندلاع الحرب التي يجري فيها كوخافي مقابلة، الذي انهى مهمته قبل تسعة اشهر من اندلاع الحرب.
اثنان من الضباط السابقين في جهاز الامن، كوخافي ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين، تمت الاشارة اليهما خلال سنوات وكأنه يمكنهما التوجه الى الحياة السياسية، وربما حتى التنافس على رئاسة الحكومة. كلاهما تم وصفه كنوع من “الشباب الذهبيين”، وكان لهما اسباب جيدة للتقليل من الظهور في وسائل الاعلام بعد مذبحة 7 اكتوبر. عندما كانا تحت امرة نتنياهو، كان لهما دور رئيسي في التصور الذي كان يقف في اساس الفشل: اختيار ادارة النزاع الفلسطيني وتجميده بدون حراك؛ الاستيعاب المتواصل امام حماس؛ الاعتقاد ان حماس خائفة وضعيفة بعد كل جولة قتال؛ التوجه للاموال القطرية كحل سيهديء العنف الذي يوشك على الاندلاع في القطاع.
عند اندلاع الحرب اختار كوهين، حيث بطحة كبيرة على رأسه، ان لا يختفي، بل ان يحاول اعادة من جديد تشكيل صورته. لقد ظهر عدة مرات في الاستوديوهات، وهناك تنصل من نقل الاموال القطرية (رغم انه كان من مهندسي هذا الاسلوب، وهاجمه فقط بعد انهاء منصبه في مقابلة مع ايلانا ديان). مؤخرا عاد للظهور من اجل تسويق سيرته الذاتية التي نشرها. كوخافي نزل من تحت الرادار، الى ان اقتنع مؤخرا بالجلوس امام كاميرات اسنهايم. هذه ليست المرة الاولى التي ينجح فيها اسنهايم في الوصول الى مشاهير يرفضون اجراء مقابلات معهم. يبدو ان اسلوبه الذي ليس اسلوب مفترس، يساهم في ذلك.
——————————————-
إسرائيل اليوم 6/10/2025
الاختبار الأول للخطة: حل مسألة تحرير الرهائن
بقلم: مئير بن شباط
الاختبار الأول لخطة ترامب سيأتي سريعا، بل وربما اليوم، في المحادثات غير المباشرة التي ستجرى بين وفدي إسرائيل وحماس في شرم الشيخ. من ناحية إسرائيل، يفترض بان تحتل مركز المحادثات مسألة تحرير المخطوفين. وكانت البيانات الصادرة عن الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو في نهاية الأسبوع رفعت التوقعات لحل هذه المسألة وإعادة المخطوفين في الأيام القريبة القادمة الى اعلى مستوى. وفي حماس واعون لذلك.
نظريا، كان يمكن لهذا ان يجديهم في مناورات المساومة في المفاوضات، لكنهم يفهمون بان صيغة المحادثات ونهج ترامب سيصعبان عليهم التصرف بـ “إذهب وعد”. كما أن هذا هو سبب انضمام مستوى عال جدا من إسرائيل ومن الولايات المتحدة. ولا يزال، من زاوية نظر حماس، فان إعادة كل المخطوفين هي تنازل عن الورقة المضمونة الوحيدة التي يمكنها أن تضمن بقائها. فهل من يعيش في وعي “التقية” – الاباحة للدهاء والغش – يمكنه أن يسمح لنفسه الاعتماد على وعود وضمانات دولية وان يخضع لرحمة الدول العربية؟ أفليس هذه مراهنة خطيرة جدا؟
الجواب على ذلك اعطته حماس منذ الان في الصيغة التي رفعتها في ردها على خطة ترامب. فقد اظهر الرد الثغرة التي أعدتها المنظمة لنفسها كي تناور في هذا الموضوع. فقد جاء في الصيغة ان الحركة توافق على “تحرير كل الاسرى الإسرائيليين، احياء واموات، وفقا لصيغة التبادل المفصلة في مقترح الرئيس ترامب، واستنادا الى الظروف العملية في الميدان الواجبة لتنفيذ التبادل”.
من هنا قصيرة الطريق لادعاءات على شكل “الظروف في الميدان لا تسمح لنا بالعثور على كل المخطوفين”، “نحن بحاجة الى وقت أكثر والى هدن أطول”، “هناك حاجة للتحفيز واثابة الفصائل الأخرى التي تحتجز جزءاً من المخطوفين”، وغيرها هنا وهناك من الادعاءات الإبداعية من العقول اللامعة لقادة حماس. ينبغي الافتراض بان ممثلي مصر وقطر لن يصدوا فقط ادعاءات حماس بل سيردون عليهم بتفهم ويقترحوا ان تبدي إسرائيل نهجا اكثر سخاء ببادرات طيبة فورية “تفيد تقدم المفاوضات أيضا”.
مراوغة حماس
عنصر آخر يمكن لحماس أن تستخدمه لغرض التسويف دون أن تتهم بذلك هو المباحثات حول هوية المخربين الذين سيتحررون من السجن الإسرائيلي. يمكن التقدير بان المنظمة لن تتنازل عن الفرصة الأخيرة ظاهرا لتحرير كبار المخربين من السجون في إسرائيل. هم سيحاولون انقاذ حسن سلامة المحكوم بـ 46 مؤبد او إبراهيم حامد – قائد الذراع العسكري لحماس، العقل المدبر للعمليات الانتحارية القاسية في الانتفاضة الثانية وكذا عباس السيد من منظمي العملية في فندق بارك وعبدالله البرغوثي مهندس التخريب الذي تسبب بموت 67 إسرائيليا.
