الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

يديعوت أحرونوت 23/10/2025 

التنمية بعد الهدم.. إعادة إعمار غزة سيستغرق عشر سنوات و50 مليار دولار

بقلم: أمنون ديركتور 

الأرقام تتحدث عن نفسها، والمناظر على الأرض، وصور الأقمار الصناعية لما قبل الحرب وما بعدها. لقد خلّف عامان من الحرب دمارًا هائلًا يكاد لا يُصدّق في قطاع غزة. ووفقًا لتقديرات نشرتها مصادر دولية في الأشهر الأخيرة، تضرر أو دُمّرت بالكامل حوالي 245 ألف مبنى – أي أكثر من 80 في المئة من مباني قطاع غزة – منذ 7 أكتوبر 2023. وهذا لا يشمل الأضرار التي لحقت منذ دخول جيش الدفاع الإسرائيلي مدينة غزة في عملية “عربات جدعون الثانية”. خلّفت عمليات التجريف والقصف ما بين 40 و50 مليون طن من حطام البناء (أي ما يعادل كمية الحطام التي كانت ستتكوّن لو هُدّمت جميع المباني الشاهقة في كتلة دان)، وكانت الغالبية العظمى منها مبانٍ سكنية. ما كان في السابق مدنًا وبلدات وقرى، يبدو الآن وكأنه موقع تصوير لفيلم من أفلام ما بعد نهاية العالم.

لكن الدمار لا يقتصر على المباني السكنية. دُمِّرت الكثير من البنى التحتية الحيوية أو توقفت عن العمل: دُمِّرت الطرق الرئيسية وتحولت إلى طرق ترابية مغطاة بالرمال؛ وانهارت شبكات الكهرباء والمياه؛ وتوقفت محطات الضخ وشبكات الصرف الصحي عن العمل؛ ودُمرت المستشفيات والمؤسسات التعليمية والعديد من المباني العامة أو أصبحت غير صالحة للاستخدام. وتعرض الميناء البحري والمناطق الصناعية والمراكز التجارية لأضرار بالغة، وأصبح الاقتصاد المحلي، الذي كان يعتمد أصلاً على المساعدات الدولية (والإسرائيلية)، في حالة شلل تام.

نادرًا ما شهد التاريخ الحديث دمارًا بهذا الحجم: هيروشيما وناغازاكي بعد القصف النووي في الحرب العالمية الثانية، ودريسدن وبرلين اللتين دُمرتا بقصف الحلفاء في تلك الحرب، وبيروت بعد الحرب الأهلية التي مزقت لبنان.

“حان وقت إعادة إعمار غزة”، هذا ما قاله الرئيس ترامب هذا الأسبوع في قمة شرم الشيخ. يكمن وراء هذه الكلمات تحدٍّ هائل – إعادة إعمار مادية واقتصادية وبشرية ستستغرق سنوات طويلة وتتطلب استثمارًا بعشرات المليارات من الدولارات.

يتساءل العديد من الإسرائيليين: لماذا يُقلقنا هذا الأمر أصلًا؟ فنحن نتعامل مع عدوٍّ لدود بدأ الحرب وارتكب فظائع في السابع من أكتوبر. سكان غزة الآن يأكلون ما طهوه. قد تتفق أو لا تتفق مع هذا، لكن المؤكد هو أن قطاع غزة لن يختفي من على الخريطة. سيظل قائمًا – بسكانه البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، وحدوده الكثيفة والمعقدة مع إسرائيل، وكل ما يعنيه ذلك. ولهذا السبب تحديدًا، فإن إعادة إعمار القطاع بشكل شامل قد تُهيئ واقعًا أكثر استقرارًا وأمانًا، سواءً لسكان غزة أو لإسرائيل. وهذه المرة، يُتوقع من إسرائيل وجيش الدفاع الإسرائيلي المشاركة عن كثب في المشروع، بنظرة فاحصة ورقابة صارمة، لضمان استخدام الأموال والموارد حصريًا لإعادة الإعمار المدني، وعدم وصولها إلى حماس واستخدامها في إعادة بناء بنيتها التحتية الإرهابية.

خلال العامين الماضيين، وُضعت خططٌ عديدة لإعادة إعمار قطاع غزة، معظمها في الأشهر الأخيرة. بعضها يُعتبر أكثر احترافية وجدية، ويتضمن خرائط طريق مفصلة، ​​بينما يُنظر إلى بعضها الآخر على أنه تصريحي أو سياسي بالدرجة الأولى. من بين هذه الخطط العديدة، خطة معهد راند الأمريكي (مركز أبحاث غير ربحي)، التي تُركز على إعادة إعمار مباني القطاع وبنيته التحتية المدنية؛ والخطة الفرنسية “تخيل غزة – بناء السلام”، التي نُشرت الشهر الماضي، والتي تُصنف إعادة الإعمار كجزء من عملية مصالحة إقليمية؛ والخطة المصرية “غزة 2030، التي تسعى إلى تنمية اقتصادية تدريجية وإعادة إعمار مراكز المدن الساحلية؛ وأيضًا “خطة ترامب لإخلاء قطاع غزة”، التي وعدت بتحويل القطاع إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، والتي تم التخلي عنها فور نشرها. ومن المثير للاهتمام أن اثنتين من الخطط المهمة – الأمريكية والفرنسية – هما في الواقع إسرائيليتان، مما يُضيف بُعدًا آخر إلى المشاركة الإسرائيلية في عملية إعادة الإعمار.

 سابقة الموصل وسوريا

من أبرز الخطط وأكثرها احترافية خطة معهد راند، التي وُضعت بالتعاون مع شركة الهندسة المعمارية “أو آر جي بيرماننت مودرنيتي”، التي تعمل من نيويورك وبروكسل. نُشرت الخطة في مارس الماضي تحت عنوان “من مخيمات النازحين إلى المجتمعات: حلول سكنية في أعقاب الحرب”، وتتضمن أربع قنوات لإعادة التأهيل. تُقدم الأولى حلاً مؤقتاً، وهو إنشاء مساكن مؤقتة لمئات الآلاف من سكان غزة الذين سيحتاجون إلى حلول سكنية لعقد أو أكثر، ريثما يتم ترميم منازلهم الدائمة أو إعادة بنائها. تُركز الثانية على إعادة تأهيل وتجديد أحياء سكنية كاملة، مع استغلال المساحات المفتوحة بين المناطق المدمرة لخلق بيئة معيشية مناسبة وعصرية. أما الثالثة فتتناول تطوير نموذج مبتكر لتخطيط مخيمات اللاجئين، بحيث لا تصبح مجدداً بؤراً للفقر والاكتظاظ، بل توفر ظروفاً معيشية لائقة وبنية تحتية متطورة. أما الرابعة فتقترح تخطيط أحياء جديدة على الأراضي غير المطورة في جميع أنحاء قطاع غزة، بهدف توسيع الخيارات السكنية وبناء بيئة حضرية متطورة وفعّالة.

 أحد واضعي الخطة هو المهندس المعماري ومخطط المدن الإسرائيلي الأمريكي كوبي روتنبرغ، الخبير في الخطط الاستراتيجية الدولية طويلة الأجل. يعمل روتنبرغ بشكل رئيسي على الساحة العالمية، وهو شريك في مشاريع معقدة حول العالم، مع التركيز على الحلول المبتكرة لإعادة تأهيل وتحسين البنية الحضرية المتضررة نتيجة النزاعات العنيفة أو الكوارث الطبيعية. شارك، من بين أمور أخرى، في تصميم البنية التحتية للحماية من الفيضانات والتكيف مع تغير المناخ في نيويورك، وفي خطة لإنشاء مدينة زراعية جديدة في غانا، وفي خطة وطنية لتنمية المناطق الريفية في ملاوي. يقول روتنبرغ في مقابلة مع “ملحق السبت”: “إن الخطة التي أعددناها لغزة تُغير المفاهيم الراسخة للتخطيط للاجئين، وتسعى إلى منع تكرار أخطاء الماضي”. ويضيف: “الفرضية الأساسية هي أن ما هو مؤقت اليوم هو ما هو دائم غدًا، ويجب على أي خطة مستقبلية أن تأخذ هذا في الاعتبار”.

