الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

القناة 12 العبرية  12/10/2025

المرحلة الثانية للانسحاب

بقلم: باراك رافيد

صرح مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، مطلع على التفاصيل، اليوم (الأحد)، بأن مبعوثي الرئيس ترامب، ستيف ويتكوف وجارد كوشنير، موجودان في إسرائيل لضمان التنفيذ الكامل للمرحلة الأولى من اتفاق إنهاء الحرب في غزة، لكنهما يفكران بالفعل في المرحلة التالية.

وأضاف المسؤول الإسرائيلي أن زيارة ويتكوف وكوشنير وقائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، إلى غزة أمس، كانت تهدف إلى الاطلاع ميدانيًا على المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي. كما ناقش الثلاثة آلية التنسيق للإشراف على وقف إطلاق النار.

اليوم، ستبدأ قوة المهام الأمريكية لمراقبة وقف إطلاق النار في غزة عملها في قاعدة حتسور الجوية. وسيتمركز هناك ما لا يقل عن 200 جندي أمريكي لهذه المهمة.

وصرح مسؤول امني كبير بأن إسرائيل لم تناقش في هذه المرحلة الانسحاب المقبل من غزة، لكن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً آخر زعم أن ويتكوف وفريقه بدأوا العمل على خرائط الانسحاب المقبل. وأوضح المسؤول الإسرائيلي نفسه أن زيارة ويتكوف للقطاع كانت تهدف أيضاً إلى الاطلاع على أماكن انتشار “قوة الاستقرار الدولية”، التي ستتألف من جنود من دول إسلامية وعربية وأوروبية.

ماذا يتضمن الاتفاق؟

بموجب الاتفاق، لن يُجري الجيش الإسرائيلي أي انسحاب آخر حتى تدخل قوة الاستقرار الدولية المنطقة. وستتمركز هذه القوة بين المناطق المأهولة في غزة التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي والسياج الحدودي.

وكان ويتكوف وكوشنير والأدميرال كوبر قد التقوا اول امس برئيس الوزراء نتنياهو وكبار مسؤولي الدفاع لمناقشة دخول قوة الاستقرار الدولية إلى قطاع غزة.

ومن المتوقع أن تستغرق القوة أسابيع طويلة قبل أن تصبح جاهزة لدخول القطاع. وتطالب الدول العربية بتحديد صلاحيات القوة بقرار من مجلس الأمن الدولي، بينما تحجم إسرائيل عن ذلك، خشية أن يحد ذلك من حرية عملها.

ومن المتوقع أن تكون مسألة القوة الدولية إحدى القضايا التي ستُناقش في قمة القادة التي سيعقدها ترامب في مصر يوم الاثنين بعد زيارته لإسرائيل.

——————————————-

يديعوت احرونوت 12/10/2025 

تنازلاتٌ مُخفاةٌ عن الرأي العام وإنجازاتٌ لم تتحقق

بقلم: رونين بيرغمان

 “قبل أسبوع، اجتمعتُ مع مجلس الوزراء، وحددنا خمسة مبادئ لإنهاء الحرب”، هكذا قال رئيس الوزراء نتنياهو أمام الكاميرا في الاستوديو الأزرق منتصف آب 2025، ورفع يده وحركها للأمام نحو الكاميرا مرتين، للتأكيد – خمسة أصابع تُشبه المبادئ الخمسة. ومن هناك، تابع سيره نحو شاشة التلفزيون، وهي الحائط خلفه على المسار، واتخذ وضعية مثالية للكاميرات، مسار بدا وكأنه تدرب عليه مرات عديدة. كانت هذه هي المرة الرابعة خلال ذلك الأسبوع منذ اجتماع مجلس الوزراء التي يُكرر فيها نتنياهو هذه الكلمات، دون أن يشمل ذلك تصريحات المتحدثين الرسميين، والأبواق، والحشد الهائل الذي يخدمه. قبل ذلك بثلاثة أيام، ومن زاوية تصوير مختلفة قليلاً، قال إن “مجلس الوزراء اتخذ قرارًا حاسمًا بالحاق الهزيمة بحماس”. بعد “عربات جدعون” الأولى، “أمر مجلس الوزراء الجيش الإسرائيلي بالانتقال إلى المرحلة الحاسمة”.

يبدو أن نتنياهو لم يدخر جهدًا لإقناع حماس والتأكيد على نيته الجادة في احتلال غزة، ووضع خمسة شروط، اعتبرها شرطًا أساسيًا للتوصل إلى اتفاق شامل. في خطاب سابق، كانت هناك ستة شروط، لكن نتنياهو تنازل طواعيةً عن نقل السلطة. ومع ذلك، فإن ما طالب به نتنياهو كان في جوهره استسلامًا كاملًا من حماس. يُشكك الخبراء بشدة في جدوى حدوث شيء كهذا. كان الخيار الآخر هو التقدم نحو مدينة غزة، بكل ما يعنيه ذلك.

يزعم نتنياهو والمتحدثون باسمه الآن أن الضغط العسكري لم يكن وحده هو ما دفع حماس إلى الاستسلام، وأن هذا الضغط لم يُمارس فقط بفضل نتنياهو وضد إرادة الجيش الإسرائيلي، بل إن كل شيء – بما في ذلك خطة احتلال غزة – كان نتيجة مناورة عسكرية وسياسية ماكرة خطط لها نتنياهو وقادها (المناورة السياسية بمساعدة الرئيس ترامب).

لكن إذا كان كل هذا الخير حقيقيًا، وأن نتنياهو هو من رسم المسار والنتيجة، التي يراها “أحد إنجازاتنا الهائلة في حرب الانبعاث”، فكيف لم تُلبَّ أربعة من الشروط الخمسة التي وضعها هو بنفسه؟ حماس ليست منزوعة السلاح، والقطاع ليس منزوع السلاح، وإسرائيل لا تملك سيطرة أمنية كاملة على القطاع بأكمله، ولا يوجد وعد بتشكيل “حكومة مدنية بديلة ليست حماس ولا السلطة الفلسطينية” (في الواقع، هناك فكرة أساسية مفادها أن السلطة ستبقى قائمة).

قال نتنياهو في الخطاب نفسه في 14آب إن “هذه المبادئ الخمسة ستضمن أمن إسرائيل. هذا ما تعنيه كلمة “نصر”. هذا ما نعمل عليه، وعلى الجميع استيعابه”. ربما لم يشاهد المؤتمر الصحفي، بل لم يشاهده من الداخل تحديدًا – الرئيس ترامب، الذي وضع ترتيبًا على مراحل، ليناسب جدول جوائز نوبل، وهو يتجاهل، على الأقل في هذه المرحلة، ما يسميه نتنياهو “نصرًا”.

وإذا وصف نتنياهو هذه المبادئ بالنصر الكامل، فما هو تعريفه لوضعنا في ظل عدم تحقيق معظمها؟”

“يُعتبر الاتفاق نجاحًا كاملًا، فالتنازلات عميقة جدًا”.

هذه الأمور لا تهدف إلى الزعم بأن الاتفاق ليس جيدًا أو أنه لا ينبغي توقيعه الآن. على العكس من ذلك – كما كتبنا هنا عشرات المرات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن عودة المختطفين إلى ديارهم فقط هي الخطوة الأولى نحو قلب الصفحة بالنسبة لإسرائيل والمنطقة بأكملها إلى شيء أفضل، ولكن هناك سبب وراء بذل الكثير من الجهود لإقناعنا جميعا بأن الأسود هو الأبيض والليل هو النهار.

يقول مصدرٌ ينتمي إلى أجهزة الاستخبارات، ولكنه بحكم منصبه غالبًا ما يكون في المكاتب، على خط التماس الدقيق بين أجهزة الاستخبارات ومؤسسة الدفاع والقيادة السياسية، إن من حق الجمهور الحصول على إجابات صادقة على الأسئلة المحورية الثلاثة المتبقية، والتي يبدو أن الحكومة وحملة نتنياهو تواجه صعوبةً في الإجابة عليها. وأضاف المصدر: “السؤال الأول يتعلق بالماضي: لماذا تأخر الأمر كثيرًا؟ هل نتنياهو مُحقٌّ في ادعائه أنه لم يكن من الممكن توقيع الاتفاق مبكرًا لأن حماس لم توافق على الشروط التي تم الاتفاق عليها الآن؟ أما السؤال الثاني فيتعلق بالحاضر: لماذا يُسوّق هذا على أنه نجاحٌ كامل في حين أن هناك أيضًا تنازلاتٍ عميقةً جدًا هنا، ولماذا تُخفى الاتفاقات، وتُخفى مرةً أخرى، عن الجمهور؟ أما السؤال الثالث فيتعلق بالمستقبل: لماذا يدّعي رئيس الوزراء وممثلوه المقربون ومبعوثوه في وسائل الإعلام أن كل شيء قد تحقق، بينما في الواقع، لا يزال الكثير مفتوحًا ولم يتم الاتفاق عليه”.