صحيح أن إسرائيل أعلنت بانها ستعارض ادراج هؤلاء وغيرهم في مكانتهم في قائمة المخطوفين، ولكن هذا لن يمنع حماس من أن تطرح هذا مجددا.
“توجد صدوع جوهرية في خطة ترامب، يمكن للحركة ان تستغلها كي تجتاز هذه المرحلة الخطيرة” – هكذا نقل في الأسبوع الماضي عن د. باسم القاسم، الباحث في معهد الزيتونة المتماثل مع الاخوان المسلمين وحماس في صحيفة “فلسطين” – الناطقة الرسمية بلسان حماس. ضمن الصدوع الأخرى التي احصاها “تسويات مؤقتة وغامضة” تعرضها الخطة، لجنة تنفيذية تكنوقراطية دون تعريف واضح لاليات اقامتها او مصادر صلاحياتها، غموض بالنسبة للقوة الدولية وسلسلة أخرى من المواضيع. واقترح على حماس ان تدخل في مباحثات على البنود الغامضة في ظل الدفع قدما بالتوازي لوقف النار، فتح المعابر، ادخال المساعدات وبدء الاعمار، ما يزيد عطف الشارع على حماس.
في حماس يستعدون جيدا لمحادثات المفاوضات. يمكن التقدير بان هكذا هي الأمور في الجانب الإسرائيلي أيضا. ليس مثلما في الاعمال العسكرية لإسرائيل، فانه في مسألة تحرير المخطوفين من الصواب العمل مع ساعة توقيت، ومرغوب فيه أن تكون هذه في يد ترامب.
——————————————-
يديعوت أحرونوت 6/10/2025
المخطط الذي قدمه ترامب لن يؤدي إلى إبعاد حماس عن قطاع غزة
بقلم: نداف ايال
هناك مخاوف تُثار بشأن الصفقة المقترحة، وهي مخاوف مشروعة. من المشروع القلق من أن حماس ستحاول الاحتيال وعدم إعادة الرهائن – جميعهم. ومن المشروع التعبير عن القلق من أن حماس ستتعافى وتزداد قوة، وأن إسرائيل ستُجبر على الانسحاب، وستكون يدها مكبلة. هناك أيضًا مشكلة معلوماتية هنا. نحن نعيش في وضع تتغير فيه الصفقة من ساعة لأخرى. لذا، ما هو مكتوب هنا صحيح حتى هذه اللحظة.
- بعد عامين، هناك ما يمكن تحقيقه بالقوة، وما لا يمكن تحقيقه. من الواضح أن إسرائيل حققت نجاحًا باهرًا ضد حزب الله وإيران، وبدرجة أقل في غزة، بعد جهد عسكري وعشرات الآلاف من القتلى، كثير منهم لم يشاركوا. إن المأساة الإنسانية، والقتل الجماعي، والدمار الواسع النطاق، هي السبب الرئيسي للوضع الحالي لإسرائيل في العالم.
لقد اضطر الجيش الاسرئيلي للقتال في ظروفٍ مُستحيلة. وتُمثل المعركة ضد حماس في غزة “أعظم تحدٍّ في تاريخ الجيش الاسرئيلي”، على حد تعبير عضوٍ كبيرٍ في هيئة الأركان العامة. ولماذا؟ بسبب الرهائن، والصعوبة العملياتية. بسبب أنفاق حماس تحت الأرض. بسبب الاكتظاظ المدني. بسبب الضغط الدولي. لم يكن احتلال مدينة غزة ليُنهي الحرب، حتى في رأي الجيش الاسرئيلي. كان من الضروري التحرك لتطهير المعسكرات المركزية ثم النزول جنوبًا مرةً أخرى. كانت الإدارة الأمريكية مُصممةً على أن الحرب يجب أن تنتهي بنهاية العام، ولم تتطابق الجداول الزمنية. ولكن حتى لو انتهى كل هذا، فبدون سيطرة مدنية أخرى على سكان غزة، لن تُهزم حماس.
- يُعدّ الاتفاق المقترح إنجازًا لإسرائيل، إذ يُجبر حماس، في المرحلة الأولى، على التخلي عن أهمّ أصولها: المخطوفين، وجميعهم. في المرحلة الثانية، لا تسيطر حماس ظاهريًا على غزة، وكذلك الجيش الإسرائيلي، فهو يتجه نحو انسحاب تدريجي.
- وفقًا للاتفاق، ستكون الإدارة في غزة فلسطينية. ومن المفترض أن تُستقدم قوات أمنية أخرى من دول المنطقة. وهذه، بطبيعتها، ستُقيد حرية عمل الجيش الاسرئيلي. ستبقى حماس قائمة، وقد أخبرني مسؤول إسرائيلي في الأيام الأخيرة أنه من الصعب، بل المستحيل، فرض نزع الأسلحة الصغيرة في القطاع في مثل هذه الحالة، على الرغم من أن خطة ترامب تتحدث صراحةً عن “إلقاء السلاح”.
- بمعنى آخر: حماس لن تختفي. ليس من أهداف الحرب تدمير حماس بالكامل، كمنظمة. فقد سُحقت قدراتها العسكرية والحكومية بالفعل، وفقًا للجيش الاسرئيلي. لكن حماس حركة شعبية متجذرة في الرأي العام الفلسطيني. يمكن تدمير جيش حماس، ومن وجهة نظر الجيش الاسرئيلي، فقد تم القضاء عليه؛ لا يمكن القضاء على المنظمة أو تفكيكها إلا بشرط واحد. ربما.