قائمة الخيارات

وُلدت الخطة في عام 2022، أي قبل 7 أكتوبر بوقت طويل، وركزت في البداية على اتجاه مختلف. يقول روتنبرغ: “كان الهدف منها أن تكون خطة استراتيجية لتطوير البنية التحتية الحضرية في جميع الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة. كان الهدف الأصلي هو وضع مجموعة من الأدوات ووثائق السياسات لجميع صانعي القرار – الفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين والدول العربية”.

يقول روتنبرغ إنه بعد حرب غزة، تقرر إيقاف الخطة الأصلية وإعادة النظر في مسارها. “بعد حوالي شهرين أو ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب، بدأنا العمل على خطة للاستقرار وإعادة الإعمار. هدف الخطة هو الاستعداد لليوم التالي وتقديم حلول واقعية لإعادة إعمار القطاع، مع دعم صانعي القرار من جميع الأطراف”. وأضاف: “تقدم الخطة قائمة خيارات لإيواء أكثر من مليون لاجئ لمدة تزيد عن 15 عامًا، مع مراعاة ظروف التضاريس الروسية، وكميات المتفجرات التي تتطلب التعامل معها، والبيئة اللوجستية المعقدة خلال أعمال إعادة الإعمار”.

تُقدَّر تكلفة الخطة بـ 50 مليار دولار، سيُنفق 72 في المئة منها على حلول الإسكان. يقول روتنبرغ: “تستند الميزانية إلى تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي، ولكن بما أن القتال استمر بعد صياغة هذه التقديرات، فمن المرجح أن تكون التكلفة الفعلية أعلى بكثير. مع أن خطتنا لا تُقدِّم آلية تمويل محددة، إلا أنها تُشدّد على أن إعادة الإعمار بهذا الحجم ستتطلب تنسيقًا دوليًا مُطوَّلًا، وإشرافًا دقيقًا، وحوكمة شفافة”.

كما ذكرتَ، تغيّر الكثير على أرض الواقع منذ نشر خطتك في مارس/آذار. هل تحتاج إلى تحديث أو تكييف مع الوضع الراهن في القطاع؟

روتنبرغ: “تُقرّ الخطة بتغيّر الأوضاع في غزة بشكل كبير. كما تعتمد تحليلاتنا على بيانات الأقمار الصناعية التي ستحتاج إلى التحقق منها وتحديثها بمجرد توفّر الوصول إلى المنطقة. في حين أن الإطار الذي نقترحه – والذي يُركّز على إعادة التأهيل المجتمعي، والتوسّع الحضري التدريجي، والمرونة طويلة الأمد – يبقى كما هو، إلا أن التخطيط التفصيلي وتحديد الأولويات سيحتاجان إلى التحقق من صحتهما بناءً على أحدث البيانات الميدانية. نحن في حوار مع مجموعة واسعة من الجهات المعنية – من المؤسسات الحكومية والهيئات الدولية إلى الممثلين المهنيين والمحليين.”

أين سيتم التخلص من هذه الكمية الهائلة من النفايات والأنقاض؟ هل هناك أي نماذج أو أمثلة من جميع أنحاء العالم يُمكننا التعلم منها؟ 

تتحدث خطتنا عن حوالي 42 مليون طن من الأنقاض، بناءً على بيانات تعود لأكثر من عام. واليوم، لا شك أن هذا الرقم أعلى بكثير. تُشكل إزالة الأنقاض تحديات لوجستية وبيئية هائلة، ويجب تنفيذها بالتوازي مع إزالة المتفجرات وإدارة النفايات لحماية الصحة العامة وتمكين إعادة الإعمار الآمن. لا تُحدد الخطة نموذجًا محددًا للتخلص من النفايات، ولكنها تُركز على التخطيط المُبكر وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير، الأمر الذي يتطلب عمليات وتقنيات مُختلفة تتكيف مع نوع المساحة ومستويات الدمار في كل منطقة.

التقدير هو أن العمل سيستغرق عشر سنوات على الأقل ليس مستبعدًا. يوضح روتنبرغ: “حتى في عمليات إعادة إعمار غزة السابقة، والتي نُفذت على نطاق أصغر بكثير، استغرقت عملية البناء سنوات عديدة بسبب نقص الموارد، والقيود المفروضة على الحركة والواردات، وتعقيدات التنسيق بين الجهات الفاعلة الدولية والمحلية”. ويضيف: “تُظهر تجربة مدن أخرى دُمرت في النزاعات – مثل الموصل في العراق أو مدن في سوريا – أنه في ظل ظروف أكثر ملاءمة، فإن إزالة الأنقاض وتفجير العبوات الناسفة، وترميم البنية التحتية وتوسيعها، وبناء أنظمة حضرية فعّالة، هي عمليات تمتد على مدى عقد أو أكثر”.

هل تعتقد أن هذا سيُثمر؟

“صُممت الخطة لمواجهة التحديات دون الاستسلام لها، وأعتقد أنه يمكن استخدامها لبناء أساس لمستقبل مستقر ومستدام لسكان غزة والمنطقة بأسرها”.

جدران الحماية البحرية

إذا كانت خطة راند الأمريكية تتناول إعادة إعمار غزة من منظور تخطيط استراتيجي حذر، مع التركيز على البناء التدريجي والفريد، فإن الخطة المصرية أكثر طموحًا بكثير. هذه الخطة، التي نُشرت أيضًا في مارس/آذار من هذا العام ولم تُراجع إلا نادرًا في إسرائيل، أُعدّت بمبادرة من الحكومة المصرية وعُرضت في اجتماع خاص لجامعة الدول العربية.

هذه خطة شاملة ومفصلة حظيت بدعم معظم الدول العربية، وتُسمى “غزة 2030”. تقع في 106 صفحات، تتضمن مخططات هندسية ومحاكاة وخططًا تنموية. بخلاف الخطط الأخرى التي تُقدّر مدة إعادة الإعمار بعقد من الزمن، يضع النهج المصري هدفًا أكثر تفاؤلاً بكثير، ألا وهو خمس سنوات فقط من إعادة الإعمار بحلول عام 2030.

تتكون الخطة المصرية من ثلاث مراحل: مرحلة طوارئ قصيرة للإنعاش مدتها ستة أشهر، تُقدّر تكلفتها بحوالي ثلاثة مليارات دولار، تليها مرحلتان رئيسيتان لإعادة الإعمار – الأولى تستمر حوالي عامين، وتُقدّر تكلفتها بحوالي 20 مليار دولار، والثانية تستمر حوالي عامين ونصف، وتُقدّر تكلفتها بحوالي 30 مليار دولار. وبذلك، تُقدّر تكلفة الخطة بأكملها بحوالي 53 مليار دولار.

كجزء من الخطة، سيتم إزالة الأنقاض وبناء حوالي 400 ألف وحدة سكنية دائمة، مع تخصيص ربع مساحة القطاع للإسكان. وسيصاحب ذلك تطوير شامل للكهرباء والمياه والطرق والبنية التحتية الصحية، وإعادة تأهيل المناطق الزراعية، وإنشاء منطقة صناعية وميناء بحري، وحتى مطار جديد. 