نُشرت وثيقة قصيرة بصيغة PDF على الموقع الإلكتروني للحكومة بعد ظهر يوم الجمعة، وهي ملخص لقرار حكومي اتُخذ عقب استطلاع رأي هاتفي بين الوزراء. يُعد هذا تعديلاً على قرار الحكومة الصادر في اليوم السابق، والذي وافقت فيه الحكومة على الاتفاق الذي اقترحه الرئيس ترامب وفرضه على الطرفين لإنهاء الحرب، وعلى صفقة الأسرى، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. في اللحظة الأخيرة، وبعد توزيع المسودات على وسائل الإعلام، أُضيف بند يمنح رئيس الوزراء ووزير الدفاع صلاحية خاصة لإجراء تغييرات على قائمة الأسرى. وهكذا، كما لو أن أحداً قد خطط لهذا التطور مسبقاً.

تنص الوثيقة على أنه “من قائمة الـ 250 سجينًا ومعتقلًا رهن الاحتجاز، سيُحذف السجناء الأمنيون الذين يحمل الرقم التسلسلي… (11 رقمًا من القائمة الأصلية)، وسيُضاف السجناء الأمنيون المفصلون في الملحق المحفوظ في سكرتارية الحكومة”.

هل هذه الأسماء من بين الإرهابيين الذين أعلن نتنياهو ووزراؤه أنه لن يُفرج عنهم؟ هل هم أشنع 20 إرهابيًا وأكثرهم تلطخًا بالدماء؟ هل من الممكن أن يكون هذا القرار مرتبطًا بسلسلة المحادثات الطويلة التي جرت حتى فجر الجمعة بين كبار المسؤولين في الدول الوسيطة ونظرائهم الإسرائيليين؟ وهذا ليس الأمر الوحيد الذي يثير التساؤلات حول الاتفاق الذي وقّعته إسرائيل في شرم الشيخ.

على سبيل المثال، في الاتفاق الموقّع في شرم الشيخ، والذي نشرته جيلي كوهين لأول مرة على قناة كان 11، والذي هاجمه وناقضه مصدر إسرائيلي ومصدران من الدول الوسيطة، ورد في بداية المادة الأولى أن “الرئيس ترامب سيعلن انتهاء الحرب في قطاع غزة، وأن الطرفين اتفقا على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك”. وإذا لم يكن هذا واضحًا لأحد بعد، فقد ورد في بداية المادة الثانية ما يلي: “ستنتهي الحرب فورًا بموافقة الحكومة الإسرائيلية. ستتوقف جميع العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي وعمليات الهجوم”.

لم يُذكر أيٌّ من هذا في القرار الحكومي المنشور. وهذا فرقٌ كبيرٌ في جوهر الاتفاق: فالمُخطط الأمريكي يتحدث صراحةً عن إنهاء الحرب، بينما يُصوّر القرار الحكومي العملية برمتها على أنها “خطة لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين”. كما تتجلى الاختلافات في المصطلحات – بين “الانسحاب” و”الانتشار”. “الانسحاب” يُشير إلى عملية دائمة، بينما يُحافظ “الانتشار” على مرونة العمليات ويُشدد على الطابع المؤقت لتغيير الموقع.

ينص القرار الحكومي على أن إطلاق سراح الأسرى ونقل الجثث لن يتم إلا بعد استلام جميع الرهائن، على عكس النسخة الأمريكية التي تحدثت عن عملية موازية. مما ورد في النسخة المنشورة، يتضح لنا بالفعل أن إسرائيل ستنفذ عمليتي انسحاب من غزة، الأولى قبل عودة المخطوفين، والثانية بعد عودتهم، وذلك “لمنع الاحتكاك مع سكان قطاع غزة”، وهو تفسير مثير للاهتمام للانسحابات الإضافية التي التزم بها الجيش الإسرائيلي بعد جدل حاد مع حماس عبر الوسطاء، والتنازلات الجارفة التي قدمتها إسرائيل في هذا المجال. كل ما لم ترغب الحكومة في أن يعرفه الجمهور – على سبيل المثال، خرائط الانسحاب الدقيقة، والآلية الدولية والمتعددة الجنسيات التي ستُنشأ لمراقبة تنفيذ الاتفاقات، وإجراء تحقيق شامل في الجثث التي تدعي حماس عدم قدرتها على تحديد مكانها – نُقل إلى الملحق السري. ويُهمل الجمهور، ومبدأ حقه في المعرفة الذي كان مهمًا في السابق، بهدف خلق توازن قسري بين سلوك نتنياهو خلال العامين الماضيين وما وافق عليه الآن.

يتفاخر نتنياهو بأننا “أعدنا” المختطفين، لكنه ينسى أن 42 مختطفًا وصلوا إلى غزة أحياءً، بسبب التأخير، عادوا وسيعودون، إن عادوا، في توابيت. 42 رجلًا وامرأة وطفلًا قُتلوا على يد حماس، أو قُتلوا بسبب خطأ من الجيش الإسرائيلي، أو لقوا حتفهم بسبب الظروف القاسية. حماس مسؤولة عن موتهم جميعًا. لكن الحكومة الإسرائيلية وزعيمها مسؤولان عن إحباط جهود إعادة المختطفين إلى ديارهم قبل ذلك بوقت طويل، حيث عمل بعض الوزراء سرًا وعلانيةً لمنع ذلك.

الطريقة الوحيدة لتفسير هذا التحول من أوهام النصر الكامل الذي لم يتحقق ولن يتحقق، إلى تنازل شبه كامل أمام الواقع، هي شن حملة سريعة وقوية تهدف إلى إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن حماس استسلمت بالفعل، وقبلت جميع مطالب نتنياهو، وأنه وترامب هما من خطط لها.

ووفقًا لنتنياهو يوم الجمعة، فإن الصفقة الكبرى التي أبرمها نتنياهو، والتي وافقت عليها حماس “بعد أن عزلتها خطة ترامب، التي اتفقتُ عليها مع الرئيس في واشنطن، دوليًا بشكل غير مسبوق”، فقط حينها وحينها فقط “سيتم نزع سلاح حماس، وستُنزع أسلحة غزة”.

هذه كلها نتائج مرغوبة. المشكلة الوحيدة هي أن حماس لم توافق عليها، لا في الاتفاق الإنجليزي الذي وقعته إسرائيل والولايات المتحدة ودول الوساطة، ولا في نسخته العربية التي وقعها القيادي في حماس، خليل الحية. الحقيقة هي أنه لا يوجد مثل هذا الالتزام، تمامًا كما لا يوجد التزام بخروج القيادة إلى الخارج، أو حل المنظمة، أو جمع أسلحتها، أو نزع سلاح القطاع، أو استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على كامل المنطقة. الاتفاق الذي تم توقيعه لا يتضمن حتى موافقة حماس، التي تم تقديمها علنًا قبل أكثر من عام، على إنشاء لجنة من التكنوقراط في غزة لإدارة القطاع، وحماس لا تطالب بتمثيل هناك. لأنه بعد أن وضع نتنياهو جميع الشروط التي لم تخضع لها حماس ولم تلتزم بتنفيذها، لم يتبق سوى خيارين، أحدهما أسوأ من الآخر: إما أن نتنياهو استبعد الأمور التي قال بنفسه مرارًا وتكرارًا إنها ضرورية لأمن الدولة، أو أنها لم تكن كذلك، وأثارها، مثل الدخان السام المتصاعد من الآلة، لمجرد التأكد من عدم وجود اتفاق واستمرار الحرب.

——————————————

يديعوت احرونوت 12/10/2025 

تقديم الاتفاق على أنه “نصرٌ كامل” قد يُثير مفاهيم جديدة وخطيرة

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين 

 مع نهاية عملية “حارس الاسوار” في أيار 2021، خلص كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين إلى أن حماس قد تلقّت ضربةً موجعةً، وانكسرت عزيمتها أكثر من أي وقت مضى. وعلى أساس هذه الغطرسة، تطوّر المفهوم الذي انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2023. إن إصرار الكثيرين في إسرائيل على وصف اتفاق إنهاء الحرب في غزة بأنه إنجازٌ دراماتيكي، على وشك تحقيق نصرٍ كامل، يُذكّر بسابقة الماضي الكئيب، ويثير مخاوف بشأن نشوء مفاهيم مغلوطة جديدة.

إلى جانب الفرحة المُبررة بالإفراج المُرتقب عن المختطفين، والإشادة بالإنجازات العسكرية الحقيقية، من الضروري الحفاظ على رؤية دقيقة للواقع، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء والنقاش المُتحيز للمصالح السياسية والايدلوجيات. هذا ليس “مرارةً” وتشاؤمًا، بل هو النهج السليم والمتوازن للتعامل مع واقع مُعقد، يحمل في طياته إنجازاتٍ باهرة وثغراتٍ تحتاج إلى سدّ.

لقد علّمنا السابع من أكتوبر ضرورةَ أن نبني تحليلنا ليس فقط على تحليلنا للواقع، بل أيضًا على تحليل الطرف الآخر. تُدرك حماس حجم الدمار الذي ألحقته بالقطاع، لكنها لا ترى في الاتفاق هزيمة، بل تشخص انجازات، وأبرزها مزاعمها بحصولها على ضمانات لإنهاء الحرب، وأنها رغم الضربات غير المسبوقة التي تلقّتها، صمدت، بل ولا تزال القوة المهيمنة في غزة.