- هذا الشرط – ضروري ولكنه ربما غير كافٍ – هو السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غزة من خلال احتلال عسكري على مر السنين. بهذه الطريقة فقط يُمكن نزع سلاح حماس تمامًا، ومحاولة ضمان عدم وجودها تنظيميًا على الإطلاق. لن ينجح الاحتلال بالضرورة أيضًا. لكن هذا لم يعد مهمًا أيضًا: لم تُخطط إسرائيل قط أو تُعلن أن هذه هي نيتها، احتلال عسكري كامل لغزة، أو اختفاء حماس كمنظمة. عارضت المؤسسة الدفاعية، وحتى رئيس الوزراء، ذلك. لم تُطرح أي رؤية.
- لذلك، كان واضحًا منذ شهور عديدة أن مثل هذا الاتفاق سيُوقّع. مرة أخرى: الاحتلال الكامل، من وجهة نظر ترامب ونتنياهو، لن يحدث. السؤال هو ما الفرق بين الاتفاق الذي كان من الممكن التوصل إليه في آذار 2025 والاتفاق الذي قد يُتوصل إليه في أكتوبر 2025؟
في غضون ذلك، تكبدت إسرائيل أضرارًا جسيمة ورهيبة بشكل خاص في الأشهر الماضية، وهي أضرار لا تستحق الفائدة العسكرية. هذا موقف عبّر عنه كبار المسؤولين الإسرائيليين والحكوميين، بمن فيهم المقربون من نتنياهو. أرادت إدارة ترامب، وكانت مستعدة، لإنهاء الحرب بالفعل في الاتفاق السابق الذي توسطت فيه.
- قبل أكثر من عام، أخبر رئيس الأركان هاليفي مجلس الوزراء بوجود ثلاثة خيارات في غزة، وثلاثة فقط: حماس، أو فتح، أو الجيش الاسرئيلي. لم تقبل إسرائيل بأي من الخيارات الثلاثة (واصل نتنياهو رفض الحكم العسكري). لقد ترك ذلك فراغًا. في أحسن الأحوال، ستقبل بفتح وإدارة دولية، وفي أسوأ الأحوال، مسؤولين يفعلون ما تريده حماس. سيكون هناك نفوذ إقليمي ودولي، وهذا سيبطىء فب المرحلة الاولى بناء قوة حماس. لن ينتقل أحد من منزل إلى منزل في جباليا من الجيش الاسرئيلي أو قوة فلسطينية منافسة لحماس (أما بالنسبة للأخيرة، فلست متأكدًا من وجودها).
8 . السؤال الذي يطرحه كل إسرائيلي على نفسه واضح – كيف تتأكد من عدم سيطرة حماس على غزة مرة أخرى. وأنهم لن يعيدوا بناء البنية التحتية العسكرية؟
الجواب هو أنه طالما يوجد سكان غزة، ستظل حماس موجودة في القطاع، حتى يقرر الفلسطينيون خلاف ذلك. لذلك، سيتطلب إضعاف المنظمة حكمة سياسية كبيرة، لضمان عدم ازدياد قوتها وعدم سيطرتها على حكومة القطاع، بالإضافة إلى تصميم عسكري على شن هجوم جديد إذا لزم الأمر. ومثل الصراع ضد حزب الله، لن يكون قصير الأمد.
9 . أكثر من 70% من الإسرائيليين، وفقًا لاستطلاع رأي أُجري في الثالث عشر من هذا الأسبوع، يؤيدون خطة ترامب. 74% من الإسرائيليين أيدوا بالفعل إنهاء الحرب مقابل عودة المخطوفين، بما في ذلك 6 من كل 10 ناخبين في الائتلاف (السؤال غير دقيق؛ فإسرائيل لا تقبل فقط المخطوفين، بل كجزء من إنهاء الحرب). تتطلب الحروب الناجحة إجماعًا شعبيًا واسعًا. الغالبية العظمى من الإسرائيليين يريدون عودة الرهائن وإنهاء الحرب، وهذا مستمر منذ فترة طويلة. هذا لا ينفي عزم حماس على عدم السيطرة على غزة أو السيطرة عليها.
10 . كل شيء قابل للانفجار. لا يزال كبار المسؤولين في القدس مقتنعين بأنه لا توجد فرصة لأن تتخلى حماس عن جميع الرهائن في البداية. هذه مسألة جوهرية. كلا الجانبين عازم على إقناع ترامب والشرق الأوسط بأن المفاوضات لم تفشل بسببهما. الصفقة ورؤية ترامب لا تعتبران حماس جزءًا من مستقبل غزة، لكن الاستنتاج الرئيسي هو أنه إذا تم تنفيذ هذه الصفقة، فستستمر المواجهة مع حماس طويلًا. علينا أن نستعد لها، وكما يقول الرئيس، علينا أن نتذكر السابع من أكتوبر. حماس ليست نتاجًا ثانويًا للصراع، بل هي، إلى حد كبير، مُصنّع له. إن تفكيك أو سحق هذه المنظمة أمرٌ أساسي لأي رؤية للأمن والسلام في منطقتنا.