من أبرز عناصر الخطة المصرية استخدام الأنقاض الهائلة التي خلّفتها الحرب لإنشاء أراضٍ جديدة وإنشاء ميناء بحري. ووفقًا للخطة، سيتم إعادة تدوير جزء كبير من حوالي 50 مليون طن من مخلفات البناء المتراكمة في جميع أنحاء القطاع عن طريق تجفيف أجزاء من البحر وإنشاء مساحة أرضية جديدة تبلغ مساحتها حوالي 14 كيلومترًا مربعًا (أي ما يقرب من 2 في المئة من مساحة القطاع). ومن المتوقع أن يستمر العمل ما بين عامين وثلاثة أعوام من خلال مزيج من مواد الردم من أنقاض غزة وحوالي 200 مليون متر مكعب من الرمال المستوردة من الخارج، وخاصة من الساحل المصري المجاور. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تشييد جدران واقية بحرية مصنوعة من الحجر والخرسانة، مصدرها مصر. وبعيدًا عن الجانب الهندسي، تُعد هذه الخطوة رمزية أيضًا – تحويل الدمار والأنقاض إلى مواد بناء لبنية تحتية جديدة، ستكون بمثابة أساس للتنمية الاقتصادية وإعادة ربط غزة بالبحر والعالم. 

وفقًا للمخطط المصري، الذي قدمه مكتب الرئيس السيسي ووزارة الخارجية في القاهرة، ستُدار المشروع من قِبل إدارة فلسطينية مؤقتة، بدعم من السلطة الفلسطينية وإشراف دولي. ويُعدّ هذا جزءًا من محاولة مصرية لتقديم رؤية إقليمية جديدة، ترى في غزة محركًا اقتصاديًا وسياسيًا يُمكن، في حال تطبيقه، أن يُغير موازين القوى في الشرق الأوسط.

ليس مجرد عقار

ثمة خطة أخرى لإعادة إعمار غزة، وهي الخطة الفرنسية، التي نُشرت في فبراير الماضي بعنوان “تخيل غزة – بناء السلام”. وتُقدم هذه الخطة رؤية شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة خلال العقد المقبل، مع التركيز في المقام الأول على احتياجات السكان أنفسهم. ويقف وراء هذه المبادرة عوفر برونشتاين، وهو فرنسي إسرائيلي يشغل منصب مستشار الرئيس إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو أيضًا من قاد صياغة الخطة.

في حديث معنا، أوضح برونشتاين أن هذه خطة إطارية، وهي بمثابة خارطة طريق أولية، تهدف إلى تحديد المسار. يقول: “في هذه المرحلة، كل شيء مكتوب بعبارات عامة، على المستوى الكلي. حالما تبدأ بعض الأمور في التبلور، سينخرط المختصون، إلى جانب الشركاء الآخرين، في صميم العمل”.

تتضمن الخطة الفرنسية، من بين أمور أخرى، إنشاء هيئة دولية لإعادة الإعمار، تعمل جنبًا إلى جنب مع سلطة مدنية فلسطينية مؤقتة، وتُدار بشفافية تامة تحت إشراف الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والدول العربية المعتدلة. تركز الخطة على إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية بسرعة – المياه والكهرباء والصحة والنقل – إلى جانب إنشاء ميناء بحري ومنطقة اقتصادية خاصة لجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل. وتؤكد الخطة على إعادة توجيه موارد الأمن الإقليمي نحو الاستثمار في السلام، واستعادة الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واعتبار غزة نموذجًا للتنمية المشتركة وأساسًا لتسوية سياسية مستقبلية بين الشعبين.

ما الذي يميز الخطة الفرنسية عن غيرها من الخطط المنشورة لإعادة إعمار غزة؟

“هناك اختلافات كثيرة، ويسعدني أن الخطط المصرية والأمريكية تأثرت ببعض الأفكار التي طرحناها. يكمن الاختلاف الرئيسي في أن خطتنا تضع الشعب الفلسطيني في مركز الاهتمام. لا ننظر إلى إعادة إعمار غزة كمشروع عقاري، بل كعملية اجتماعية واقتصادية مصممة لتلبية الاحتياجات الحقيقية للمواطنين: فرص العمل، والمواصلات، والبنية التحتية، والإسكان. التخطيط الحديث والمتطور مطلوب في كل مجال – ليس فقط لتلبية احتياجات الحاضر، بل للعقود القادمة. إذا كنتم عازمون على إعادة الإعمار، فعليكم القيام بذلك على أكمل وجه. هناك فرصة نادرة هنا، ليس فقط لإعادة تأهيل غزة، بل لإعادة بنائها، لمنح الأمل لمليوني غزي يخرجون الآن من كابوس.”

تُقدر تكلفة إعادة تأهيل قطاع غزة، وفقًا لخطتكم، بأكثر من 50 مليار دولار. من أين ستأتي الأموال؟

ستأتي معظم مصادر التمويل من صندوق دولي فريد، من دول الخليج العربية، ومن الدول الأوروبية، والولايات المتحدة. وفي هذا المجال أيضًا، نقترح نهجًا جديدًا ومبتكرًا تمامًا – لا مزيد من البحث عن تبرعات من الدول والهيئات الدولية، بل بناء اقتصاد مستقل يُمكّن الفلسطينيين من تمويل إعادة الإعمار بأنفسهم. إحدى طرق تحقيق ذلك هي تطوير احتياطيات الغاز المحتملة قبالة سواحل غزة، والتي قد تُدرّ عليهم دخلًا يُقارب 10 مليارات دولار سنويًا.

الآن وبعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، يجب تحويل الخطط على الورق إلى واقع ملموس. كيف نبدأ؟

نحن الآن في المرحلة الأولى – إدخال المساعدات الإنسانية. وفي الوقت نفسه، ووفقًا للاتفاقيات، يجب نزع سلاح حماس، ويجب ضمان عدم تحملها مسؤولية إدارة القطاع مستقبلًا. وستتولى قوة دولية، بإشراف دول عربية، إدارة غزة خلال الفترة الانتقالية. بعد ذلك، يجب توفير مساكن مؤقتة، إذ من المتوقع أن يستمر مشروع إعادة الإعمار الذي نتحدث عنه ما بين خمس وعشر سنوات. وفي المرحلة النهائية، سنبني مستقبل القطاع – البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والمساكن الجديدة – كجزء من مفهوم واسع لاقتصاد حديث ونمط حياة معاصر.

جائزة المهندسين المعماريين والفنانين

كما تتناول الخطة الفرنسية بشكل موسع الجوانب التخطيطية والمعمارية لإعادة إعمار غزة، وتقترح إعادة بناء القطاع وفقًا لمبادئ الاستدامة والمجتمع والتصميم الحضري المتقدم. وإلى جانب إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، تشمل الخطة تخطيط ما يقرب من 120,000 وحدة سكنية صديقة للبيئة، تُبنى من مواد محلية منخفضة البصمة الكربونية، مع أنظمة طاقة شمسية وأنظمة تجميع مياه الأمطار. ستُبنى الأحياء الجديدة كأنظمة متكاملة تضم مدارس وعيادات وأسواقًا ومساحات عامة خضراء – وهو مفهوم لمدينة حية وفاعلة بدلًا من مخيم تأهيل مؤقت. إلى جانب الجانب المادي، تُركز الخطة على البعد الثقافي، وتتضمن مبادرات مثل إنشاء معهد أوروبي عربي للعمارة المستدامة وجوائز للمهندسين المعماريين، وللفنانين العاملين من أجل إعادة الإعمار والسلام – مع إدراك أن التخطيط بحد ذاته جزء من عملية المصالحة وإعادة بناء المجتمع.