 مسألة نزع سلاح حماس هي جوهر الانقسام الإسرائيلي

مسألة نزع سلاح حماس هي جوهر الانقسام الإسرائيلي. لم تلتزم حماس بهذا (ولم يُصرّ ترامب على هذه النقطة)، وتُشير الحركة إلى أنها ستوافق، كحد أقصى، على “تجميد” قوتها العسكرية أو التخلي عن “الأسلحة الهجومية”. في إسرائيل، يُفترض على نطاق واسع أن المرحلة الثانية من الاتفاق ستُجرّد حماس من قدراتها العسكرية، لكن هذا لا يمكن تحقيقه عمليًا إلا باحتلال القطاع بأكمله والحفاظ على السيطرة عليه لفترة طويلة. وإذا لم توافق الحركة على ذلك (وهو سيناريو شبه مؤكد)، فستضطر إسرائيل إلى العودة إلى القتال، ربما في انتهاك للضمانات التي قدمها ترامب لإنهاء الحرب.

إضافةً إلى ذلك، من الضروري وضع علامات استفهام حول التصريحات المتشددو والتي انطلقت في إسرائيل الأسبوع الماضي، والتي عُرضت على أنها “حقائق”. من أبرزها التأكيدات على أن الاتفاق الحالي يختلف جذريًا عن المبادرات التي سبقته في العام الماضي (وهذا غير حقيقي)؛ وأن حماس تخلت عن أمور لم توافق عليها سابقًا (لم تستبعد إطلاق سراح جميع الرهائن وتشكيل حكومة جديدة مقابل إنهاء الحرب)؛ وأن الضغط العسكري مكّن من “الوضع الجديد” (الحركة لا تتخلى عن سلاحها، وتعارض أيضًا “مجلس السلام” الذي دعا إليه ترامب).

حقيقة أخرى تحتاج إلى توضيح هي أن الاتفاق الحالي يفتقر إلى الوضوح، وخاصةً فيما يتعلق بالمرحلة الثانية. في هذا السياق، تبرز أسئلة قد تُشكّل عقبات: كيف ستُدار عملية تحديد مكان الرهائن القتلى وإعادتهم، وهي محور هذه المرحلة؟ هل ستواصل إسرائيل الانسحاب الإقليمي، وهل سيشمل ذلك أيضاً منطقة الغلاف و”فيلادلفيا” كما تطالب حماس؟ كيف ستبدو الحكومة المحلية الجديدة التي يُفترض تشكيلها في قطاع غزة؟ وفوق كل ذلك، ماذا سيحدث عندما (كما هو متوقع) تنشأ أزمة تتعلق بنزع السلاح؟

 مقبرة للأوهام العديدة التي انتشرت بشأن غزة

يُشكّل الاتفاق الجديد مقبرةً للأوهام العديدة التي انتشرت بشأن غزة، وخاصةً منذ استئناف إسرائيل للقتال قبل ستة أشهر. ولكن انهيار هذه المدينة له ثمن لن يدفعه أحد على الأرجح: الجهد الكبير المبذول في تخطيط المدينة الإنسانية، وإدارة الهجرة الطوعية التي أنشئت في وزارة الدفاع، وآلية المساعدات الإنسانية الجديدة (GHF) التي تتطلب استثماراً ضخماً والتي يتم التخلص منها تدريجياً (وصفها سموتريتش بأنها “منعطف استراتيجي في الحملة”)، والميليشيات التي رعتها إسرائيل، وتثير ملاحقاتها معضلة حول ما إذا كان ينبغي حمايتها أم لا.

يجب أن تنضم الأوهام التي انهارت إلى التحقيق المتعمق في جذور فشل السابع من أكتوبر. وهذا دليل قاتم آخر على حقيقة أن أولئك الذين خلقوا مفهوم السابع من أكتوبر واستمروا في تشكيل الواقع دون التحقيق في إخفاقاتهم، ينتجون، كما هو متوقع، مفاهيم جديدة. الإحباط هذه المرة أكبر، لأن الأوهام كانت مصحوبة منذ البداية بإشارات تحذيرية حادة (بما في ذلك في المقالات التي كتبتها). وهذا يثير السؤال حول مدى تحسن إدراك القيادة للواقع وفهمها للعدو. إن حقيقة أن حماس وافقت على إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء دفعة واحدة، على عكس العديد من التقييمات في المنظومتين السياسية والأمنية، وكذلك في وسائل الإعلام، توضح أن إنتاج المفاهيم لم يتوقف للحظة بعد السابع من أكتوبر ويتسبب بثبات في أضرار استراتيجية.

في هذه المرحلة، يجب على إسرائيل التركيز على أهداف واقعية بدلًا من الأوهام، وأهمها ضمان حرية التحرك ضد أي تهديد ناشئ في قطاع غزة، وخاصةً التخطيط للهجمات وتهريب الأسلحة، كما هو مطبق في لبنان منذ نحو عام؛ ونشر قوة أجنبية – يُفضل أن تكون أمريكية – على محور “فيلادلفيا”، المسار الذي تحولت من خلاله حماس من منظمة إرهابية إلى جيش. وبما أنه من غير المتوقع أن تتلاشى حماس في غزة – ولا في باقي الساحة الفلسطينية، وخاصةً في الضفة الغربية – فمن المرجح أنها ستحاول استعادة قوتها ومواصلة التخطيط لكيفية الإضرار بإسرائيل بأساليب وساحات متنوعة. وهذا يتطلب من إسرائيل، بعد انتهاء الحرب، إعداد النظام المستقبلي للقضاء على حماس، وهذه المرة بشكل استباقي ورصين، على غرار الجولة الثانية المطلوبة، على ما يبدو، ضد التهديد النووي الإيراني.

للجمهور الحق في خطاب صريح وناضج ومعقد، خالٍ من محاولات التلاعب بالوعي وغرس الروايات. يجب توضيح أن الاتفاق هو أهون الشرور، وهو أفضل من احتلال القطاع والبقاء فيه لأجل غير مسمى. ومن المهم بشكل خاص تجنب تصوير الاتفاق – لاعتبارات سياسية – على أنه “نصر باهر”، تمامًا كما هو الحال مع التسوية الاقتصادية عشية السابع من أكتوبر، والتي وُصفت بأنها وصفة سحرية لحل مشكلة غزة. إن إدراك الثغرات والظلال في الواقع الناشئ أمرٌ أساسيٌّ لدقة تحديد التحديات والتخطيط لمواجهتها، وهو ما لم يكن عليه الحال عشية السابع من أكتوبر.

 ——————————————

هآرتس 12/10/2025

المرحلة الثانية تتطلب تصميما لكن ترامب اعطى كلمته: الحرب انتهت

بقلم: حاييم لفنسون

هذه رسالة إلى القارئ بتسلئيل سموتريتش. من خلال المقابلات ومقاطع الفيديو والمنشورات المطولة والتعليقات، يبدو أن الوزير، وربما العديد من أعضاء الحكومة الآخرين، لا يفهمون جوهر خطة ترامب. إنها ليست اختطافًا للأسرى أولًا، ثم – إذا لم تنزع حماس سلاحها وتهرب – سنمزق وجوههم إربًا إربًا. انتهت الحرب. انتهت. لقد أعطى ترامب كلمته للوسطاء الثلاثة، قطر وتركيا ومصر. هذه هي الضمانة التي طالبت بها حماس، وحصلت عليها أيضًا. هذا يعني أن أسلوب إسرائيل حتى الآن، باستخدام القوة العسكرية لحل الخلافات في المفاوضات، لن ينجح بعد الآن. من الآن فصاعدًا، في أي خلاف حول انسحاب حماس أو نزع سلاحها، ستشتكي إسرائيل للوسطاء، أو للولايات المتحدة، سيجلس الجميع معًا ويناقشون القضية، وسيضغط كل طرف على عميله للتوقف عن تسلق الأشجار. ستشهد الأيام القادمة عودةً سعيدةً للمختطفين وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. إنه حدثٌ عابر. وتجري المرحلة الثانية على محورين متوازيين: الواقع على الأرض، والمناقشات في قصور شرم الشيخ، وباريس، والدوحة، وواشنطن.

فيما يتعلق بالواقع على الأرض، فإن الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يبقى في مواقع هجومية عند الحاجة هو كذبة. سُمح لإسرائيل بالبقاء في جزء من غزة، لتسريع عملية نقل السلطة ونزع السلاح – وهو وجودٌ لا ترحب به حماس، وخاصةً المصريون – لكن حماس تسيطر على الأجزاء التي أخلتها. يمكن الافتراض أنها ستُظهر في الأيام القادمة وحشية حكمها: مطاردة المتعاونين ومجازر بحق أعضاء الميليشيات التي سلحها ونظمها الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك). حتى الآن، تمتعوا بدفاع جوي من الجيش الإسرائيلي. انتهى هذا. تسيطر حماس على المساعدات التي تصل، وستستقبل مئات الأسرى في احتفالات ضخمة في جميع أنحاء قطاع غزة.