——————————————-
معاريف 6/10/2025
بعد عامين من الفشل الأكبر: نتنياهو لا يزال في منصبه، والرهائن لا يزالون سجناء
بقلم: بن كسبيت
إن الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هي الأصعب والأكثر إيلامًا وإهانةً في تاريخها. حتى في أسوأ كوابيسنا، لم نتخيل يومًا أن يحدث لنا شيء كهذا. أن تهزم منظمة إرهابية فرقةً من الجيش الاسرئيلي بسهولةٍ بالغة. أن تحتل منظمة إرهابية البلدات الإسرائيلية والقواعد العسكرية، وتقتل مئات المدنيين، من نساءٍ وأطفالٍ وكبارٍ في السن، وعائلاتٍ بأكملها، وتتصرف داخل الكيبوتسات والمدن كما لو كانت تابعةً لها، وتختطف مئات المدنيين والجنود، وتُذل أقوى جيش في الشرق الأوسط، وتترك وراءها أرضًا محروقة.
لن يمحو ما حدث لاحقًا هذا الحدث، أو يشفي الجرح، أو يخفف الصدمة. بعد خمسين عامًا ويومًا واحدًا من نجاح الجيوش النظامية الهائلة لمصر وسوريا في مفاجأة الجيش الإسرائيلي، وعبور القناة، والاجتياح إلى مرتفعات الجولان، حدث لنا الشيء نفسه تمامًا، ولكن بجرعات أكبر. هذه المرة، لم يتلقَّ الجيش الضربة فحسب، بل طال هذا المدنيين أيضًا. دولة إسرائيل، التي أُسست لتكون المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه حماية اليهود، فشلت في دورها، وبشكل غير مسبوق.
ثم جاء النصر. واحد من أعظم وأعظم الانتصارات التي يمكن تخيلها. حيث فشلت الدولة والجيش، انتصر الشعب. كل من ترك كل شيء وطار جنوبًا لإنقاذ الأرواح. صغارًا وكبارًا، مجندين ومُسرّحين، نظاميين واحتياطيين، مدنيين، مجرد مدنيين، بسلاح أو بدونه، ولكن بروح معنوية عالية. الجنرالات القدامى (جولان، تيفون، زيف)، العلمانيون والتقليديون والمتدينون، المواطنون الذين أنقذوا الأرواح، الحاخامات وأعضاء ثلل التأهب، سكان الكيبوتسات والشرطة، سكان سديروت ونتيفوت. كل من ساندهم، واتكأ على كتفهم، وهرع هكذا، بطريقة ما، إلى اللظى. كان ذلك جهدًا من شعبٍ نهض فجأةً، صباح السبت، وأدرك أن الناس يثورون عليه لتدميره، وأنه لا حامي له. فدافع عن نفسه. حتى استعاد الجيش الاسرئيلي رشده.
ثم اكتشفنا بعض الأشياء التي نسيناها بالفعل. اكتشفنا التكافل المتبادل. التميز. الشجاعة. العزيمة. اكتشفنا سكان الكيبوتس. نساء الكيبوتس. الجدات الشجاعات، اللواتي أسسن هذا البلد، اللواتي لم ينحنِ رؤوسهن حتى في وجه قتلة حماس. اكتشفنا هذه المجتمعات الرائعة، التي ازدهرت هناك بهدوء في مواجهة وحش حماس. اكتشفنا أعضاء الصهيونية الدينية. التفاني والشجاعة والالتزام والتضحية. إن حصة أعضاء الصهيونية الدينية في الثمن الذي دفعناه منذ 7 أكتوبر أعلى من نسبتهم في السكان. وهذا يعوّض، إلى حد ما، عن القطاع الحريدي، الذي بالكاد تواجد خلال هذه الفترة. كنا نعرف هذا، ولكن منذ 7 أكتوبر رأيناه. في الوحدات العسكرية، في أقسام التأهيل، بين مقاتلي الاحتياط.
واكتشفنا جنود الاحتياط. كنا قد نسينا وجودهم. في السنوات العشر أو العشرين الماضية، لم يتحدث أحد عن جنود الاحتياط. من حالة كان يُستدعى فيها كل جندي مُسرّح من الجيش الاسرئيلي للاحتياط مرة أو مرتين على الأقل سنويًا، تلاشت هذه الظاهرة تدريجيًا. نشأ انطباع بأن قلة من الحمقى الصارخين ما زالوا يتركون كل شيء، ويرتدون الزي العسكري وينطلقون للدفاع عن وطنهم. عالم يتلاشى. سلالة منقرضة.
حسنًا، لقد كنا مخطئين. لم ينقرض هذا الجيل، بل أنقذنا من الانقراض. مقاتلو الاحتياط هم العمود الفقري للجيش الإسرائيلي، ولإسرائيل، وللأمن القومي، وللقوة الكامنة فينا. لقد ارتقوا إلى حجم الساعة الرهيبة التي حلت بنا، وهي ساعة تحولت إلى عامين. إنهم منهكون، يئنون، لكنهم يواصلون الخدمة وأعينهم مغمضة عن حكومتهم، التي لا تزال تحمي أولئك الذين لا يخدمون. لا في النظامي ولا في الاحتياط. كتيبة نظامية واحدة تنقذ سبع كتائب احتياط، ومع ذلك – الائتلاف أهم.
واكتشفنا المواطنين. الإسرائيليين. المبادرين، والمانحين، والمتطوعين، والمبدعين، والعازمين، والمقاتلين. أولئك الذين فعلوا في الأسابيع الأولى ما لم تعرفه الحكومة ولم تكن قادرة على فعله. تم تصحيح أصفار يوسي شيلي من قبل قيادة إيال نافيه. إخوان السلاح، الذين أجلوا سكان الحصار في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووفروا لهم مأوى، وأنشأوا غرفة عمليات مدنية، بل وقاعدة بيانات وقاعدة لغرفة عمليات المخطوفين، قبل أن تستعيد البلاد صوابها. لا يزالون هناك حتى اليوم، يُعيدون بناء كفار عزة، ويُعيدون بناء الغلاف. هم، ومعهم عدد كبير من الجمعيات والمنظمات ومجموعات المواطنين الذين وصلوا للتو. بعضهم يفعل ذلك سرًا، دون أي تغطية اعلامية.