ستكون إعادة إعمار قطاع غزة اختبارًا للإرادة والجهود الإقليمية والدولية، والتي لا يقتصر هدفها على ترميم الدمار المادي، بل إعادة بناء نسيج من الحياة والأمل والعقل السليم. وراء الخرائط والتصورات والوثائق يكمن فهم بسيط ولكنه بعيد المنال – إعادة الإعمار ليست مسألة هندسية فحسب، بل هي أيضًا مسألة سياسية وأخلاقية وإنسانية. هذه عملية تتطلب تعاونًا نادرًا، وثقة بين الخصوم، وشجاعة للتفكير بشكل مختلف في المستقبل المشترك للمنطقة. السؤال الكبير هو من سينجح في تحويل الخطط على الورق إلى واقع، وهل يمكن لقطاع غزة أن ينشأ من بين أنقاض الحرب قطاع غزة مختلف، ويمثل بداية جديدة للشعبين اللذين يعيشان جنباً إلى جنب.

——————————————

هآرتس 23/10/2025

الان يتحدثون عن دولة فلسطينية، شكرا للرئيس ماكرون

بقلم: ديمتري شومسكي

بصعوبة مر اسبوع منذ خطاب ترامب في الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، الذي فيه وقف بشدة الى جانب بنيامين نتنياهو ضد الموجة العالمية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحتى اطلاق خطة انهاء الحرب في غزة، التي البند الاخير فيها هو بمثابة السطر الاخير في الخطة، يتحدث عن الاعتراف بدولة كما يطمح الشعب الفلسطيني.

في الواقع هناك فجوة كبيرة جدا بين ذكر غامض وغير ملزم للحلم الفلسطيني باستقلال في خطة ترامب، وبين الاعتراف بالدولة الفلسطينية “هنا والان” من قبل دول اوروبية بارزة في الفترة الاخيرة. ولكن لا شك ان هناك فجوة كبيرة تفصل بين الخوف البيبي وبين الخوف شبه البيبي من مفهوم الدولة الفلسطينية، الذي ميز ترامب في الجمعية العمومية (وحتى قبل ذلك)، والايمان بامكانية تطبيق – حتى لو في المستقبل البعيد – “مسار موثوق لتقرير مصير فلسطيني ودولة”. كيف يمكن تفسير تقلب المواقف هذا، ولا نقول تحول حقيقي، في رؤية ترامب؟.

قبل محاولة تحديد الاسباب المحتملة لهذا التحول، يجب الانتباه الى نقطتين مهمتين، من اجل فهم خلفية التنفيذ الناجح للاتفاق بين اسرائيل وحماس على اساس خطة ترامب، الاولى واضحة، والثانية تقريبا خفية عن العين. 

اولا، من الواضح للجميع، وتقريبا مفهوم ضمنا، ان العامل الحاسم الذي جعل حماس تقبل بأسس الخطة هو الضغط غير المسبوق من حيث قوته، الذي استخدمته دول الوساطة، لا سيما قطر، واللاعبة الجديدة تركيا، التي توجد لها علاقات قريبة وعميقة مع هذه المنظمة الارهابية الفلسطينية. 

ثانيا، بشكل عميق ومخفي اكثر، يصعب تخيل مثل هذا الاحتشاد القوي والفعال لدول المنطقة من اجل محاصرة حماس واجبارها على قبول الاتفاق، لو لم تشمل الخطة افق مستقبلي، مهما ظهر بعيد وخافت، للدولة الفلسطينية. في الواقع معظم دول الشرق الاوسط “المتوحش، بما في ذلك قطر وتركيا، تعتبر ان انهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين هي الشروط الاساسية للسلام والاستقرار التي طال انتظارها في المنطقة. 

هكذا فان مجرد ادراج هذا الاتجاه في خطة ترامب، لا سيما بعد ان تشبث الرئيس الامريكي لاشهر بالفكرة البغيضة التي تتمثل باقامة ريفيير في غزة، مع الهجرة الطوعية لسكان غزة، يكفي لاثارة موجة حماس بين زعماء المنطقة، الامر الذي ترجم في نهاية المطاف الى فرض حصار دبلوماسي عربي – تركي حاسم على قيادة حماس. 

لذلك، لم يكن اتفاق الدفاع بين امريكا وقطر، أو احتمالية نقل طائرات اف 35 لتركيا، هي وحدها التي شجعت هاتين الدولتين على مطالبة حماس بالتوقيع على الاتفاق بشكل حازم وبدون هوادة، بل ايضا تراجع ترامب عن وهم الريفييرا، نحو افكار عقلانية حول التسوية الواقعية الوحيدة بين اسرائيل والفلسطينيين. هنا يجب السؤال: من الذي دفع ترامب الى ان يسلك طريق العقلانية السياسية؟.

لا شك ان ترامب رغم العداء العلني والعنيد الذي اظهره دائما منذ انتخابه لدول حلف شمال الاطلسي، واجه صعوبة في تجاهل التسونامي السياسي الذي يتمثل بالاعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية. وهذا يظهر بوضوح في ان من قاد هذه الخطوة هو الرئيس الفرنسي عمانويل ميكرون، وهو الزعيم الاوروبي الوحيد الذي يكن له ترامب احترام علني. 

ترامب اثبت بوضوح أنه رغم نرجسيته المرضية، الا أنه يعرف ايضا كيف يستمع، وقد شاهدنا ذلك اثناء محادثاته مع عائلات المخطوفين. لذلك، ليس من الغريب، رغم معارضته المبدئية والحازمة للنقاش حول الدولة الفلسطينية، صم اذنه في نهاية المطاف امام اقوال رئيس دولة يحترمه، واستمع اليه على الاقل بدرجة معينة. وحقيقة ان ميكرون عشية وصوله الى قمة شرم الشيخ من اجل انهاء الحرب، التي نظمها وادارها ترامب، واكد على دعم فرنسا لاقامة الدولة الفلسطينية، تشير بوضوح الى التغيير الذي يمر فيه ترامب نفسه في هذه القضية، ربما ليس بدون صلة بتاثير صديقه الفرنسي عليه. 

التنديد والهجوم والتحفظ انهال على ميكرون في اسرائيل بسبب حملته للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي سوقها، حتى أن بعض اليساريين تساءلوا حول ما ستؤدي اليه هذه التصريحات، التي لا يوجد لها افق عملي في المستقبل المنظور. ولكنهم كانوا مخطئين. فمجرد الحديث عن دولة فلسطينية، التي قد تنقذ اقامتها الى جانب اسرائيل الكثير من الارواح في المستقبل، يبين انه كان له دور منقذ للحياة في الوقت الحاضر. في الواقع، بفضل ميكرون، تسرب هذا الخطاب الى خطة ترامب، ومن خلالها عزز التسونامي العربي – التركي الذي جرف بقايا معارضة حماس للاتفاق، الامر الذي ساهم بشكل كبير في اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين.

لذلك، الى جانب الامتنان للرئيس ترامب، من الافضل للاسرائيليين اخذ فترة راحة وتقديم الشكر لرئيس آخر. شكرا لك، ايها الرئيس ميكرون

——————————————-

هآرتس 23/10/2025

لماذا الليكود قوي في الاستطلاعات؟ بسبب الوظائف للمقربين

بقلم: اوري مسغاف

الاسرائيليون المنطقيون والعقلانيون الذين يؤمنون بالثواب والجزاء يجدون صعوبة في معرفة لماذا منذ المذبحة في 7 اكتوبر الليكود في وضع مستقر في الاستطلاعات لانتخابات الكنيست. ومؤخرا حتى تعزز وضعه. في نهاية المطاف يدور الحديث عن الحزب الحاكم الذي تسبب لاسرائيل بهزيمة ودمار غير مسبوقين، وممثلوه في الحكومة وفي الكنيست هم مجموعة من الفاشلين والفاسدين. الامر يحتاج الى تفسير القدرية التضحوية على صيغة هذا ما نستحقه. 

كسب الرزق: خلال حكم نتنياهو بنيت شبكة هائلة من المكافأة الاقتصادية للمخلصين له. تعيينات ووظائف في جهاز الدولة وفي القطاع العام، مناقصات وصفقات بدون عطاءات ودعم وتسهيلات. مئات آلاف دور المسنين في اسرائيل تستفيد بشكل مباشر من طنجرة اللحم لحكم الليكود. المصلحة العامة ومصلحة الدولة لا تهمهم مثل الحساب في البنك. 