المحور الثاني دبلوماسي. وفقًا لخطة ترامب، من المفترض إنشاء هيئتين لتحل محل حكومة حماس. خلال الأيام العشرة التي انقضت، لم يتم تشكيل أي منهما. الجميع يعمل على ذلك. الهيئة الأولى هي “الحكومة”: ذلك المجلس الذي يرأسه الرئيس الأمريكي، ويديره توني بلير، بالتعاون مع ممثلين عن الدول العربية. من المفترض أن تعتمد هذه الهيئة على السكان المحليين لإدارة الشؤون المدنية في غزة، وبشكل رئيسي لجمع عشرات المليارات اللازمة لتحويلها من مخيم لاجئين إلى ريفييرا فرنسية حديثة.

هذا الأسبوع، سيصل ترامب إلى الشرق الأوسط. في القاهرة، سيلتقي بقادة عرب، وربما أوروبيين، في حفل التوقيع، أو كما يسميه الحريديم، “عشاءً” – حيث سيلعب ترامب دور الحاخام المتنفذ. وصرح دبلوماسي من دولة غربية، متمركز في الخليج ومطلع على عملية التشكيل، لصحيفة هآرتس أن تشكيل الحكومة “سيستغرق بضعة أسابيع أخرى”.

الهيئة الثانية والأهم هي “قوة الاستقرار الدولية”، وهي الجيش الذي سيقاتل حماس بدلًا من الجيش الإسرائيلي ويشرف على نزع سلاحها. من المفترض أن تتكون هذه القوة من جنود من عدد من الدول الإسلامية، برفقة مصر والأردن عن كثب. نظرًا لضيق الوقت لإنقاذ الرهائن، ينسحب الجيش الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية في حين أن هذه القوة لا تزال بعيدًة عن التأسيس. ووفقًا للدبلوماسي نفسه، “سيستغرق الأمر أسابيع أو أشهرًا” حتى تنظم هذه نفسها وتفهم مهمتها وتستقر في غزة. وستُنشأ بدلاً منها هيئة للشرطة والنظام العام، تتألف من فلسطينيين ليسوا من حماس، أو بعبارة أخرى، أعضاء سابقين في السلطة الفلسطينية لن يُطلق عليهم هذا الاسم.

حتى الآن، لم توافق حماس على شرطين: الحكم الدولي ونزع السلاح. إنهم يعارضون الحكم الدولي لأنهم، من وجهة نظرهم، يعتبرون ترامب وبلير من الكفار الذين لا ينبغي أن يُعهد إليهم بالأرض الإسلامية المقدسة. حماس مستعدة لحكومة وحدة عربية إسلامية في الوقت الذي تقف فيه على الحياد، كجزء من الحوار الفلسطيني الداخلي. المصالحة. حماس مستعدة لتسليم بعض أسلحتها، لكن المفاوضات ستكون طويلة هنا أيضًا. بعد إطلاق سراح الرهائن، وتراجع الاهتمام بغزة، ستكون في وضع يسمح لها بالسيطرة على جزء من غزة، دون أي تهديد يُذكر. يتطلب إتمام المرحلة الثانية عزمًا أمريكيًا، واستخدام جميع أدوات الضغط التي استُخدمت عبر قطر ومصر وتركيا لإتمام صفقة الرهائن. من الآن فصاعدًا، ستكون مهمة ستيف ويتكوف وجارد كوشنير أصعب بكثير.

 ——————————————

هآرتس 12/10/2025

ترامب يعقد مؤتمر سلام في مصر مما يدول عمليا القضية الفلسطينية

بقلم: جدعون ليفي

ها هي بشرى طيبة أخرى: ثمة احتمال بان يكون النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني يوشك على أن يمر في تدويل دراماتيكي. ففي واقع مليء بالسواد للمستقبل، لا توجد بشرى طيبة اكثر من هذه. فالفلسطينيون واجب تخليصهم من العناق الإسرائيلي الخانق الابدي، والتدويل وحده يمكنه أن يفعل ذلك. فبعد اعمال إسرائيل الأخيرة في غزة وفي الضفة أيضا لم يعد ممكنا ترك مصيرهم في أيديها. النبأ المذهل الذي يقضي بان دونالد ترامب يوشك على أن يعقد في مصر هذا الأسبوع قمة مع زعماء الدول العربية، للبحث معهم في مستقبل غزة بغياب إسرائيل هو إشارة تبشر بالخير. ربما، ربما، سيتحرر فلسطينيون أخيرا من دوس القدم الإسرائيلية التي تجثم على رقابهم.

لقد بدأ هذا بالاتفاق لتحرير المخطوفين. ولم يكن للاحتجاج المصمم والمبهر من اجل تحريرهم في إسرائيل أي تأثير على الحكومة وعلى رئيسها، لكنه تبين كعامل مغير لقواعد اللعب في البيت الأبيض. المظاهرات، الإعلانات واساسا اللقاءات مع العائلات، مست بشكل عجيب شغاف قلب الرئيس النرجسي ومغلق الحس، وحثته على العمل. فجأة تبين ان النضال الصحيح هو ذاك الذي يجري في الخارج.

هذا درس هام لما سيأتي: قبل المهاجمة والاتهام بالخيانة المزدوجة لكل أولئك الذين يحتجون في الخارج، يقاومون في الخارج، يكافحون في الخارج ويطلقون صوتا تآمريا في بلدان البحر، يجدر بنا ان نفهم بان الساحة الحقيقية التي لا يزال ممكنا فيها احداث تغيير هي الساحة الدولية. من هناك فقط ستنمو بوادر الامل.

لم يعد يوجد أي احتمال لان ينقذ الإسرائيليون أنفسهم من الهوات الأخلاقية التي تدهوروا اليها، وسيستيقظون ذات صباح ليقولوا: هيا نضع حدا للابرتهايد، للاحتلال، للسيطرة المغرضة على شعب آخر. من يريد أن يكافح ضد هذه الظواهر ملزم بان يركز نشاطه في الخارج. هناك لا يوجد فقط أذن اكثر انصاتا بل أيضا احتمال للعمل. في اللحظة التي يتجند فيها مزيد من الحكومات للكفاح في اعقاب الرأي العام لديها – سيهل الأمل.

ان الادعاء بان هذا تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لإسرائيل هو بالطبع هراء وشرانية روح. فمصير الشعب الفلسطيني ليس شأنا داخليا لإسرائيل او شأنها على الاطلاق. فللعالم ليس له الحق فقط في ان يهرع لمساعدته – بل واجب كون الفلسطينيين يفتقرون لاي حماية في وجه هالة الاحتلال الإسرائيلي. التدويل سيدخل قوة جديدة لمعادلة الاحتلال والمحتل وهو فقط كفيل بان يقلبهما رأسا على عقب.

لا يدور الحديث عن اقوال فقط: “صفقة المخطوفين”، كاسمها المشوش تتضمن أيضا ادخال قدم العالم الى شق باب النزاع. واذا ما حصل غير المتوقع وتحققت البنود التالية فان العالم في الداخل. كما أن اعلان النوايا مشجع. العالم سيدخل الى غزة من خلال تقديم المساعدات، الاعمار وحتى قوات عسكرية تحل محل الجيش الإسرائيلي. حتى هنا، بعد كل هجوم دوري للجيش الإسرائيلي على غزة، هو ينسحب منها، يتركها لمصيرها حتى لحظة الاجتياح التالية التي هي دوما عنيفة اكثر من سابقتها. والان، ستدخل قوة أخرى الى الفضاء الذي يتبقى في غزة. ان شاء الله. ان شاء الله يجلب المشروع التجريبي في غزة الجيوش الأجنبية الى الضفة أيضا – لتحل هناك أيضا، في أرض البوار المطلق، القانون والنظام بدلا من الجيش الأجنبي الذي يسيطر هناك، الجيش الإسرائيلي. كل خطوة أخرى ستعرقلها إسرائيل والمستوطنون.

تخيلوا: جنود أوروبيون وامريكيون يحمون رعاة الغنم في الضفة من عنف المستوطنين. جنود قوة سلام يمنعون الجيش من اختطاف أناس من أسرتهم كل ليلة، كعادته. جنود العالم يفككون مئات الحواجز في الضفة ويساعدون في بناء واقع عادل.

أيبدو هذا كهذيان؟ بالتأكيد. لكن عشية تحرير المخطوفين الإسرائيليين والسجناء والمخطوفين الفلسطينيين، من واجبنا أن نهدأ. الفرحة بتحريرهم ستكون اكبر اذا ما عرفنا أنه سيكون لها تتمة والحرب الأفظع ستنتهي بأكثر من “صفقة مخطوفين”. الكرة في يد ترامب. على اجنحة الأنا الكبرى لديه لعلنا نصل بعيدا. في الحلم على الأقل.

——————————————-

«واللا»  12/10/2025

وقف إطلاق النار حسن الأسواق، لكن الاقتصاد الإسرائيلي لا يزال بعيدًا عن التعافي

بقلم: يهودا شاروني

لقد أسعدنا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، اذ يتضمن عودة للرهائن، ولكنه أثار بعض الحيرة على الصعيد الاقتصادي. صحيح أن الاتفاق يُحسّن وضع إسرائيل العالمي، ولكنه يُحسّن وضعنا الاقتصادي بدرجة أقل.