على سبيل المثال، مجموعة كبيرة من الإسرائيليين، معظمهم من النساء الإسرائيليات، ينظفون المنازل المهجورة في الغلاف منذ عامين. مجموعة أخرى تغسل الملابس في منازل الغلاف المهجورة، وتعتني بملابس المُهجّرين والمختطفين والجرحى، كما لو كانوا في فندق خمس نجوم. لا توجد دولة في العالم لديها هذا العدد الكبير من مواطنيها الذين هبوا للتدخل.
كان ينبغي أن تنتهي هذه الحرب منذ زمن طويل. أوقفنا الحملة ضد إيران بعد 12 يومًا. هذا صحيح. الحرب على حزب الله بعد أسابيع قليلة. وهذا صحيح. في كلتا الحالتين، تحققت إنجازات عسكرية مبهرة، وتجلّى تفوقنا الحاسم على أعدائنا في جميع المجالات تقريبًا. أولها وأهمها، التفوق التكنولوجي والاستخباراتي والإبداعي. هذا التطور الخيالي الذي يجعل حتى أكثر أفلام مسلسلات بوند أو مارفل جنونًا مُضحكة.
في غزة فقط أصرينا على الاستمرار. حتى “زال التهديد”. ربما كان الهدف “إزالة التهديد” عن ائتلاف نتنياهو. لم تُحدد إسرائيل قط التدمير الكامل للعدو كهدف حرب لسبب بسيط: إنه أمر مستحيل. نحن مُحاطون بمئات الملايين، بعضهم كان أعداءً لنا طوال معظم السنين. لا يُمكن إبادتهم. لا يُمكن إزالتهم كورم سرطاني. يجب هزيمتهم وردعهم وحرمانهم من قدرتهم على إلحاق الأذى لأطول فترة ممكنة، وتعليمهم أنه لا يجب العبث بنا.
لقد حققنا كل هذا في غزة منذ زمن بعيد. استمرت هذه الحرب حتى هذه اللحظة فقط بسبب القيود السياسية التي فرضها رهينة يُدعى بنيامين نتنياهو. في هذه المقالة، بمناسبة مرور عامين على كارثة 7 أكتوبر، من الأفضل التركيز على الصورة الكلية في لمحة تاريخية.
كان هناك قائد حاول إقناعنا بأنه التجسيد اليهودي لوينستون تشرشل. لكن بعد خمسة عشر عامًا من القعود والتراخي، اتضح أنه كان النسخة الأحدث من نيفيل تشامبرلين. منذ ذلك الحين، يبذل قصارى جهده محاولًا، بالقوة، التشبث بتشرشل.
إنه لا يدرك أنه لن يكون تشرشل بعد الآن. يكمن التشابه بينه وبين ذلك البريطاني العظيم في كلماته. كلاهما كان خطيبًا بارعًا. لكن تشرشل لم يكن مرتبكًا، ولم يتعاون مع الوحش النازي، بل أدرك منذ اللحظة الأولى أن من يغازل الألمان لا ينجو من عقاب.
أما تشرشلنا، الذي انتُخب لمنصبه بناءً على وعده الصريح باقتلاع حكم حماس من غزة، فقد فعل العكس. تجنب الاشتباك، وتهرب من المواجهة، ورفض جميع المطالبات بقطع رأس قيادة حماس، وفضّل إطعام الوحش على أمل أن يظل قابعًا في قفص ويصدر أصواتًا غاضبة.
لقد قال تشرشل هذه الجملة بعد اتفاقية ميونيخ: “كان بإمكان بريطانيا أن تختار بين العار والحرب. لكنها اختارت العار، وتلقت الحرب أيضًا”. وهذا بالضبط ما حدث لنتنياهو. لسنوات، هرب. يدّعي أبواقه أنه “لم يكن هناك إجماع” على العمل في غزة. هذا كذبٌ مفضوح. كان هناك إجماعٌ كامل. وتبريرٌ دولي. وضرورةٌ أمنية. وتحذيراتٌ وكتاباتٌ تتلألأ على الجدران. لكن نتنياهو، الذي كانت سياسته الاحتواءية تتمثل في بذل كل ما في وسعه لتجنب الانجرار إلى أي مواجهة عسكرية مع أي عدو أو تهديد، استمر في احتواء حماس وحزب الله وكل من هددنا.
وكل هذا انفجر في السابع من أكتوبر انفجارًا هائلًا حطم حياتنا هنا. منذ ذلك الحين، عندما أدرك أنه لم يعد لديه ما يخسره، أصبح بطلًا عظيمًا. على حساب الرهائن، وعلى حساب المصالح الوطنية، وعلى حساب المجتمع والاقتصاد والمستقبل والمكانة الدولية، وكل ما بُني هنا على مر الأجيال. اخترع “النصر المطلق” – وهو يسعى إليه منذ ذلك الحين، على حسابنا.
خلال هذه الملاحقة، هو مسؤول عن خطيئتين رئيسيتين لن تُغفرا: حملة التحريض والعرقلة غير المسبوقة التي يقودها هو وأتباعه ضد قوات الأمن وقادتها وضباطها ومؤسسات الدولة والنظام القضائي، وحملة الجهاد التي يقودها هو وأتباعه ضد إنشاء لجنة تحقيق رسمية عاجلة وضرورية.