الكراهية: الصمغ الاكثر تجميع، كما اعترف نتان ايشل، هو مادة في يد المنتج الموجود لدى نتنياهو، وفي يده هو نفسه، ومشروعه المهم جدا وهو كراهية “اليساريين” رغم ان الليكود لم يطبق في أي يوم وبحق سياسة “يمينية”، كراهية “الاشكناز” رغم ان معظم كبار اعضاء الليكود هم من الاشكناز، كراهية العلمانيين والليبراليين “الذين نسوا ماذا يعني أن تكون يهوديا”. رغم ان معظم كبار قادة الليكود ليسوا من الذين يحافظون على الوصايا، وقيم اليهودية الاصلية بعيدة عنهم. كراهية المحتجين والمتظاهرين (الكابلانيين)، وكراهية العرب ومن لا يكره العرب. لذلك، من الضروري ان يكون في المنظومة التي تعارض سلطة الليكود رجال من اليمين مثل ليبرمان وهندل، واشخاص يعتمرون القبعة مثل بينيت وتروفر، ولا يوجد سبب للقلق من ذلك. 

الديمغرافيا: الليكود، وجانبه “قوة يهودية”، يستفيد من المخزون الضخم للمصوتين من الحريديم والحريديم السابقين. القليل منهم ينتقلون الى دعم احزاب الوسط واليسار حتى بعد ترك نمط الحياة الحريدية. فقط هكذا يمكن تفسير حقيقة ان شاس ويهدوت هتوراة تعلقان منذ سنوات عند 8 – 9 مقاعد، التي لا تزيد رغم الولادات المتزايدة. 

الوقت: الليكود وكل الائتلاف كانوا قد انتهوا بعد 7 اكتوبر. هم عرفوا ان هذا يسجل ضدهم وان وقتهم انتهى. نتنياهو لم يكن قادر على اداء العمل في الـ 72 ساعة الاولى. سموتريتش اعلن بذكاء ان “الجمهور سيعطينا ثلاثة ايام”. في اليوم الرابع غانتس الخاسر وايزنكوت الساذج وساعر الانتهازي، قاموا بتقديم التنفس الصناعي للحكومة عن طريق الفم. هذه هي الجريمة الكبرى في تاريخ السياسة الاسرائيلية. هم كان يمكنهم ربط انضمامهم بتحديد موعد الانتخابات، أو على الاقل ابعاد سموتريتش وبن غفير عن الائتلاف كما طلب لبيد، وتم رفض طلبه. بعد سنتين تاثير الصدمة تآكل. آلة الدعاية والمحو والتحريض عادت للعمل بقوة. المعسكرات تتجمع في نقطة البداية، هكذا هي الطبيعة.

المعارضة: احيانا هي موجودة، ويوجد فيها ايضا اشخاص جديرين واصوات قوية. ولكنها منقسمة ومشتتة، وفي الاساس تجد صعوبة في التوحد حول معارضة فكرية جوهرية لحكومة الدمار. ليبرمان يدفع بشكل عام لفرض السيادة وهجوم آخر في ايران. بينيت ينشغل بفشل الدعاية. ايزنكوت يحلق في الفضاء مع حزب موضوع على الرف في الوقت الحالي. غانتس محرج. لبيد يتمسك بالصفة الرسمية ويقول طوال الوقت الاقوال الصحيحة، لكنه يجد صعوبة في تجنيد نضال المعارضة. غولان ينجح في ذلك اكثر، لكنه لا يمكنه اخذ اصوات من الليكود. الحد الادنى المطلوب هو توحيد القوة في الوسط وفي اليمين العقلاني. 

وسائل الاعلام: سطحية في معظمها، خائفة وتسعى الى ارضاء الجمهور، شعبوية ومنحازة لاجندة الائتلاف، تخصص وقت اطول على الهواء وعلى الشاشات لاعضائه ورسائله، مدمنة على نتنياهو وتتغذى من عناوين الاخبار والتلفيقات، تخرج الاحزاب العربية من اللعبة من اللحظة التي بدأ فيها تصنيفها بشكل منفصل وليس كجزء من المعارضة. 

الهجرة: منذ اداء الحكومة لليمين غادرت على الاقل ثلاثة مقاعد من الناخبين الليبراليين الذين يحبون الحياة، والآن هم غائبون.

 ——————————————

هآرتس 23/10/2025

تنكيل بالأسرى الفسطينيين. اردنا سادية وحصلنا عليها

بقلم: جدعون ليفي

عند عودة المخطوفين تم كشف الحقيقة التي كانت معروفة للجميع: سلوك اسرائيل الاجرامي تجاه المعتقلين الفلسطينيين زاد خطورة وضع المخطوفين الاسرائيليين. الآن الناس غاضبون: لقد كان ثمن للشر. نداف ايال كتب امس في “يديعوت احرونوت” ان الشباك حذر في نهاية 2024 من ان تصريحات وزير الامن الوطني تتسبب بازدياد التنكيل بالمخطوفين – لكن لم يهتم أي أحد بذلك. كلما تفاخر بن غفير بشره وكتب، والمراسل يوسي ايلي سخر في تحقيقاته السادية في القناة 13 مما يحدث في السجون الاسرائيلية، فان الانتقام وصل الى الانفاق.

فجأة لم يعد من المريح الاعتراف بالظلم الاسرائيلي. ولكن لماذا كان من الضروري الانتقام من الخاطفين الفلسطينيين كي نصاب بالصدمة من وحشية الخاطفين الاسرائيليين؟ ما حدث (وما زال يحدث) في معسكر سديه تيمان سيسجل الى الأبد كمأساة عالمية، حتى بدون معاناة الرهائن الفظيعة نتيجة ذلك. مؤسف أن يكون من الضروري الصدمة من معاملة اسرائيل لمعتقليها، بما في ذلك في العناوين الرئيسية في “يديعوت احرونوت”، وهي الصحيفة التي لم تكن حتى أمس تهتم بما تفعله اسرائيل.

صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت في هذا الاسبوع بانه على الاقل 135 جثة ممزقة ومقطعة الاعضاء تمت اعادتها الى غزة. الى جانب كل جثة ممزقة وجدت تسجيلات اظهرت انه تم احتجازها في سديه تيمان. في صور كثيرة ظهرت الايدي مكبلة وراء الظهر، وعلامات التعذيب شوهدت على عدد كبير منها، بما في ذلك علامات على الاعدام خنقا والدهس بواسطة الدبابات ووسائل اخرى. من غير الواضح كم شخص قتل في المعتقل. سديه تيمان هو ايضا مكان لتجميع جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في اماكن اخرى. 

ربما ان تقرير نادي الاسير الفلسطيني، الذي اظهر أن 80 فلسطيني قتلوا في السجن، قلص العدد حتى. “الغارديان” شاهدت صور بعض الجثث، وأكدت على علامات البتر والتنكيل وقالت انه لا يمكن نشرها بسبب وضعها. جثة محمود شبات ابن 34 سنة شوهدت عليها علامات التعليق، اقدامه كانت مهشمة بدهس دبابة ويديه مكبلة وراء ظهره. “أين العالم”، سألت والدته.

وضع المحررين الفلسطينيين الاحياء ليس افضل بكثير. كثيرون وجدوا صعوبة في الوقوف اثناء اطلاق سراحهم، وهو الحدث الذي تقريبا لم تتم تغطيته في وسائل الاعلام الاسرائيلية. مدير مستشفى العودة في جباليا، الدكتور محمد مهنا الذي تم اختطافه من المستشفى في كانون الاول 2023، وتم اطلاق سراحه اثناء وقف اطلاق النار، قال في هذا الاسبوع بأنه تم نقله من مكان الى مكان، بما في ذلك مكان اطلق عليه اسم “الكلبة”، الذي هو حسب قوله بيت كلاب، حيث هناك نكل الجنود به بواسطة الكلاب الضخمة. مظهر الدكتور النحيف لم يبق أي مكان للشك حول ظروف أسره. يوجد لدى اسرائيل 19 طبيب آخر من غزة يتم احتجازهم في ظروف مشابهة. 