ومع ذلك، فإن احتفالات مكاسب سوق الأسهم التي شهدناها الأسبوع الماضي وانخفاض قيمة الدولار مقابل الشيكل تُعطي انطباعًا وكأن زمن المسيح قد حان. سوق الأسهم لا يُحبّذ مواجهة الحقائق والأرقام، وقد شهدت هذه ارتفاعًا حادًا الاسبوع الماضي .

بالمناسبة، قبل بضعة أسابيع، في مؤتمر المحاسبين العامين بوزارة المالية، عندما تحدّث نتنياهو بتشاؤم غير مسبوق عن تحوّلنا إلى إسبارطة، هبط سوق الأسهم هبوطًا حادًا كما لو أن نهاية العالم قد حلّت. هذا هو الاكتئاب الهوسي في أبهى صوره.

يُقدّر معظم المحللين أنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، سيستفيد الاقتصاد من تحوّل اقتصادي، وستعود إسرائيل إلى حضن الأمم، وسنحصل على جائزة في مسابقة الأغنية الأوروبية، وستكون الجنة في انتظارنا على الأبواب.

غير ان السلام في منطقتنا لا يزال بعيدا. من بين الجبهات السبع التي يُحبّ نتنياهو ذكرها، لم تختفي سوى جبهة حماس، وحتى هذه فالى إشعار آخر.

اندفع بائعو الأوهام بتوقعاتٍ كانت احتمالية تحققها مساوية لاحتمالية عودة نتنياهو إلى بيع الأثاث في شركة ريم الصناعية. زعم بعضهم أن أسعار الفائدة ستنخفض قريبًا، مما سيُحسّن الأسواق ويُنعش سوق العقارات.

لكن المحافظ، البروفيسور أمير يارون، معروفٌ بمواقفه المحافظة. في قراره الأخير بشأن سعر الفائدة، أكد أن ضغط الأسعار لا يزال قائمًا، وأن سوق العمل مأزوم وأن زيادة الاستهلاك الخاص ستزيد من مخاطر التضخم، وأنه حتى لو كان مؤشر ايلول سلبيًا، فلن ينخفض ​​سعر الفائدة.

توهم البعض أن شركات التصنيف الائتماني العالمية ستُحسّن تصنيف الاقتصاد، لكن الأمر سيستغرق عامًا آخر على الأقل حتى تُعيد هذه الشركات النظر في تصنيفها وسيتعلق الامر كثيرا بمدى عودة الاستقرار إلى البلاد.

إن الأمل في انخفاض الإنفاق الدفاعي بعد وقف إطلاق النار هو وهمٌ أعمى. لن ينخفض ​​الإنفاق الدفاعي طالما يُعزز نتنياهو الجبهات السبع، وفي الوقت نفسه لا يتردد في الحديث عن إنجازات الحرب في محاولةٍ بائسةٍ لكي الوعي.

ما هي الإنجازات التي يتحدث عنها رئيس الوزراء؟ قطر، برعاية نتنياهو، مُنحت حصانة كاملة من الهجمات. سيتم تسليح الأتراك بطائرات حديثة. مصر أقوى من أي وقت مضى، وحصلت على تنازلات في اتفاق وقف إطلاق النار. الفلسطينيون في طريقهم إلى دولة مستقلة.

كثيرًا ما يتفاخر نتنياهو بالقضاء على بعض قادة المنظمات الإرهابية، بما في ذلك حماس وحزب الله والحوثيين والإيرانيين. لكن ماذا عسانا أن نفعل عندما يكون لديهم جميعًا بدائل: بعضهم أسوأ، وبعضهم أسوأ اكثر؟

لم يختف التهديد الإيراني بعد، وتحذيرات إيفيت ليبرمان في الأيام الأخيرة تُثبت أنهم يبحثون عن فرصة للانتقام. تهديد حزب الله لم يختف بالتأكيد. على الرغم من الوعود، لم ينزع التنظيم سلاحه بعد بسبب ضعف الحكومة اللبنانية. بالمناسبة، لن تنزع حماس سلاحها إلا بعد أن يحدث هذا مع حزب الله.

لا يزال الحوثيون يستهلكون الحلبة والحويج، ويرسلون إلينا أحيانًا تحيات سلام على شكل صواريخ وطائرات مسيرة. حتى أن بيبي ينسب لنفسه الفضل في سقوط نظام الأسد في سوريا، مع أن بوتين وترامب لم يتوقعا ذلك في الواقع. فبدلاً من الأسد، حصلنا على جيل جديد منه متمثلاً في الإرهابي المتقاعد أبو محمد الجولاني.

تقدر مصادر أمنية أن الإنفاق الدفاعي لن ينخفض ​​في السنوات القادمة حتى مع انتهاء الحرب. وستكون النتيجة عجزاً يتجاوز 100 مليار شيكل، ولن تتعافى الشركات ما لم تُرفع تهديدات أوروبا بمقاطعة الصادرات الدفاعية والمدنية، وما لم يعد المستثمرون إلى إسرائيل.

إن الأمل في طفرة في النمو الاقتصادي بعد عامين من الحرب لم تُقرّر خلالهما إصلاحات طويلة الأجل هو أكثر من مجرد وهم. فبدون ميزانية العام 2026، سيكون النمو بطيئاً حتى مع تحسن الوضع الأمني. لذلك، ستظل ميزانية الدفاع مرتفعة على حساب الميزانيات المدنية.

لقد بدأ يتسلل إلينا تدريجيًا شعورٌ بأننا ربما بالغنا في الأمر. حتى مديرو البورصة استغلوا هذه الجنون وباعوا أسهمًا بقيمة 77 مليون شيكل. الاختبار الحقيقي لسوق الأسهم سيكون بعد الأعياد وفي الربع الأخير من العام 2025. على ألا ينتهي الأمر بالبكاء.

——————————————-

هآرتس 12/10/2025

تُرسخ إدارة ترامب ثقافة المافيا، وهذه تُؤتي ثمارها في الشرق الأوسط

بقلم: يعيل شترنهل

من يتابع ما يحدث في الولايات المتحدة وإسرائيل هذه الأيام يجد صعوبة في احتواء التنافر بين ترامب هناك وترامب هنا. فمن جهة، رئيس أمريكي ذو سياسة داخلية استغلالية ومعادية للديمقراطية؛ رئيس يرسل قوات عسكرية إلى المدن الكبرى كما لو كان المواطنون الأمريكيون شعبًا عدوًا، ويحاول إرسال خصومه السياسيين إلى السجن وإلغاء تراخيص البث التلفزيوني للشبكات التي تجرؤ على انتقاده. ومن جهة أخرى، رئيس يدّعي أنه صانع السلام العظيم بين إسرائيل وحماس، إنساني يخشى على مصير المختطفين ويقلق على أطفال غزة الجياع.

كيف يمكن تفسير الحالتين المتراكمتين للرئيس الأمريكي؟ إنهما ليسا منفصلتين كما نظن. إن طموح ترامب للفوز بجائزة نوبل للسلام، الذي أدى إلى تسريع المحادثات في هذا الوقت تحديدًا، والضغط على الجانبين للتوصل إلى اتفاق يمكن تحقيقه كنصر، ليس مجرد سلوك نرجسي آخر. انه ينبع من الصراع السياسي داخل الولايات المتحدة، وتحييداً من هوس ترامب بالعداء الطويل مع الرئيس الاسبق باراك أوباما، الذي كما نتذكر، فاز بجائزة نوبل للسلام بطريقة مفاجئة بعد تسعة أشهر من توليه منصبه ــ ودون أن يحقق أي إنجاز كبير سوى انتخابه كأول رئيس أسود.

لقد انطلقت مسيرة ترامب السياسية بكراهيةٍ شديدةٍ لأوباما، إذ شنّ حملةً لإثبات أن أوباما ليس مواطنًا أمريكيًا. كرّر ترامب هذه الاتهامات الباطلة لسنواتٍ في محاولةٍ لنزع الشرعية عن الرئيس الديمقراطي، حتى بعد أن قدّم أوباما وثائقَ قاطعة تُثبت ولادته في هاواي. ترامب، الذي أثبت بالفعل أنه لا يمكن أن يخسر برفضه قبول نتائج انتخابات 2020 وقيادة الولايات المتحدة إلى شفا انقلاب، يرى الآن جائزة نوبل للسلام جزءًا من انتقامه المستمر من أوباما ذي الكاريزما والجاذبية، حتى بعد سنواتٍ من خلافته في البيت الأبيض. هناك طريقةٌ أخرى لفهم الدكتور دونالد والسيد ترامب، وهي أن أسلوب عمل ترامب، المتمثل في الاستخدام غير المُقيّد للسلطة الرئاسية لتحقيق أهدافه عبر كسر جميع القواعد، يُخلق أزمةً ديمقراطيةً غير مسبوقة في أمريكا، لكن في الشرق الأوسط، قد ينجح. لا بد من الاعتراف بأن الأدوات التقليدية التي استخدمتها الإدارات الأمريكية على مر السنين في محاولة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد أدت بشكل رئيسي إلى الفشل والألم للمبعوثين الذين ركضوا عبثًا بين القدس ورام الله ولكل أولئك الذين أملوا في رؤية السلام بين الشعبين. 