لم يسبق أن سمعنا هنا إسرائيليين يدّعون وينشرون ادعاءات جدية بأن عناصر داخل المؤسسة الأمنية، من الشاباك والجيش الاسرئيلي وسلاح الجو والمخابرات، تعاونت مع أعدائنا. لماذا؟ لإلحاق الضرر بنتنياهو. يبدو الأمر مستبعدًا، لكنه يحدث، وله جمهور.
بعد عامين من إثارة نتنياهو نفسه ولجنته صدمةً عارمة بمطالبته بإنشاء لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في قضية التجسس، انقلبوا على موقفهم وحالوا بكل قوتهم دون إنشاء تلك اللجنة للتحقيق في أكبر فشل منذ تأسيس الدولة. لماذا؟ لإنقاذ نتنياهو. حتى عندما يقترحون أن يكون نائب الرئيس الأعلى، وليس الرئيس الأعلى، هو من يُشكل اللجنة. حتى عندما يُشيرون إلى أن قاضي العليا المُتقاعد يوسف إلرون سيرأسها، فإن ما يُثير الرعب بشكل خاص هو أن عصابة “أقزام الحدائق”، خدم نتنياهو وقضاته، والمعروفة أيضًا باسم “حكومة إسرائيل”، تتعاون مع هذا العمل البغيض. أشخاصٌ عديمو الشخصية مثل ميري ريغيف، ونير بركات، وآفي ديختر، وجيلا جمليئيل، وآخرين، الذين نادوا بصوت عالٍ فور 8 أكتوبر بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، انقلبوا رأسًا على عقب فور تلقيهم الأمر من القدس. إنهم يعرفون الحقيقة. حتى لو ترأس اللجنة يعقوب باردوغو، فإن نتائجها ستكون واضحة: من رسّخ احتواء حماس وحزب الله لمدة 15 عامًا كان واحدًا فقط. بنيامين نتنياهو.
ولا يُمكن أن ينتهي الأمر دون إحدى النبوءات المُرعبة والدقيقة التي سمعناها هنا. حاييم بيري، الذي أسرته حماس في 7 أكتوبر وقُتل عن عمر يناهز 80 عامًا في غزة. روت أدينا موشيه، التي كانت معه في أسر حماس، إحدى المحادثات التي دارت بينهما أثناء انتظارهما صفقةً تُفضي إلى إطلاق سراحهما. قالت موشيه لبيري: “سيستغرق الأمر شهرين على الأقل”.
قال بيري: “سيستغرق الأمر عامين”. تساءل موسى: “لماذا أنتَ متشائمٌ إلى هذا الحد؟” “نحنُ كبارٌ في السنّ ومرضى، ولدينا بلدٌ”. أصرّ بيري: “سنتان على الأقل”. سألت روت: “لماذا؟” “لأنه بيبي، ونحن يساريون”. لم يكن بيري يعلم أن نسبةً كبيرةً من المخطوفين ليسوا يساريين. كما أن نسبةً كبيرةً ممن قُتلوا وسقطوا منذ 7 أكتوبر ليسوا يساريين. لكنه كان مُحقّاً في نبوءته. “إنه بيبي”. ما إن أصبح اهتمامه منصبّاً على بقاء الحكومة، حتى أصبح الأمر واضحاً. لن يفعل شيئاً لإعادة المخطوفين. في خضمّ المأزق بين بقائه السياسي وبقائهم الجسدي، اختار الخيار الأول. لأنه “بيبي”.
——————————————-
يديعوت 6/10/2025
وضع إسرائيل بات كارثياً بعد «انقلاب» ترامب
بقلم: آري شبيط
الأخبار السارة هي أخبار سارة للغاية. هناك احتمال أكبر من أي وقت مضى لانتهاء الحرب في غزة وعودة عدد كبير من الرهائن.
ترامب، الذي أفقد إسرائيل صوابها عندما اقترح في شباط “ترانسفيراً ذهبياً”، أعاد إسرائيل الآن إلى أرض الواقع.
لا يزال من الممكن أن تنهار الأمور، ولا يزال بإمكان “حماس” إفشال الصفقة، وتتجدد الحرب، لكنّ هناك احتمالاً لانتهائها، أكثر من أي وقت مضى، وأن معاناة الرهائن الرهيبة وكابوس أطول حرب في تاريخنا يقتربان من نهايتهما.
لكن الأخبار السيئة… سيئة جداً؛ إذا انتهت الحرب الآن، فستنتهي بانتصار مطلق لقطر، وستكون هزيمة دبلوماسية مطلقة لإسرائيل، لأن الرئيس ترامب، بعد أن قدم رؤية صحيحة وطرح إنذاراً واضحاً، تلقى صفعة على وجهه من “حماس”.
لقد كان ردها ماكراً، ومخادعاً، وكاذباً، ولم تلتزم أي شرط من الشروط الأساسية لمبادرة السلام، لكن رئيس القوة العظمى تراجع أمام تنظيم “إرهابي”، ومسح البصاق عن وجهه، وقال للعالم إنها مجرد قطرات مطر، وبذلك، أطلق عملية دبلوماسية ضرورية – بطريقة فاسدة.
وعندما اضطر إلى الاختيار بين إسرائيل وقطر، اختار قطر دون أن يرفّ له جفن. رمى ترامب إسرائيل تحت عجلات الحافلة التي تقلّه إلى حفل تسلّم جائزة نوبل للسلام في ستوكهولم.