يجب التذكير بادولف آيخمان وظروف اعتقاله. لا أحد مسه بسوء، حتى اعدامه بتعليمات من المحكمة. اسرائيل تفاخرت في حينه بظروف اعتقاله. الآن الحكومة تتفاخر بالسادية والتنكيل والتعذيب. هي تفعل ذلك لانها تعرف نفسية مواطنيها. القسم الاكبر من الاسرائيليين متعطشون للانتقام، وهم يريدون هذا التنكيل.

باستثناء منظمات مثل “اطباء من اجل حقوق الانسان” و”بتسيلم” و”اللجنة ضد التعذيب”، لا احد تقريبا هب للوقوف ضد التنكيل. مسموح لنا بالطبع فعل أي شيء لـ “النخبة”، التي تعريفها واسع ويشمل كل من تجرأ على الدخول الى اسرائيل في ذلك اليوم. بن كسبيت، النقيض المزيف ليانون ميغل، قال في هذا الاسبوع ان كل اعضاء النخبة يجب اعدامهم. يبدو أن الشباك ومصلحة السجون والجيش بدأوا في هذه المهمة في شهر آذار.

الخلل الوحيد الذي سجل هو الضرر للمخطوفين. يمكن ان نغفر كل ما تبقى. وفي حالات كثيرة حتى سنتحمس لذلك ونقدره. نحن اردنا سادية وحصلنا عليها.

——————————————

هآرتس 23/10/2025

اليهودية الاسرائيلية الجديدة … عنيفة، قومية، متعالية ومتغطرسة

بقلم: يوسي كلاين 

الوحدة هي النصر المطلق الجديد. حسب نتنياهو، نحن على بعد خطوة منها. عندما لا يكون هناك أي شيء آخر فنحن نذهب على الشعارات. حيث انه ما الذي نقصده بالوحدة؟ خلف من سينتوحد؟ الامر واضح: خلف الحكومة، خلف نتنياهو. لماذا؟ لان هذا ليس وقت التغيير، ونحن ننتظر الانتخابات والخ. 

لم تكن وحدة في بداية الحرب، بل كان تضامن. التضامن هو مفهوم خطير. هو ينمو من اسفل ولا يتم املاءه من اعلى. لقد خلقه عجز الحكومة. التضامن هو “اخوة السلاح”، ميدان المخطوفين والمظاهرات في كابلان. التضامن هو افعال والوحدة اقوال. التضامن لليساريين والوحدة “للقوميين”. عندما مرت صفارة الانذار الاخيرة انتهت ايضا الوحدة المزيفة. 

في 8 تشرين الاول كان هناك تقسيم بين من اراد الثأر وبين من اراد انهاء الحرب. الآن انتهت مقولة “جميعنا اخوة”، وعدنا لنكون كابلانيين وبيبيين. الان نحن نتذكر ما اردنا ان ننساه: لا توجد لنا قيم مشتركة، هدف مشترك ومستقبل مشترك، فقط ماضي. الوحدة لن تكون. يجب علينا تعلم كيفية التعايش مع ذلك. 

ليس دائما الامور هكذا. المناخ في دولة مهاجرين يتغير في موازاة هويتهم. اسرائيل 2025 لا تشبه اسرائيل 1948. التجانس في حينه لم يسمى “وحدة” لانها كانت جزء لا يتجزأ من تركيبة السكان. وعندما تغيرت هذه التركيبة حاولت الدولة ايجاد عامل مشترك. هذا لم ينجح. توجد فجوة طائفية، دينية وثقافية، منعت التواصل.

عندما لا ينجح التواصل الثقافي نحن نذهب الى السياسي. اسرائيل تم اعلانها كدولة “يهودية وديمقراطية”. هراء آخر. تناقض لفظي. في اللحظة التي بدأنا نفحص فيها ما هو “الديمقراطي” في الدولة وما هو “اليهودي” عرفنا ان هذا الربط غير ممكن. في الحقيقة الانقلاب النظامي قضى على “ديمقراطية” والمستوطنون والحريديم قضوا على “يهودية”. لقد وجدت لدينا يهودية جديدة، “اليهودية الاسرائيلية”، التي هي عنيفة، قومية، مغرورة ومتغطرسة. ليس اليهودية المتسامحة والحكيمة التي عرفناها.

لقد استغلت قوتها العددية واصبحت عامل سياسي. هذه هي يهودية درعي وغفني وسموتريتش، وايضا يهودية نتنياهو وريغف وكاتس. هذه حركة سياسية. حدودها الفكرية تمتد من كهانية بن غفير وحتى غباء فاتوي. يوجد فيها جناح توراتي وجناح قومي متطرف وجناح المضطهدين. لم تكن هناك أي خدعة قذرة لم تستخدمها ولم تكن أي مكيدة خبيثة لم تسلكها. لقد سيطرت على الحكومة وفرضت نفسها ايضا على من كرهها. هذه هي “اليهودية” المكروهة في “دولة يهودية وديمقراطية”.

من “الديمقراطية” بقي فقط “الاغلبية هي التي تقرر”. والاغلبية قررت انها بالذات تتماهى مع القوة والقومية المتطرفة. هذه اليهودية بعيدة عني، هي قريبة اكثر من ايران. الشبه بين اسرائيل وايران يثير القشعريرة. ايضا ايران يديرها متدينون عنيفون وقوميون متطرفون ومتغطرسون. هم ايضا يعولون على السلاح النووي، ويهددون باستخدامه ضد عدو حقيقي أو وهمي. هم ايضا يقمعون حقوق الفرد. ولا يوجد ما نتحدث به عن المساواة امام القانون. لو استبدلنا في مشروع قانون غاليت ديتسل اتبريان “الحاجة الى تجسيد الهوية اليهودية في الفضاء العام” كلمة “يهودية” بـ “ايرانية – اسلامية” لما شعرتم بالفرق. ايضا في ايران يطالبون بـ “الوحدة”.

المطالبة بـ “الوحدة” تميز الديكتاتوريات. شعب واحد، حزب واحد وزعيم واحد. الحروب محببة على الحكومات الديكتاتورية، لانه دائما “هذا ليس الوقت الصحيح” لاستبدالها. دائما سيكون للحكومة حرب جاهزة واثنتان على الرف. اليهودية الاسرائيلية ستضمن لها حرب خالدة في المناطق.

بعد الجنازة الاخيرة سنعود الى الحرب الحقيقية، الحرب على السلطة، نحن سنحارب من اجل القيم، والسياسيون سيحاربون من اجل الملذات. الحرب على الاجور، الوظائف والترف – كل ذلك بكلمات طنانة تحبها وتفهمها القاعدة.

في غضون ذلك، بدون ان نشعر، تم الغاء مبدأ “الثواب والجزاء”. لم يدفع أي احد ثمن موت 45 شخص في كارثة ميرون بسبب الاهمال. هل سيدفع أي أحد ثمن فقدان اكثر من ألفي شخص نتيجة الاهمال في 7 اكتوبر؟.

——————————————

إسرائيل اليوم 23/10/2025  

السعودية والامارات تريان الأفق التجاري

بقلم: داني زاكن 

“الاتصالات بين إسرائيل والسعودية باتجاه التطبيع لم تتوقف ابدا، لكن المسيرة بطيئة وتدريجية”_هذا الاقتباس يعود للدكتورة المختصة بشؤون الشرق الأوسط نيريت اوفير، المحاضرة في جامعة رايخنر.