إن العربدة الترامبية لا تحل القضايا الأساسية، ولكنها تنجح على الأقل في الوقت الحالي في تحقيق توقفا لحرب كان من الصعب رؤية نهايتها، بالنظر إلى الطبيعة المتطرفة والمسيحانية لحكم نتنياهو من جهة وحماس من جهة أخرى. داخل الولايات المتحدة، من المحزن أن نرى كيف يسحق ترامب الحكومة الفيدرالية والتقاليد الحكومية العريقة التي كانت مثالاً للعالم أجمع. ومع ذلك، في الشرق الأوسط، يبدو تجاوز تقاليد الوساطة الأمريكية وكأنه نسيما منعشا.

عندما يُجبر ترامب نتنياهو على الاعتذار لأمير قطر وفقًا لنص مُعدّ مسبقًا، يصعب ألا نشعر بأن أساليب الإدارة الأمريكية الجديدة هي بالضبط ما نحتاجه للتعامل مع الإدارة الإسرائيلية الحالية. حتى لو كان ترامب يسعى لخدمة نفسه بالدرجة الأولى، وحتى لو كان أتباعه الذين يُديرون المفاوضات – صهره جاريد كوشنر وقطب العقارات ستيف ويتكوف – يتصرفون بدافع المصالح التجارية التي ستضع مبالغ خيالية في جيوب عائلة ترامب بأكملها، فإن النتيجة الآن هي نهاية الحرب الرهيبة التي دمرت غزة فعليًا لأكثر من عامين – وفي الوقت نفسه تُدمر إسرائيل أخلاقيًا ونفسيًا وسياسيًا.

في النهاية، يُخبر ترامب نتنياهو بالحقيقة وجهًا لوجه بطريقة فشل فيها رؤساء أمريكيون آخرون. ونظرًا لانفصال نتنياهو عن الواقع، يصعب ألا نُعجب بتأثير تخلي ترامب عن آداب الدبلوماسية السابقة. ولكن إلى جانب النشوة التي أحدثها وقف إطلاق النار والعودة المتوقعة للرهائن الأسبوع المقبل، يتعين علينا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار المخاطر التي قد تتجسد في تحول الولايات المتحدة من شرطي العالم إلى زعيم المافيا العالمي.

ترامب مدمنٌ على صور النصر والمشاهد التلفزيونية الممتعة، وسيستمتع بالإنجاز الهائل لوقف إطلاق النار على أكمل وجه. لكن بعد انتهاء الاحتفالات، سيتعين على طرفٍ ما تنفيذ هذا الاتفاق المعقد والاستمرار في إجبار الطرفين على المرونة وتقديم تنازلاتٍ تُمهد الطريق لبدء إعادة الإعمار. فهل ستنجح الأساليب غير التقليدية التي نجحت في تحقيق وقف إطلاق النار الأولي أيضًا بعد زوال النشوة – وبدء المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة إعمار القطاع ونزع سلاح حماس والحفاظ على وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل، التي لا تزال تحكمها حكومة متطرفة، وينتظر قطاعٌ من شعبها دخول غزة مجددًا؟ (ويجد آخرون صعوبةً في رؤية الفلسطينيين كبشر). هل سيكون لدى ترامب نفس الطموح للحفاظ على هذا الاتفاق، بالنظر إلى العقبات الهائلة التي تعترض طريقه، حتى بعد تحول الاهتمام العالمي إلى قضية أخرى – أم سيترك الاتفاق ينهار تدريجيًا، مما قد يُنزل إسرائيل وغزة إلى نوعٍ جديدٍ من الفوضى؟

السيناريو الثاني الذي ينبغي على الإسرائيليين التفكير فيه هو أنه لا سبيل لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعود إلى أنماط عملها القديمة، أو ما إذا كان الرؤساء الديمقراطيون الذين يصلون إلى السلطة سيتبنون أيضًا أساليب ترامب القوية ويستخدمون السلطة الهائلة للبيت الأبيض لفرض إرادتهم. وهذا ينطبق على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية على حد سواء. خلاصة القول هي أنه حتى عندما يُجبر نتنياهو على اتخاذ خطوات لا يريدها، فإن ترامب لا يزال داعمًا واضحًا لإسرائيل انطلاقًا من تصوره لإسرائيل كجزء من العالم الغربي الأبيض الذي يسعى إلى تمجيده.

ماذا سيحدث عندما يصل رئيس من الحزب الآخر وجيل جديد إلى السلطة، يتعلم من ترامب كيفية إدارة الشرق الأوسط ويستخدم نفس الأساليب لإجبار الجمهور الإسرائيلي على تقديم التنازلات التي يرفض معظمهم تقديمها؟ في ظل التفاؤل الذي ساد نهاية هذا الأسبوع، يمكن القول إن هذا قد لا يكون حلاً سيئًا.

——————————————-

إسرائيل اليوم 12/10/2025

الصفقة وما ورائها

بقلم: ايال زيسر 

صفقة بين إسرائيل وحماس هي حقيقة ناجزة، وحتى لو ظهرت على طريق تحقيقها عوائق في اللحظة الأخيرة فانها لا بد ستأتي. لماذا؟ لان هكذا يريد ترامب، ذو المال والرأي في كل ما يتعلق بإسرائيل ومستقبلها.

يمكن أن نقول أمورا كثيرة عن ترامب – لكن “يوجد له هذا”، القدرة على أن يشخص متى يمكن ويجب عقد صفقة، وهذه القدرة جلبته الى الاستنتاج بان الان هو الوقت لتحرير المخطوفين وانهاء الحرب. هذا الامر ينسجم مع مشاعر الجمهور الإسرائيلي لكنه ينسجم أيضا مع مصالحنا الحيوية. هذا فهمه قبل سنوات طويلة دافيد بن غوريون، رئيس الوزراء الأول، الذي لم يقم لنا مثله منذئذ.

لقد اتخذ بن غوريون في حياته سلسلة طويلة من القرارات التاريخية، لكن قرارين منها تبينا كالاهم منها جميعها. الأول – إقامة دولة بكل ثمن، حتى في ضوء المعارضة من الداخل وفي العالم وكذا مع العلم بان الامر سيؤدي الى حرب مع كل الدول العربية. الثاني – وهو لا يقل أهمية – بانهاء الحرب. لا لأننا حققنا فيها كل اهدافنا، بل أبعد من ذلك، لانه لكل زمان أوانه، وبن غوريون فهم بان الحرب ليست هدفا بحد ذاتها، وان على إسرائيل أن تتفرغ لمهامة اهم: استيعاب الهجرة الجماهيرية وبناء مجتمع، شعب ودولة والباقي، كما شرح، سنبقيه للأجيال التالية.

مثل بن غوريون، ترامب أيضا، لاسبابه هو، يفهم الاضطرار لوضع حد للحرب. لكن ترامب معروف كمن يحتقر التفاصيل الصغيرة وكمن يعتقد بان البحث الذي لا ينتهي فيها من الخبراء – او الأسوأ من ذلك من رجال القانون – لن يؤدي ابدا الى اتفاق.

وعليه، بشكل ذكي بل ولامع، وضع على الطاولة اقتراحا لا يمكن رفضه: تحرير فوري، غير مشروط وليس على مراحل، لكل المخطوفين والمفقودين. أمر تمناه الجمهور في إسرائيل وبالمقابل، انهاء تام ومطلق للحرب، الامر الذي يريده العالم، لكن ترامب يشخصه الان كالمصلحة الأسمى له ولاسرائيل.

عندما سيحصل هذا، كل ما تبقى سيصبح هامشيا، غير ملح وغير ضاغط وسيكون ممكنا معالجته بطريقة القطاعي. أحيانا لارادة إسرائيل أحيانا لهدف الرفاه – مسألة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، مسألة السجناء الفلسطينيين الذين سيتحررون في إطار الصفقة، مسألة ادخال المساعدات المدنية الى غزة ومسألة المسائل: ماذا سيحصل في القطاع في اليوم التالي.

ما يقترحه ترامب هو بشرى هامة لإسرائيل، “تنقذها من نفسها” ومن المأزق الذي نعيشه منذ اشهر طويلة. لكن الامر يستوجب عيونا مفتوحة على اتساعها وحفاظا على مصالحنا الأمنية، بمعونة ترامب، وعند الحاجة، رغم ترامب أيضا.

ما سيحصل في غزة سبق أن حصل قبل سنة في لبنان. في حينه أيضا سمحنا باتفاق مثقب واضح ان حزب الله لا يعتزم احترامه في لحظة الحقيقة. وهكذا لا يزال حزب الله يرفض نزعه سلاحه ويعمل بلا عراقيل كي يعيد تأهيل قوته، فيما أن إسرائيل تكتفي بعمليات موضعية ليس بوسعها ان تغير الوضع من الأساس.