إن السبب المباشر لهذا الانقلاب الكبير من “الصديق” المفترض لإسرائيل هو الهجوم الإسرائيلي المتهور على قطر؛ فالتصرف الأحمق الذي قام به نتنياهو في الدوحة كان بمثابة قنبلة موقوتة، وبدلاً من أن يخوض صراعاً دبلوماسياً ضد قطر منذ 8 تشرين الأول 2023، اختار نتنياهو مهاجمتها عسكرياً في 9 أيلول 2025.
منذ البداية، كانت مغامرة مجنونة: الاعتداء على سيادة دولة عربية يستثمر فيها الرئيس الأميركي شخصياً، لكن حين فشلت المغامرة، تحوّلنا من رابحين إلى خاسرين، في نظر ترامب.
لقد بدأ ينظر إلينا كطرف إقليمي مجنون يهدد الاستقرار الإقليمي والمصالح العائلية، وأصبحت قطر وتركيا وسورية الأبناء المفضلين لواشنطن.
لكن يوجد أيضاً سببان عميقان لانقلاب ترامب:
الانهيار الدبلوماسي: في الصيف الماضي، أصبحت إسرائيل وبشكل نهائي دولة منبوذة، فبعد أن نجح نتنياهو في خسارة العالم والحزب الديمقراطي، خسر أيضاً نصف الحزب الجمهوري، وكانت الهجمات الأخيرة من كبار زعماء حركة MAGA على الدولة اليهودية مسمومة أكثر من تلك التي تأتي من اليسار التقدمي. ورجل الأعمال العاشق للنجاح لا ينتمي إلى أولئك الذين يقفون معنا طويلاً ضد التيار.
قالت الاستطلاعات كلمتها، وقال الرأي العام كلمته، وقال تاكر كارلسون كلمته، والرئيس يسير خلفهم.
السبب الثاني هو المال: إن ترامب محاط بأصحاب المليارات من اليهود، ويحظى بمساهمة يهودية – إسرائيلية سخية، لكن اليوم، يوجد في العالم مال عربي أكثر من المال اليهودي. والمال العربي لا يعرف الكوابح، ويمكنه الرشوة بلا حساب.
لقد تعامل اليمين الإسرائيلي الضيق الأفق مع ترامب على أنه من أتباع “حباد” [حركة حريدية متطرفة لها نفوذ كبير في الولايات المتحدة الأميركية] وزعيمها الحاخام لوفافيتش، بينما ترامب لديه حسابات تتغلب على حب إسرائيل، وما حدث الآن أنه اتضح أن مسيح نتنياهو وسموتريتش وبن غفير هو مسيح دجال.
في الخلاصة: قد يخرج الخير من المأساة، وقد يخرج الخير من الشر.
هناك احتمال أكبر من أي وقت مضى أن تنتهي الحرب ويعود كثيرون من الرهائن إلى منازلهم.
ومن الصعب أن نتخيل أن حكومة المتشددين ستنجو، بعد فشلها الكامل في إدارة الحرب، لكن في المديَين المتوسط والبعيد، بات وضع إسرائيل كارثياً، فالتحالف الحيوي مع الولايات المتحدة تآكل حتى العظم، والردع الدبلوماسي انهار، و”حماس” ستستمر في حُكمها الفعلي لقطاع غزة، وسيواجه خلفاء نتنياهو تحدياً غير مسبوق، والمهمة التي ستقف أمامهم لن تكون مجرد إصلاح إسرائيل، بل إنقاذها من حضيضٍ تاريخي لم يسبق له مثيل.
——————————————–
معاريف 6/10/2025
حكومة نتنياهو لا تستطيع التقدم نحو اتفاق شامل
بقلم: إسحق بريك
تشهد إسرائيل لحظة فريدة في نوعها، تتجلى من خلال وضع سياسي واجتماعي وأمني استثنائي وحاسم.
على الصعيد السياسي، هذا يعني أن الدولة وصلت إلى لحظة اتخاذ قرار مصيري، أو حتى إلى نقطة اللاعودة.
إن ردّ حركة “حماس” على الخطة، التي قدّمها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو في جوهره “لا” للخطة بصيغتها الحالية، لكن “نعم” للتفاوض.
يُظهر هذا الرد، مثلما قلت منذ أشهر، أن “حماس” تشعر بأنها قوية بما فيه الكفاية بفضل شبكة أنفاقها، ولا تخشى من حسم الجيش الإسرائيلي.
هذا هو سبب أن “حماس” لا تأبه بتهديدات ترامب، الذي قال إن عدم قبول الخطة سيؤدي إلى “فتح أبواب الجحيم” ومنح رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، حرية العمل.
اعتادت “حماس” سماع هذه التهديدات من وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، وبالتالي فقدت تأثيرها.
على مدار عامين من القتال، تعلمت “حماس” حدود قدرات الجيش الإسرائيلي، وأصبحت تميّز بين تصريحات غير صادقة من المستويَين السياسي والعسكري وبين الواقع على الأرض.
لقد ظهر ذلك في إعلانات النصر والوعود بالقضاء على “حماس” خلال أسابيع، الوعود التي لم تتحقق.
لقد ادّعوا أن 60% من الأنفاق دُمّر، بينما الحقيقة أن أقل من 20% دُمّر، وقيل إن عدد قتلى “حماس” تجاوز العشرين ألفاً، بينما في الواقع، قُتل أقل من 10 آلاف، وتمت الاستعاضة عنهم بمقاتلين جدد من الشباب، ليعود التنظيم إلى قوته السابقة البالغة نحو 30 ألف عنصر.