لعل اوفير تعرف السعوديين على نحو أفضل من كل إسرائيلي آخر. فهي مسؤولة ضمن أمور أخرى عن جلب طواقم إسرائيلية الى “رالي داكار” في السعودية منذ 2021 بلا قليل من الصفقات بين شركات إسرائيلية وسعودية، وكانت الإسرائيلية الأولى التي حاضرت في مؤتمر علني في السعودية، في أيلول 2023 حين كان يخيل أن التطبيع في مدى التوقيع. 

وها هو قول آخر: في السنة القريبة القادمة، واغلب الظن قبل الانتخابات في إسرائيل، سيبدأ تقدم حقيقي بين إسرائيل والسعودية. ليس مؤكدا انضمام كامل لاتفاقات إبراهيم، لكن ستكون على الأقل خطوة سياسية – اقتصادية ذات معنى. هكذا يقدر – يعد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في حديث مع إسرائيل اليوم إذ يقول: “هذا ليس موضوع رهان، هذه جغرافيا سياسية ومصالح اقتصادية. ما كان ينبغي أن يحصل منذ زمن بعيد سيحصل قريبا”.

تحقيق رؤيا ابن سلمان

ما هي المصلحة السعودية في هذا الشأن؟ تحقيق رؤيا السعودية 2030 لمحمد بن سلمان ولي العهد تتضمن علاقات تجارية، تكنولوجية وأمنية مع إسرائيل. تتضمن تنمية وتقدم تكنولوجي تشكل إسرائيل فيهما منذ الان جزءاً في مجالات مثل حماية السايبر وغيرها. 

لكن اكثر من ذلك يتماثل ابن سلمان جدا مع الصفقة الكبرى لترامب، الخطة الكبرى للشرق الأوسط. هو أيضا يحب مشاريع خيالية مع مبالغ طائلة، ويعتزم الانخراط جيدا في ما يفترض أن يحصل هنا. فالمشروع يعنى بخلق تقصير الطريق التجاري من الشرق، من الهند – الصين الى أوروبا وربما أيضا انابيب نفط وغاز في الطريق الى هناك. 

في الجانب الأمني MBS معني باتفاق حلف دفاع مع الولايات المتحدة وعبرها مع إسرائيل للدفاع عن بلاده من ايران وفروعها، بمن فيهم الحوثيين. 

لقد تجسد الجانب الأمني بالذات بالاتجاه المعاكس، في المساعدة السعودية لإسرائيل في زمن الحرب مع ايران في حزيران. فقد اعترضت مروحيات من الجيش السعودية مُسيرات إيرانية كانت في طريقها الى إسرائيل. هذا بالضبط هو السبب الذي يجعل ايران وفروعها بما فيها حماس تحاول منع العلاقة.

وثيقة لقيادة حماس انكشفت فبينت ان هذا كان أحد الأهداف المعلنة لحماس في الخروج الى مذبحة 7 أكتوبر – عرقلة دخول السعودية الى اتفاقات إبراهيم والتطبيع مع إسرائيل. هذا الهدف تحقق عمليا، طالما كانت في واشنطن إدارة ديمقراطية لم تعرف كيف تتصدى لتعقيدات الوضع والحرب. 

مع دخول متجدد لدونالد ترامب الذي كان عراب اتفاقات إبراهيم، الى البيت الأبيض، عادت هذه الامكانية الى الطاولة لكن الطريق لا يزال طويلا ومعقدا. في الأيام الأخيرة عاد الرئيس الأمريكي ليقول انه سمع من المسؤولين السعوديين استعدادا ورغبة في الانضمام الى اتفاقات إبراهيم. ودرج ترامب على أن يضيف، وعن حق، بان دخول السعوديين سيشق الطريق الى طول عربية وإسلامية أخرى. 

الحرب اعاقت المسيرة

في اثناء العام 2023 جرت اتصالات مباشرة بين السعودية وإسرائيل بما فيها أيضا محادثات بين رئيس الوزراء نتنياهو وولي العهد محمد بن سلمان. في أيلول وصلت الاتصالات الى شبه إنضاج، وخطاب نتنياهو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي تحدث فيه عن رؤيا الشرق الأوسط المتطور وباني التحالفات بث لأول مرة في التلفزيون السعودي.

لقد عرقلت الحرب المسيرة، لكن تحت السطح كانت ولا تزال تجرى اتصالات على عدة مستويات. السعوديون من جهة اعربوا عن صدمتهم من المذبحة لكن وفقا للمزاج في المجتمع العربي الشرق اوسطي، تطرفت السعودية في خطابها تجاه إسرائيل في اثناء الحرب وشددت مطالبتها بمسيرة سياسية. تستجيب خطة ترامب لذلك وتزيل العائق في وجه التقدم في هذا الاتجاه. 

“دولة اتحاد الامارات هي الصديقة العربية الحقيقية لإسرائيل، وقد اثبتت هذا في أصعب الأوقات، في زمن الحرب”، قال لنا موظف إسرائيلي كبير مطلع على العلاقة مع الدولة الخليجية منذ سنوات طويلة. ويذكر بان الشركات الدولية الوحيدة التي واصلت الطيران الى إسرائيل كانت الإماراتية، والتنديد الأشد للامارات لمذبحة 7 أكتوبر وحماس بعامة. 

في الامارات، الى جانب السعودية يتخذون خطا متشددا ضد حماس، يعتقد أنه طالما كانت هذه في المحيط فلا يمكن إعادة اعمار غزة. والى جانب هذا فانهما تمولان مساعدات كثيرة للغزيين منذ بداية الحرب. واستغل الاماراتيون العلاقات الطيبة في إسرائيل لادخال مساعدات الى مخيمات النازحين وإقامة عيادات ومستشفيات ميدانية. 

الان هم الدولة المسيطرة في عملية إقامة المجالات الإنسانية في المناطق التي تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك إقامة مباني عيادات، مدارس وشبكات كهرباء ماء ومجاري. هم الذين بادروا ومولوا إقامة أنبوب المياه من الجانب المصري الى سكان جنوب القطاع.

إمكانية تجارية كامنة هائلة

مثل السعودية، هم أيضا يرون الأفق التجاري الواعد الذي في الشرق الأوسط الهاديء والمتعافي من الحروب، الامكانية التجارية الكامنة الهائلة لموانئهم في الطريق من الشرق الى أوروبا والفضائل الهائلة التي في التعاون مع إسرائيل. هكذا مثلا بورصة الماس في دبي، التي أقيمت قبل 20 سنة وأصبحت بمساعدة إسرائيلية الأكبر في العالم.

البعد الأمني حيال الخطر الإيراني والحوثي هام هو الاخر. فنهاية الحرب ستؤدي الى توسيع حقيقي في صفقات السلاح والتكنولوجيا العسكرية مع إسرائيل. جانب هام تشارك فيه الدولتان هو مسيرة إزالة التطرف لدى الفلسطينيين. في الدولتين جرت مسيرة كهذه في جهاز التعليم، في وسائل الاعلام وفي الخطاب الثقافي والسياسي. مناهج التعليم في كلتيهما تستخدم منذ الان في المدارس المؤقتة في القطاع على الأقل في المناطق التي تحت سيطرة إسرائيل.

——————————————-

يديعوت احرونوت 23/10/2025

فرحة سابقة لاوانها

بقلم: يوفال  كارني 

كان فرح أعضاء الائتلاف والمعارضة (كلٌّ لأسبابه الخاصة) بالموافقة على قوانين السيادة سابقًا لأوانه. ولأن السياسيين ليسوا ساذجين، فهم يدركون أيضًا أن السيادة ليست في الأفق. ليست جزئية، كما اقترح ليبرمان بالنسبة لمعاليه أدوميم (أو غور الأردن)، وبالتأكيد ليست سيادة شاملة على كامل يهودا والسامرة، كما اقترح عضو الكنيست آفي ماعوز من أقصى اليمين.