غزة ليست لبنان. فقد ضُربت حماس ضربة قاضية – ليس مثل حزب الله الذي حافظ على جزء هام من قوته. كما ان جغرافيا القطاع تختلف جوهريا عن جغرافيا لبنان. ولا يزال، مما سيحصل في لبنان ينبغي أن نتعلم ونستخلص الدروس.

الامل في أن تنزع حماس سلاحها طواعية، ان تنتشر قوات دولية في القطاع وتبدأ فيه مسيرة بناء حكم فلسطيني لا تشارك فيه حماس – كل هذه آمال عابثة. وعليه، فان على إسرائيل أن تتأكد بان تحفظ لها حرية العمل. لا لمناورة برية زائدة أخرى في غزة، بل لعمل مصمم ضد كل محاولة من حماس لاعادة بناء جيشها، صواريخها، كتائبها وألويتها.

وبالطبع – التأكد بالا يعاد بناء أي بيت، شارع او حي في القطاع طالما كانت حماس تسيطر فيه. ان إعادة بناء قوة إسرائيل، من الداخل ومن الخارج هي المهمة الهامة التي نقف امامها اليوم، واذا اضفنا الى ذلك ان ننجح في تحقيق سلام إقليمي – فليس هناك نصر مطلق اكثر من هذا.

 ——————————————

عن «يديعوت» 12/10/2025

مبارك أخبرني بـ “القاتل الحقيقي” لأشرف مروان

بقلم: سمدار بيري

في آب 1985، بعد ساعات قليلة من اغتيال موظف السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ألبرت أطرقجي، صعدتُ على متن طائرة متجهة إلى مصر. 

على متن الطائرة، التقيتُ بزميلي أرييه أراد، الذي أرسلته صحيفة «دافار» في المهمة نفسها. 

فور هبوط الطائرة بقي أراد في المطار بانتظار النعش، بينما هرعتُ إلى المستشفى العسكري في المعادي، حيث كان جميع موظفي السفارة الإسرائيلية قد حضروا. عند منتصف الليل، عدتُ أنا وأراد إلى الفندق، وصعد كلٌّ منا إلى غرفته. 

بعد ثلاث ساعات سمعتُ صوتاً غريباً، واكتشفتُ أن أحدهم وضع ورقة تحت الباب، كُتب عليها بالعربية: «منظمة الثورة المصرية تعلم بوجود مواطن إسرائيلي في الغرفة». 

مع أنني لم أسمع بهذه المنظمة من قبل، إلا أنني شعرتُ بالقلق واتصلتُ بزميلي أراد، وطلبتُ منه التحقق، وبالفعل وجد هو أيضاً ورقة تحمل الرسالة نفسها. قرر أراد العودة إلى إسرائيل صباحاً، فاتصلتُ بالسفير الراحل، موشيه ساسون، فأعلن أنه سيرسل سيارة، «وأنتِ قادمة للإقامة في منزلي». 

الكشف عن الهوية 

بعد عامين، اتضح أن «زعيم» تنظيم «الثورة المصرية» – الذي تبنى مسؤولية اغتيال أطرقجي، وكذلك مسؤولية الهجوم على الدبلوماسي الإسرائيلي تسفي كايدر بالقرب من منزله في القاهرة، ومقتل آتي تال أور، زوجة رئيس أركان السفارة، جيل تال أور، في هجوم «إرهابي» خارج معرض القاهرة التجاري في آذار 1986 – لم يكن سوى الدكتور خالد عبد الناصر، الابن الأكبر للرئيس المصري الأسطوري، جمال عبد الناصر. 

بعد أن حكم عليه المدعي العام في القاهرة بالإعدام شنقاً، حرصت السلطات على تهريبه سراً إلى يوغوسلافيا. 

في ذلك الوقت، دُعيتُ لمقابلة مع الرئيس حسني مبارك، وتمحور الحديث حول «الثورة المصرية» وابن الرئيس السابق. 

طرح عليّ مبارك مسألة الحكم على ابن عبد الناصر بالإعدام، من جهة، وقرار إبعاده سراً من مصر لإنقاذ «العار» من جهة أخرى. 

أشار الرئيس الراحل إلى الشخصية المحورية في القضية: منى عبد الناصر، المعروفة بمعارضتها الشديدة لإسرائيل، واتفاقيات السلام، والتعاون الاقتصادي القائم آنذاك، والتطبيع. 

استمعتُ إلى توصيته، وبدأتُ، بدافع الفضول، بدراسة شخصية السيدة. 

أول معلومة آسرة اكتشفتها كانت قصة زواجها من رجل يُدعى أشرف مروان، رغم معارضة والدها الشديدة. 

لم يكف الصحافي محمد حسنين هيكل، المقرب من عبد الناصر، عن إغداق مروان بتعليقات ساخرة، وكان الوحيد في عهد الرئيس السادات الذي أصرّ على تبني رواية «الموساد» الإسرائيلي بأنه خائن وعمل عميلاً مزدوجاً. 

قبل ستة أسابيع من اغتياله على خشبة المسرح في موكب ذكرى حرب تشرين الأول «خدع» السادات هيكل بزجه في السجن لأجل غير مسمّى.

جنازة مروان

في لقاء آخر مع الرئيس مبارك، بعد عام من وفاة مروان الغامضة في لندن، تجرأت على السؤال: من قتل «الملاك» حقاً؟ 

نُقل نعش مروان جواً إلى القاهرة ولُفّ بالعلم الوطني المصري، وقاد موكب الجنازة جمال مبارك، نجل الرئيس. 

أصررتُ على إخباره بالنظرية الإسرائيلية القائلة إن المخابرات المصرية صفّت حساباً طويلاً مع مروان، ثم قال لي مبارك بحزم: ليست إسرائيل ولا مصر، بل القذافي، الرئيس الليبي، هو من موّل منظمة «الثورة المصرية»، وهو من أرسل فريق اغتيال إلى لندن.

ذهبتُ لمقابلة اللواء الراحل، شلومو غازيت، قائد جهاز المخابرات، ولدهشتي أيّد رواية مبارك، التي تفيد بأن مروان كان مبعوثاً مخلصاً للمخابرات المصرية، ورفض تبني ادعاء رئيس «الموساد»، تسفي زامير، بأن «الملاك» كان أعظم جواسيس إسرائيل، وأنه قدّم معلومات قيّمة. 

إلى يومنا هذا، أتذكر جملة غازيت الساحقة: «سنكتشف بأم أعيننا الإساءة المخزية لمروان على يد تسفي زامير ودولة إسرائيل».

ومع ذلك، صعّبتُ الأمر على مبارك: أقمتَ جنازة كريمة، ولففتَ النعش بالعلم المصري، ولم تجد من المناسب تسمية شارع أو ميدان باسم مروان؟ ولا حتى مسلسلا تلفزيونيا في رمضان؟ نظر إليّ مبارك مستمتعاً، ثم قال: «اسألوا منى عبد الناصر، هي وحدها من تعرف حقيقة ما حدث. أشرف مروان لم يكن يوماً طليتاً أزرق، حتى في أعيننا».

——————————————-

يديعوت  12/10/2025

عبقرية الوساطة الأميركية: انتصر الكل وخسر الكل

بقلم: آفي يسسخروف

في النهاية، أدى الفريق الأميركي واجبه في الوساطة، ويستطيع الطرفان أن يعلنا في الداخل أنهما حصلا على ما أراداه، ويزعمان أنهما «انتصرا»، مع أنهما ما زالا بعيدَين عن الحصول على ما يريدانه؛ يمكن هنا إعطاء الفضل لفريق ترامب، غاريد كوشنير وستيف ويتكوف وكل مَن عمل تحت إمرتهما.

نجحت حكومة إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو، في الحصول على ما كان يُعتبر مستحيلاً حتى وقت قريب: إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء وجزء من الجثامين، من دون انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة. سيواصل الجيش الإسرائيلي السيطرة على نحو 53% من مساحة القطاع، بما في ذلك شريط أمني واسع يمنع مقاتلي «حماس» من الاقتراب من الحدود.

في المقابل، حصلت «حماس» على وقف لإطلاق النار، وعلى ما يبدو أيضاً، على ضمانات دولية من النوع الذي سيكون من الصعب على إسرائيل خرقه، أي أنها لن تهاجم القطاع مجدداً ما دامت المفاوضات مستمرة بشأن المراحل اللاحقة من «صفقة ترامب»، ومن المرجّح أن تستمر هذه المفاوضات وقتاً طويلاً. 

كما ستحصل «حماس» على مساعدات دولية لإعادة إعمار القطاع، وستُتاح لها استعادة نفوذها الإداري هناك. 

والسؤال الكبير هو: ماذا ستفعل إسرائيل، إذا حاولت «حماس» إعادة بناء قدراتها العسكرية، وسعت للقيام بذلك بأسرع وقت ممكن، ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل؟

الأهم من كل شيء، هو أن «حماس» حصلت على اعتراف دولي لم يسبق أن حظيت به من ذي قبل، وعلى إنجازات سياسية يلاحظها العالم أجمع، منها عزل إسرائيل سياسياً والاعتراف مجدداً بالقضية الفلسطينية. ويمكن فقط الأمل بأن يتيح وقف إطلاق نار طويل الأمد إخراج إسرائيل من عزلتها الدولية التي دخلت فيها نتيجة موجة من معاداة السامية، ومن السياسة الإسرائيلية الفاشلة في الوقت عينه.