اعترفت القيادة العليا للجيش الإسرائيلي بعدم إغلاق مداخل الأنفاق تحت محور فيلادلفيا، والتي تُستخدم لنقل أسلحة وذخيرة من سيناء إلى قطاع غزة. كما أن الطائرات المسيّرة تمرّ يومياً، من سيناء إلى غزة، وتزود “حماس” بالسلاح، بينما يقف الجيش الإسرائيلي عاجزاً .
وزير الخارجية، جدعون ساعر، قال باسم رئيس الحكومة، في مقابلة تلفزيونية، مساء السبت، إن “كل شيء كان مخططاً له”، وإن الحكومة لم تُفاجأ بمطالبة ترامب بوقف القصف وبدء التفاوض مع “حماس”. ثم ظهر رئيس الحكومة نتنياهو وذرَّ مزيداً من “الرماد في عيون الجمهور”، تماماً مثلما فعل طوال فترة الحرب، على غرار تصريحه بأن “إسرائيل غيرت وجه الشرق الأوسط إلى الأفضل،” بينما الواقع أن الشرق الأوسط يتغير بسرعة ضد إسرائيل، وكذلك العالم كله.
بسبب هذه السياسات، نقاتل منذ عامين دون تحقيق أي هدف من أهداف الحرب. لقد خسرنا مئات الجنود وآلاف الجرحى، وقضى بعض الرهائن داخل الأنفاق. تتعامل “حماس” مع تهديدات القيادات الإسرائيلية، بحسب مقولة “الكلاب تنبح والقافلة تسير”. فالتنظيم يرفض الشروط الأساسية في خطة ترامب: لقد رفض نزع سلاحه، وهو شرط أساسي في الخطة، ورفض وجود قوة دولية في غزة، إذ يعتبرها شكلاً من أشكال الاحتلال الجديد، ويرفض تسليم جميع الرهائن دفعة واحدة، لأنه يعتبرهم ورقة التفاوض الوحيدة المتبقية له.
إذا لم تكن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات في المفاوضات، مثلما يُطلب أيضاً من “حماس”، فلن يتم التوصل إلى اتفاق، وستستمر الحرب.
وستكون النتائج المتوقعة لإسرائيل قاسية جداً، في حال فشل الاتفاق لن يعود الرهائن إلى منازلهم؛ وسيُقتل ويصاب العديد من الجنود، ولن تُهزَم “حماس”، وستحقق “حماس” أهدافها الاستراتيجية، التي لم تتخيل يوماً أنها ستحققها: عزلة إسرائيل عن العالم، وقطع علاقاتها مع الدول العربية التي وقّعت معها اتفاقيات سلام (مثل مصر والأردن والإمارات)، وإغلاق الطريق أمام توقيع اتفاقيات سلام مع دول جديدة، ومواصلة انهيار إسرائيل في جميع المجالات: الأمن، والاقتصاد، والتعليم، والطب، والمجتمع، والبحث العلمي.
لقد تم إنشاء تحالف قوي بين الولايات المتحدة وقطر وتركيا، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل في المستقبل: لقد أشار ترامب إلى إمكانية السماح لتركيا بالعودة إلى مشروع طائرات الـF-35، أو بيعها هذه الطائرات.
ووقّع مع حاكم قطر اتفاقية دفاع، تنص على أن مَن يهاجم قطر كأنه هاجم الولايات المتحدة.
بعبارة أُخرى، يزداد الخناق حول إسرائيل، بينما لا تقوم الدولة ببناء قدرة عسكرية مناسبة لمواجهة هذا التهديد في المستقبل، لذلك هناك حاجة فورية إلى اتفاق تفاوُضي لوقف الحرب، مع تقديم تنازلات من الطرفين، بإشراف أميركي مباشر على المفاوضات، لمنع نتنياهو من إفشالها، على غرار ما فعل سابقاً، وإجراء انتخابات فورية وتغيير الحكومة، لأن حكومة نتنياهو الحالية غير قادرة على التوصل إلى اتفاق شامل. وفي النهاية، الكرة الآن في ملعب ترامب.
من حُسن حظ الجمهور العاقل أن الرئيس دونالد ترامب أعلن، بعد ساعة على تلقّيه ردّ “حماس”، أنه يجب وقف القصف على غزة فوراً والدخول في مفاوضات. وفعلاً، أصدرت القيادة السياسية أوامرها إلى الجيش بوقف القصف على غزة.
كان يجب اتخاذ هذا القرار منذ أشهر، إذ كان سيجنّب إسرائيل خسائر فادحة، ويمكّن من إطلاق سراح الرهائن، ووقف تدهور الدولة، وإنهاء الحرب.
إن نجاح المفاوضات مشروط بمرافقة أميركية قريبة متواصلة، بحيث لا يُسمح لبنيامين نتنياهو بإفشالها، مثلما فعل في السابق.
والخطر الذي يهدد إسرائيل، في حال فشلت المفاوضات، هو أنه خلال أشهر، قد لا تكون “حماس” مستعدة للتوصل إلى تسويات في القضايا التي تقبلها اليوم، من منطلق إدراكها أن الوقت يعمل لمصلحتها، وأن إسرائيل تضعف في جميع المجالات.
وللأسف، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو، لا يمكن التقدم نحو اتفاق شامل بجميع بنوده. لذلك، فإن السبيل الوحيد هو الذهاب فوراً إلى انتخابات، واستبدال حكومة نتنياهو، وهو ما سيحقق الحرية الحقيقية للدولة.
—————–انتهت النشرة—————–