أولًا، هذه قراءة تمهيدية، والطريق إلى الموافقة على القانون في القراءتين الثانية والثالثة طويل جدًا. يمكن للائتلاف بسهولة أن ينسف تقدم القانون ويضع عقبة أمام العملية التشريعية. ولكن الأهم من ذلك، لن تكون هناك سيادة لسبب رئيسي واحد: لن يوافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خطوة لتطبيق السيادة أمام العالم أجمع وعلى عكس موقف الإدارة الأمريكية.

بالأمس، تذوق نتنياهو عصيدة السيادة التي أعدها لناخبي اليمين في كل حملة إعادة انتخاب. لقد أحرجوه، لأنهم يعلمون أنه يُضحك عليهم. أتذكر جيدًا المؤتمر الصحفي “الدراماتيكي” عشية انتخابات 2019 عندما أعلن: “سأضم غور الأردن وشمال البحر الميت”. وعدٌ بقي حبرًا على ورق.

فماذا كان لدينا بالأمس؟ تحالف غير رسمي بين قطاعات واسعة من الائتلاف وأعضاء المعارضة، يهدف إلى إحراج رئيس الوزراء خلال زيارة دبلوماسية مهمة لنائب الرئيس الأمريكي جيه. دي. فانس. قدّم ليبرمان مشروع القانون لمحاصرة نتنياهو من اليمين وإثبات أن الكلمة عنده كلمة. أيّد أعضاء الائتلاف مشروع قانون ليبرمان وماعوز كتعبير عن عدم الثقة برئيس الوزراء نتنياهو في كل ما يتعلق بالضم وتطبيق السيادة. لم يعودوا يثقون بوعود نتنياهو بالسيادة في كل مرة، وخاصة عشية الانتخابات.

كان إعلان الليكود أمس عن دعم المعارضة لقوانين السيادة مثيرًا للسخرية بشكل خاص: “محاولة أخرى من المعارضة للإساءة إلى علاقاتنا مع الولايات المتحدة وإنجازات إسرائيل العظيمة في الحرب”. معذرةً، هل تقع المسؤولية على عاتق المعارضة؟ نتنياهو لا يسيطر على ائتلافه وشركائه من اليمين المتطرف، فهل تقع المسؤولية في هذا على المعارضة؟ لا أعتقد أن حتى ناخبي الليكود يصدقون هذا الادعاء. ثانيًا، ادعى الليكود أنهم سيحققون السيادة بالأفعال لا بالأقوال. وقال الليكود: “لن تتحقق السيادة الحقيقية من خلال قانون استعراضي للبروتوكول، بل من خلال العمل الميداني السليم وتهيئة الظروف السياسية المناسبة للاعتراف بسيادتنا، كما حدث في مرتفعات الجولان والقدس”. من الجيد أنهم لم يعودوا إلى عام 1948.

لقد أحل ليفي إشكول السيادة على القدس عام 1967، واتخذ مناحيم بيغن القرار النهائي بشأن السيادة على مرتفعات الجولان العام 1981. مرّ 44 عامًا منذ ذلك الحين. معظمها بقيادة الليكود، ومعظمها في عهد نتنياهو. ولم يفعل شيئًا لفرض السيادة.

يستطيع رئيس الوزراء أن يُروّج لليمين بوعودٍ مرارًا وتكرارًا بتطبيق السيادة، لكنه يعلم أيضًا أن ذلك لن يحدث. إنه يُدرك الأهمية السياسية لمثل هذا القرار المُثير. في حدثٍ عظيم، احتفلت الكنيست بالسيادة أمس، حتى أن بتسلئيل سموتريتش نشر صورةً لنفسه من مقعده في درجة الأعمال على متن رحلة جوية من نيويورك إلى إسرائيل “يُدير إقرار قانون السيادة”. لذا، احتفلت الكنيست بالسيادة لبضع ساعات أمس. وهذا أمرٌ مُلفتٌ أيضًا.

 ——————————————

هآرتس 23/10/2025

إسرائيليون للقضاة الثلاثة: ستكونون شركاء لنتنياهو بتسويفكم محاكمته

بقلم: أسرة التحرير

قبل نحو عام، تقدم نتنياهو للإدلاء بشهادته في محاكمته الجنائية بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، مُعلنًا أنه انتظر “اللحظة التي أستطيع فيها قول الحقيقة” ثماني سنوات بفارغ الصبر. لكن منذ تلك اللحظة، بذل نتنياهو قصارى جهده لتجنب الإدلاء بروايته للتهم المنسوبة إليه. يُطالب مرارًا وتكرارًا بإلغاء أيام الإدلاء بالشهادة أو تقصيرها، وعندما يُدلي بشهادته، غالبًا ما يُجري مشاورات.

 يمر الوقت، ولا تلوح نهاية الإدلاء بالشهادة -ناهيك عن نهاية المحاكمة- في الأفق.

أعذار رئيس الوزراء، الذي ادعى أنه لا يجد صعوبة في إدارة البلاد ومحاكمته الجنائية في آن واحد، كثيرة ومتنوعة. أحيانًا يكون ذلك اجتماعًا دبلوماسيًا متسرعًا، وأحيانًا مسألة أمنية، وأحيانًا أخرى يشعر بأنه ليس على ما يرام. هذا الأسبوع، أُلغيت جلستان كان من المفترض أن يدلي بشهادته فيهما مجددًا.

لا ينبغي أن نتوقع أي سلوك مختلف من نتنياهو؛ يكمن السر في سلوك قضاته الثلاثة – ريفكا فريدمان فيلدمان، وعوديد شاحام، وموشيه برعام. فبدلاً من إدارة أهم محاكمة عُقدت على الإطلاق بفعالية والسعي إلى إنهائها، سمح القضاة لنتنياهو بفعل ما يشاء لمدة خمس سنوات.

إن الضرر الذي لحق بالجمهور الإسرائيلي جراء تأخير محاكمة نتنياهو، التي بدأت قبل وقت طويل من إدلائه بشهادته، هائل. فبينما يعقد القضاة الثلاثة جلسات استماع لمدة ساعة ونصف مرتين أسبوعيًا، ويوافقون على طلبات إلغاء الجلسات بالجملة، تواصل حكومة المتهم الترويج للانقلاب، مما يضر بالنظام القانوني والديمقراطية الإسرائيليين، وذلك نظراً لمحاكمته ورغبته في السيطرة على النظام الذي سيُصدر حكمه. إن سلوك القضاة الثلاثة الخاضع ينتهك أيضاً المبدأ الأساسي المتمثل في مساواة الجميع أمام القانون.

كما يُسهم هذا السلوك في استمرار الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي، المنقسم بين من يقتنعون بفساد نتنياهو ومن اقتنعوا بكذبة أن النظام القضائي فبرك قضايا لنتنياهو لإزاحته عن السلطة. كما أن الطريقة الفاشلة التي أُجريت بها محاكمة رئيس الوزراء تُؤدي إلى تراجع ثقة الجمهور بالنظام القضائي بأكمله. يجب أن تمضي محاكمة نتنياهو قدمًا حتى نهايتها – وليس من خلال عفو أو تسوية متساهلة، مما يسمح لنتنياهو بالتهرب من المسؤولية مرة أخرى. من حق الجمهور الإسرائيلي أن يعرف ما إذا كان نتنياهو مذنبًا أم بريئًا، وما هي الجرائم التي ارتكبها. يواصل نتنياهو التهرب من المسؤولية، ولكن نتوقع سلوكًا مختلفًا من فريدمان-فيلدمان وشاحام وبرعام. من واجبهم تحديد نطاق محاكمة نتنياهو في الوقت المناسب وإنهائها في أسرع وقت ممكن. 

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article