يبدو أن التحول الكبير في الموقف الأميركي، المتمثل في قرار ترامب فرض وقف الحرب على نتنياهو، جاء نتيجة الهجوم الإسرائيلي على قيادة «حماس» في قطر. ففي الوقت الذي كانت فيه قيادة الحركة مجتمعةً في الدوحة لمناقشة الاقتراح الأميركي الأخير، حاولت إسرائيل اغتيال كبار مسؤولي «حماس» هناك. 

ويبدو أن هذا الأمر كان بمثابة جرس إنذار لأعضاء من الفريق الأميركي، الذين يرون – لأسباب عديدة، بينها أسباب اقتصادية – في قطر حليفاً وشريكاً. ومن هنا، جاء الضغط الأميركي الكبير وخطة السلام التي كان واضحاً منذ البداية أن تنفيذها بالكامل لن يكون سهلاً.

ومن هنا أيضاً يمكن البدء بالحديث عمّا لم تحقّقه إسرائيل: ترفض «حماس» نزع سلاحها، لا الآن، ولا في المستقبل القريب، «إلى أن تُقام دولة فلسطينية». 

لم يتم تدمير «حماس»، ولا القضاء عليها، ولم تُمحَ، والنصر الكامل الذي وعد به نتنياهو سابقاً بقيَ شعاراً فارغاً. كما أن الحركة ترفض وجود أي هيئة حاكمة أجنبية غير فلسطينية داخل القطاع. وفي المقابل، لن تحصل «حماس» على السيطرة الكاملة على القطاع، ولا على الإفراج عن جميع الأسرى البارزين الذين طالبت بهم. ولا يزال من غير الواضح مَن هم الأسرى الثقيلون الذين سيُفرج عنهم فعلاً، لكن من المرجّح أن هذه القضية لن تكون العقبة التي تمنع وقف إطلاق النار.

وهنا لا بد من الحديث عن المرحلة القادمة. فمن دون استكمال خطة ترامب للسلام، ومن دون جناح سياسي مكمّل للخطة، سيكون وقف إطلاق النار مؤقتاً، ومن غير الواضح إلى متى سيصمد، ومن أجل إحداث تغيير استراتيجي في غزة، مثلما أرادت إسرائيل، فإن هذا الأمر سيتطلب تشكيل قوة حاكمة بديلة لـ «حماس». وافق بعض الدول العربية على المشاركة في هذه القوة، إلى جانب وجود السلطة الفلسطينية. 

ولا يمكن لهذه القوة العمل على نزع سلاح «حماس»، إلّا في ظل تهديد قوي من طرف عدد من الدول العربية، ومن الولايات المتحدة وإسرائيل. 

سيؤدي رفضُ إسرائيل مثل هذه الخطوة إلى تجدُّد الحرب وتدمير ما تبقى من غزة، لكن إذا استمرت إسرائيل في رفض مشاركة السلطة الفلسطينية في العملية، وأصرّت على أن نزع سلاح «حماس» سيجري بتدخُّل من السماء، يجب الاستعداد للجولة المقبلة من الحرب منذ الآن. حينها على الأقل، وهذا يشكل عزاءً كبيراً، لن يكون لدى التنظيمات الفلسطينية أي رهائن على قيد الحياة.

وكلمة أخيرة: على ما يبدو حالياً، أعلنت «حماس» أنها غير قادرة في هذه المرحلة على العثور على جثامين تسعة من الأسرى القتلى، هذا يعني وجود تسعة مفقودين لا يُعرف مكان دفنهم، وتسع عائلات فقدت أحباءها من دون أن تحصل على الجثامين، مع ما تعانيه من فراغ هائل. سيكون على إسرائيل مواصلة الإصرار أمام الوسطاء في الأشهر القادمة على أن تقوم «حماس» بالعثور على هذه الجثامين، ومن المرجّح أنه في إمكانها فعل ذلك، لكن ليس في غضون 72 ساعة. إن عائلة هدار غولدن ما زالت تنتظر استعادة جثمانه منذ 11 عاماً، ويجب ألّا تمر ثماني عائلات أُخرى بالجحيم نفسه الذي مرّت به هذه العائلة.

——————————————-

«N12» 12/10/2025

حكومة نتنياهو مسؤولة عن عزلة إسرائيل الدولية

بقلم: بنينا شرفيت – باروخ

بعد 7 تشرين الأول 2023 وجدت إسرائيل نفسها أمام تهديد غير مسبوق لأمنها، فشنّت حملة عسكرية «مبررة» إلى أقصى حد، وحققت إنجازات بارزة في جميع الجبهات. بعد عامين، تبدو الهيمنة العسكرية الإسرائيلية أوضح من أي وقت مضى.

لكن الصورة معاكسة تماماً على الساحة السياسية: فبعد «المجزرة» مباشرةً، حظيت إسرائيل بدعم غير مسبوق، وبإدانة حازمة لحركة «حماس»، لكن بعد عامين أصبح موقع إسرائيل في أدنى مستوياته على الإطلاق، وهي تعيش عزلة دولية تتعمق، يوماً بعد يوم.

من السهل على صنّاع القرار إلقاء اللوم فقط على القوى المعادية لإسرائيل في العالم، وعلى معاداة السامية، ولا شك في أن هذه الظواهر موجودة وناشطة حتى قبل الحرب، وقد تصاعدت منذ اندلاعها، لكن الادعاء أن «العدو وحده هو المسؤول»، مع تجاهُل تام للمسؤولية الإسرائيلية، هو تحليل لم نكن لنتقبّله في أي معركة عسكرية، ولا يجب قبوله في المعركة الدبلوماسية.

المعاناة في غزة هل تهمّنا؟

تقع المسؤولية المباشرة عن الهزيمة السياسية على عاتق حكومة إسرائيل. 

فإلى جانب العمليات العسكرية العنيفة التي أدت إلى معاناة هائلة في الجانب الآخر، لم تكلف إسرائيل نفسها عناء توضيح ضرورتها، أو تفسير مدى توافُقها مع القانون الدولي والمبادئ الأخلاقية، بل بالعكس؛ كرّر مسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم وزراء بارزون، تصريحات أوحت بأن استهداف المدنيين هو هدف بحد ذاته، أو على الأقل، هو أمر عديم الأهمية. وبدلاً من تأكيد استهداف أهداف أمنية واضحة، أُطلقت تصريحات تتحدث عن طرد سكان غزة، و»تسوية القطاع بالأرض»، أو إعادة الاستيطان اليهودي في غزة.

إذاً، لم تقدّم إسرائيل تفسيراً للعالم يثبت أن أفعالها قانونية، بل زودته بالأدلة على وجود نية محظورة وراءها. وهذا يشبه متهماً بجريمة قتل، بدلاً من أن ينكر وجود نية إجرامية لديه، يصرّ مراراً على نية قتل صريحة لديه. في مثل هذه الظروف، لا حاجة إلى أن يكون المرء معادياً للسامية، أو لإسرائيل، لكي يشكك في عدالة أفعالها، حتى إن جهات موضوعية ومؤيدة لإسرائيل، بوضوح، تجد صعوبة في الوقوف إلى جانبها.

وهكذا، قادت حكومة إسرائيل، بيديها، الدولة إلى عزلة دولية كبيرة، وهي تمسّ مباشرةً بحياة الجميع في الداخل والخارج، وتهدد مستقبل الدولة بالفقر والضعف، وبخطر الدمار.

العالم كله ضدنا ؟ 

هذا يعتمد على حكومة إسرائيل. لماذا؟ يكمن جزء من الجواب في تفضيل الاعتبارات السياسية الداخلية على الحاجة إلى الشرعية الخارجية، لكن يوجد أيضاً اختيار واعٍ: فالوزيران الأقوى في الحكومة، وزير المالية ووزير الأمن القومي، لا ينظران إلى العزلة الدولية على أنها تكلفة، بل هدف، وفي نظرهما، يُعتبر ارتباط إسرائيل بالعالم الغربي قيداً، وقطعُ هذا الارتباط يفتح أمامهما مجال حركة أوسع لتحقيق رؤيتهما المسيانية. وهكذا، تتحول أقوالهما وأفعالهما إلى ذخيرة في يد أعداء إسرائيل، لأن عزلتها تمثل مصلحة مشتركة بينهم.

ولمَ يتعاون رئيس الحكومة مع خطوة كهذه؟ يصعب الفهم، فنتنياهو السابق كان سيتصرف بطريقة مختلفة.

إن المعركة الأهم في هذه اللحظة، والتي ستحدد مصير هذه الحرب ومَن سينتصر فيها: إسرائيل أم «حماس» وإيران؟ ليست المعركة العسكرية، بل السياسية، ونحن نخسر في هذه المعركة، حتى إن رئيس الحكومة أقرّ بذلك في خطاب «إسبرطة» الذي ألقاه. 

وفي هذه المعركة بالذات تساهم حكومة إسرائيل فعلياً في مساعدة العدو، أمّا ثمن الهزيمة السياسية فسندفعه جميعاً.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article